إبحث عن موضوع

راديو عدلي

كل شيء له بداية ونهاية.. حتى حياة الأنسان اللي بتيجي عند نُقطة مُعينة وبتنتهي، وطبعًا النقطة دي بتكون الموت.. الموت اللي من عنده بتنتهي الحياة بتاعتنا بشكلها اللي نعرفه، بس من بعده.. بالتأكيد بتبدي حياة تانية، حياة ماحدش من اللي عايشين لا شافها ولا يعرف طبيعتها إلا رب العباد عزوجل، لكن خليني اقولك إن الأنسان بعد ما بيموت، قرينه بيفضل عايش، والقرين ده.. بالتأكيد بيكون شاف حياة الميت وهو عايش كلها، وعن طريق اللي شافه ده، ممكن يوصل لنا رسايل تأثر بشكل ما على حياتنا... أظن كلامي بالنسبة لك غامض ومعظمه مش مفهوم، بس صدقني.. بعد ما احكيلك حكايتي، هتفهم انا كنت اقصد ايه، او ليه بدأت بالمقدمة دي... والحكاية بتبتدي من عند خالي الوحيد (الأستاذ عدلي علم الدين).. خالي اللي كان راجل طيب وعايش لوحده في بيت جدي ابو أمي الله يرحمه، لكن خالي بالرغم من طيبته وبالرغم من إنه كان في حاله، إلا إنه ماكنش ملاك.. في الحقيقة هو كان إنسان بخيل، وبخله ده خلاه خطب اكتر من مرة ومافيش ولا واحدة من اللي خطبهم قدرت تكمل معاه ولا تستحمله، ففضل عايش لوحده كده لحد ما طلع على المعاش من شغله كمدرس، وفي النهاية بقى راجل عجوز عايش في بيت ابوه اللي في حي الحلمية القديمة بالقاهرة، وقبل ما تسأل نفسك وتقول هو ليه كان عايش لوحده مع إنه له أخت.. اللي هي أمي يعني، فخليني اقولك يا صديقي إن علاقة امي وخالي ماكانتش زي أي علاقة أخ بأخته، انا أمي ست مابتحبش البُخل ولا الشخص البخيل، وطبعًا ده كان عكس خالي وشخصيته، فمع مرور الزمن حصلت ما بينهم مشاكل كتير إنتهت بإنهم قاطعوا بعض، بس انا بقى وبما إني الأبن الكبير لأمي، فانا ماقاطعتش خالي.. انا كنت دايمًا بقول بيني وبين نفسي إن انا ماليش علاقة بخناقاتهم مع بعض، وكنت كل فترة والتانية كده بروح ازوره واطمن عليه، وفضلت على الحال ده لحد ما امتحاناتي بدأت.. وبما إني في الفرقة التانية من كلية إعلام، والدراسة عندي بايخة شويتين، فانا في الفترة دي ماكانتش فاضي اعمل أي حاجة في حياتي غير المذاكرة، أسابيع قضتهم بين الكتب والمحاضرات والامتحانات لحد اخر يوم في امتحاناتي، يومها بعد مارجعت من الامتحان ونمت لأني كنت مرهق جدا، صحيت من النوم على صوت (حسام) اخويا الصغير اللي عنده ١٢ سنة.. واللي بالمناسبة يعني ماليش أخ غيره، صحيت يومها على صوته وهو بيقولي..
-حسن.. ياحسن.. قوم ياحسن قوم.. قوم شوف ماما.
فتحت عيني بالعافية وقومت قعدت على السرير وبصيتله وانا بحاول افوق من أثار النوم..
-ايه ياحسام.. في ايه، أمي مالها؟!
ارتبك حسام وهو بيرد عليا بقلق..
-ماما بتعيط في أوضتها وهي بتلبس، تليفونها رن وبعد ما ردت، فضلت تعيط واتصلت ببابا وقالتله إنها رايحة الحلمية عشان خالو عدلي مات.
أول ماسمعت أخر جملة دي اتنفضت من مكاني وقومت بسرعة من على السرير وروحت جري لأوضة امي.. امي اللي كانت بتلبس الطرحة السودة على العباية السودة بتاعتها وهي عمالة تعيط..
-في ايه ياماما.. خالي ماله؟!
بصت لي امي والدموع في عينيها..
-خالك عدلي يا حسن.. مات، الجيران بيقولوا إنه خرج من البيت وهو تعبان، كان بيستغيث بالناس اللي في الشارع وبيقولهم إن قلبه بيوجعه، وعقبال ماخدوه وودوه المستشفى، كان مات بأزمة قلبية، انا بلبس اهو ورايحة على المستشفى عشان استلم جثته وابوك هيحصلني على هناك.
كنت بسمع كلام امي وانا مش مستوعب اللي هي بتقوله، فكرة إن حد من أهلك، او حد انت كنت بتحبه، فجأة كده يموت او مايبقاش موجود، صدقني فكرة مرعبة لأبعد الحدود، بس رغم ذهولي وصدمتي، تمالكت نفسي ودخلت لبست هدومي بسرعة وبعد كده خرجت للصالة اللي كانت واقفة فيها أمي وبتستعد للخروج، وطبعًا انا ماسيبتهاش تنزل لوحدها ونزلت بسرعة معاها، نزلنا من البيت وروحنا على المستشفى اللي منها استلمنا جثة خالي بعد ما اتغسلت واتكفنت، وبعد كده خدناه ودفنناه بالرغم يعني من إن امي في الأول قالت إننا لازم نأجل الدفنة للصبح لأننا وقتها كنا المغرب تقريبًا، إلا إن ابويا صمم وقال.. طالما اتغسل واتكفن وتصريح دفنه طلع، فهو لازم يندفن لأن إكرام الميت دفنه، وفعلًا اندفن خالي اللي ماكنش له حد في الدنيا غير أخته الوحيدة اللي هي امي، وانا وابويا واخويا الصغير.. ومن بعد موت خالي ودفنته، روحت انا وامي وابويا نمنا، وتاني يوم روحنا بيته اللي في الحلمية عشان نشغل قرأن ونستقبل العزا.. عدى اليوم ده ببطء وحزن وهم، ناس داخلين وناس خارجين.. جيران بيهمسوا لبعض وهم قاعدين في الصالة عن أستاذ عدلي المدرس البخيل، اللي عاش حياته كلها لوحده وفي النهاية مات لوحده بسبب بخله، واللي كانوا بيدعوا له لأنهم ماشافوش منه حاجة وحشة، واللي كان حزين بجد على موته، واللي بيمثل إنه حزين عشان شكله قصاد الناس.. وكل واحد ونيته بقى، بس في النهاية العزا خلص زي ما كل حاجة في دنيتنا دي بتخلص، وعلى الساعة ١١ بالليل كده، دخلت أمي الأوضة اللي كان بينام فيها خالي وبصت على السرير اللي كان بينام عليه وقالت بحزن..
