إبحث عن موضوع

ليلة في لوكاندة بورسعيد

اللي هتقراه دلوقتي ده.. في جزء كبير منه حقيقي.

انا عندي محل ملابس في حي من الأحياء القاهرة، حكايتي بتبتدي من يوم سافرت فيه من القاهرة لبورسعيد، ولو هتسألني سافرت ليه، فانا هقولك سافرت بورسعيد لأني كنت متفق مع تاجر صاحبي من هناك اتعودت اتعامل معاه واجيب منه بضاعة بالجملة، اتفقت معاه على أن انا هروحله عشان اجيب منه بضاعة للمحل عندي، لكن يومها اول ما صحيت من النوم وبعد ما سلمت على ولادي الاتنين، وبعد ما نزلوا مدارسهم، قعدت افطر مع مراتي اللي بدأت الكلام معايا لما قالتلي...
-بقولك ايه يا سعد.. ابنك علي زعلان منك اوي عشان زعقتله امبارح.
سيبت الأكل من إيدي وبصيتلها باستغراب..
-زعلان!.. بقى حتة العيل ده زعلان مني عشان قولتله سيب اللعب اللي انت قاعد بتلعبه وادخل نام عشان عندك مدرسة الصبح!
ردت عليا مراتي وهي بتبصلي بزعل..
-لا مش زعلان عشان كده، هو زعلان لأنك زعقتله وما اتكلمتش مع اخوه، مع إن اخوه برضه كان قاعد بيلعب معاه وانت زعقتله هو بس، يا سعد كده مش هينفع، انت مش ملاحظ إن تفرقتك في المعاملة ما بين علي وما بين عادل، بقت حاجة واضحة اوي وممكن تأثر على نفسيته لما يكبر؟
رديت عليها بعصبية..
-تأثر على نفسية مين انا مش فاهم، يعني عايزاني اعمل ايه.. اطبطب عليه واقوله بعد اذنك يا أستاذ علي سيب اللعب واتفضل حضرتك ادخل نام، ولا عاوزاني مثلًا زي ما زعقتله ازعق لاخوه هو كمان عشان ترتاحي؟!
ردت عليا وهي لسه واضح على ملامحها الضيق..
-ماقولتش كده يا سعد، انا مش عايزاك لا تقوله يا أستاذ ولا تزعق لاخوه زي ما زعقتله، انا بس عايزاك تعامله بحنية شوية زي ما بتعامل اخوه.. انا عارفة إنك بتحب عادل اكتر لأنه هو الكبير وكمان متسمي على أسم والدك الله يرحمه، لكن اللي انت بتعمله ده صدقني ماينفعش، حتى لو كنت بتحب ابن اكتر من التاني، فانت ماينفعش تفرق في المعاملة ما بينهم وتبينلهم ده، كده يا سعد الولد لما يكبر هيكرهك.
اول ما قالتلي كلمة هيكرهك دي، اتعصبت جدًا بصراحة وقومت وقفت وسيبتها وروحت ناحية باب الشقة..
-لا يكرهني ولا يحبني، انا اساسًا اتخنقت من الواد ده عشان كل شوية يشتكيلك ويعيطلك زي البنات.. وبعدين شوفي بقى يا حنان، دول ولادك، يعني ربيهم زي ما انتي عاوزة، انا هتنيل اروح شغلي لأني لسه ورايا سفر ويوم طويل، ومش فاضي للتهريج وللعب العيال ده.
خلصت كلام مع مراتي وفتحت الباب ونزلت، بعد كده روحت لمحطة السوبر چيت وركبت منها لبورسعيد، لكن طول الطريق وانا رايح مشواري كنت قاعد بفكر في اللي حصل بيني وبين مراتي؛ انا عارف إني بعامل عادل احسن من علي، يمكن عشان واخد كتير مني ومن ابويا الله يرحمه، بس هعمل ايه يعني.. دي حاجة غصب عني، إنك تحب حد زيادة عن حد، دي حاجة الواحد مالوش عليها سلطان عليها...
