إبحث عن موضوع

أبو الكمال

كان عندي مشوار ناحية بيت أختي، فقولت لما أعدي عليها أشوفها هي والواد حسن ابنها، واجبله بالمرة شوية حاجات حلوة من اللي هو بيحبها، عديت على البقال اللي تحت بيتهم وجبتله الحاجة وطلعت زورتهم، وكعادة حسن دايما، كل ما يشوفني مبيسبش وداني، يفضل يحكي حكايات عجيبة، كلمة من الشرق على كلمة من الغرب، لحد ما بحس إن دماغي أكبر من حجم كوكب الأرض نفسه، لحد ما قولت له:

كفاية بقى يا حسن حكايات، أنا لازم امشي لأني عندي شغل، فصمم يحكيلي آخر حكاية، وطبعا رضخت اني أسمع، عشان ده أهون من العياط والصريخ، فسألني:

تعرف يا خالو اني عندي صاحبي اسمه ابو الكمال؟!..

بصيت له باستغراب كأني بسأله عشان يكمل فقال:

أبو الكمال ده صاحبي، على طول قاعد معايا هنا، وكمان بيجي معايا لما بنروح عندكوا عند بيت تيتة، حتى هو جاي اهو بص وراك كده..

في اللحظة دي جسمي اترعش، بصيت ورايا فعلا وانا مخضوض، لكن طبعا ملقتش حاجة، وفي نفس الوقت جسمي فضل يرتعش، ولقيت عنيا دمعت وشعر ايدي انتصب وقشعرت، بصيت له وسألته:

مين يا حبيبي أبو الكمال ده؟، وشكله ايه؟!..

مكنش باصص لي، كان نظره موجه ورايا، فرجعت بصيت تاني وانا مخضوص ولقيته بيقولي:

ده واحد صاحبي بيجيلي يقعد معايا، دقنه بيضا أكبر من دقنك يا خالو ونازلة لحد باطنة، وبيلبس جلابية بيضا وعجوز وعنده كرش..

خلص جملته وفضل يضحك بطريقه مصطنعة وسمجة من بتاعت الأطفال دي، فندهت على أمه اللي كانت في المطبخ وسألتها عن اللي الواد بيحكيه، فقالتلي: سيبك منه ده أهبل، بيقعد يخترع كده...

قولت لنفسي ان الأطفال بيبقى عنده خيال واسع وملوش حدود، فعادي ان ده يحصل، وقومت مشيت عشان ارجع البيت، ولما وصلت قعدت احكي لأمي، لأن الاحساس اللي حسيته كان على الخط المقابل لتخميني ان حكاية ابو الكمال دي مجرد خيال خلاق مش أكتر، فقالت:

ما أنت زمان لما كنت في سنه قبل ما تدخل المدرسة، كنت مخترع لنا شخصيتين وبتروح تلعب معاهم ومفيش حد عارف انت فعلا مخترعهم ولا بتشوفهم، لدرجة اني ساعات كنت بخاف منك انت واختك، لانها كانت برضه بتلعب معاك، وساعات كنت ابقى في المطبخ وانتوا بتلعبوا بره وألمح حد واقف معاكوا، اطلع أجري عليكوا ملاقيش حد، بس أفضل شايفاكوا كأنكوا بتتكلموا مع حد ومبتلاحظوش وجودي لحد ما اقرب منكوا وألمسكوا أو أسألكوا بتكلموا مين، فالأطفال كلهم كده، متاخدش في بالك...

حسيت إن أمي بتخترع عشان تطمني، انا اه فاكر حاجة زي كده، بس مش فاكر ان كان فيه حد بيظهر، فحسيت ان امي زودت التاتش ده عشان انسى الفكرة، لكن ده قلقني أكتر...

بعد أسبوع اختي جت لنا زيارة، ودخل حسن كالعادة يرخم عليا وقالي هقعد ألعب على الكمبيوتر، ولا اقولك هاتلي فيلم كارتون وطلب يتفرج على مارد وشوشني ( شركة المرعبين المحدودة). جبت له الفيلم وبدأ يتفرج ويندمج وفجأة قالي:

خالو.. عارف أندل، أهو أندل ده بقى زي أبو الكمال كده بيعرف يختفي، بس أبو الكمال بيختفي على طول، حتى اهو قاعد جمبك على السرير وانت مش شايفه..

