إبحث عن موضوع

قصة أصفهان

-تفتكر يا ابني أيه اقوى، انتقام البشر.. ولا عدل ربنا عزوجل؟
جاوبته على طول ومن غير أي تفكير..
-عدل ربنا عزوجل طبعًا.. احنا كبشر مهما فكرنا ودبرنا، عمرنا ما هنقدر نحقق العدل، احنا ممكن ننتقم انتقام ظالم، إنما رب العباد له العدل المطلق.
رجع ضهره لورا تاني وسرح في السقف.. 
-مظبوط يا ابني، الأنسان مهما عمل، فهو في الأول وفي الأخر قليل الحيلة قصاد قدرة الخالق، بس قبل ما اكمل كلامي واحكيلك، خليني اقولك إننا كبشر مابنقدرش نتحمل حاجات كتير اوي.. زي الفراق، والرغبة في الانتقام، وغيرهم حاجات تانية كتير مابنقدرش نتحكم في نفسنا قصادها، ومن عند الفراق والرغبة في الانتقام بتبدأ الحكاية.. حكاية عبد الجواد وصفاء، او تقدر تقول.. عبد الجواد وأصفهان.
اول ما عم جاد قال كلمة أصفهان دي، بصيتله باستغراب اوي وسألته..
-أصفهان!.. مش دي مدينة في أيران؟!
هز لي راسه وجاوبني.. 

مظبوط.. لكن المقصود في الحدوتة هنا مش المدينة، المقصود حاجة تانية خالص هتعرفها لما احكيلك.. بص يا سيدي؛ عبد الجواد عدوي عبد الجواد، كان وحيد أهله، ماخلفوش غيره، ولو هتقولي ماخلفوش غيره ليه.. فانا هجاوبك واقولك إن امه وهي بتولده ماتت، بعدها ابوه خده وسافر بيه من مصر وراح اشتغل في دولة أجنبية، وهناك بقى جاب لابنه خدامين وناس يراعوه لأنه كان راجل غني.. وتمر سنة ورا سنة لحد ما الراجل سنه كبر وابنه هو كمان كبر معاه، وقتها خده ونزل بيه على مصر ونقل شغله كله فيها من تاني، وده يعني عشان عدوي ابو عبد الجواد.. كان مقتنع إنه لما يكبر ويقرب معاد موته، لازم يموت وسط أهله وناسه وقرايبه، وكمان يندفن في بلده اللي اتولد فيها، وفعلًا يا ابني.. نزل عدوي مصر هو وابنه عبد الجواد اللي بقى عنده ٢٥ سنة، ويادوب.. بعد ما نزل مصر بسنتين وقرب من اخواته وقرايبه، مات.. مات واندفن في بلده زي ما كان بيتمنى، لكن من بعد موته إبنه مارجعش للبلد الأجنبية اللي كان عايش فيها تاني، عبدالجواد عجبته القعدة في المصر.. او تقدر تقول كده إن مش القعدة بس هي اللي عجبته، دي اللي عجبته كمان كانت بنت اسمها صفاء اصغر منه بحوالي سنتين، اتعرف عليها لما قابلها في مرة وهو بيخلص ورق من مصلحة حكومية وقت ما ابوه كان عايش، حبها، وهي كمان حبته، وقبل ما يفاتح ابوه في موضوع جوازهم، الراجل كان مات.. مات وورث منه عبد الجواد كل حاجة؛ فلوسه وشركاته وأملاكه، وكمان اسطبل الاحصنة اللي كان اشتراه ورممه وجاب فيه خيول كتير بعد ما نزل مصر بكام شهر، لأنه كان بيحب الخيل اوي، ولأن المثل بيقول من شابه أباه فما ظلم.. فعبد الجواد طلع زي ابوه هو كمان.. كان بيحب الخيل اوي وكان فرحان فرحة ماتتوصفش بالاسطبل، لدرجة انه اشترى حتة الأرض اللي بتبعد عنه بمسافة وبنى عليها فيلا عاش فيها، بس مش لوحده.. ده بعد ما ابوه مات بحوالي سنة كده، خد بعضه هو والاتنين عمامه وعمته، وراحوا اتقدموا لأهل صفاء واتجوزها.. كانت بت غلبانة ومالهاش حد زي حالاته، ابوها وامها ميتين زي ابوه وامه بالظبط، ومن بعد جوازهم بقى والحياة ما بينهم كانت زي الفل، كانوا زي السمن على عسل... حبهم يا ابني كان حكاية زي حكايات الف ليلة وليلة اللي بنسمع عنها، لكن هنقول ايه.. الحلو مايكملش، الاتنين فضلوا سنين مابيخلفوش، ومع ذلك هي ماطلبتش طلاق، ولا هو بص لواحدة غيرها.. دول فضلوا عايشين مع بعض وسايبينها على الله لحد ما بعد خمس سنين، صفاء بقت حامل.
الفرحة وقتها ماكانتش سايعة عبد الجواد، شالها وفضل يلف بيها وهو بيضحك بصوت عالي زي العيال الصغيرة، اخيرًا ربنا كلل حياتهم سوا وحبهم لبعض وصبرهم، بحتة عيل يشيل اسمه من بعده، وكمان يورث أملاكه وفلوسه، ولحد هنا الحياة كانت مدية وشها الحلو لعبد الجواد.. بس بعد حوالي ٦ شهور من حمل صفاء، وفي ليلة من ليالي الشتا يا ابني، قامت صفاء وهي بتصرخ من وجع غريب في بطنها، شالها عبد الجواد وراح هو والشاب اللي اسمه غراب اللي كان ماسكله الاسطبل وكمان كان ريس على كل العمال اللي في الفيلا، خدوها هم الاتنين وراحوا بيها للمستشفى، لكن للأسف ماتلحقتش لكذا سبب؛ أولهم إن المستشفى والفيلا والاسطبل كانوا موجودين في محافظة من محافظات الصعيد، وانت عارف بقى يا ابني إن الصعيد زمان، ماكنش فيه لا مستشفيات كبيرة ولا خدمات زي دلوقتي، والسبب التاني إن الحكاية دي حصلت من زمان، يعني وقتها الطب ماكنش لسه اتقدم زي دلوقتي.. فعشان كده بقى وفي الليلة دي بالذات، كل حاجة راحت من عبد الجواد.. مراته وحبيبته اللي كان بالنسبة عوض من ربنا عن ابوه وامه، وكمان ابنه او بنته اللي كانوا جايين على شوقة بعد خمس سنين جواز.
