إبحث عن موضوع

بيت البحيره

من صغري وانا بشوف الجن وبعرف عنهم ومنهم كتير، او بالظبط يعني من بعد اللي حصل لي بسبب عمتي الكبيرة، واللي بسببه بعد كده، سموني المبروكة مع إن أسمي الحقيقي إيمان.. إيمان حجاج، حكايتي بتبتدي من وانا عندي ١١ سنة، في الوقت ده كنت عايشة مع ابويا ومرات ابويا اللي اتجوزها من بعد ما امي ماتت وهي بتولدني عشان تربيني، لكنها في الحقيقة بعد ما السنين فاتت وبعد ما خَلفت من ابويا تلات عيال، ابتدت خناقاتها معايا تزيد من غير أسباب او لأني بمعنى أصح بقيت حمل عليها، بقت بتتلككلي على الصغيرة قبل الكبيرة لحد ما في مرة ووقت ما كانت بتخليني اغسل المواعين، وقع مني طبق غصب عني واتكسر، وقتها بقى عينك ما تشوف إلا النور.. شتيمة وزعيق وضرب، وياريتها جت على قد كده، دي استنت ابويا لحد ما جه من الشغل وقالتله إن انا بشتمها وبزعقلها وبقل أدبي عليها، وبعد ما شحنته من ناحيتي وخلته حرفيًا مش طايقني، خيرته ما بين وجودي في بيتهم وحياتي معاهم، ومابينها وما بين عيالها، يعني من الأخر كده قالتله..
(يا انا يا البت دي في البيت يا حجاج، يا هي تمشي وتغور من وشي، يا أما انا هاخد العيال وهروح عند أهلي لحد ما تشوفلك صرفة معاها)
ولأن ابويا كان قليل الحيلة قدامها وشخصيته ضعيفة، فهو مافكرش حتى في إنه يختار، هو من غير أي كلام اختارها هي وولاده، بس كانت المشكلة بقى في المكان اللي انا هروحه، اه والله.. ابويا ماكانتش مشكلته إن انا امشي من البيت او إن حد يكمل ربايتي غيره، ابويا كان كل مشكلته في المكان اللي هروحه، لكن المشكلة دي مرات ابويا لقت لها حل لما ابويا سألها..
(ماشي يا عزيزة ماشي.. انا مستعد امشيها من البيت خالص ولا إنك تضايقي يا ستي، بس تقدري تقوليلي بقى لو مشيتها هتروح فين؟!)
وبسرعة ومن غيرأي تفكير ردت عليه..
(وديها عند عمتها في البلد يا اخويا، ماهي قاعدة لوحدها ومالهاش لا جوز ولا عيل ولا حد عايش معاها.. اه ماتفكرش، هو ده الحل الوحيد، البت دي لو قعدت معايا اكتر من كده هتجيب أجلي يا اخويا ولا هتسمني، انت مابتشوفهاش وهي بتبصلي من فوق لتحت وكأني عدوتها مش مرات ابوها)
سكت ابويا وهو بيفكر في كلام مراته، وبعد تفكير لدقايق اقتنع بكلامها وحطلي هدومي في كام كيس وخدني ووداني عند عمتي.. عمتي اللي بطيبتها أول ما قال لها إنه عاوزني اقعد معاها بسبب المشاكل الكتير اللي مابيني وما بين مراته، خدت منه الشنط بتاعتي وبصت له من فوق لتحت باستحقار..
(وماله يا اخويا.. البيت بيتها، وانا برضه أحن عليها من العقربة اللي روحت اتجوزتها وبقت تمشيك على عجين ماتلغبطوش، يا جوز الست)
سكت ابويا وماردش، سابني لعمتي ورجع القاهرة لمراته وعياله، وانا من وقتها رتبت نفسي على إني خلاص هعيش مع عمتي عديلة، ومن عند قعادي عند عمتي بتبدأ حياتي تتغير، وقبل ما اقولك حياتي اتغيرت ازاي، خليني احكيلك عن عمتي وعن حياتها؛ الست عديلة.. ست ريفية عندها ٥٥ سنة، عايشة لوحدها من بعد ما جوزها طلقها لأنها مابتخلفش، ورثت البيت اللي هي عايشة فيه عن ابوها زي ما ورثت المعاش بتاعه اللي كانت عايشة منه، اخوها اللي هو ابويا، عايش في القاهرة لأنه بيشتغل الصبح موظف في هيئة حكومية، وبعد الضهر بيشتغل سواق على تاكسي.. دي حياة عمتي ببساطة، او بمعنى أوضح يعني، دي حياة عمتي اللي ظاهرة لمعظم الناس، لكنها في الحقيقة مش كده، عديلة ماكانتش الست الغلبانة الطيبة اللي ظاهرة قصاد الناس، عمتي كانت ست بتفهم كويس اوي في السحر والأعمال.. اتعلمتهم على إيد واحدة ست كبيرة كانت بتروحلها وقت ما كانت متجوزة بسبب موضوع الخلفة ده، ولما اتأكدت إنها خلاص مش هتخلف واتطلقت من جوزها وابوها وامها ماتوا، بقت بتروح للست العجوزة دي كتير عشان تتعلم منها السحر وفتح المندل وفك الأعمال، ولو هتسأل نفسك هي عملت كده ليه.. فانا هقولك إنها كانت بتعمل كده لسببين،؛ أولًا لأن ظروفها المادية ماكانتش قد كده، فكانت بتستغل اللي هي اتعلمته في إنها تجيب منه فلوس تساعدها في المعيشة جنب معاش جدي.. وثانيًا، اتعملت اللي اتعلمته ده كوسيلة حماية من ولاد الحرام وغدر الزمن لأنها ست وحدانية ومالهاش حد زي ما كانت تملي بتقول، بس بالرغم من كل اللي حكيته عنها ده، إلا إنها كانت طيبة اوي معايا، شالتني جوة عينيها وعاملتني معاملة أفضل بكتير من معاملة مرات ابويا، وفضلت معاملتها ليا كويسة لحد ما بعد حوالي شهر خدتني معاها وسافرنا من القرية اللي كنا عايشين فيها لقرية تانية جنبنا، كنت مسافرة معاها وانا مش عارفة انا مسافرة ليه او رايحة فين لحد ما وصلنا للبيت اللي كنا رايحينله، كان بيت شكله فخم اوي، استقبلتها فيه ست تقريبًا من سن مرات ابويا، الست دي سلمت على عمتي ورحبت بيها وهي على وشها سعادي غريبة..
-حمد لله عالسلامة يا ستنا، ونبي ما عارفة اقولك ايه على مجيتك دي، ربنا يجعلها قدم الخير والسعد والبت عقدتها تتفك.
ردت عليها عمتي وهي بتطمنها..