فضلت اكلم في نفسي وانا سرحان لحد ما الوقت فات ووصلت بورسعيد، وهناك واول ما وصلت ونزلت من السوبر چيت، وقفت تاكسي وداني لحد المكان اللي فيه مكتب الجملة بتاع صاحبي التاجر، صاحبي التاجر اللي لما شوفته، سلم عليا وقعدنا نتكلم مع بعض شوية عن احوال الشغل والدنيا، وبعد كده بدأت انقي بقى البضاعة اللي انا عايزاها، واللي بالمناسبة يعني مالقتهاش كلها عند صاحبي ده، فاضطريت إن انا ألف على التجار اللي جنبه عشان اجيب كل البضاعة اللي المحل عندي محتاجها... وبعد لف طول اليوم وتعب، جهزت كل البضاعة واتفقت مع سواق عربية نقل يعرفه صاحبي ده، على إنه هياخد البضاعة وينقلها لي القاهرة، بالتحديد يعني عند المحل.. وبعد ما عملت كده اتصلت بابن اخويا اللي واقف معايا في المحل، وقولتله إن البضاعة هتوصل له قريب وبلغته إنه يقعد يستناها.
خلصت كلامي مع ابن اخويا وبعد ما اطمنت على إن الشغل تمام، سلمت على التاجر صاحبي وقولتله..
-تسلم اوي يا بلال يا اخويا، اتكل انا بقى على الله، تؤمرني بأي حاجة؟!
بص لي بزعل وقال لي بطيبته المعتادة..
-تتكل فين يا جدع انت، مش لما تقعد تتغدى معايا الأول؟!
بصيت في الساعة ورديت عليه..
-يا عم غدا ايه الساعة ٩ بالليل، قول نتعشى بقى مش نتغدا، لا يا حبيبي الله يكرمك، دايمًا مكانك عامر بحسك، انا اتأخرت ولازم امشي لأني لسه ورايا مشوار سفر.
حاول صاحبي معايا عشان اقعد اتغدا معاه او ابات عنده لأن الوقت اتأخر، لكني في الحقيقة رفضت لسببين؛ أولهم إن بلال معرفتي بيه ماكانتش قوية اوي للدرجة اللي تخليني ابات عنده، وتانيهم بقى إن انا ماحبتش اتقل عليه بصراحة ولا اكلفه، فبعد كلام كتير ومحاولات اكتر منه على أمل إن انا اقعد، رفضت وسيبته ونزلت.. اتمشيت الأول شوية في البلد وقولت اشتري لعب للأولاد.. وفعلًا اشتريت لعبتين لعادل لأنه الكبير، وجيبت لعبة لعلي لأنه الصغير، وبعد ما اشتريت لهم اللعب ووقت ما كنت بتمشى في الشارع، لَفت نظري محل سمك كبير، دخلت أكلت فيه وبصراحة أكله كان تحفة، وبعدين خرجت وقفت تاكسي وطلعت على محطة السوبر جيت اللي لما وصلت عندها وجيت اقطع تذكرة للقاهرة، فاجأني الراجل بتاع التذاكر إن اول عربية هتتحرك من بورسعيد الساعة ٧ الصبح، وده لأن مافيش عربيات كفاية بسبب الشبورة اللي على الطريق!
كلامه ليا كان صادم، بس كنت هعمل ايه يعني، انا بعد ما سمعت منه الكلمتين دول، اتصلت بابن اخويا اللي واقف في المحل، وكمان بمراتي وقولتلهم إن انا مش هقدر اروح القاهرة النهاردة وهبات في بورسعيد للصبح بسبب قلة العربيات، وفي النهاية خدت بعضي وخرجت من المحطة بعد ما قطعت تذكرة لأول عربية هتتحرك الصبح، وابتديت اسأل على أي لوكاندة ابات فيها، والحقيقة انا حظي كان كويس، لأني أول ما سألت على لوكاندة الناس دلوني على لوكاندة قريبة من المكان اللي انا فيه، وفعلًا اتمشيت زي ما الناس وصفولي وبعد دقايق كنت واقف قصاد اللوكاندة.. او تقدر تقول إنها مش لوكاندة اوي، هي بيت قديم كده من أربع أدوار، المهم دخلت البيت اللي في أول دور فيه لقيت صالة الاستقبال، كان قاعد فيها شاب شكله محترم ومتدين، كان مشغل جنبه الراديو على إذاعة القرأن الكريم، أول ما شافني ابتسم في وشي وقال لي..
-اؤمر يا فندم؟!
رديت عليه وانا ببتسمله انا كمان..