ماتت صفاء هي واللي في بطنها ومن يومها وعبد الجواد اتغير ١٨٠ درجة، مابقاش هو عبد الجواد اللي كل الناس تعرفه، الضحكة اللي ماكانتش بتفارق وشه اختفت، بقى بيقعد لوحده بالساعات مع الخيل في الاسطبل.. او تقدر تقول مش مع الخيل كله، هو كان بيقعد مع مُهرة صغيرة كان اشتراها من واحد صاحبه عشان لما مراته تخلف، تبقى دي اول حاجة تتكتب بأسم المولود، لكن المولود راح هو وامه.. والمُهرة الصغيرة اللي كان اسمها أصفهان، هي اللي فضلت عايشة، وعبد الجواد تقريبًا مابيفارقهاش، بقى بيقعد جنبها بالساعات من غير أكل ولا شرب، ولما كان غراب اللي شغال معاه بيروح يكلمه او يحاول يخفف عنه ويقول له..
-عبد الچواد بيه.. وحد الله واطلع الفيلا ارتاحلك شوية، انا خليت الخدم يعملولك أكل يرم عضمك، حرام عليك حالك.. هم أكيد في مكان أحسن دلوقتي، واللي انت بتعمله في نفسك ده مش هيرجعهم من الموت، الأفضل إنك تدعيلهم يا بيه.
كان عبد الجواد يبص له بنظرة فاضية ويجاوبه..
-مراتي واللي في بطنها ماماتوش، دول اتخطفوا.. اتخطفوا مني وانا هرجعهم تاني.. هرجعهم.. هرجعهم.
وكان يفضل معلق على كلمة هرجعهم دي وهو سرحان لحد ما غراب يزهق منه ويسيبه ويمشي.
ومع الوقت فضل عبد الجواد على الحال ده، لحد ما في ليلة من الليالي خد بعضه وخرج يتمشى برة الاسطبل، كان سارح وشارد في همه وأحزانه، رجله فضلت ساحباه لحد ما وصل عند مكان متطرف في البلد.. المكان ده ماكنش فيه أي مباني غير مبنى واحد بس، بيت صغير كده من دور واحد، لما تعب عبد الجواد من المشي قعد على المصطبة الأسمنت اللي قصاده، قعد ياخد نَفسه ويبص للنجوم في عز الليل وهو بيكلم نفسه وبيدعي ربنا إنه يموت عشان يرتاح من الهم والحزن اللي بقى عايش فيهم، وفي لحظة قطع صوت تفكيره مع نفسه صوت باب البيت وهو بيتفتح، بص عبد الجواد ناحية الباب، وساعتها لقى راجل عجوز خرج منه، كان لابس عِمة كبيرة وجلابية رمادي، ملامحه جامدة وقوية.. تشبه كتير لحياة عبد الجواد ومآساته اللي عايشها، بص الراجل لعبد الجواد وقبل ما يقول له أي حاجة، اتكلم هو وقال له..
-لا مؤاخذة يا حاچ.. انا كنت بتمشي قريب من هنا ورجلي وجعتني فقعدت ارتاح شوية واخد نفسي.
بص له الراجل بتركيز اوي من فوق لتحت، اتفحصه كويس، وبعد ما خد باله من لبسه الغالي وريحته النضيفة اللي كانت عكس ريحة الراجل وبيته، ابتسم ودخل للبيت وعيون عبد الجواد معاه، ثواني ورجع وهو في إيده قُلة مايه، ناولها لعبد الجواد وهو بيقوله..
-اشرب..
خد عبدالجواد القُلة منه وشرب، وقتها كان الراجل قعد جنبه وقال له وهو باصص للأرض الفاضية اللي قصاد البيت..
-طالما رجلك جابتك لحد هنا يبقى ماتعرفنيش، ولأنك ماتعرفنيش.. فانت اتكلمت معايا عادي وماخوفتش مني.
بص له عبدالجواد وهو مستغرب اوي من كلامه..
-واخاف منك ليه.. انت من المطاريد؟!
ابتسم الراجل بخبث..
-المطاريد!.. المطاريد دول غلابة، عيال عايشين زي الفيران في الجبل، بيطلع عين اللي خلفوهم عشان لقمة ناشفة، إنما انا بقى.. فانا اللي ناس بتخاف بس من ذكر أسمه، سيرتي لما بتيجي وسط المجالس الكل بيسكت، ولما بس بيتعرف في يوم إن انا نازل البلد.. النسوان بيخبوا عيالهم، والرجالة بيتحبسوا في بيوتهم زي ما المطاريد اللي انت بتقول عليهم دول بيتحبسوا في الجبل.
زاد استغراب عبد الجواد، لكنه المرة دي كان استغراب بخوف خلاه يبلع ريقه وهو بيسأله..
-طب انت.. انت مين؟!
سكت الراجل لثواني وبعد كده جاوبه وهو باصص للسما..
-الشيخ الدرملي.. ماسمعتش عني قبل كده؟!
رَفع عبد الجواد كتافه..
-لا.. اصل انا صحيح من البلد هنا، لكني في حالي، مابخرجش برة بيتي او اسطبلي.
قال عبد الجواد كلامه ده وبص قدامه وسرح، غصب عنه عينيه دَمعت، فبص له الدرملي بتركيز اوي..