-خير يا حبيبتي خير.. المهم بقى فين المحروسة؟!
شاورتلها الست على باب أوضة مقفول وقالتلها وهي باين على وشها الحزن..
-في الأوضة دي يا اختي ومابتخرجش منها من ساعة اخر عريس اتقدملها، اه.. ماهي كل ما يجيلها عريس تفضل تتشنج وترفض تخرج تقابله وتفرج علينا الناس، ولما جيبنالها شيوخ زي ما قولتلك وقروا عليها، قالوا لنا إن معمولها عمل.. وقالوا لنا عشان تروق وتبقى كويسة، لازم العمل ده يتعرف مكانه ويترمي في مايه جارية.
بعد ما الست قالت كده، قامت معاها عمتي ودخلوا للبنت الأوضة لثواني.. بعد كده خرجوا هم الاتنين وقعدوا جنبي، دقيقة من الصمت قطعتها عمتي لما قالتلها..
-طيب يا اختي.. ماتشيليش هم، قومي انتي بس هاتيلي كوباية وأزازة زيت ومعاهم ورقة وقلم، وسيبي الباقي على عديلة.
سمعت الست كلام عمتي وقامت تجيبلها الحاجة اللي طلبتها، وقتها قربت مني عمتي وقالتلي وهي بتبتسملي اوي..
-مش عايزاكي تخافي يا بت، اللي هتشوفيه قوليلي عليه، الموضوع كله زي شكة الدبوس، انا ياما فتحت مندل على عيال وماحصلهمش حاجة.
بصيتلها باستغراب وسألتها..
-فتحتي مندل!.. يعني ايه يا عمتي، وبعدين هو انتي هتعملي ايه يخوف عشان تقوليلي ماخافش منه؟
طبطبت على كتفي وقالتلي وهي على وشها نفس الابتسامة..
-ولا حاجة يا قلب عمتك.. ولا حاجة، انتي بس اسمعي الكلام ومش هتحصل حاجة تخوف أبدًا.
ومع اخر كلمة لعمتي كانت الست جت ومعاها أزازة زيت وكوباية وقلم وورق فاضي، خدتهم منها عمتي وفضت من أزازة الزيت في الكوباية لحد ما ملت نصها، وبعد كده بصت للست وهي ماسكة القلم والورق وسألتها..
-أسم البت وأسمك وأسم امك..
-البت اسمها نعمة، وانا روحية، وامي فوقية..
كتبت عمتي الأسامي في ورقة وكتبت معاهم كلام مش مفهوم، وطبقت الورقة كذا تطبيقة لحد ما حجمها بقى صغير، وبعد ما عملت كده بصت للست من تاني وقالتلها..
-هاتيلي مشبك غسيل..
قامت الست جابت لها المشبك اللي بيه شبكت الورقة المتطبقة في شعري، وبعد ما عملت كده قربت منها الترابيزة الصغيرة اللي كانت محطوطة قدامنا وحطت عليها الكوباية وخلتها قدامي بالظبط، بعدها بصت لي وابتسمت وحطت إيدها على راسي وهي بتقولي..
-هتبصي في الكوباية، واللي هتشوفيه قوليلي عليه، ركزي مع صوتي بودنك، وبعينيكي مع اللي هتشوفيه، وماتقوليش أي حاجة غير جواب لأي سؤال هسألهولك.
هزيتلها راسي وانا مش فاهمة حاجة، بصراحة انا لا كنت مبسوطة ولا كنت خايفة، انا كنت مش فاهمة أي حاجة من اللي بتحصل حواليا وعشان كده كنت عادي، هزيتلها راسي عشان تبص هي للست وتقولها بلهجة أمر..
-قومي.. قومي اطفي النور بسرعة.
سمعت الست كلامها وقامت طفت النور، كانت الدنيا من حواليا ضلمة، لكني كنت حاسة بإيد عمتي اللي كانت على راسي وكمان كنت سامعة صوتها وهي بتقول كلام مش مفهوم بسرعة وبصوت واطي، فضلت تتكلم لدقايق بعدهم قالتلي..
(بصي في الكوباية.. يعني بصي للترابيزة اللي قصادك، وأول ما تلاقي الكوباية ظهر منها نور قوليلي)
رديت عليها وقولتلها حاضر وبصيت ناحية الكوباية، وقتها فضلت هي تتكلم بسرعة أكبر لحد ما فجأة شوفت الكوباية بتنور بنور أبيض، اتخضيت في الاول لكني بسرعة افتكرت كلامها لما قالتلي إن انا لازم انفذ كل اللي هتقولي عليه، فقولتلها بخوف إن الكوباية نورت، ساعتها ردت عليا بسرعة..
-قولي ورايا كل اللي هقوله، بحق خدام مندلي هذا وبحق الأسماء المُنيرة، أجعلوني أرى السحر الدفين بأسم نعمة بنت روحية بنت فوقية، أجعلوني أرى سحر بنت صاحبة هذا المنزل..
سمعت كلام عمتي وقولت زي ما هي قالت بالظبط، عشان فجأة اشوف قدامي في الكوباية المنورة يافطة مكتوبة عليها "مدفن آل عواد".. وطبعًا لما شوفت اليافطة قولت اللي شوفته لعمتي، بس اول ما قولت أسم المدفن صرخت الست صاحبة البيت اللي كانت قاعدة معانا وقالت بصوت عالي..
-ده مدفن عيلة أهل جوزي.. أكيد العمل مدفون فيه، أكيد اخته الحرباية هي اللي عاملة عمل لبنتي العمل ودفناه فيه عشان ماتتجوزش قبل بنتها.
اول ما الست قالت كده سمعت صوت عمتي وهي بتضحك ضحكة خفيفة بعدها قالتلي بصوت عالي..
-تمام.. قولي ورايا يا إيمان، بحق من خلقكم وخلقني.. اغلقوا المندل وعودوا من حيث أتيتم..
سمعت كلامها برضه وقولت نفس الكلام اللي قالتهولي عشان فجأة الكوباية نورها ينطفي وكل حاجة كنت شايفاها جواها تختفي، بعدها اتكلمت عمتي وطلبت من الست إنها تفتح النور، ففتحت النور وبسرعة جت ناحيتنا ومسكت إيد عمتي وفضلت تبوسها..
-تعيشي يا ستنا.. تعيشي يا مبروكة، انا هطلع جري على التربي واجيب الشيخ عبد التواب اخر شيخ جه للبت، واخليه يطلع العمل من المدفن ويرميه في المايه زي ما قال.
سحبت عمتي إيدها منها..
-تشكري يا غالية، ربنا يفك كربها.. المهم دلوقتي، فين ال..
مالحقتش عمتي تكمل كلامها لأن الست راحت جري وجابت فلوس واديتهالها وهي بتقولها..