-يا حبيبي يا عدلي.. خدت ايه من الدنيا يا اخويا، اديك في الأخر روحت بكفنك، والكفن مالوش جيوب.
قربت من امي وطبطبت عليها وحاولت اخليها تهدى، بس في نفس الوقت كان ابويا بينادي عليها من برة..
-ياعديلة... ياعديلة تعالي شوفي حسام، نام على كنبة الصالة.
خرجت امي للصالة عشان تشوف ابويا، وانا دخلت الأوضة، بصيت لكل محتواياتها بحزن لحد ما عيني وقعت على الكومودينو اللي جنب السرير، كان عليه بقايا العلاج اللي خالي كان بياخده، وجنبه كان موجود حاجة انا ماشوفتهاش قبل كده، ولا حتى لما جيت لخالي أخر مرة، الحاجة دي كانت جهاز راديو من الراديوهات اللي بيشتغلوا بحجارة وفي نفس الوقت ليهم سلك وممكن يشتغلوا بكهربا عادي!
قربت من الراديو ومسكته وبدأت اتفحصه، كان شكله غريب.. الهيكل الخارجي البلاستيك بتاعه زي مايكون محروق، لأن واضح إن معظمه سايح!
قطع سرحاني مع الراديو صوت ابويا اللي دخل عليا الأوضة..
-يلا ياحسن يا ابني عشان نرَوح.. اخوك حسام تعبان ومحتاج ينام.. وانا كمان زيه ويمكن اكتر، وبعدين كده كده أمك هتيجي هنا تاني وانت طبعًا هتبقى تيجي معاها.
هزيتله راسي وبصيت للراديو الغريب ده وانا مش عارف هعمل بيه ايه، ماعرفش ايه اللي شدني فيه وخلاني ماحطيتوش مكانه تاني، انا غصب عني لقيت نفسي باخده معايا وبخرج من البيت وبركب عربية ابويا وهو في إيدي، ومع وصولنا لبيتنا، لاحظ ابويا الراديو اللي في إيدي وسألني عليه...
-ايه ده يا حسن.. مش الراديو ده اللي كان في أوضة خالك!.. ايه اللي خلاك تجيبه معاك؟!
بصيت للراديو وبعد كده بصيت لابويا وانا مش عارف اقوله ايه، وقتها امي هي اللي اتكلمت وقالتله..
-تلاقيه عاوز أي حاجة من ريحة خاله، ما انت عارف إن حسن كان اقرب واحد لعادلي الله يرحمه.
هزيت لابويا راسي وقولتله إن كلام امي صح، وبعد ما خلصنا كلامنا وامي دخلت حسام اخويا على سريره اللي جنب سريري، لأنه تقريبًا كده كان بينام على نفسه من تعب اليوم، دخلت هي وابويا عشان يناموا، اما انا بقى.. فانا دخلت غيرت هدومي وقعدت على سريري، جيبت الراديو ومسكته وبدأت اقلب فيه، الراديو ده اتحرق.. البلاستيك اللي سايح في الهيكل بتاعه بيدل على إنه اتعرض لنار او كان موجود وسط حريقة!
وبسبب شكل الراديو وهيئته، قولت إنه أكيد بايظ، بس الغريب بقى إن انا لما مسكت الفيشة بتاعته ووصلتها في الكهربا، الراديو اشتغل!
مش عارف اشتغل ازاي بالرغم من إن شكله سايح ومتبهدل بالشكل ده، بس المهم إنه اشتغل وبدأ يجيب صوت وَش لحد ما ظبطته على محطة معينة، ألا وهي محطة القرأن الكريم اللي كان شغال عليها برنامج ما..
بعد كده مسكت الراديو وحطيته على الكومودينو جنبي، وطفيت نور الأباچورة اللي جنبي، ووطيت صوت الراديو خالص عشان حسام اخويا مايصحاش، بعدها فردت جسمي على السرير و بصيت للسقف، سرحت مع خالي وموتته بالشكل ده، الله يرحمه بقى.. ياما نصحته إنه يتجوز عشان لما يتعب يلاقي حد جنبه، بس تملي كان بيقولي إن مافيش واحدة هتستحمله لأن الستات بيحبوا المصاريف الكتير، وهو راجل حريص على فلوسه.. ففضلت سرحان وبفكر لحد ما البرنامج اللي كان شغال على الراديو ماخلص، وبعده على طول اتكلم المذيع وقال إن اللي هيشتغل دلوقتي، ابتهالات للمبتهل نصر الدين طوبار.
عَليت الصوت شوية صغيرين اوي وقربت الراديو مني لأني بحب صوت الشيخ نصر جدًا، وواحدة واحدة ابتديت اغمض عيني عشان انام على صوت إبتهاله، وفعلًا ابتديت اروح في النوم وراسي ابتدت تتقل، لحد ما فجأة صوت الابتهال ابتدى يتغير.. عارف انت لما تبقى مشغل اغنية وفجأة تحس إن صوت المغني بيتخن او الأغنية بتمشي ببطء!.. اهو ده بالظبط نفس اللي حصل في صوت الابتهال لحد ما اتغير خالص من صوت الشيخ نصر الدين طوبار، لأصوات ناس كتير بيتكلموا مع بعض!