-انت صاحب الاسطبل اللي في أول البلد؟!
هز له عبد الجواد راسه بحركة معناها ايوة، لكنه ماتكلمش، الوجع على موت مراته واللي في بطنها كان لسه بينهش زي السرطان في خلايا قلبه، وفي الوقت الدرملي خد باله من الحزن اللي في عيون عبد الجواد، سأله..
-مالك؟!.. شكلك بيقول إن جواك وجع يكفي مديرية بحالها، احكيلي.. جايز اقدر اساعدك.
رد عليه عبد الجواد وهو لسه باصص قصاده وسرحان..
-مراتي.. ماكنتش بخلف منها، قعدنا خمس سنين مابنخلفش، ولما ربنا أراد وبقت حامل، ماتت هي واللي في بطنها، ماتت وسابتني لوحدي ومن قبلها ابويا ومن قبله امي.
طبطب عليه الدرملي وهو بيحاول يواسيه..
-معلش.. من التراب وللتراب، كلنا هنرجعله تاني، هي بس مسئلة وقت.
لف عبد الجواد رقبته وبص له..
-ألا انت بتشتغل ايه؟!
ابتسم ورد عليه..
-قادر.. واصل، بلعب بالجن لعب، يعني اللي عاوز يعمل عمل بيجيلي، واللي معموله عمل وعاوز يفكه، برضه بيجيلي، واللي عاوز يخلف برضه بيجيلي.. يعني تقدر تقول كده بعمل اللي البني أدمين مابيقدروش عليه او مابيقدروش يعملوه.
بص له عبد الجواد وعينيه بتلمع..
-دجال يعني؟!
فجاوبه الدرملي..
-جرى ايه يا عم الأستاذ.. الملافظ سعد، اسمي الشيخ.. الشيخ درملي.
-مش مهم شيخ ولا مش شيخ... المهم إنك بتفهم في أمور السحر والتحضير، صح كده؟!
-مظبوط.. ده شغلي اللي بعيش منه.
سَرح عبد الجواد شوية وهو ساكت، وفضل ساكت فترة لحد ما الدرملي فوقه..
-يا أخ.. ايه روحت فين؟!
-ماروحتش.. بس انا طالب منك خدمة، خدمة لو قدرت تعملهالي هديك اللي انت عايزه.. انا ماعنديش اكتر من الفلوس، بس كلها ماتلزمنيش.. انا عاوز صفاء.. مراتي.
بص له الدرملي بنظرة حيرة لأنه مافهمش عبد الجواد يقصد ايه..
-ازاي عدم اللامؤاخذة.. انت مش بتقول أن مراتك ماتت، عايزها ازاي يعني؟!
-سهلة.. او المفروض إنها تكون سهلة بالنسبة لك، مش انت راجل ساحر وبتعرف تحضر وتصرف وتجيب وتودي، خلاص.. تبقى سهلة، انا كل اللي طالبه منك إنك تحضرلي روح مراتي، عاوز اشوفها ولو دقيقة واحدة بس.. دقيقة واحدة بس اشوفها او اشوف روحها قصادي، وفي مقابل كده هديك اللي انت عاوزه.
سكت الدرملي ومابقاش عارف يرد يقوله ايه، عبد الجواد كان اتجنن خلاص، موت مراته واللي في بطنها كان لحس نفوخه، بس في الوقت ده الدرملي فَكر.. هل يرفض العرض المغري اللي عرضه عليه راجل غني اوي زي ده، ولا يرفض ويضيع من إيده ألوفات هو محتاجها أكتر ما محتاج أي حاجة تانية في الدنيا!
دقايق مروا على الدرملي وهو ساكت، بعدهم كان خد قراره، وبما إنه راجل نصاب وبتاع تلات ورقات.. يعني لا له في التحضير ولا الصرف ولا اي حاجة وواخد صيط على الفاضي وبس، فهو ابتسم له ابتسامة شيطان وقال له..
-موافق.. بس هاخد خمستلاف جنيه، وكل اللي هعمله إن انا هحضرلك روحها وهتتكلم معاها لفترة صغيرة، انا هخلي ملك من ملوك الجن العلوين يجيبلنا روحها وتشوفها قصادك.. بس لو الملك ده ماقدرش يجيبها وحصل عكوسات، فانا...
وقتها قاطعه عبد الجواد..
-فانت ايه.. مش هتاخد مليم طبعًا، المبلغ اللي انت طلبته مني ده بالرغم من إنه كبير، إلا إنه بالنسبالي أتفه مما تتصور.. يعني ممكن اديك اكتر منه كمان لو نجحت، أما لو فشلت بقى، فانت مش هتشوف مني مليم زي ما قولتلك.. واعمل حسابك صحيح، تحضير الروح هيتم في المكان اللي انا اختاره.. عندي في الاسطبل.
بلع الدرملي ريقه بالعافية..
-مم مماشي.. موافق، بس امتى؟!
قام عبد الجواد وقف وقال له وهو بيستعد عشان يمشي..
-وقت ما تبقى جاهز تعالى لي الاسطبل.. اكيد عارفه.
لكنه قبل ما يمشي، مسكه الدرملي من دراعه وقال له..
-الليلة، البخور والكتب معايا جوة، كل المطلوب بس حاجة من قَطرها، لبس من لبسها يعني.
-موجود.. ادخل هات الحاجة بتاعتك وتعالى ورايا.
سمع الدرملي كلام عبد الجواد ودخل جاب شوية بخور من عنده، على كتاب من الكتب اللي بيستعملهم في أمور النصب والدجل بتوعه، وبعد كده راحوا هم الاتنين على الفيلا، جاب عبد الجواد حاجة من الهدوم اللي كانت مراته بتلبسها، وبعد كده طلعوا على الاسطبل، فتحلهم غراب الباب وهو مستغرب، بص للدرملي من فوق لتحت لأنه عارفه وياما سمع عنه كتير.. ماهو الدرملي كان بالنسبة لأهل البلد.. حاجة كده يا ابني زي الشياطين، راجل عايش في بيت متطرف عند أخر البلد وبيشتغل في السحر والأعمال، فطبيعي إنه يكون بالنسبة لهم شيطان، وعشان سمعته وسيرته اللي غراب اتربى عليهم من صغره، اول ما شافه وهو داخل مع عبد الجواد سأله وهو مش فاهم واحد زي ده بيعمل ايه مع عبد الجواد في الاسطبل..