-اللي اتفقنا عليه وزيادة.. بس ونبي ما انتي ماشية إلا لما تتغدي انتي والأمورة، وكمان نكون طلعنا العمل ورميناه واطمننا على البت.
وفعلًا شالت عمتي الورقة من راسي وكومتها وقالت للست ترميها هي والزيت في عين الحمام، بعد كده قعدنا أكلنا في أوضة من اوض البيت، وبعد ما كلنا وجت واحدة بتشتغل في البيت وجابت لعمتي الشاي وجابتلي حاجة ساقعة، بصت لي عمتي وضحكت وطلعت فلوس واديتهالي وهي بتقولي..
-خدي يا بت يا إيمان.. وكل مرة هتيجي معايا ليكي حسنتك، انتي شكلك مرزقة وقدمك سعد.
خدت منها الفلوس وانا ساكتة، انا ماكنتش فاهمة حاجة اه وكنت مستغربة كل اللي حصل، بس ده ماكنش سبب سكوتي.. انا كنت ساكتة لأن بعد اللي حصل كنت حاسة بصداع عمال يروح ويجي، ومعاه كنت سامعة زي أصوات بتتكلم جوة راسي بس صوتها مش عالي، وقبل ما اقول لعمتي على اللي انا حاسة بيه، كانت الست رجعت وهي بتزغرط وقالت لعمتي إنهم لقوا العمل جوة المدفن وخدوه ورموه في البحر، وكمان لما دخلت على بنتها لقتها نايمة وهادية وماكانتش بتصرخ ولا بتتشنج زي ما كانت بتعمل، وفي الأخر وبعد ما كل حاجة خلصت، رجعت انا وعمتي البيت والحياة ابتدت تمشي زي ما كانت، بس انا حياتي من يومها مابقتش طبيعية أبدًا.. انا من اليوم ده وانا بقت تحصل لي حاجات غريبة، الكوابيس اللي كنت بشوف فيها واحدة شبهي بالظبط بتتكلم معايا وبتصرخ في وشي ماكانتش بتفارقني، ده غير الصداع اللي بقى ملازمني والأصوات اللي كنت بسمعها جوة راسي والخيالات اللي كنت بشوفها كل ليلة في أوضتي، واللي زاد على كل ده بقى هو إني كنت بصحى كل يوم بالليل وانا بصرخ بسبب الكوابيس، ولما في يوم صحيت من النوم مفزوعة وجت عمتي قعدت جنبي وحطت إيدها على راسي وفضلت تقول في كلام مش مفهوم، ماحصليش أي حاجة ولا حسيت بحاجة غريبة، انا فضلت باصة لها وساكتة لحد ما قالتلي وهي باين على وشها القلق..
-لا.. كده الوضع مايطمنش، انتي هتفضلي يوماتي تقومي من النوم وانتي بتصرخي كده، انتي فيكي ايه يا بنتي.. ده انا لما بقرا عليكي اللي بقراه على الملبوسين مابيحصلكيش حاجة، لا.. انا لازم اخدك لستنا سيدة وهي تشوف مالك، انا أول مرة اعطل قدام حد.. انتي حصلك ايه من يومها؟!
كانت عمتي بتتكلم وانا مش معاها، انا كنت في ملكوت تاني، دماغي كانت مشغولة باللي بشوفه وبسمعه واللي بسببه حياتي اتقلبت ١٨٠ درجة، واللي حصل تاني يوم الصبح، هو إن عمتي نفذت كلامها وخدتني معاها للست اللي اسمها سيدة دي، بيتها كان بيت صغير في مكان متطرف في قرية قريبة اوي من قريتنا، اول ما وصلنا عنده وعمتي خبطت الباب، فتحتلها ست عجوزة لابسة جلابية سودة وحاطة على راسها طرحة بنفس اللون، اول ما فَتحت قربت منها عمتي وباست إيديها وهي بتقولها في خضوع..
-ازيك يا ستنا.. ليكي وحشة يا امه سيدة.
لكن الست ماردتش عليها، دي دخلت جوة البيت وهي بتقول لها..
-ادخلي يا عديلة واقفلي الباب وراكي.
دخلت انا وعمتي اللي بعد ما قفلت الباب، قالتلها الست وهي بتروح ناحية أوضة من أوض البيت..
-هاتي بنت اخوكي وتعالي ورايا..
فدخلنا وراها الأوضة اللي كانت مليانة بخور وريحتها وحشة اوي، دخلت الست وقعدت على كرسي في أخر الأوضة وشاورلتنا نقعد قدامها، قعدنا احنا الاتنين وابتدت عمتي الكلام لما قالتلها..
-البت يا ستنا من وقت ما فتحت عليها المندل وهي بتحصلها حاجات غريبة، بتقول إنها بتسمع اصوات وبتشوف خيالات في أوضتها وكمان تملي بتحلم بواحدة شبهها بتصرخ في وشها، فبقت يا ولداه بتصحى كل ليلة وهي بتصرخ من اللي بتشوفه، انا مش عارفة في ايه يا امه سيدة.. هو انا اول مرة افتح المندل على عيل، ما كل اللي فتحت عليهم قبل كده ماحصلهمش حاجة، اشمعنى بنت اخويا يعني اللي يحصلها كده، وبعدين انا لما بقرا عليها اللي بقراه على الملبوس عشان يتصرع، مابيجرلهاش حاجة، انا مش عارفة ايه اللي صابها!
قربت الست وشها مننا وبصت لي بتركيز وبعد كده رجعت بصت لعمتي..
-البت مابتتصرعش لأنها مش ملبوسة، البت نجمها خفيف، كانت بتقعد لوحدها في الحمام تعيط بالساعات بسبب مرات ابوها المفترية، فبقوا يعرفوها ويحسوا بيها لأنهم شايفينها، بس الحجاب اللي ما بيننا وبينهم هو اللي كان مانعهم عن إنهم يتواصلوا معاها.. لكن الحجاب ده اتشال لما البت اتفتح عليها المندل، ولأنها مش زي أي عيلة وكانت بتقعد معاهم بالساعات وهي مش شايفاهم، فلما المندل اتقفل، الحجاب اللي بينها وبينهم مارجعش تاني.. البت بصيرتها اتفتحت وبقت بتشوفهم وبتسمعهم كمان.
كانت عمتي بتسمعها وهي ساكتة ومش عارفة تقولها ايه، لكنها كملت كلامها وبصت لي وهي بتبتسم ابتسامة مصطنعة عشان تطمني..