فتحت عيني بالراحة ومديت إيدي ناحية الراديو عشان اطفيه واكمل نوم، لكني اول ما مديت إيدي عليه، سحبتها بسرعة لأني حسيت إن انا مامسكتش الراديو.. انا حسيت إني مسكت حتة فحم مولعة!
اتألمت طبعًا بسبب احساسي ده وفوقت من النوم اللي كنت بحاول ادخل فيه، وببطء فتحت عيني.. وهنا حسيت إن انا اتدلق عليا جردل ماية ساقعة، جسمي تلج وكل شعراية في جسمي انتصبت وانا ببص حواليا باستغراب...
(ايه ده!.. فين أوضتي.. انا ايه اللي جابني هنا؟!)
انا ماكنتش في أوضتي، انا كنت في صالة بيت جدي ابو امي.. او بمعنى أصح يعني، بيت خالي عدلي!
قومت وقفت وروحت ناحية خالي اللي كان فارد جسمه على الكنبة اللي في أخر الصالة، وحواليه او وراه بالظبط.. كانوا واقفين ٨ خيالات، ايوة خيالات.. دي اقرب حاجة لوصفهم، وده لأنهم كانوا خيالات سودة، هيئتهم هيئة بني أدمين اه، لكنهم مالهمش ملامح ولا كانوا بيعملوا أي حاجة، هم بس كانوا واقفين حوالين خالي وهو باصصلهم ومبرق!
اتمشيت بخطوات سريعة عشان اوصله او الحقه من اللي واقفين حواليه دول قبل ما يأذوه، لكني مالحقتوش ولا حتى كنت بقرب منه.. انا كل ما كنت بمشي ماكنتش بقرب، بل بالعكس.. انا كنت بحس إن المسافة بتبعد، او تقدر تقول كده إن الصالة نفسها هي اللي بتطول، فاضطريت إن انا اجري عشان اوصله، بس برضه كل ماكنت بجري، خالي كان بيبعد عني اكتر.. لحد مافجأة وقفت لما سمعت صوته وهو بيقول بزعيق..
(عبد العزيز.. عبد العزيز هو اللي عملها.. عبد العزيز هو القاتل)
فجأة الدنيا من حواليا ابتدت تضلم، ومع الضلمة ابتديت اسمع صوت قرأن جاي من بعيد... ثواني من الضلمة ومن صوت القرأن اللي كان بيقرب شوية بشوية لحد ما حسيت بصداع رهيب خلاني مسكت راسي وابتديت اصرخ غصب عني...
-حسن.. انت ايه اللي منيمك على الأرض، يا حسن... ياحسن.
ده كان صوت اخويا اللي فوقني من كل اللي انا فيه، فتحت عيني وابتديت ابص حواليا عشان اكتشف إن انا لسه في أوضتي، بس مش نايم على سريري زي ما كنت، انا كنت نايم على الأرض جنب السرير، او بالتحديد تحت الكومدينو اللي عليه الراديو!
قومت من مكاني وانا بتسند على حسام اللي بعد ماساعدني إن انا اقوم واقعد على السرير، بصيتله وبعد كده بصيت للراديو اللي كان طالع منه نفس صوت القرأن اللي سمعته وانا في الحلم او الرؤية اللي انا شوفتها دي، بعدها رجعت بصيت لحسام من تاني وسألته بتعب..
-هي الساعة كام.. وانا ايه اللي نيمني على الأرض كده؟!
رد عليا اخويا وهو باين على ملامحه الاستغراب الممزوج بخوف..
-ماعرفش ياحسن.. انا كنت نايم وصحيت على صوتك وانت عمال تصرخ وتقول عبد العزيز عبد العزيز.. وكمان كنت عمال تقول إنك مصدع ودماغك بتوجعك!.. فقومت بسرعة وفتحت النور ولقيتك نايم على الأرض وماسك راسك، هو انت.. انت وقعت من على السرير؟!
طبطبت على حسام عشان اهديه وماحسسهوش بخوف..
-اه يا حبيبي.. انا شكلي كده كنت بحلم ووقعت من على السرير، روح انت كمل نومك.. انا خلاص بقيت كويس.
سمع حسام كلامي وكمل نومه، لكنه مانامش على سريره، ده فضل نايم جنبي طول الليل لأنه تقريبًا كده خاف او اتفزع لما صحي على صوت زعيقي، بس انا ليلتها بقى ماجاليش نوم، انا فضلت صاحي لحد ما النهار طلع، كنت قلقان وبفكر في تفسير للي انا شوفته.. هو ايه ده، ومين التمانية اللي كانوا واقفين حوالين خالي عدلي دول.. وبعدين انا مانمتش، انا اساسًا مانمتش عشان احلم، طب ايه.. ايه!!!
أسئلة كتير مالهاش إجابات فضلت تنهش في راسي لحد ما تعبت مع طلوع الشمس ونمت، وعلى الضهر كده، صحتني أمي لما قالتلي إننا هنروح الترب لخالي عشان نقراله قرأن.
صحيت من النوم وفطرت ولبست، وبعد كده نزلت انا وامي من البيت وروحنا الترب، وقبل ما تسأل عن حسام اخويا.. فانا هقولك إن امي سابته عند واحدة ست جارتنا لحد مانرجع، وده لأن طبعًا ماكنش ينفع ناخده معانا الترب لأنه لسه صغير على المشاوير اللي زي دي، فأمي سابته وروحت انا وهي الترب، وقفنا شوية قصاد المدفن اللي مدفون فيه خالي، وبعد ماقرينا قرأن ودعيناله، ووقت ماكنت ماشي انا وامي.. فجأة سمعت من ورايا صوت خالي وهو بينادي عليا..