-خير يا عبد الچواد بيه.. انت تعرف الراجل ده منين؟!
شاورله عبد الجواد يقفل الباب وقال له وهو داخل مع درملي لجوة الاسطبل..
-مش شغلك.. اقفل الباب واجري هاتلنا حتتين فحم مولعين من اللي بتستعملهم في شرب الجوزة.
قال له كده وخد لمبة جاز كانت مركونة جنب الباب، وده لأن ماكنش في كشافات وقتها، فغراب كان تملي يولع لمبة الجاز ويحطها جنب الباب من جوة، عشان عبد الجواد لما يجي.. يقدر ياخدها ويدخل جوة الاسطبل بسهولة، بعدها دخل مع الدرملي عند حتة الأرض اللي بعد مكان الاحصنة بكام متر، ومع دخولهم جري غراب على أوضته اللي جنب المكان اللي بتبات فيه الاحصنة، وجاب المنقد اللي كان مولع فيه الفحم اللي بيستعمله في الجوزة، وطلع بيه جري على عبد الجواد اللي كان واقف قصاد الدرملي وهو بيطلع البخور من كيس قماش كان معاه..
-اتفضل يا عبد الچواد بيه، أي خدمة تانية؟!
شاورله عبد الجواد بأنه يمشي، فمشي، لكنه ماراحش أوضته، ده وقف بعيد عنهم في حتة الضلمة، وقف عشان يشوف الدرملي وهو بيحط البخور في الفحم وبعده الحاجة اللي من لبس صفاء، واللي طبعًا كان عبد الجواد جابهاله من الفيلا قبل ما يروحوا الاسطبل، وعلى نور اللمبة او الفانوس الجاز؛ وقف الدرملي وطلع الكتاب من الكيس القماش اللي كان معاه، وابتدى يقرا منه على النار والدخان اللي كانوا طالعين من منقد الفحم..
-أيها الملك العلوي سرفيائيل، أحضر واجلب لي روح صاحبة ذلك القَطر.. أجعل روحها طوافة بيننا في التو والساعة، أحضرها إلينا.. أحضرها.
وفضل يزعق ويقول احضرها احضرها، وكل ده ومافيش أي حاجة حصلت.. هي بس النار اللي في المنقد ابتدت تعلى والدخان ابتدى يزيد، وقبل ما عبد الجواد يتكلم ولا يسأله هي روح مراتي ماحضرتش ليه، فجأة سمعوا من المكان اللي فيه الاحصنة، صوت صهيل وكأنهم بيصرخوا.. ومعاه سمعوا من جوة أصوات هرج ومرج، ومع الأصوات دي كلها.. جريِ عبد الجواد على الاحصنة عشان يشوف مالها، ووراه كان بيجري الدرملي وغراب.. لكن الدرملي للأسف وقع وهو بيجري وفضل يصرخ، وده لأن طرف جلابيته اتشبك فيه النار لما جه يعدي من فوق المنقد، اما بقى عبد الجواد وغراب.. فدول جريوا على الاحصنة وخرجوهم من مكانهم لما لقوهم في حالة هيستيرية غريبة!
دقايق مرت من الهرجلة، الاحصنة بتجري ومعاهم المُهرة الصغيرة أصفهان اللي كان عبد الجواد وقتها كل همه، إنه يخرجها من المكان اللي ابتدى يولع كله!
(ده الجزء الأول من قصة أصفهان)
#محمد_شعبان
#آصفهان
آصفهان
٢ 

وقبل ما عبد الجواد يتكلم ولا يسأله هي روح مراتي ماحضرتش ليه، فجأة سمعوا من المكان اللي فيه الاحصنة، صوت صهيل وكأنهم بيصرخوا.. ومعاه سمعوا من جوة أصوات هرج ومرج، ومع الأصوات دي كلها.. جريِ عبد الجواد على الاحصنة عشان يشوف مالها، ووراه كان بيجري الدرملي وغراب.. لكن الدرملي للأسف وقع وهو بيجري وفضل يصرخ، وده لأن طرف جلابيته اتشبك فيه النار لما جه يعدي من فوق المنقد، اما بقى عبد الجواد وغراب.. فدول جريوا على الاحصنة وخرجوهم من مكانهم لما لقوهم في حالة هيستيرية غريبة!
دقايق مرت من الهرجلة، الاحصنة بتجري ومعاهم المُهرة الصغيرة أصفهان اللي كان عبد الجواد وقتها كل همه، إنه يخرجها من المكان اللي ابتدى يولع كله!
ايوة يا ابني ماتستغربش، الاسطبل ابتدى يولع من قبل حتى ما الدرملي جلابيته تولع.. يعني النار اللي ولعت في المكان اللي فيه الخيل والمخزن اللي وراه وأوضة غراب اللي جنبه، ماكنش السبب فيها الدرملي، السبب فيها كان استهتار غراب اللي وقعت منه حتة فحم مولعة، ومسكت في التبن والأوضة والمخزن والمكان اللي كان فيه الخيول.. بس وقتها بقى عبد الجواد وغراب والدرملي نفسه، افتكروا إن النار دي كانت بسبب روح صفاء، روح صفاء اللي عبد الجواد افتكر إنها حضرت بس على شكل نار!