-الأمر لله، انا عاوز أوضة بسرير انام فيها لغاية الصبح بس، انا من القاهرة والمفروض كنت هرجع دلوقتي بس مالقتش عربيات، فهضطر هبات في بورسعيد للصبح، وبصراحة كل الناس اللي سألتهم بعتوني ليك.
زادت ابتسامته وقال لي..
-بورسعيد نورت يا فندم، بعد إذنك بس هحتاج البطاقة عشان اسجل اسمك ورقمك القومي.
طلعت البطاقة واديتهاله وبعد ما سجل بياناتي اديتله حق الليلة اللي ماكنش غالي اوي للأمانة يعني، وفي النهاية ادالي المفتاح وهو بيقولي..
-اتفضل يا فندم، ده مفتاح أوضة ٥... حضرتك هتطلع السلم ده للدور الأول وهتلف يمين، هتلاقيها تالت أوضة على اليمين، وبالنسبة للحمام يا فندم، فانت هتلاقيه جوة الاوضة.
خدت منه المفتاح وطلعت السلم اللي منه وصلت لطرقة الدور الأول، كانت طُرقة صغيرة الأضاءة فيها مش قوية اوي، على شمالها سور قصير فوقه سلك من خلاله ممكن تشوف الشارع اللي قصاد اللوكاندة، وعلى اليمين كانت الأوض اللي معظمها مقفولة، ماوقفتش كتير في مكاني.. انا وصلت لأوضة (٥) اللي اول ما فتحتها وفتحت نورها، دخلتها وقفلت الباب ورايا ورميت الشنط اللي كانت في إيدي على السرير، ودخلت جري على الحمام اللي كان على الشمال جوة الأوضة، بس وانا قاعد في الحمام فجأة اتنفضت في مكاني لما سمعت صوت رزعة شباك الأوضة اللي كنت لسه شايفه من ثواني بس مقفول كويس، وكأن الهوا هو اللي فتحه بكل قوة!
قومت من مكاني وخرجت عشان اقفل الشباك، بس المصيبة إني لما خرجت لقيته مقفول زي ما هو!
ماخدتش في بالي بصراحة وقولت جايز يكون بيتهيألي ولا حاجة، ولا ممكن مثلًا شباك أوضة من الأوض اللي جنبي اتفتح وانا افتكرته شباك أوضتي، فماخدتش في بالي وكملت حمامي وغسلت وشي، بس وانا بغسل وشي برضه سمعت نفس الصوت اللي سمعته من شوية، والمرة دي الصوت كان واضح اوي اوي.. واضح لدرجة إن انا أول ما سمعته اتأكدت إنه شباك الأوضة اللي انا فيها، بس برضه لما خرجت وبصيت عليه لقيته مقفول، ومش بس شباك الأوضة اللي كان مقفول زي ماهو، ده شباك الحمام كان مقفول هو كمان!
استغربت بصراحة المرة دي وبدأت احس بقلق، لكن احساسي بالقلق ده بدأ يتلاشى لما احساس النوم بدأ يسيطر عليا، فقفلت نور الأوضة ونزلت الشنط من على السرير وبعد كده طفيت النور وولعت نور الاباچورة اللي جنبي على الكومودينو لأني خوفت انام في الضلمة في مكا ماعرفوش، ويادوبك اول ماحطيت راسي على المخدة اتنفضت من تاني وانا مخضوض لما سمعت صوت رزعة الشباك، ونفس اللي حصل في المرتين اللي قبل كده حصل تاني، انا لما فتحت عينيا وبصيت على الشباك اللي كان قدام السرير على طول، لقيته برضه مقفول!
وقتها مابقتش عارف اعمل ايه، هل اسيب المكان، ولا انزل اقول للشاب اللي قاعد تحت على اللي بيحصل، ولا في الأساس كل اللي انا بسمعه ده تهيؤات من قلة النوم والأفضل ليا إن انا ماحطش في دماغي وانام، وساعتها بصراحة عملت اخر حاجة فكرت فيها او قولتها لنفسي، انا حطيت المخدة على راسي وغمضت عيني وابتديت انام نوم عميق لثواني.. ثواني قومت بعدهم على صوت رزعة الشباك لرابع مرة، لكن المرة دي بقى لما قومت وبصيت عليه لقيته فعلًا مفتوح وداخل منه هوا شديد اوي، اتعصبت بصراحة وقولت لنفسي وانا بقوم اقفل الشباك..