(حسسسسن... ياحسسسسسن.... الراديو ياحسن)
التفتت ناحية الصوت اللي كان جاي من جوة المدفن، وفي لحظة برقت واتسمرت في مكاني لما شوفت خالي واقف جوة المدفن، ومن وراه كانوا واقفين نفس الخيالات اللي شوفتهم واقفين حواليه في الحلم بتاع بالليل، الخوف اتملك من كل ذرة من ذرات جسمي، ريقي نشف ونسيت انا فين، عينيا ماكانتش شايفة أي حاجة غير ملامح خالي اللي بدأ يحرك شفايفه ويتكلم بصوت مش مسموع.. صوت مش مسموت لكني كنت سامعه كويس جوة راسي وهو بيحرك شفايفه بسرعة..
(عبدالعزيز.. عبدالعزيز.. الراديو.. عبدالعزيز.. الراديو.. الراديو)
وفضل يكرر في الكلمتين دول بسرعة لحد ما قطع صوته جوة راسي، صوت امي اللي ندهت عليا بصوت عالي..
-ياحسن.. انت يابني، انت واقف مبرق كده ليه، ما تيلا يابني عشان نروح... انا سايبة حسام عند جارتنا وزمانه مغلبها.
بصيت لامي وهزيت لها راسي وروحت ناحيتها، بس لما بصيت تاني ناحية المدفن، مالقتش حد!.. لا خالي ولا التمانية اللي كانوا وراه ولا اي حاجة، وحتى الصوت اللي كنت سامعه هو كمان اختفى!
مشيت ورا امي وانا سرحان وتايه، انا ايه اللي بيحصلي ده كله وبيحصلي ليه، بس لأ.. الراديو بتاع خالي عدلي، الراديو ده أكيد وراه حاجة، وبعدين هو جابه منين اساسًا، الراديو ده ماكنش عنده من زمان.. انا ماشوفتوش عنده قبل كده، أكيد اشتراه في فترة الامتحانات اللي ماكنتش بروحله فيها.. طب اشتراه من مين وياترى وراه ايه، انا هتجنن!!
فضلت اتكلم بيني وبين نفسي لحد ما وصلنا انا وامي للبيت، وبعد ما امي جابت حسام من عند جارتنا ودخلنا الشقة، دخلت الحمام أخدت دش، وخرجت وانا تعب الدنيا حالل عليا بسبب قلة النوم وتعب المشوار اللي روحته انا وامي.. امي اللي كانت واقفة في المطبخ بتعمل الأكل، واول ماشافتني بصت لي بطيبة وقالتلي بحنيتها المعتادة..
-شكلك تعبان يا حبيبي.. ادخل ارتاحلك شوية على ما اخلص الأكل، وبعد ما اخلص وابوك يرجع من الشغل، هبقى اصحيك عشان تتغدا معانا.
قولتلها ماشي ودخلت أوضتي عشان انام، وقتها اخويا حسام كان قاعد على سريره وماسك الراديو وعمال يلعب بيه، وساعتها اول ماشوفته ماسكه، اتعصبت عليه وزعقتله لأني كنت خايف عليه من اللي حصلي بسببه قبلها...
-سيب الزفت ده، قولتلك ١٠٠ مرة ماتمدش إيدك على أي حاجة من حاجاتي.
اول ماقولتله كده، ساب الراديو من إيده وبص لي بنظر خوف..
-انا ماعملتش فيه حاجة، انا بس كنت بشوفه، هو انت جيبت البتاع ده منين؟!
خدته من قدامه وحطيته على الكومودينو اللي جنب سريري، وفردت جسمي على السرير...
-مالكش فيه، طالما حاجة مش بتاعتك ماتسألش عليها، واطفي النور ده واطلع برة عشان عاوز انام..وإياك يا حسام.. إياك تمد إيدك على الراديو ده تاني.
طفى النور وقالي بصوت واطي..
-حاضر ياحسن.. مش هاجي جنبه، بس انا هقعد العب بالموبايل جنبك هنا وانا ساكت.
ماردتش عليه.. سيبته قاعد بيلعب بالموبايل الصغير اللي بابا جيبهوله عشان يلعب بيه في الأجازة، وهو قاعد على سريره، وحطيت المخدة على راسي وابتديت اروح في النوم، بس قبل ماعيني تغمض وانام، فجأة سمعت صوت الراديو بيشتغل!
كان طالع منه صوت وَش مزعج اوي، بس الصوت ده ماكنش هو بس الشيء الغريب اللي سمعته، انا اللي خلاني شيلت المخدة من على راسي بسرعة، هو صوت اخويا حسام اللي سمعته بيقول..
(حاضر يا خالو.. حاضر)
شيلت المخدة من على راسي عشان اتفاجيء باخويا واقف قصاد باب الأوضة اللي كان مفتوح، شكله ماكنش مرعب ولا كان فيه حاجة غريبة، هو كان اخويا بشكله وهيئته اللي اتعودت عليهم، لكنه كان واقف بيبصلي وبيشاور على الباب المفتوح وهو مبتسم ابتسامة غريبة..
(تعالى ياحسن.. كلم خالو عدلي... تعالى)
قومت من على السرير وروحت ناحيته عشان اشوف هو بيشاور على ايه برة الأوضة، وهنا بقى كانت المصيبة؛ اللي ورا باب الأوضة ماكانتش صالة شقتنا زي ما المفروض يكون، اللي برة أوضتي كانت صالة بيت خالي!
يتبع
(ده الجزء الأول من قصة راديو عدلي )
محمد_شعبان
راديو_عدلي

راديو عدلي
٢ 
شيلت المخدة من على راسي عشان اتفاجيء باخويا واقف قصاد باب الأوضة اللي كان مفتوح، شكله ماكنش مرعب ولا كان فيه حاجة غريبة، هو كان اخويا بشكله وهيئته اللي اتعودت عليهم، لكنه كان واقف بيبصلي وبيشاور على الباب المفتوح وهو مبتسم ابتسامة غريبة..