وطبعًا يا ابني كل ده كان تخريف، إنما عبد الجواد بقى كان مصدق التخاريف دي لأنه كان عاوز يقنع نفسه بأي طريقة من الطرق إن مراته ماماتتش وروحها لسه حواليه.. لكن خليني اقولك بقى إن بعد ما الخيل خرجوا وبعدوا عن النار، وبعد ما الدرملي تقريبًا النار كانت كلت جسمه كله لأنه ماقدرش يطفي نفسه، ولا عبد الجواد ولا غراب راحوا ناحيته عشان يطفوه، وده لأنهم اهتموا بالخيل اكتر منه، وكمان حاولوا يطفوا النار بمساعدة اهالي البيوت اللي بتبعد عن الاسطبل مش بكتير اوي، الأهالي اللي اتجمعوا على صوت الاحصنة وشكل النار.. وبعد ما النار اللي في الاسطبل ابتدت تهدى ومعاها النار اللي كانت ماسكة في جسم الدرملي هي كمان، قرب منه عبد الجواد هو وغراب وكام واحد من اللي كانوا بيساعدوا.. وشالوه وراحوا بيه على المستشفى، وطبعًا مش محتاج اقولك إن المستشفى ماقدرتش تعمله حاجة والراجل مات، لكنه قبل ما يموت ووقت ما كان جسمه كله محروق، بص لعبد الجواد وقال له وهو عينيه مليانين فزع ورعب..
(الموضوع قَلب بجد.. انا كنت فاكرها كدبة وهتعدي، بس الموضوع قَلب بجد يا بيه.. الملك العلوي حضر ومعاه الروح.. روح مراتك.. روح مراتك سكنت في الاسطبل.. سكنت في حاجة حية، فيك.. او في خدامك، او في واحدة من الخيل.. واحدة من الخيل.. فيها.. الروح.. الحقني.. اه.. اااه)
وفضل يصرخ من شدة الألم اللي في جسمه لحد ما مات، بعدها خده عبد الجواد ودفنه هو وغراب بعد ما اتغسل واتكفن طبعًا، وخليني اقولك إن ماحدش سأل عليه لأنه كده كده ماكنش له قرايب من أصله، ده كان راجل دجال والكل بيبعد عنه.. لا كان له صحاب ولا زوجة ولا عيل ولا أي حد، فعشان كده اتغسل واتكفن في المستشفى واندفن من سكات.. وبعد ما كل ده حصل، رجع عبد الجواد ومعاه غراب على الاسطبل.. وطبعًا جابوا عمال وابتدوا يرمموه من تاني.. لكن طول الوقت ده بقى ومن بعد اللي حصل، كان عبد الجواد قاعد قصاد المهرة الصغيرة وعمال يبص في عينيها اوي ويتكلم معاها، لدرجة إن العمال اللي كانوا بيرمموا الاسطبل، كانوا فاكرينه اتجنن وقاعد بيكلم نفسه، وفضل على الحال ده لحد ما في مرة وبعد ما عبد الجواد قعد مع المُهرة أصفهان لحد بعد الفجر.. راح يومها ناحية غراب اللي كان قاعد سهران وقال له..
-انا هروح الفيلا اغير هدومي وارجع تاني، خد بالك من المُهرة لحد ما ارجع.. دي هي كل اللي باقيلي في الدنيا.
ضرب غراب كف بكف على حال الراجل اللي اتجنن، بعد كده خرج عبد الجواد وراح ناحية الفيلا اللي كانت بتبعد عن الاسطبل بمسافة مش بعيدة اوي زي ما قولتلك، لكن هم الاتنين كانوا في محيط واحد، فمشي شوية وهو تايه وسرحان كعادته من بعد موت مراته، لحد ما فجأة وقف بعد دقايق من المشي لما افتكر إنه نسي البالطو بتاعه جنب المُهرة، رجع تاني للاسطبل ووقف على الباب..
-يا غرااب.. يا غرااب الزفت.
وقتها غراب كان جوة الاسطبل، فأول ما سمع صوت عبد الجواد خرج وقال له من ورا الباب..
-ايوة يا عبد الچواد بيه.. في حاجة؟!
-اه.. افتحلي الباب، نسيت البالطو بتاعي جوة.
فرد عليه غراب وقال له وهو مرتبك بطريقة غريبة..
-لا لا خليك انت يا بيه، انا.. انا هدخل اجيبلك ال البالطو من جوة.
اتعصب عبد الجواد من طريقة غراب وقال له..
-انت مالك كده.. فيك ايه، مالك بتهته في الكلام كده ليه، وبعدين انت عمال بتكلمني من ورا الباب وكأنك عامل عملة، ما تفتح.
فتح غراب الباب ووقف قصاد عبد الجواد، كان شكله مرتبك وخايف وهو بيقوله..
-لا لا مافيش يا بيه، انا اقصد بس ان انا يعني مش عايز اتعبك يعني، فانا ايه بقى هدخل اجيبلك البالطو و...
لكن عبد الجواد زقه ودخل عشان يجيب البالطو، واول ما قرب من المكان اللي فيه البالطو واللي هو قصاد المُهرة أصفهان بالظبط، اتصدم.. المُهرة كانت واقعة على الأرض وعمالة ترفس وكأنها بتطلع في الروح، ولأنه بيربي خيل وعارف ايه اللي ممكن يعمل فيها كده.. فهو عرف من أول ما شافها إنها اتسممت، وبما إن الاسطبل ماكنش فيه أي حد غير غراب من بعد ما هو مشي، وكمان لأنه لقى حقنة واقعة جنب المُهرة.. والحقنة دي طبعًا كان جواها سم!.. فبسرعة ومن غير أي تفكير، قام جري عليه ومسكه من رقبته وفضل يخنق فيه..
-قتلتها ليه.. قتلتها ليه، وديني ما هسيبك الا لما اقتلك زيها، وديني ما هسيبك يا غراب الكلب.