-ماتخافيش.. انتي ربنا بعتلك نعمة كبيرة، هم مش هيأذوكي، هم بيحبوكي.. انتي صعبتي عليهم من وقت ما كنت بتحبسي نفسك وتعيطي في الحمام، ولما الحجاب اللي ما بينك وما بينهم اتشال، مارضيوش يأذوكي ولا هيعملوا كده.. هم بس كانوا عاوزين يوصلوا لك عن طريق قرينك اللي خاف منهم، شوفي.. انا هديكي حجاب تخليه معاكي اربعين يوم، وبعد ما الاربعين يوم يفوتوا، الكوابيس مش هتجيلك ولا هتتسرعي تاني، هو عن طريق الحجاب ده قرينك هيعرف إنك عارفة بوجودهم وهيتعود عليهم، وصدقيني يا بنتي.. اللي عندك ده نعمة حافظي عليها وماتستخدميهاش إلا في الخير، وإياكي تطلبي منهم أذية حد وألا النعمة ممكن تتقلب نقمة، او ممكن ماتشوفيهمش ولا تسمعي منهم حاجة تاني.
كانت الست بتتكلم وانا كنت مركزة مع كل كلمة بتقولها، أينعم انا ماكنتش فاهمة معظم كلامها، لكني كنت حاسة إنها بتقول كلام مهم.. وعشان كده فضلت مركزة معاها لحد ما خلصت وادتني الحجاب اللي فضل معايا اربعين يوم زي ما قالتلي، وبعد ما خدت منها الحجاب وقبل ما نمشي، قالت لعمتي إنها ماينفعش تفتح عليا المندل تاني طول الاربعين يوم دول، فقالتلها عمتي حاضر وخدنا بعضنا ومشينا ورجعنا لحياتنا من تاني، وبعد ما فاتوا الاربعين يوم على خير مابقتش بشوف كوابيس ولا خيالات، انا بقى بيحصلي حاجة تانية.. انا بقيت بسمع صوت بيقولي في راسي عن حاجات تخص ناس اعرفهم، يعني ساعات كان يقولي إن عمتي تعبانة في أوضتها، ولما كنت ادخل عليها كنت الاقيها فعلًا تعبانة، وساعات برضه كان يهمسلي بحاجات عن ناس اعرفهم وبتعامل معاهم هم مابيقولوش عليها لحد، وكانت بتطلع صح.. فمن وقتها بقى وانا بقيت بساعد عمتي في شغلها.. كنا بنعرف مكان الحاجات المسروقة وندل اصحابها عليها، او نفك عمل معمول لحد او نساعده إنه يفكه، او مثلًا نصرف جن من على الملبوسين، وحاجات كتير بسببها بقيت انا وعمتي عديلة بنكسب فلوس كويسة لحد ما فاتت سنين.. سنين بعدهم عمتي ماتت وانا بقى عندي ١٨ سنة، وقتها ظهر ابويا في حياتي من تاني وقال لي إن انا لازم ارجع معاه القاهرة لأنه جايبلي عريس، ولما رفضت في الأول وحاولت اقوله لأ، بكى قصادي وقال لي إن بعد ما مراته ماتت.. بقى ندمان على اللي عمله فيا زمان وعن إنه سابني لعمتي، فضحكت بصراحة لأن الصوت قال لي إن مراته كانت عاملة له عمل عشان يفضل طوع ليها ولما ماتت العمل ده اتفك، بعد كده قالي إني لازم دلوقتي ارجع معاه القاهرة وابقى جنبه ويجوزني ويطمن عليا، ولما جيت ارفض موضوع الجواز ده، قال لي إن انا هشوف العريس الأول، ولو ماعجبنيش ممكن ارفضه، فوافقت مبدئيًا وسافرت معاه وشوفت العريس اللي كان شكله طيب وابن حلال، ومش بس كده.. ده انا كمان لما شوفته سمعت الصوت اللي بيهمسلي وهو بيقولي إنه بني أدم كويس وغلبان وعمره ما سعى في أذية حد، ده غير إنه مالوش حد امه وابوه ميتين ومقطوع من شجرة ويعرف ابويا لأنه زبون عنده، ولما سمعه وهو بيدور على عروسة جابله سيرتي فجه يشوفني، وقتها بصراحة وافقت عليه وقولت اهي جوازة والسلام، بس في الحقيقة حسن الحلاق ماكنش جوازة والسلام.. انا بعد ما شافني وشوفته واتخطبتله.. حبيته، حبيته واتجوزنا وابتدت حياتي تاخد شكل تاني خالص عن اللي عيشته مع عمتي من وانا عندي ١١ سنة من ورا ابويا وورا كل الناس، انا حياتي بقت أسعد وأجمل مع جوزي الطيب الغلبان لحد ما ربنا كرمنا وخلفنا، عيل في التاني في التالت لحد ما بقى معانا تلات عيال، ومع كتر العيال وقلة حيلة ابوهم وقلة دخله، اضطريت انزل اشتغل واساعده على ظروف الحياة الصعبة، في الأول فكرت اشتغل زي ما كنت بعمل في البلد مع عمتي الله يرحمها.. بس بعد كده قولت ماينفعش، انا لو اتعرف عني اني مبروكة احتمال جوزي يطلقني وكل اللي حوالينا يقولوا عليا دجالة لأننا في القاهرة مش في بلد أرياف، فقررت إن انا انزل اشتغل في محل كوافير حريمي بتملكه واحدة جارتنا، ومن الكوافير ده للكوافير ده.. لحد ما انتهى بيا الحال في محل كوافير كبير اوي بعد ما اتعلمت الشغلانة وبقيت شاطرة فيها، بس شغلانتي في الكوافير الكبير ده مع شغل جوزي في محل الحلاقة، برضه ماكنوش مقضين مصاريف العيال، فاضطريت إن انا استعمل الموهبة اللي عندي بأن انا اتقرب من زباين الكوافير اللي معظمهم من الطبقة العالية، يعني.. بقيت اقرا لدي الفنجان واقولها إني شايفة فيه إن حياتها كويسة وإن جوزها بيحبها وعايزها، ودي كنت اقرالها الكف واقولها حرصي على جوزك.. وفي الحقيقة انا ماكنتش لا بقرا الفنجان ولا بقرا الكف، انا لما كنت بقعد قصاد الست من دول، كنت بسمع الصوت اللي بسمعه دايمًا في راسي وهو بيقولي حاجات عنها وعن حياتها، فبقيت استغل الموضوع ده واكسب منه فلوس، وفي نفس الوقت بقيت محبوبة وقريبة من الزباين، وفضلت على الحال ده لحد ما في مرة زبونة طلبت مني إني اروح معاها البيت.. الست دي كان اسمها مدام جميلة، او زي ما بتحب الناس ينادولها مدام چي چي.. جوزها رجل أعمال وحالتها المادية ميسورة جدًا جدًا، والغريب بقى في إنها تطلب مني إني اروحلها البيت، هو إني ماكنتش اتعاملت معاها قبل كده، يعني لا قريتلها الكف ولا قريتلها الفنجان ولا حتى في مرة الظروف صادفت وحصل بيننا أي كلام في أي حاجة برة شغلي في المحل، لكن في اليوم ده وبعد ما خلصت اللي كانت جاية تعمله في الكوافير، قربت مني وقالتلي بصوت واطي..