(تعالى ياحسن.. كلم خالو عدلي... تعالى)
قومت من على السرير وروحت ناحيته عشان اشوف هو بيشاور على ايه برة الأوضة، وهنا بقى كانت المصيبة؛ اللي ورا باب الأوضة ماكانتش صالة شقتنا زي ما المفروض يكون، اللي برة أوضتي كانت صالة بيت خالي!
وقتها ماعرفش ايه اللي خلاني خرجت برة الأوضة انا وحسام اخويا، وبمجرد خروجنا من الأوضة، بابها اتقفل ورانا بكل قوة، ولما بصيت انا وهو على باب من تاني، اكتشفنا إن بقى مكانه حيطة!
فضلنا واقفين انا وهو لثواني واحنا مذهولين من اللي حصلنا فجأة كده، لحد ما سمعنا صوت جاي من ناحية الكنبة القديمة اللي في نهاية الصالة، بصيت ناحيتها بتركيز عشان الاقي خالي قاعد عليها، وجنبه عم رجب جاره، وجنبهم راجل لابس جلابية بيضا وعمال يقرا في أدعية، لكن المُلفت للنظر بقى في كل ده، هم ال٨ ظلال او الخيالات اللي كانوا واقفين ورا خالي بالظبط، التمانية اللي انا ماعرفش هم مين ولا انا ليه تملي بشوفهم باستمرار! واول ما الراجل اللي لابس جلابية ده، مابدأ يعلي صوته في قراية الدعاء، اختفوا واحد ورا التاني، وفجأة ظهروا تاني من العدم... بس المرة دي بقى كانوا واقفين قصاد خالي بالظبط، ومع ظهورهم المفاجيء ده، قام خالي من مكانه وفضل يزعق في الراجل اللي بيقول الدعاء وكمان في عم رجب وطردهم هم الاتنين من البيت، عشان يرجع بسرعة ويقعد مكانه، ويرجعوا نفس التمانية يقفوا وراه في ثبات غريب، ومع قعدته على الكنبة والخيالات وراه.. رجع تاني يقول نفس اللي كان بيقوله لما شوفته جوة المدفن..
(عبدالعزيز.. عبدالعزيز.. الراديو.. عبدالعزيز.. الراديو.. الراديو)
صوته كان بيعلى بشكل مستفز، ومعاه كان صوت اخويا وهو بيقول نفس الكلام، في اللحظة دي بصيت لحسام عشان اقوله يسكت لأني مش طايق اسمع حاجة، بس أول مابصيتله اتفزعت ورجعت لورا لأن اخويا جلده كان مسلوخ وكأنه طالع من حريق حالًا، ومش بس كده.. دي عينيه كانت بيضا تمامًا وصوته كان أتخن من صوت حسام اخويا اللي انا اعرفه، وقتها خوفي منه خلاني ابعد عنه كام خطوة لورا، تفكيري جابني إن انا اروح ناحية باب البيت وافتحه واطلع اجري، ما انا ماكنتش مدرك اصلًا إن انا في حلم، بس قبل ما اوصل للباب او حتى اقرب منه، اخويا كان قرب مني بسرعة ومن وراه ظهر خالي فجأة عشان الاقيهم هم الاتنين بيصرخوا في وشي وبيقولوا لي..
(عبدالعزيز ياحسن.. عبد العزيز ياحسن.... ياحسن)
حطيت إيدي على وداني وابتديت ازعق فيهم عشان يسكتوا، ومع زعيقي ده اتبدلت ضلمت الدنيا من حواليا وصوتهم هم كمان اتبدل.. اتبدال لصوت أمي.!
(حسن.. ياحسن يا ابني.. انت عامل كده ليه؟!)
لما امي قالتلي كده الدنيا حواليا اختلفت، انا ماكنتش نايم، انا كنت قاعد على سريري وحاطط إيدي على وداني، والراديو كان شغال جنبي!
مدت امي إيدها ناحية الراديو وطفته وهي بتقولي..
(ايه يا ابني الوَش اللي انت مشغله ده، وبعدين انت كنت عامل كده ليه.. مبرق للسقف وحاطط إيديك على ودانك وعمال تكلم نفسك بصوت واطي وتقول عبد العزيز عبد العزيز.. فيك ايه يا ابني، انت من يوم ما خالك مات وانت مش مظبوط!)
بصيت لامي بتركيز ومن غير أي تفكير سألتها..
-هو انا ماكنتش نايم.. صح؟!
جاوبتني امي وهي بتضرب كف بكف..
-لاحول ولاقوة إلا بالله.. نايم فين يا ابني بس، انا خلصت الأكل ودخلت ربحتلي شوية، ولما ابوك رجع من الشغل، صحيت من النوم وحطيت الغدا ودخلت اصحيك، لقيتك قاعد وباصص للسقف ومفتح عينيك.
بصيت ساعتها على سرير حسام اللي كان فاضي..
-طب وحسام.. حسام فين؟!
-قاعد برة.. انا لما صحيت لقيته قاعد في الصالون وكان بيلعب بالموبايل، انت فيك ايه ياحسن؟!