(اللهم طولك يا روح.. لما نقفل ام الشباك المعفرت ده ونشوف هنعرف ننام ولا لأ في أم الليلة اللي مش باين لها ملامح دي)
قفلت فعلًا الشباك ورجعت انام من تاني، حطيت المخدة على راسي وكنت لسه هروح في النوم، بس فجأة سمعت من الحمام صوت اتنين رجالة بيتكلموا.. لا لا، بيتكلموا ايه، دول كانوا بيتخانقوا، واللي أكدلي إنهم موجودين في الحمام مش في الاوضة اللي جنبي مثلًا، هو إن صوتهم كان قريب اوي لدرجة إني كنت سامعه بوضوح، كنت سامع شخص او راجل بيقول للتاني..
(ده اتجنن ده ولا ايه، عاوز يكوش على كل حاجة بالعافية، وديني يا عبد التواب ما هسيبه، يا اموته يا يموتني)
فرد عليه التاني وقال له..
(مش كده يا عبد الكريم.. مش كده يا أخي، ده مهما كان برضه اخوك)
فرد عليه الشخص التاني وقال له برضه بنفس العصبية والغضب اللي كانوا ظاهرين جدًا في نبرة صوته..
(انت تخرس خالص.. انت اصلًا بتخاف منه ومابتقدرش تقوله لأ على أي حاجة، مش كفاية إنه واخد شقتين في البيت وانا شقة وانت شقة، كمان عاوز ياخد تلتين الورث ويرميلنا احنا الفتافيت، بس هقول ايه.. العيب مش عليه، العيب على ابونا الله يرحمه، هو اللي فضل يدلع فيه لحد ما اتمرع علينا.. لكن لأ، انا من النهاردة مش هسكتله، وديني ما هسكتلك يا عبد الحميد، ومن النهاردة.. يا انا يا هو في الدنيا دي..)
وبعد ما قال جُملة "يا انا يا هو في الدنيا دي" فجأة سكتوا هم الاتنين ومرة واحدة سمعت صوت الشباك وهو بيتفتح من تاني، وقتها بقى ماستحملتش وقومت جري من على السرير وفتحت باب الأوضة وخرجت وقفت في الطرقة، لكن الحاجة الغريبة بقى اللي لاحظتها هو شخص لقيته واقف في الطرقة، او بالتحديد يعني قصاد الأوضة اللي بعد أوضتي بأوضتين، كان واقف بيدخن سيجارة وهو واقف قصاد الأوضة اللي نورها كان مفتوح، ولو هتقولي ايه الغريب في كده، فانا هقولك إن الشخص ده اول ما شافني بص لي وضحك ضحكة غريبة وكأنه بيسخر مني او بيتريق عليا مثلًا!
فبسبب ضحكته دي اتمشيت في الطرقة لحد ما روحتله، وغصب عني بصراحة اول ما وقفت قدامه لقيت نفسي بسأله...
-انت بتضحك على ايه يا أستاذ؟.. هو انا فيا حاجة تضحك؟!
حط إيده على كتفي وقال لي بجدعنة كده..
-يا أستاذ مش بضحك عليك انت لا سمح الله، انا بضحك على الموقف نفسه، اصلك خرجت انت كمان وشكلك كده مفزوع زي حالاتي، الظاهر إنك ماعرفتش تنام بسبب الشباك اللي عمال يتفتح ويتقفل لوحده، وكمان بسبب الناس اللي سمعتهم بيتخانقوا مع بعض في أوضتك.
لما قال لي كلامه ده انا ماضحكتش، انا الرعب والخوف جوايا زادوا اكتر ولقيت نفسي بسأله..
-انت سمعت اللي انا سمعته برضه، يعني انا من الأول ماكنش بيتهيألي والشباك كان بيترزع فعلًا.
خد نَفس من سيجارته وقال لي..
-لا مابيتهيألكش.. المكان ده شكله فعلًا مسكون..
ومد إيده ليا وسلم عليا وهو بيقولي..
-اخوك مرعي، من اسكندرية، كنت جاي اخلص مصلحة هنا في بورسعيد واضطريت انام ليلة في اللوكاندة المتعفرتة دي.