-بت يا إيمان.. انا عايزاكي في مشوار معايا للبيت وهديكي فيه ٥٠٠ جنيه.
استغربت اوي لما قالتلي كده وبصيتلها وانا مبرقة..
-٥٠٠ جنيه بحالهم، ليه يا مدام.. هو انا هروح البيت عندك اعمل ايه؟!
بصت حواليها عشان تتأكد إن مافيش حد من الموجودين مركز معانا وقالتلي بصوت واطي..
-انا عارفة إنك مبروكة وليكي في أمور السحر والجن، صحباتي اللي اتعاملوا معاكي من زباين المحل أكدوا لي الكلام ده.. انا ضايع من عندي عُقد غالي اوي، او بمعنى اصح يعني هو مش ضايع، انا شاكة إنه اتسرق، واللي سرقه حد من اللي شغالين في الفيلا، فمن الأخر كده انا عايزاكي تيجي معايا وتعرفيلي مين اللي سرقه ومكانه وفين، ولو حصل ونفذتي اللي انا عايزاه، هديكي اكتر من ال ٥٠٠ جنيه كمان.
بصراحة عرضها كان مغري ومايترفضش، فوافقت إني اروح معاها الفيلا، وهي طبعًا عشان تخليني اخرج من الكوافير.. طلبت من صاحبته إني اروح معاها البيت عشان اعمل لواحدة قريبتها راجعة من السفر وهتقعد معاها، باديكير ومانيكير وكده.. فوافقت صاحبة الكوافير بعد ما خدت منها مبلغ كويس، وبعد كده روحت انا وهي عندها الفيلا، ومع وصولنا دخلتني وقعدتني في الصالون وبعد شوية رجعت وقعدت قصادي وقالتلي..
يتبع
(ده الجزء الأول من قصة بيت البحيرة)
محمد_شعبان

بيت البحيرة
٢ 
وفضلت على الحال ده لحد ما في مرة زبونة طلبت مني إني اروح معاها البيت.. الست دي كان اسمها مدام جميلة، او زي ما بتحب الناس ينادولها مدام چي چي.. جوزها رجل أعمال وحالتها المادية ميسورة جدًا جدًا، والغريب بقى في إنها تطلب مني إني اروحلها البيت، هو إني ماكنتش اتعاملت معاها قبل كده، يعني لا قريتلها الكف ولا قريتلها الفنجان ولا حتى في مرة الظروف صادفت وحصل بيننا أي كلام في أي حاجة برة شغلي في المحل، لكن في اليوم ده وبعد ما خلصت اللي كانت جاية تعمله في الكوافير، قربت مني وقالتلي بصوت واطي..
-بت يا إيمان.. انا عايزاكي في مشوار معايا للبيت وهديكي فيه ٥٠٠ جنيه.
استغربت اوي لما قالتلي كده وبصيتلها وانا مبرقة..
-٥٠٠ جنيه بحالهم، ليه يا مدام.. هو انا هروح البيت عندك اعمل ايه؟!
بصت حواليها عشان تتأكد إن مافيش حد من الموجودين مركز معانا وقالتلي بصوت واطي..
-انا عارفة إنك مبروكة وليكي في أمور السحر والجن، صحباتي اللي اتعاملوا معاكي من زباين المحل أكدوا لي الكلام ده.. انا ضايع من عندي عُقد غالي اوي، او بمعنى اصح يعني هو مش ضايع، انا شاكة إنه اتسرق، واللي سرقه حد من اللي شغالين في الفيلا، فمن الأخر كده انا عايزاكي تيجي معايا وتعرفيلي مين اللي سرقه ومكانه وفين، ولو حصل ونفذتي اللي انا عايزاه، هديكي اكتر من ال ٥٠٠ جنيه كمان.
بصراحة عرضها كان مغري ومايترفضش، فوافقت إني اروح معاها الفيلا، وهي طبعًا عشان تخليني اخرج من الكوافير.. طلبت من صاحبته إني اروح معاها البيت عشان اعمل لواحدة قريبتها راجعة من السفر وهتقعد معاها، باديكير ومانيكير وكده.. فوافقت صاحبة الكوافير بعد ما خدت منها مبلغ كويس، وبعد كده روحت انا وهي عندها الفيلا، ومع وصولنا دخلتني وقعدتني في الصالون وبعد شوية رجعت وقعدت قصادي وقالتلي..
-دلوقتي انا هجيبلك الناس اللي شاكة فيهم وانتي تقوليلي مين فيهم اللي سرق العُقد.
لما قالتلي كده سمعت الصوت اللي بسمعه في راسي وهو بيطلب مني إني اشوف صورة للعُقد عشان اقدر اعرف مكانه، فطلبت منها صورة وبالفعل جابتلي صورة ليها وهي لابساه، وبعد ما شوفته وحفظت شكله كويس وقبل ما تدخل عليا الناس اللي شاكة فيهم، سمعت فجأة الصوت وهي بيقولي..
(ماحدش سرق العُقد.. العُقد مع جلال.. العُقد مع جوزها)
لما سمعت الكلام ده من الصوت، لقيت نفسي بسرعة بقولها..
-العُقد يا مدام ماحدش سرقه، العُقد مع جوز حضرتك، جلال بيه.
اول ما قولتلها كده بصت لي وبرقت وبعد كده ابتسمت ابتسامة مش مفهومة ومش في مكانها خالص، ومع ابتسامتها دي، دخل علينا راجل لابس بدلة فخمة اوي وشكله له هيبة كده، الراجل دخل عليا وبص لي وهو مبتسم هو كمان وقال لي وهو بيقعد جنب مدام جميلة..
-جلال الغريب.. جوز جميلة، بصراحة لما جميلة حكت لي عنك وقالتلي إن صحباتها بيقولوا إنك واصلة وبتعرفي حاجات كتير، قولت إنها بتبالغ، بس لما شوفت وسمعت بودني صدقت واقتنعت.
بصيت لهم هم الاتنين باستغراب..
-هو في ايه، انا مش فاهمة حاجة، هو حضرتك اللي واخد العُقد والمدام عارفة ولا..
فجأة سكتت لما سمعت الصوت بيقولي..
(اه عارفة)
بصيتلها وبرقت..
-لما انتي عارفة يا مدام.. جيبتيني ليه، جيبتيني ليه طالما عارفة مكان العُقد.
وقتها المدام ماردتش عليا، اللي رد عليا كان جلال جوزها اللي كان لسه على وشه نفس ابتسامة السعادة الغريبة اللي انا ماكنتش فاهمة سببها..