زقه غراب وطلع يجري على برة، كان عاوز يهرب من الاسطبل بس ماعرفش، فعبد الجواد سحب لوح خشب كبير وجري وراه، وقبل ما يخرج من الباب كان قرب منه وضربه بلوح الخشب على راسه عشان يفقد الوعي لفترة.. فترة فَتح بعدها عينيه عشان يلاقي نفسه مربوط في كرسي جوة الاسطبل، وقصاده كانت المُهرة أصفهان وهي ميتة، حاول يفك نفسه وهو بيصرخ وبيزعق بكل قوته، بس فجأة حس بإيدين محطوطين على كتافه من ورا، ومع أحساسه سمع من وراه صوت عبد الجواد وهو بيقوله..
-المُهرة دي كانت يتيمة، زي حالاتي انا ومراتي الله يرحمها.. اشتريتها من واحد إيراني معرفة بيتكلم عربي كويس اوي.. سماها أصفهان على أسم المدينة اللي هو منها، كان تملي يقولي إنها بالنسبة له زي مدينته بالظبط، شايفها نص الدنيا دي بحالها، بس تعرف انا اشتريتها ليه يا غراب البين!.. اشتريتها عشان المولود الجديد، كانت اول حاجة هتتكتب بأسمه، بس من بعد موته هو وامه.. بقت المُهرة دي حاجة الوحيدة اللي متبقية لي في الدنيا من ريحتهم، وكمان من بعد اللي الدرملي عمله، بقت هي الحاجة الوحيدة اللي انا حاسس إن فيها روح مراتي، يعني انت دلوقتي قتلت روح مراتي من بعد ما الدرملي رجعهالي.. تفتكر بقى انا ممكن اعمل أيه فيك.
قال له كده ولَف، وقف قدامه وكمل كلامه وسط سكوت وخوف غراب..
-تعرف يا غراب أيه أكتر حاجة ممكن توجع قلب الراجل؟!.. تلاقيك ماتعرفش لأنك مش راجل، ماهو اللي يقتل مُهرة بريئة زي دي مايبقاش راجل ولا بني أدم من الاساس، ولأنك مش كده وانا بقى عكسك، فانا هقولك.. اكتر توجع قلب الراجل هو فراق حبيبه، فتخيل انت بقى بعد ما قتلتلي كل اللي متبقي من حبايبي، تفتكر ممكن اعمل فيك ايه؟.. اولع فيك مثلًا عشان اطفي ناري ولا..
لكن غراب قاطعه وقال له وهو بيبلع ريقه بالعافية..
-والله العظيم انا ما ليا ذنب.. هم السبب.. هم اللي قالوا لي اعمل كده، وكمان ادوني فلوس كتير اوي عشان اموتها.
لما غراب قال كده، قرب منه عبد الجواد وسأله وهو مش فاهم يقصد ايه..
-مين دول وخلوك تعمل كده ليه؟!
-هقولك.. هقولك كل حاجة، بس بالله عليك ما تموتني يا بيه، والله العظيم انا ما ليا يد في أي حاجة، انا كنت عبد المأمور وانتوا قرايب في قلب بعض.
اتعدل عبد الجواد في وقفته وقال له..
-مش هقتلك... بس قولي هم مين وخلوك تعمل كده ليه؟!
جاوبه غراب وهو لسه على وشه علامات الرعب والفزع من اللي ممكن يحصل فيه لو كدب على عبد الجواد...
-عمامك.. بدوي ومغاوري.. ومعاهم عمتك سعاد، هم اللي قالوا لي اموت المُهرة لما عرفوا إنك متعلق بيها، وهم كمان اللي ادوني الحقنة وادوني معاها فلوس كتير.. كانوا بيقولوا إنهم عاوزين يجننوك عشان يورثوا فلوسك بعد ما رفضت تديهم منها.. عشان يشتروا بيت جديد غير البيت القديم اللي هم عايشين فيه.
اول ما غراب قال كده، عبد الجواد وشه بقى لونه أحمر وبرقله وسكت.. ماكنش عارف يرد يقوله ايه من الصدمة، معقولة عمامه عاوزين يعملوا فيه كده؟!
عقله وقف عن التفكير ومابقاش عارف يقول ايه، كل اللي بقى بيعمله هو إنه بقى عمال يضرب في التبن اللي حواليه وهو عمال يصرخ، جاتله حالة هيستريا وجنون، لكنه لما بقى أهدى شوية قرب من غراب وسأله..
-عارف لو طلعت بتكدب عليا هعمل فيك ايه، اقسملك بالله يا غراب ما هسيبك الا لما تكون مدفون جنب المُهرة دي.
قال له كده وسابه وخرج، طلع جري اتفق مع شوية رجالة من البلد بيشتغلوا بلطجية بالأجرة.. أداهم فلوس وبعد كده خدهم ووداهم الاسطبل وقال لهم يستنوه عقبال ما يرجع، وبعد ما وداهم واتفق معاهم على اللي هيعملوه لما يوصل، راح لبيت جده الله يرحمه واللي عايشين فيه عمامه وعمته.. سلم عليهم وعمل نفسه رايح لهم في زيارة، وبعد ما خلص كلام معاهم قال لعمامه الاتنين ولعمته، إنه عاوزهم في حاجة مهمة عنده في الاسطبل.. في الاول خافوا وكانوا قلقانين منه، بس لما قال لهم إنه عاوزهم عشان يكتبلهم كام حتة أرض من الأراضي اللي عنده، ما صدقوا سمعوا منه الكلمتين دول وراحوا معاه على طول من غير ما يفكروا.. راحوا معاه على الاسطبل اللي أول ما دخلوه، اتلموا عليهم البلطجية اللي قال لهم عبد الجواد بصوت عالي..
-كتفوهم وارموهم في المخزن جنب الكلب اللي جوة.