طمنتها وقولتلها إن انا كويس وإني بس نفسيتي تعبانة بسبب وفاة خالي.. وطبعًا كدبت عليها لما قولتلها إن عبدالعزيز اللي كنت بقول إسمه ده يبقى واحد صاحبي، وإن انا تقريبًا نعست وانا قاعد واكيد حلمت بيه لأنه كان على بالي وكنت بفكر اتصل بيه قبل ما انام، قولتلها كده وهي باصة لي باستغراب، كانت حاسة إني بكدب او مخبي عليها حاجة، لكني كنت مُصر على كلامي بأن انا كويس وإني بس محتاج اخرج او اغير جو.. وفعلًا بعد ماقومت معاها واتغديت انا وهي وابويا وحسام، وطبعًا بعد ما ابويا اتكلم معايا واطمن إن انا كويس لأن امي طبعًا كانت قالتله إني متغير من بعد موت خالي، جهزت نفسي عشان اخرج من البيت، بس انا قبل ما اخرج.. سألت حسام اخويا عن اللي حصل وقت ما نمت، وكلامه ليا كان غريب.. حسام قال لي إن انا نمت لدقايق، بعدهم قومت من النوم وشغلت الراديو وسيبته بيوش وفضلت قاعد على السرير وانا مبرق للسقف، ولما سألني مالي.. بصيتله بابتسامة وبعد كده قولتله يطلع برة، فخد موبايله وطلع لأنه خاف من نظراتي وابتسامتي، وانا تقريبًا فضلت قاعد القعدة دي لحد ما امي دخلت عليا، وهنا بقى كانت المصيبة، انا مابحلمش.. اللي بشوفه ده مش حلم، انا ببقى صاحي، وده معناه إن دي مش مجرد رؤى ولا حاجات وهتعدي، لأ.. ده الأسم والتمانية اللي بشوفهم مع خالي دول، بيتكرروا في كل مرة، بس الجديد في المرة الأخيرة دي بقى، هو ظهور عم رجب جار خالي، ومن عند عم رجب كانت بداية رحلتي اللي من خلالها هقدر اوصل لحقيقة اللي بشوفه.
وعشان كده لبست هدومي وخدت بعضي ونزلت من البيت وانا معايا الراديو وروحت على الحلمية، بس انا مادخلتش بيت خالي اللي بالمناسبة يعني كان معايا مفتاحه، انا دخلت على بيت عم رجب جار خالي واللي تقريبًا كان اقرب حد له في المنطقة، خبطت على الباب ففتحلي عم رجب الراجل العجوز وبابتسامة بهتانة قال لي..
-اهلًا يا حسن يا ابني.. اتفضل اتفضل.
دخلت وراه من غير استئذان، ما انا مش أول مرة ادخل بيته، عم رجب عارفني كويس وانا كمان عارفه وعارف إنه عايش لوحده من بعد ما ابنه وبنته اتجوزوا ومراته ماتت، فدخلت وراه وقفلت الباب وقعدت على كرسي من الكراسي اللي موجودين في الصالون، وقبل ما يتكلم ولا يقول لي أي حاجة، حطيت الراديو على الترابيزة اللي قدامي وسألته بضيق..
-قبل أي كلام يا عم رجب، الراديو ده حكايته ايه، انا كنت بزور خالي عدلي باستمرار وانت عارف، بس عمري ماشوفت عنده الراديو ده، انا لقيته في أوضته بعد ما مات، أكيد انت تعرف حاجة عنه، أكيد خالي حكالك أي حاجة في الكام يوم اللي ماجيتلوش فيهم بسبب الامتحانات دول.. حكى لك صح؟!
مسك عم رجب الراديو وبص فيه باستغراب كأنه أول مرة يشوفه، بعد كده حطه تاني قصاده وقال لي وهو بيبصلي اوي..
-امم.. الراديو ده خالك اشتراه من بتاع الروبابكيا.. ماانت عارف إنه كان حريص حبتين وماكنش بيحب يشتري الحاجات الجديدة لأنها بتبقى غالية، ماهو أصل عدلي قال لي وقت ما اشتراه.. إنه خده من الواد غريب بتاع الروبابكيا بعشرين جنيه، بس هو الراديو ده ماله يا ابني، وايه اللي مخليك متعصب اوي كده وانت بتتكلم عنه؟!
حكيتله على كل حاجة حصلت معايا او شوفتها من وقت ماخدت الراديو ده من بيت خالي عدلي لحد اخر حاجة شوفتها من شوية، كان بيسمعني وهو مذهول من كلامي.. او بالتحديد يعني ذهوله زاد اكتر، لما وصلت للرؤية او للحلم اللي انا شوفته فيه وهو قاعد مع خالي، وكان قاعد معاهم راجل لابس جلابية بيضا، كان بيسمعني عم رجب وهو مبرق وفاتح بوقه لحد ما خلصت، وبعد ماخلصت الجزئية دي، اتكلم عم رجب وقال لي..
-ازاي ده.. يومها ماكنش في حد موجود في البيت غيري انا وخالك والشيخ عطية!
-الشيخ عطية!.. مين الشيخ عطية ده؟!
جاوبني عم رجب وهو بيبص للراديو وعلى ملامحه نفس الذهول..
-خالك قبل مايموت بحوالي أسبوع كده، كان بيقولي إنه بيشوف خيالات بتجري حواليه في البيت، وكمان كان بيسمع ناس بيتكلموا معاه وهو مش شايفهم، فانا بيني وبينك كده.. قولت إن قلة زياراتك له بسبب الامتحانات وكتر قعاده لوحده، خلوه بقى يتهيأله حاجات مش موجودة، لكن انا كنت غلطان، خالك بعدها بيوم جالي وحلفلي إن الخيالات اللي بيشوفها دي بتكلمه، والغريب بقى إنها كانت بتقوله إسم "عبد العزيز".. فانا يومها قولت إنه ممكن يكون اتلبس بسبب قعدته لوحده، او البيت اتسكن ببسم الله الرحمن الرحيم، جن يعني.. وعشان كده يومها روحت جيبتله الشيخ عطية إمام الجامع اللي جنبنا، وخليته يقراله شوية قرأن ويدعيله، بس فجأة واحنا قاعدين معاه والشيخ بيقرا، خالك قام واتعصب علينا وطردنا.. ومن يومها وهو مابيكلمنيش، لكن الشيخ عطية بقى قال لي إنه ممكن يكون مأذي او ممسوس، وعشان كده حاولت ادخله او اقعد اتكلم معاه، لكنه برضه كان بيتعصب عليا وبيزعق لي وبيطردني كمان، وفضل على الحال ده لحد ما بعد كام يوم، المنطقة اتفاجأت بخالك اللي خرج من البيت وهو حاطط إيده على قلبه وبيقول إنه مش قادر ياخد نفسه، ومرةواحدة أغمى عليه، والباقي انت عارفه لأن أكيد الناس حكولك عنه.