-سيبك بقى من العُقد ومن الهري ده كله وركزي معايا، انتي بت غلبانة وفي عرض كل مليم، انا لما سألت عليكي وعرفت عنك كل حاجة، بصراحة صعبتي وقولت إن واحدة زيك وبموهبتك دي أكيد هتكون أولى من أي حد تاني باللي انا عاوزه.
كنت بسمعه وانا مش فاهمة حاجة من كلامه..
-عاوز ايه يا بيه.. انا مش فاهمة حاجة!
اتعدل في قعدته وبص لي بتركيز..
-طيب، انا هفهمك.. انا يا ستي رجل أعمال، وبسبب الأزمة الاقتصادية اللي بيمر بيها العالم كله، اتأثر شغلي وابتديت اخسر فلوس كتير.. فاضطريت إن انا اشتغل في حاجات كتير ماكنتش حابب اشتغل فيها، ومن ضمن الحاجات دي حاجة بتكسب كتير اوي...
سكت شوية وبعد كده كمل كلامه..
-شوفي يا إيمان ومن الاخر كده، انا اشتريت بيت في البحيرة بيقولوا إن تحته مقبرة فرعونية، وكل الشيوخ اللي جم وكشفوا على البيت ده، قالوا إن فعلًا في دفينة تحته ومش أي حد يقدر يوصل لمكانها، اللي هيقدر يوصل لمكانها هو شخص او حد بيعرف يتعامل مع الجن ومتمكن منهم كويس اوي، كل الكلام ده مراتي عارفاه، وعارفة كمان إننا بقالنا شهور بندور تحت البيت على مكان ندخل منه لباب المقبرة، بس مش عارفين نوصله، فلما چي چي سمعت عنك وحكتلي، افتكرتها بتبالغ، وعشان اتأكد من إنك بتعرفي تتعاملي مع الجن الكويس، اقترحت عليها موضوع العُقد ده وخليتها تجيبك لحد هنا، وبصراحة خالفتي كل توقعاتي، أبهرتيني.. ودلوقتي وبعد ما عرفتي كل حاجة بطلب منك إنك تيجي معايا للبيت وتعرفيلي مكان باب المقبرة وندخلها ازاي، وفي مقابل كده هديكي مبلغ محترم اوي اوي يعيشك انتي وجوزك الحلاق وعيالك التلاتة في نعيم، الباقي من عمركوا.
سكتت بصراحة ومابقتش عارفة اقول ايه، ده حتى الصوت اللي كان بيكلمني سكت هو كمان، لحد ما قطع لحظات سكوتي جلال بيه اللي طلع من جيبه عُقد دهب وحطه على الترابيزة وهو بيقولي..
-العُقد ده ليكي.. كادوه، عربون شغل، وصدقيني.. ده أقل بكتير اوي اوي من اللي هتشوفيه لو نفذتي اللي انا طالبه منك.
مدت إيدها مدام جميلة ومسكت العُقد واديتهولي..
-خدي يا إيمان.. امسكي ماتتكسفيش.
مديت إيديا وخدت العُقد وانا جسمي كله بيترعش، انا أول مرة اتحط في موقف زي ده، بس بمجرد ما مسكت العُقد والدهب زغلل عينيا، بصيتلهم وانا بضحك زي الهبلة..
-موافقة طبعًا.. أكيد موافقة.
قام جلال بيه وقف ومسك موبايله وكلم واحد وقاله..
-جهز العربية بسرعة، هنسافر البحيرة حالًا.
قومت وقفت وبصيتله باستغراب..
-هنسافر امتى.. دلوقتي؟!
رد عليا وهو بيبص لمراته..
-طبعًا، انا مابحبش اضيع وقت، كده كده احنا هنروح وهنرجع بالعربية، يعني مش هتتأخري، وحتى لو اتأخرتي شوية على ولادك اللي بتسيبيهم تملي مع جارتك اللي قصادك، فانتي ممكن تعتبري نفسك اتأخرتي الشوية دول في الكوافير.
هزيتله راسي وانا مبهورة.. كنت مبهورة بكم المعلومات اللي عارفه عني، وكمان كنت مبهورة اكتر بالعرض اللي عرضه عليا، وعشان كده وبسبب انبهاري والخطفة اللي اختطفتها، نفذت اللي طلبه مني وروحت معاه للبحيرة، ومع وصولنا هناك وقفت العربية قصاد بيت من دور واحد، كان بيت شبه البيوت اللي كنت بشوفها في البلد وقت ما كنت عايشة مع عمتي، بس الفرق اللي ما بين بيوت البلد والبيت ده، إن بيوت البلد كانت جنب بعض، إنما البيت ده كان حواليه أرض مليانة زرع وأرض تانية فاضية، وكمان كان اقرب بيت له على بعد أمتار كتير!
فضلت ابص للبيت وانا مستغربة المكان لحد ما جلال بيه قال لي..
-البيت ده بالأرض اللي حواليه انا اشترتهم لما حد دلني على إن تحته أثار، وبعدين الكنوز اللي تحته اما تطلع بفضلك، أكيد هتساوي اكتر من تمنه بكتير.
ابتسمتله ابتسامة مليانة خوف وقلق، ماعرفش ليه كنت خايفة وقلقانة مع إني مش هيحصلي حاجة يعني، لكني بعد ما دخلت البيت وقعدت فيه عرفت سبب القلق ده ايه، البيت من جوة شكله مقبض اوي، مليان حفر كتير غويطة في الأرض، كنت ببص على حيطانه وانا سرحانة لحد ما سمعت الصوت اللي في راسي بيقولي..
(قومي امشي.. النار.. قومي امشي.. النار)
وابتدى الصوت يعلى وهو بيكرر في نفس الكلام لحد ما غصب عني ابتديت اصرخ، قرب مني جلال واللي معاه فطلبت منهم إن انا اخرج برة البيت، وفعلًا خرجوني وقعدوني في العربية، شربوني مايه واستنوا لحد ما هديت، ومع هدوئي الصوت كان اختفى لفترة صغيرة بعدها رجع الصوت وقال لي كلمتين وبس..
(الحلم.. بكرة)
فبصيت لجلال بيه اللي كان بيبص لي باستغراب وقولتله..
-مش فاهمة، بس هم بيقولوا لي الحلم.. وبكرة، يعني ممكن اشوف مكان مدخل المقبرة في الحلم بكرة.
لما قولتله كلامي ده سألني بسرعة..
-ماشي مافيش مشكلة، نستنى لبكرة، احنا هنروح من بعض فين يعني.. ما انا عارف بيتك ومكان شغلك ومكان شغل جوزك، بس في حاجة مهمة اوي عاوز اسألك عليها، انتي صرختي ليه وطلبتي إنك تخرجي برة البيت؟!