واول ما قال كده.. اتلموا عليهم البلطجية ومسكوهم لأنهم كانوا عاوزين يهربوا.. بس هيهربوا يروحوا فين، ده عبد الجواد يا ابني كان مرتب ومخطط لكل حاجة، كان عامل حسابه إنه يستدرجهم للاسطبل ويربطهم ويجمعهم في المخزن عشان يعرف منهم هم ليه كانوا عاوزين يجننوه، او ازاي اصلًا يعملوا فيه كده وهو عمره ما أذاهم، وفعلًا اتلموا عليهم البلطجية وربطوهم ورموهم في المخزن عشان يقف قصادهم عبد الجواد ويقول لهم والدموع في عينيه..
-ليه كده.. ليه تساعدوا في موت او أذية، ليه وانا عمري ما أذيتكم لا انا ولا ابويا، وبعدين انا مش ذنبي إني طلعت لقيت معايا قرشين زيادة.. مش ذنبي اني اتولدت لقيت ابويا راجل متعلم وبيشتغل برة مصر وبيكسب فلوس كتير على عكسكوا، انتوا فَضلتوا إنكوا تقعدوا هنا واكتفيتوا بورثكوا من جدي اللي ابويا حتى ماخدش منه مليم، ومع ذلك برضه عمركوا ما افتكرتوا لي ولا افتكرتوا لابويا أي حاجة كويسة.. انتوا لما جيتوا وقولتوا لي عاوزين فلوس عشان تشتروا بيت جديد انا كنت هديكوا.. والله العظيم كنت هديكوا بس بعد ما مراتي تولد، انا في الوقت ده كنت مخلص كل السيولة اللي معايا على تجديد الاسطبل وعلى المُهرة الجديدة وكمان على مصاريف تعب حمل مراتي، فقولت وقتها بيني وبين نفسي إن انا اول ما مراتي تولد.. هروح البنك واجيب مبلغ واشتري بيه بيت واعملها لكوا مفاجأة، وبعدين انا ماقولتش يومها إني مش هديكوا فلوس.. انا قولت استنوا عليا شوية لحد ما ربنا يفرجها.
لكنه لما قال كده، اتعصب عليه عمه الكبير مغاوري وقال له..
-كنت تقصد لحد ما ربنا يفرجها، ولا لحد ما البيت يقع فوق دماغنا احنا وعيالنا ونموت، وبعدها بقى تبقى تاخد حتة الأرض اللي تحته وتضمها لبقية أملاكك يا ابن عدوي، كنت مستني ايه عشان تدينا فلوس.. يعني ايه يعني ربنا يفرجها، ماهي على طول حلوة معاك والقشية معدن، انت كداب.. انت ماكنتش هتدينا حاجة، وعشان كده بقى انا بقولهالك اهو.. انت تستاهل كل اللي عملناه فيك او حتى اللي كنا لسه ناوين نعمله.
خلص مغاوري كلامه، ومن بعده على طول اتكلم عمه الصغير بدوي..
-معاك حق يا اخويا، اللي زي ده مابيحسش، عايش لنفسه وبس زي ابوه الله يجحمه مطرح ما راح، مش كفاية إن ابونا علمه وساعده لحد ما وقف على رجليه واشتغل برة، لا ده ماهموش.. اول ما ربنا كرمه وفتح عليه بقى بيتكبر علينا وعمره ما ساعدنا بمليم، وانت يا عبد الجواد بيه يا ابن اخويا.. ما انت طالع زيه، لما جينالك عشان تساعدنا في إننا نشتري بيت بدل اللي هيقع علينا، عملت عبيط عشان ماتصرفش من الأولفات اللي عندك، لا وجاي دلوقتي بتكدب علينا وتقولنا ماكنش معاك سيولة.. يا أخي والله العظيم انا ما ندمان على أني سمعت كلام سعاد ومغاوري وساعدتهم في اللي عملوه فيك.
وقتها بصت له عمته سعاد والغل والكره باينين في عينيها..
-عمرك ما حسيت بينا لا انت ولا ابوك.. من يوم ما رجعتوا مصر وانتوا شايفننا أقل منكوا.. لا وأيه كمان، ابوك اشترى حتة أرض وخد اسطبل كبير وملاه احصنة، كنتوا بتصرفوا على الاحصنة في اسبوع.. اللي احنا مابتسرفهوش في شهر، وأخرتها تتأمر علينا لما نقولك عاوزين مساعدتك عشان ناخد بيت جديد، ايوة يا عبد الجواد احنا السبب في كل اللي جرالك.. من أول موت مراتك بالسم اللي انا خليت خدامك غراب يحطهولها في الأكل عشان نخلص منها هي واللي في بطنها وانت تتجنن ونورثك، لحد المُهرة اللي جنانك كله طلع عليها يوم ما جيبت اللي اسمه درملي عشان يسحرلك، اه غُراب كان بيقولنا على كل حاجة لأنك كنت بترميله ملاليم كل أول شهر وكان شايل منك زينا.. انت اللي زيك مش حلال فيه إنه يموت وبس لأ.. انت جنانك كان هو دواك، احنا مش بس كنا عاوزين نورثك.. احنا كنا عاوزينك تتجنن وتحس بالألم والوجع والخوف.. جرب من اللي احنا كنا بنحس بيه كل ليلة واحنا نايمين تحت سقف بيت ممكن يقع علينا في أي لحظة، جرب يا ابن اخويا.
بعد ما سعاد قالت كلامها اللي كان عامل زي الرصاص ده، عبد الجواد فضل باصص لها وهو مبرق والدموع مالية عينيه..
-انتوا اللي موتتوا صفاء!.. انتوا السبب في موت مراتي وابني؟!.. يعني مش بس قتلتوا أصفهان، انتوا كمان.. كمان قتلتوا مرات ابن اخوكوا واللي في بطنها، كل ده عشان ايه، فلوس!.. بيت!.. لييه.. ليييه خدتوا مني كل اللي ليا، طب كنتوا خدوا الفلوس والاسطبل وكل حاجة وسيبولي مراتي واللي في بطنها، لكن لا.. انا مش هسيبكوا.. انا هولع فيكوا كلكوا، هولع فيكوا انتوا والكلب ده.