جسمي اترعش واتنفضت من مكاني كأني اتكهربت!!، وحسيت اني سقعان، احساس خوف غريب، بصيت جمبي على السرير وطبعا مكنش فيه حاجة، قبل ما اتكلم سبقني حسن وقال:

اهو قام اهو وماشي، تقريبا هيروح يصلي..

وبرضه ملحقتش أنطق، انا اتصدمت، لاني حسيت بنفس جمبي على السرير، ولما بصيت لقيت أثر لحد كان قاعد وقام!!، وفجأة لقيت باب الأوضة المقفول نصه بيتفتح على آخره!!، لوحده ومفيش حد بره، رعشة جسمي زادت وشعري كله طق طق وقف، ضربات قلبي زادت، والدموع غرقت عنيا، لدرجة اني مبقتش شايف كويس، سألته بخوف:

هو انت بتتكلم بجد؟، مين أبو الكمال ده يا حسن؟!..

ضحك ضحكة سمجة وقالي:

انت خايف ليه كده يا خالو، ده بيصلي ومبيخوفنيش، ده صاحبي وكان بيتفرج معايا على الفيلم..

قام حسن وخرج بره وانا قومت وراه، خوفت واترعبت وحسيت ان فيه حاجة لسه معايا في الأوضة، فيه طاقة غريبة أول مرة أحس بيها، وخوف جوايا مش عايز يفارقني.. لما خرجت سألت أمه مرة تانية، وحكيت لها اللي حصل، فلقيت منها لا مبالاة غير طبيعية، فضلت تضحك زي ابنها ضحكة سمجة وهي بتقولي: هو فيه حد يصدق العبيط ده، يا عم ده طفل وخياله بس بياخده لحاجات غريبة...

سمعت أذان العشاء، فدخلت اتوضيت وصليت، ووأنا بسلم دخل حسن وهو بيقولي:

ما انت بتصلي ووراك أبو الكمال أهو بيصلي معاك، أنال خايف ليه بقى يا خالو يا عبيط..

كان جمبي مرايا، للحظة وانا بلف عشان ابص ورايا، لمحت في انعكاسها كأن حد فعلا كان ورايا وقام فجأة بسرعة رهيبة واختفى!!، عنيا دمعت تاني بطريقة رهيبة، والخوف رجع جوايا تاني، فضل حسن يضحك وجري راح لأمه، ساعتها تليفوني رن وكانوا اصحابي بيقولولي انهم على القهوة، ولازم أنزا بسرعة عشان مفيش أماكن بسبب ماتش مهم في دوري أبطال أوروبا، ويمكن ده كان طوق النجاة بالنسبالي، فنزلت على طول، قعدت مع اصحابي واتفرجنا على الماتش ونسيت الموضوع...

رجعت البيت وكانت الساعة حوالي 12، كلت وعملت كباية شاي وقعدت أقرأ رواية، وحسن ساعتها كان بيلعب في الصالة، كنت قافل ربع باب أوضتي بس شايفه وهو بيلعب ساعتها لقيت حسن بطل لعب، وراح قعد على كنبة الصالون، ارتسم على ملامحه جدية غريبة وكأنه بيكلم حد!!، سيبت الرواية من ايدي وانتبهت، وبدأت أراقبه وأنا بحاول امسح الدموع الغزيرة من عنيا اللي ناتجة عن الخوف واسيطر على رعشة جسمي، حاولت أقوم بس حسيت ان حاجة بتمنعني، رجليا مش شايلاني وأعصابي سايبة، ولسه حسن قاعد وكأنه بيسمع بانصات لحد بيكلمه، وفجأة فضل يضحك كأن حد بيلاعبه، قومت جريت، دفعة غريبة جت لي، وقومت فتحت باب الأوضة وخرجت، وقالي:

بتجري كده ليه يا خالو، تعالى سلم على أبو الكمال، ده طيب أوي..

مكنتش عارف أرد، لكن سمعت أختي بتقولي من المطبخ:

انت خايف كده ليه يا ابني، متخافش انا هحكيلك..

مكنتش عارف أرد ولا أتكلم، لاني لما فتحت الباب وخرجت، لمحت فعلا كأن حد قاعد جمبه، المكان جمبه على الكنبة كان هابط، كأن فعلا في حد موجود!!..

أختي جت بعدت وقالت:

يا ابني الأطفال كلهم كده، انا كنت بخاف منه في الاول، بس اتعودت، وهو مش مؤذي..

قولتلها بسرعة وباستغراب:
هو مين ده اللي مش مؤذي؟!!..