كنت سرحان مع كلام عم رجب لحد ما خلص..
-اه ياعم رجب.. انا عارف اللي حصل بعد كده، بس انا متأكد إن اللي انا بشوفه ده.. واللي خالي كان بيشوفه من قبل مني، أكيد له علاقة بالراديو، وانا بقى مش هقدر اعرف أي حاجة عنه إلا من اللي باعهوله.
-تقصد غريب!.. غريب بتاع الروبابكيا؟!
-ايوة ياعم رجب.. هو ده، اوصل له ازاي بقى؟!
-سهلة يا ابني وبسيطة، الواد ده من حي الخليفة، انا اعرفه واعرف ابوه كمان..
بصراحة عم رجب فهمني بسرعة وقصر عليا كتير لما اداني عنوان غريب، غريب اللي لما روحتله منطقته وسألت عليه وانا معايا الراديو، لقيته قاعد على قهوة من القهاوي، دخلت عليه بابتسامة كده وسلمت وعرفته بنفسي،بعدها حطيت الراديو اللي كان جنب رجلي قدامه على الترابيزة وانا بقوله...
-الراديو ده ياعم غريب.. انت بيعته لخالي عدلي قبل ما يموت بأسبوع، فاكره؟!
اتعصب عليا اوي وقال لي بزعيق..
-جرى ايه يا استاذ.. انت جاي ترجعلي الراديو بعد ما اللي اشتراه مني ما مات، انا مابرجعش بضاعة ولا..
قاطعته وانا بطلع عشرين جنيه من جيبي وبديهاله..
-ادي تمن الراديو اهو.. مش هو اشتراه منك بعشرين جنيه؟.. ادي تمنه لتاني مرة.. وادي الراديو بنفسه اهو، بس انا عاوز اعرف.. عاوز اعرف انت جيبته منين وايه حكايته؟!
بلع غريب ريقه ومد إيده وخد العشرين الجنيه..
-مش القصد عدم اللامؤاخذة، انا بس كنت بقولك مبدئي، البضاعة المباعة لاترد ولا تستبدل، بس بما إنك طلعت مجدع وجاي من وراك مصلحة، فانا هحكيلك.. انا من فترة كده كنت ماشي في الموسكي بالليل، المحلات كانت قافلة والدنيا كانت هوس هوس، فبيني وبينك كده قولت الفلي على أي حاجة تنفعني من عدم اللامؤاخذة يعني زبالة المحلات، شوية اكياس على شوية بلاستيك كده واهو كله بينفع.. بس ليلتها وانا بلف، لفت نظري حاجات مرمية قصاد محل كبير محروق، والحاجات دي كانت شوية بلاستيك على شوية حاجات محروقة زي المحل بالظبط، إلا الراديو ده.. الراديو ده كان هو الحاجة الوحيدة اللي ماتفحمتش في ويط الزبالة دي، فبصراحة خدته وروحت البيت وبعد ماجربته واتأكدت إنه شغال، قولت ابيعه مع الروبابكيا، بس بسعر عالي شوية لأنه شغال، وهنا بقى كانت الغتاتة.. الراديو ماكنش بيتباع بسبب شكله المحروق، والغتاتة ماوقفتش لحد كده، لأ.. الراديو ده كان بيشتغل لوحده بالليل من غير لا حجارة ولا حتى كهربا.. ده كان بيفضل يغير في المحطات ويطلع أصوات ناس بتصرخ وناس بتزعق، لحد ماقلق منامي وخلاني اشوف كوابيس واسمع ناس بيقولوا لي عبد العزيز عبد العزيز!.. فانا بصراحة اتخنقت منه، وعشان كده اول ما نزلت في سعره وقولت ابيعه بأي سعر عشان اخلص، خالك شافه وعجبه السعر واشتراه، وبصراحة نزل فيه وخده بخمستاشر جنيه، مش عشرين زي ما انا قولتله قبل يفاصل، بس هو تلاقيه قالك كده عشان يبين إنه دافع فيه فلوس يعني.. بس في الحقيقة لأ، انا ماصدقت خلصت منه، ده راديو معفرت وكان هيجنني.
ولحد هنا انا ماكنتش عاوز اعرف من غريب أي حاجة تاني، غير بس عنوان المحل اللي في الموسكي وإسمه، ما انا كده بقيت متأكد إن البداية من عند المحل ده، وبرضه النهاية هتكون عنده، فبسرعة طلعت من جيبي عشرة جنيه كمان وخدت العنوان من غريب وبسرعة روحت جري على المكان، وقفت قصاد المحل وانا مذهول، المحل كان محل كبير اه.. بس في الحقيقة شكله كان يخض، المحل متفحم وكأنه كان جواه حمم بركانية مش بس اتعرض لحريقة، رهبة المكان وشكله خلوني وقفت قصاده وانا مبرق ومصدوم لثواني، بعدهم بصيت حواليا عشان اسأل أي حد عن سبب حريق المحل وعن اللي خلاه بالشكل ده، ومن حظي الكويس إن عيني وقعت على شاب واقف بترابيزة خشب وقصادة غلاية ماية بيعمل منها كوبايات شاي وبيبيعها للناس على الصف التاني، بسرعة روحت ناحيته جري وطلبت منه كوباية شاي، عشان يرد هو عليا ويقولي..
-عنيا يا أستاذ.. تلاتة جنيه.
طلعت من جيبي عشرة جنيه وادهاتله وانا بقوله..