سلمت عليه وعرفته على نفسي، وبعد ما دردشنا شوية اتفقنا إننا مش هنعرف ننام في الأوض دي، ما احنا خلاص كده النوم طار من عنينا من بعد اللي شوفناه، واللي تقريبًا كان واحد.. سواء في أوضته او في أوضتي، ففي النهاية اتفقنا انا وهو إننا هناخد حاجتنا وهننزل نقعد في الاستقبال تحت، لأن الوقت كان اتأخر وماكنش في أي مجال إننا نروح نشوف لوكاندة تانية، وفعلًا نزلت انا وهو للاستقبال، لكن الشاب اللي واقف فيها اول ما شافنا الابتسامة اللي كانت على وشه راحت وملامحه اتغيرت وبلع ريقه بصعوبة وهو بيقولنا بارتباك..
-خير يا أساتذة، في حاجة؟!
قرب منه مرعي وقال له وهو بيضحك بسخرية..
-اكيد طبعًا في.. لما الجو يبقى كويس ويبقى مافيش هوا شديد ولا حاجة، والشبابيك تفضل تترزع وتتفتح وتتقفل لوحدها، يبقى أكيد في.. ولما واحنا نايمين نسمع اتنين بيتخانقوا سوا معانا في الأوضة، ولما نقوم مانلاقيش حد، يبقى أكيد في حاجة.
بلع الشاب ريقه من تاني وهو بيرد عليه..
-جرى ايه يا استاذ.. المفروض إنكوا يعني رجالة كبار، وبعدين عادي، ما كل الاماكن القديمة كده، انتوا ممكن تشغلوا جنبكوا قرأن وتناموا.. عادي يعني ما انا بشغل قرأن جنبي اهو وانا شغال بالليل ومابشوفتش ولا بسمع حاجة.
لما قال لنا كده، روحت حطيت الحاجات اللي كنت شايلها واللي كنت اشتريتها وانا بلف في البلد، على كنبة كانت موجودة في الاستقبال، وبعد كده رجعتله وسألته..
-مايخصنيش، اقرب لوكاندة من هنا فين؟!
بص لي مرعي وقال لي..
-يا عم لوكاندة ايه دلوقتي، مافيش لوكاندة قريبة من المكان ده، وبعدين احنا الساعة ٣ الفجر، يعني هتروح فين وهتيجي منين دلوقتي، احنا هنتلقح هنا على الكنبتين دول لحد الصبح، ولما النهار يطلع كل واحد فينا يبقى يسافر على خير، بس المهم دلوقتي وقبل ما انام..
ولف وشه وسأل عامل الاستقبال..
-ايه حكاية اللوكاندة دي، ومين الاتنين اللي سمعتهم بيتخانقوا مع بعض دول.
سكت الشاب وماردش، فبصيتله باستغراب..
-هو انت ماسمعتش كلامه، ولا سمعت ومش عايز تجاوب، ما الراجل قالك قول له على حكاية اللوكاندة وهو مش هياخد منك حق الليلة وهننام هنا وخلاص لحد الصبح، احكيله بقى عشان عاوزين نريح لنا ساعتين.
لف الشاب من المكان اللي كان واقف فيه وسحب كرسي من الكراسي اللي كانوا موجودين جنب الكنبتين، وبعد كده شاورلنا نقعد، فاحنا بصراحة كنا تعبانين اوي، ففردنا جسمنا وسمعناه وهو بيحكي..