جاوبته لما قولتله على اللي سمعته واللي كان بيتقالي باستمرار وبصوت عالي اوي وانا جوة، سكت جلال وماعلقش لأنه غالبًا مافهمش حاجة زي ما انا كمان مافهمتش، بس عدم فِهمي ده مادامش كتير لأني بعد ما روحت بيتي ونمت، حلمت بحلم غريب اوي.. انا حلمت بنفس البنت اللي كنت بحلم بيها قبل ما اروح للست اللي اسمها سيدة، حلمت بيها وهي واقفة قصادي في أوضة من أوض بيت البحيرة، كانت واقفة قصادي وهي ساكتة، مابتتكلمش، فسألتها وانا ببصلها باستغراب..
-انتي مين.. واحنا بنعمل ايه هنا؟!
جاوبتني وهي بتقرب مني..
-انا صاحبة الصوت اللي بتسمعيه، انا قرينك اللي بيتواصل معاهم وبيعرفك اللي بيقولوه، سيدة لما ادتك الحجاب كان عشان اتعود عليهم واعرف اتعامل معاهم واسمع منهم وانقل لك كلامهم.. بس اللي حصل زمان مش مهم، ده زمن وفات، المهم دلوقتي هو البيت ده واللي تحته.. المقبرة دي لو اتفتحت، هتفتح على أهل البلد اللي فيه البيت طاقة من طاقات جهنم، حراس المقبرة اتحبسوا وبقوا بيرصدوا المقبرة دي بالغصب، يعني هم مستنين اللي هيوصل لمكان المقبرة وهيفتحها عشان يخرجوا عن طريقه، اللي خلاهم حراس على المقبرة كان ساحر وكاهن شديد، جندهم بالغصب وهم مستنين يطلعوا عشان يولعوا في القرية وبيوتها، هم عاوزين ينتقموا من الناس او اللي هيطولوه من ولاد أدم، انا عرفتك كل حاجة زي ما هعرفك مكان الدخول للمقبرة..
قالت كده وشاورت ناحية ركن من أركان الأوضة اللي احنا واقفين فيها..
-مكان دخول من هنا، هيحفروا ناحية الشمال لحد ما يوصلوا لرصد خشب، هيفتحوه وهيلاقوا وراه الباب اللي هيتفتح اول ما أي بني أدم يقرب منه.. الحراس اللي على الباب والمقبرة مش هيأذوا حد، هم عاوزين يخرجوا.. وانتي اللي في إيدك تختاري، يا تساعدي جلال وتخرجيهم وتخليهم يولعوا في بيوت البلد وأهلها، يا ترفضي وتحمي الناس برفضك.
خلصت كلامها عشان اصحى من النوم مفزوعة لأول مرة من سنين، ولما جوزي صحي على صوت صراخي، قولتله اني شوفت كابوس وشربت مايه وفضلت صاحية طول الليل بعد ماهو رجع نام، مسكت العقد اللي كنت خدته من جلال وجميلة وفضلت طول الليل سهرانة وبفكر.. الحلم اللي شوفته ده ماكنش مجرد حلم، ده كان تحذير عشان ماقولهوش على مكان المدخل واساعد في أذية ناس، وساعتها بقى كان قراري.. انا تاني يوم لما جميلة بعتتلي السواق بتاعها المحل، وخلتني اروحلها الفيلا زي ما روحتلها في اليوم اللي قبله، وبمجرد ما دخلت وشوفتها هي وجوزها، طلعت العُقد من شنطتي وقولتلهم بكل حزم..
-العُقد اهو يا هانم، العُقد اهو يا جلال بيه.. انا مش هقدر اعرف مكان مدخل المقبرة، شوفوا حد غيري.
بص لي جلال من فوق لتحت وسألني..
-انتي شوفتي ايه في الحلم اللي كان المفروض تشوفيه يا إيمان؟
مابقتش عارفة اقوله ايه، فاضطريت إني اكدب..
-ماشوفتش حاجة، وعشان كده بقولك مش هقدر اعرف المكان، انا يا بيه لا سمعت حاجة ولا اعرف حاجة، ماتخافش.. انا مش هفتح بوقي، بس طلعني من الموضوع ده كله.
بص لي جلال وضحك ضحكة مافهمتش معناها وبعد كده قال لي..
-تمام.. فُل يا مبروكة..
وكمل كلامه وهو بينده بصوت عالي..
-يا سعد.. يا سعد..
جه واحد من اللي شغالين في الفيلا عشان جلال يقوله..
-خد الست هانم ووصلها للعربية وخلي السواق يوصلها مكان ماهي عايزة.
استغربت من كلامه ومن طريقته.. لكني بصراحة فرحت لأنه سابني امشي وكمان لأنه صدق كلامي لما قولتله إني مش هفتح بوقي عن اللي شوفته وعرفته، بس انا كنت غلطانة.. انا بعد ما مشيت وبعد مافاتوا تلات أيام على اللي حصل ده، وفي يوم كنت أجازة من الشغل وقاعدة في البيت بالولاد وجوزي كان في شغله في محل الحلاقة، يومها لقيت الباب بيخبط، ولما فتحت لقيته واحد من اللي بيشتغلوا مع جوزي في المحل، كان بينهج وهو بيقولي بخوف..
-ياست إيمان.. الحكومة دخلت علينا المحل واحنا واقفين بنشتغل، دخلوا وقلبوا الدنيا وكأنهم بيدوروا على حاجة معينة، ولما قَلبوا في هدومنا اللي بنقلعها وبنحطها في أوضة داخلية جوة المحل وبنلبس بدالها هدوم الشغل، لقوا في هدوم عم حسن حتة حشيش كبيرة وخدوه على القسم.
لبست هدومي بسرعة وجريت على القسم اللي عرفت إن جوزي فيه، وهناك عرفت إنه متهم بقضية إتجار حشيش!
ساعتها بقى حسيت إن دماغي وقفت واني خلاص هتشل، حسن جوزي وسندي في الدنيا هيروح في داهية، واللي زاد وغطى بقى كان كلامه لما قال لي قبل ما يدخل الحجز..
(والله العظيم يا إيمان انا مظلوم.. انا عمري ما شربت حشيش ولا شيلته حتى.. اللي حصل ده كله متلفق وانا ماعرفش من مين)
كنت مصدقة كل حرف من اللي بيقوله، حسن غلبان وطيب وعمره ما يتاجر في الحرام، وقبل ما اسأل نفسي مين اللي لبسه التهمة دي او لبسهاله ليه، لقيت تليفوني بيرن والمتصل كان رقم غريب بعد مارديت عليه سمعت صوت جلال بيه وهو بيقولي..