قال لهم كده وهو بيبص لغراب وبيروح ناحية الفانوس اللي جواه لمبة جاز.. كان ناوي يا ابني ياخده ويرميه على التبن اللي في المخزن بتاع الاسطبل اللي حواليه، وبكده هيولع فيهم وفي نفسه، لكنه في أخر لحظة وقف لما واحد من الرجالة اللي برة قال له من ورا الباب بصوت عالي..
-يا عبد الجواد بيه.. في بنت صغيرة واقفة قصاد الاسطبل وبتقول إنها بنت عمتك، وكمان بتقول إنها خرجت تشتري حاجات من برة ولما رجعت لقت بيت العيلة واقع على كل اللي جواه وموتهم.
لما الراجل قال كده، عبد الجواد راح ناحية الباب وفتحه وطلع جري على باب الاسطبل اللي قصاده كانت واقفة بنت عمته الشابة، كانت عمالة تصرخ وتلطم وتقول بصوت عالي..
-الحقنا يا عبد الجواد بيه.. البيت... البيت وقع على اخواتي وابويا وولاد عمامي وأمهاتهم.
بص لها بنظرة فاضية والدموع لسه في عينيه، ومن غير ما يرد عليها ولا يقول أي كلام، دخل المخزن وفك عمامه وعمته وبعد كده قال لهم..
-ربنا اسمه العدل.. انا غلطت من الأول، غلطت لما جيبت ساحر وكنت عاوز احضر روح مراتي، وغلطت لما الحزن عماني ولما كنت بخيل معاكوا.. بس انتوا غلطتوا غلط اكبر من غلطي، واهو ربنا انتقملي.. اخرجوا شوفوا عيالكوا وأهل بيتكوا.. البيت وقع عليهم، انا مش هنتقم، عدل ربنا اقوى من انتقامي.
اول ما سمعوا الكلام ده من عبدالجواد، طلعوا جري على البيت القديم اللي لقوه واقع فوق دماغ أهاليهم، وقتها بقى سعاد وقعت من طولها وعقبال ما نقولها للمستشفى كانت ماتت بغيبوبة سكر، ومغاوري جت له جلطة واتنقل للمستشفى وبعدها اتشل، أما بدوي فاتجنن.. بقى ماشي في الشارع زي الدراويش بيكلم روحه ويقول إن اللي عملوه في مرات ابن اخوهم، كان هو السبب في انتقام ربنا منهم.. ولو هتسأل عن عبد الجواد، فده خلى الرجالة يضربوا غراب علقة موت، وبعد كده سلمه للحكومة وخلاه يعترف بالجريمتين اللي عملهم؛ جريمة قتله لصفاء واللي في بطنها لما دخل المطبخ وحطلها سم في الأكل، وللأسف أكلته هي وماكلش منه عبد الجواد وعشان كده ماتت، وكمان جريمة قتل المُهرة أصفهان، وطبعًا باعترافه ده اتحكم عليه بالأعدام لأنه قتل مع سبق الأصرار والترصد، وبدوي ومغاوري وسعاد.. فالتلاتة راحوا.. راحوا لما سعاد ماتت، وبعدها مغاوري اتشل وقعد فترة كده وبعدين مات، وبعدهم بدوي اللي فضل مجنون والبوليس قبض عليه ووداه مستشفى المجانين لما غراب اعترف بأنه هو اللي حرضه ومعاه سعاد ومغاوري، وفضل بدوي في مستشفى المجانين لحد ما مات فيها هو كمان، اما بقى عن نهاية عبد الجواد، فده الحزن فضل مكمل معاه لحد ما قضى عليه.. بقى بيمشي في الشارع هو كمان زي المجاذيب من بعد ما دفن المُهرة في حتة أرض صحراوية جنب المقابر اللي مدفونة فيها مراته، والوقت اللي ماكنش بيمشي فيه زي الدراويش في الشارع، كان بيقضيه يأما جنب قبر مراته، يأما جنب المكان اللي اندفنت فيه أصفهان، وفضل كده لحد ما الحزن أكل شبابه وجاله مرض شديد اوي مات بسببه، لكنه قبل ما يموت.. كتب كل اللي وراه واللي قدامه لليتامى، وبس يا ابني.. ادي حكاية عبد الجواد.
لما عم جاد وصل لنهاية الحكاية سألته..
-تمام يا عم جاد.. بس تفتكر بقى عبدالجواد كان غلطان ولا لأ؟!
فجاوبني بكل تلقائية..
-والله يا ابني هو غلط في حاجات كتير.. أولهم بخله وإنه ماداش لأهله الفلوس من الاول، بس ده مش مبرر خالص للي هم عملوه، هم كده كده أندال وقتلة، إنما هو كان غلطان برضه في إنه مارضيش يساعدهم او أجل مساعدته ليهم وربطها بخلفة مراته، وكمان كان غلطان لما راح جاب راجل دجال عشان يحضر روح مراته.. وبعدين روح ايه اللي يحضرها يا ابني، الروح لما البني أدم بيموت بتطلع للي خالقها، إنما هو بقى كَفر بالحتة دي واقنع نفسه إن روح مراته حضرت في المهرة وكمان ولعت في الاسطبل، مع إن كل ده ماحصلش.. الاسطبل ولع بسبب أهمال غراب.
-تمام يا عم جاد.. خش على اللي بعدها بقى.
ابتسم عم جاد وقال لي..
-حاضر.. هخش على اللي بعدها، بس قبل ما احكي قوم بينا ناكل لقمة ونرجع تاني نقعد هنا في الاستراحة عشان اكمل لك.
سمعت كلام عم جاد وقومت معاه، اتغدينا وقعدنا نشرب الشاي ووقتها حكالي حكاية كمان.. حكاية هرجع قريب اوي واحكيها لكوا، بس لو انتوا قولتوا لي احكي..
#محمد_شعبان
#آصفهان

ليست هناك تعليقات