-انا محمود... بشتغل هناك وردية الليل، في الأول كنت بسمع وبشوف زيكوا كده اول ما اشتغلت هنا، بس لما صاحب اللوكاندة قال لي شغل جنبك قرأن، مابقتش اشوف حاجة، ولما سألته ايه حكاية الأصوات اللي بسمعها دي او ايه سببها، قال لي إن اللوكاندة دي قبل ما تبقى لوكاندة، زمان اوي كانت بيت.. بيت بناه واحد من الصيادين الكبار اسمه الحاج محمد، الراجل ده كان عنده ٣ صبيان، عبد الحميد وده الكبير، وعبد التواب وده الوسطاني، وعبد الكريم وده الصغير، فالراجل اللي اسمه الحاج محمد ده، كان باني البيت لولاده التلاتة، بس هو كان فيه عيب.. الراجل كان بيحب ابنه الكبير عبد الحميد زيادة اوي عن اخواته التانيين، فقبل ما يموت كتب له شقتين في البيت وكتب للاتنين الباقيين كل واحد شقة، ومش بس كده.. ده كمان كتب لعبد الحميد نص ورثه وللاتنين التانين النص التاني، ولما الراجل ده مات، كان عبد الحميد اتوحش بسبب دلع ابوه له، وبدل ما ياخد نص الورث والشقتين ويسكت، ماعملش كده.. ده كمان خد فلوس من ورث اخواته، وساعتها عبد الكريم اللي هو الاخ الصغير.. اتضايق اوي وحصلت خناقة كبيرة بينه وبين اخوه الكبير، ولما الناس افتكروهم بيتخانقوا خناقة عادية يعني زي خناقاتهم اللي بتحصل دايمًا بسبب معاملة ابوهم لعبد الحميد، فالناس ماتدخلوش وقالوا إنهم شوية وهيسكتوا.. بس في الحقيقة بقى المرة دي ماسكتوش، عبد الكريم اتعصب وزعق لاخوه، فاخوه زعقله اكتر وبعد كده ضربه، ومع ضرب عبد الحميد لعبد الكريم، اتدخل عبد التواب عشان يحوش ما بينهم لكنه للأسف مالحقش، عبد الكريم سحب سكينة وجري بيها على عبد الحميد وطعنه بيها كذا طعنة لحد ما مات، وفي النهاية عبد الكريم اتقبض عليه واتسجن ومات في السجن، وعبد الحميد مات، وعبد التواب باع البيت وقسم فلوسه على مراتات وولاد اخواته وساب بورسعيد ومشي خالص، وفي ناس بيقولوا إنه كبر ومات واندفن في القاهرة، وبس يا سيدي.. بعد ما البيت اتباع والناس حاولوا يسكنوا فيه، ماعرفوش بسبب إنهم كانوا بيسمعوا عبد الحميد وعبد الكريم وهم بيتخانقوا مع بعض.. او بالظبط يعني كانوا بيسمعوا صوت عبد الحميد اللي اتقتل وهو بيزعق لاخوه، فاتقفل البيت فترة والناس اللي اشتروه عرضوه للبيع، لكن ماحدش رضي يشتريه لحد ما جه الحاج حجاج صاحب اللوكاندة دي واشتراه وقلبه لوكاندة بالليلة للمسافرين لأنه جنب المحطة، وبس كده.. هي دي حكاية اللوكاندة.
لما محمود خلص الحكاية، كان مرعي نام، وانا بصراحة ماهتمتش اعرف اكتر من كده، انا ريحت شوية بعد ما سمعت الحكاية وعلى الصبح صحينا على صوت محمود وهو بيفتح باب اللوكاندة الرئيسي وبيصحينا، بعدها قومنا وغسلنا وشنا وطلعنا بسرعة على محطة السوبر چيت اللي منها ركب مرعي وراح اسكندرية، وانا ركبت ورجعت للقاهرة... بس في الحقيقة انا مارجعتش زي ما كنت، انا لما رجعت كنت اتعلمت درس مهم اوي، درس خلاني غيرت معاملتي مع ولادي وحرفيًا بقيت اعاملهم زي بعض، لدرجة اني اول ما وصلت القاهرة جيبت لعبة تانية لعلي عشان اساويه باخوه.. اه، ما انا مش هفرق في المعاملة تاني ما بين ولادي، ما انا سمعت بوداني اهو من محمود عامل اللوكاندة، إن أخ قتل اخوه بسبب إن معاملة ابوهم ليهم فرقتهم عن بعض، وانا بصراحة مش هستنى لما ولادي يكبروا ويوصلوا للوضع ده.. انا هنفذ رسايل ربنا اللي حسيت إنه بيبعتهالي في الليلة اللي قضتها دي على لسان محمود اللي حكى لي الحكاية، انا خلاص اتعلمت ومش هفرق تاني ما بين عيالي، وربنا يكون في عون كل واحد هيسكن في اللوكاندة دي بعد كده، حتى لو هيقضي فيها ليلة واحدة بس..
تمت
محمد_شعبان
ليلة_في_لوكاندة_بورسعيد

ليست هناك تعليقات