ضحكت وقالت:

أبو الكمال.. بص، أنا كنت بخاف من الواد ده اوي، كان بيفضل بتكلم مع حد، واسمع كأن حد كلمه، صوت همس بس مكمتش بفسره، ولما اخرج من المطبخ واروح لمكان حسن بره مشوفش حاجة، لحد ما في مرة لقيت حسن فارش فوطة وعامل نفسه بيصلي، زي ما الأطفال بتعمل دايما، ولما خرجت من المطبخ لقيت جمبه سجادة الصالة مفروشة على الأرض، ساعتها كنت هموت من الخوف، وانا شايفة قدامي الواد قاعد فوق الفوطة، وسجادة الصلاة جمبه وعليها أثر كأن حد كان واقف أو قاعد عليها فعلا، ولقيت حسن بيقولي ان ابو الكمال ده صاحبه ومش بيعمل حاجة وحشة، وانه ساكن معانا في الشقة هنا بس مينفعش حد كبير يشوفه عشان هيخاف منه، بيظهر للصغيرين بس، حكيت لأبوه مصدقنيش، حكيت لأمك قالتلي سبيه خالص بس راقبيه، وفعلا راقبته، واتعودت بقى على ابو الكمال ده، كنت ساعات احس فعلا ان فيه حركة بره في الصالة وانا في المطبخ، اشم ريحة مسك وبخور اوقات الصلاة وخصوصا ساعة صلاة الجمعة، وزي ما قولت لك، اتعودت خلاص ...

عارف كمان، دلوقتي لما حسن بقى يروح الحضانة وبقى ياخد قصار السور عشان يحفظ، كنت بسمعه طوب ما اهو قاعد يلعب بره انه مبقاش يلعب زي الأول ويقعد يسمع، كأنه بيردد ورا حد، ولما يغلط او ينسى، يرجع يعيد تاني بطريقة صحيحة، ولما بدأ ياخد حفظ لسور صعبة على طفل في النطق زي العاديات مثلا، فبلاقيه بينطق عادي وبيحفظ بسرعة....

قولتلها بخوف وانا لسه جسمي بيتنفض:

هو ده عادي يعني؟، ده عفريت ولا ملاك ده ولا ايه؟!..

قالت لي أنها سألت الشيخ في الحضانة وحكيت له، فقالها مدام بيحفظ وبيسمع سبيه، لأن الله أدرى بعبادة، وخلق ويخلق ما لا نعلمه، وعباد الله مش البشر بس، وللاطفال قدرة أكبر من الشفافية أنهم ممكن يشوفوا ويعيشوا حاجات غيرنا، فسبيه، بس افضلي راقبيه..

خلصت كلامها وانا رجعت اوضتي وشغلت قرآن وانا عمال أفكر وخايف، وفجأة لقيت حسن دخل عليا وبيقولي:

خلاص يا خالو، متخافش، أبو الكمال مشي بقى هيستناني في البيت عشان لقاك خايف منه، ده طيب يا خالو ومش بيخوف، بس خلاص هو مشي، حسن خلص كلامه وسابني وراح ينام وانا فضلت خايف ومرعوب وتقريبا منمتش اليوم ده...

وبعد حوالي سنة، كان حسن دايما يحكيلي فيها عن أبو الكمال كل ما يجوا عندنا، فجأة مبقاش يتكلم عنه، وسلوكه اتغير ومبقاش يقعد يلعب ويحكي مع حد، ولما سألته فين أبو الكمال قالي:

أبو الكمال مبقاش بيجي خلاص، قالي يا حسن انا لازم أمشي، انت كبرت خلاص وأنا مينفعش اجيلك تاني، بس أنا ساكن هنا معاك وهشوفك على طول، بس انت بقى خلاص مينفعش تشوفني، معرفش قال كده ليه يا خالو، بس هو كان طيب اوي..

وفعلا من يومها وحسن مبيتكلمش عن أبو الكمال ده خالص، دخل المدرسة وبقى ليه أصحاب وتقريبا أصلا نسي موضوع أبو الكمال ده، بس أنا منستش ولا عمري هنسى الرعب والخوف اللي حسيت بيه، في اليوم اللي حكالي عنه، والباب اللي اتفتح لوحده وكل الحاجات المرعبة اللي حصلت، أما مين أبو الكمال ده، الله أعلم.. 

تمت..

أبو الكمال

فهد_حسن 


ليست هناك تعليقات