-سمعت إن جوزك متهم في قضية إتجار مخدرات، ايه رأيك.. تحبي يخرج منها ونجيب حد يشيلها بداله لما تقوليلي على اللي شوفتيه في الحلم، ولا تحبي تخليه يروح في داهية وانتي وراه ووراكوا عيالكوا لما يترموا في الشارع من بعدكوا؟!
ثورت وزعقت فيه وانا جوايا نار قايدة..
-انت السبب.. كنت عارفة إن انت السبب، منك لله يا أخي، منك لله.
لكنه رد عليا بكل برود..
-مش وقت صعبنيات دلوقتي يا روح امك... تحبي حسن يخرج منها وتدليني على اللي عرفتيه وانا برضه هشوفك بقرشين، ولا هتفضلي ساكتة ودنيتك تبوظ، معاكي وقت تفكري لحد نص الليل، بعد كده انا مش مسؤول عن اللي هيحصل لجوزك ولا عن اللي هيحصلك، عقلك في راسك تعرفي خلاصك يا بنت الناس.. رقمي معاكي لو حبيتي تتكلمي، سلام.
قال لي كده وقفل في وشي، قفل بعد ما حطني بين اختيارين.. او خليني اقول بين نارين، روحت البيت وقعدت قصاد عيالي وانا بعيط وبفكر هعمل ايه، انا مش هينفع اسيب جوزي يروح في داهية، انا مش هينفع اسيب عيالي يتشردوا ويترموا في الشارع، وعشان كده قررت اتصل بيه وابلغه باللي عرفته، مسكت موبايلي وكلمته بسرعة..
-الو.. ايوة يا جلال بيه، انا هقولك على المكان اللي هتدخل منه لرصد المقبرة وبعد كده لبابها، بس اعمل حسابك، المقبرة دي لو اتفتحت هتفتح على أهالي البيوت اللي حواليها طاقات جهنم، المقبرة دي فيها حراس شداد من ال..
قاطعني..
-مش مهم.. يولعوا أهالي البيوت، انا كنت عارف إنك عارفة حاجة ومخبياها عليا، شوفتها في عينيكي وانتي عندي في الفيلا وبتديني العُقد.. بس جدعة يا مبروكة، جدعة لأنك اختارتي الصح وعملتيه، انا أول ما اعرف منك المكان وافتح المقبرة واطلع اللي جواها، هبعت حد يشيل القضية مكان جوزك وهخليه يقول إنه هو اللي حطله الحشيش في هدومه كمان، ها بقى.. مكان المدخل فين بالظبط؟!
سكتت شوية قبل ما اقول.. فكرت في اللي ممكن يحصل لأهالي القرية دي بعد ما المقبرة تتفتح، بس بعد تفكير سريع بين وبين نفسي، اختارت إن انا انقذ جوزي ووصفتله المكان بالظبط وقولتله كل التفاصيل اللي عرفتها من قريني في الحلم اللي شوفته، بس بعد ما خلصت وصفي بالظبط وبعد ماعرف مني كل اللي عايز يعرفه، قفل معايا وغاب.. غاب يومين تلاتة، وفي خلال الأيام دي كنت بحاول اتصل بيه او اوصله لأن قضية جوزي كانت اتحولت للنيابة، بس من غير فايدة.. جلال فص ملح وداب، ده انا حتى لما روحتله الفيلا مالقتش حد فيها، وكانت المصيبة لما سألت عليه وعرفت إن مراته سافرت برة مصر بعد ماهو اتقبض عليه بالأثار اللي خرجها واتسجن!
لما سمعت الكلام ده بقيت بلطم على وشي زي المجانين، والمصيبة الأكبر بقى هي إن جوزي تحكم عليه بالسجن لمدة ١٥ سنة، ومش بس كده.. دي كمان كتير من بيوت القرية اللي كان فيها البيت، او معظم البيوت اللي حواليه يعني، عرفت إن أهلها اترموا في الشارع لما زرعهم بقى بيتحرق هو وبيوتهم، وكمان مواشيهم بقت تموت بطرق غريبة من غير أي سبب او تفسير، انا خسرت.. خسرت كل حاجة، خسرت جوزي ووعد جلال وكنت السبب كمان في اللي حصل لناس أبريا مالهمش ذنب في أي حاجة، ده انا حتى كمان خسرت الصوت اللي كنت بسمعه وكان بيبلغني بكل حاجة، وعشان اشيل الذنب من على كتافي او عشان الاقي حل للي وصلتله، روحت لجوزي حسن زيارة في السجن، حكيتله على كل اللي حصل، من أول عمتي واللي حصل لي بسببها زمان، لحد حكاية جلال واللي جرالنا من تحت راسه... كان حسن قاعد بيسمعني وهو ساكت لحد ما خلصت كلامي، كلامي اللي من بعده بص لي حسن بنظرة استحقار وقال لي..
-مش عارف اقولك ايه غير منك لله، انا اترميت في السجن بسببك وبسبب طمعك وشغلك بالسحر، كان ممكن تشتغلي في الكوافير من غير ما تستخدمي اللي عندك وتدخلينا في كل ده، وصدقيني ربك كان هيبارك في الحلال، لكن انتي بني أدمة طماعة، كنتي السبب في أذية جوزك زي ما كنتي السبب في أذية ناس أبريا، روحي يا إيمان.. روحي وانتي طالق، ربنا يوريني فيكي عجايب قدرته بحق كل يوم هقضيه وسط المجرمين، بعد ما كنت صنايعي حلاق غلبان ماشي جنب الحيط بقيت مجرم، غوري من وشي.. مش عاوز اشوف خلقتك تاني.
مشيت من عنده وانا مش شايفة قدامي من الدموع، انا لما حكيتله ماوصلتش لحل ولا الذنب اتشال من على كتافي، انا ماقدرتش اعمل أي حاجة غير إني اكتب حكايتي واعرضها للناس وهم اللي يحكموا، انا غلطت في اللي عملته ولا لأ، وحتى لو غلطت.. فانا غلطت عشان اطلع جوزي من مصيبة كبيرة، بس للأسف، لا جوزي طلع ولا استفدت ولا طولت أي حاجة، انا دلوقتي شغالة وبربي عيالي وفي نفس الوقت ببعت زيارات لحسن من غير ما ازوره.. اه ما انا السبب في اللي جراله وعشان كده عمري ما هتخلى عنه وهفضل مستنياه لحد ما يخلص مدته حتى بعد ما طلقني، لكن انا حقيقي مش عارفة، انا مش عارفة هل انا جانية ولا مجني عليها، قولوا لي انتوا بعد ما عرفتوا حكايتي وحكيتهالكوا بكل صراحة، شايفينني ازاي؟!
تمت
محمد_شعبان
بيت_البحيرة

ليست هناك تعليقات