-امسك.. ومش عايز باقي، وكمان مش عاوز الشاي، انا بس عاوزك تحكيلي ايه اللي حصل في المحل المحروق اللي هناك ده.
رفع حاجبه وبص لي من فوق لتحت..
-انت تبعهم؟!
-تبع مين مش فاهم؟!
-حكومة يعني!.. هم جُم خدوا اقوالنا واحنا بصراحة كده مانعرفش غير اللي قولناه.
قربت منه وقولتله بود عشان يطمنلي ويحكيلي..
-لا.. انا مش حكومة، انا عندي مصيبة اكبر من كده بكتير، انا ببساطة كده ياسيدي، لو ماعرفتش ايه اللي ورا المحل ده، احتمال اتجنن او اموت من قلة النوم، او ممكن حتى اموت بنوبة قلبية من اللي بشوفه زي خالي عدلي ما مات.
بصراحة حسيت إني صعبت على الراجل، وعشان كده قرب مني وقال لي وهو بيديني كوباية الشاي وبياخد العشرة جنيه..
-بعد الشر عنك يا أستاذ.. انت شكلك ابن ناس ولسه في عز شبابك، انا هحكيلك ياسيدي وهقولك ايه اللي عمل في المحل ده كده.
قعد على كرسي ورا الترابيزة الخشب اللي كان واقف قصادها، وشاور لي اقعد على كرسي جنبه، فروحت وقعدت وهو كمل كلامه وابتدى يحكي..
يتبع
(ده الجزء التاني من قصة راديو عدلي )

راديو عدلي
٣
قعد على كرسي ورا الترابيزة الخشب اللي كان واقف قصادها، وشاور لي اقعد على كرسي جنبه، فروحت وقعدت وهو كمل كلامه وابتدى يحكي..
-من حوالي شهرين كده يا أستاذ، وفي يوم حد كانت معظم محلات الشارع قافلة فيه، إلا محل الحاج شبراوي بتاع المنظفات والصابون، وكام محل تاني كده.. يومها كنت واقف على النصبة، وعلى الساعة ١١ بالليل كده، جت عربية نقل كبيرة مليانة رجالة لابسين جلاليب وكلهم متلمتين، يعني وشوشهم ماكانتش باينة يعني؛ المهم إن العربية دي ركنت قصاد محل الحاج شبراوي، وفجأة الرجالة دول نزلوا وبعد نزولهم لقينا ناس كتير بيجروا والمحل بيولع!.. وقتها الرجالة المتلتمين دول، ركبوا العربية اللي طلعت جري من الشارع ده للشارع الرئيسي، وماحدش قدر يحصلها لأن الناس كانوا قليلين وقتها، والمصيبة السودة بقى إن الناس اللي كانوا موجودين وانا من ضمنهم لما بصوا على المحل، لقوا ابوابه مقفولة باقفال والمحل بيولع من جوة!.. وده معناه إن الرجالة دول نزلوا من العربيات بسرعة ورموا جاز جوة المحل وولعوا فيه، واللي قدر يجري من الزباين جري، واللي ماقدرش يا ولداه، اتحبس جوة مع صابر وصبري ولاد الحاج شبراوي.. ماهو صابر ده يبقى الأبن الكبير للحاج شبراوي صاحب المحل، وده كان عنده ٣٥ سنة وكان متجوز ومعاه عيلين، اما صبري بقى، فده كان الأبن الوسطاني وكان عنده ٢٥ سنة وماكنش متجوز، بس الخلاصة يعني إن المحل ولع بيهم وبالزباين اللي اتحبسوا معاهم جوة، وده طبعًا بعد ما الرجالة دول قفلوا باب المحل باقفال عشان ماحدش يخرج منه.. وماقولكش بقى على اللي حصل بعد كده، مطافي وعربيات إسعاف وناس بتصوت وناس بتجري، كانت ليلة مايعلم بيها إلا ربنا.. الناس اللي جوة المحل كانوا بيصرخوا بصوت يبكي الحجر يا استاذ وربنا، وطبعًا عربيات المطافي عقبال ماجت وطفوا النار وفتحوا الأبواب، كانوا كل اللي جوة المحل اتفحموا.. وكمان النار كانت وصلت لكام محل من المحلات اللي جنب محل الحاج شبراوي، وفي الأخر ايه.. كل اللي كانوا جوة ماتوا، والمحل بقى خرابة زي ما انت شايف كده، والحاج شبراوي صاحب المحل بعد ما ولاده الكبار ماتوا جوة، جت له جلطة واتنقل للمستشفى اللي فيها لحد النهاردة.. ماهو الراجل ياولداه ماعندوش غير تلات صبيان، صابر وصبري اللي ماتوا في المحل، وولد تالت في الإعدادية، وبعد ما المصيبة دي حصلت على غفلة زي ما حكيتلك، الحكومة ماقدرتش توصل للعيال اللي عملوا كده ولا حتى قدروا يعرفوا اللي حصل ده حصل ليه او ايه سببه، هم بس قالوا بعد كده إنهم لقوا عربية بنفس مواصفات العربية اللي عملت كده، والعة جوة الصحرا في الطريق الصحراوي، والناس اللي محلاتهم اتضررت، صلحوا المحلات ورجعوا يشتغلوا من تاني.. واهو، الدنيا ماشية بعد اللي حصل، بس تعرف يا أستاذ، اللي حصل ده كان مستحيل يحصل قبل الثورة، اه.. دي الحكومة قبل ما المظاهرات اللي حصلت السنة اللي فاتت دي، كانت مشددة اوي، يعني حتى لو كانت الحادثة دي حصلت أيامها، كانوا عرفوا يجيبوا العيال اللي عملوا كده في يوم، بس هنقول ايه بقى، نصيب.. بس هو انت بتسأل ليه؟!
ماهتمش بصراحة بسؤاله ورديت عليه بسؤال أهم وانا بطلع اخر خمسة جنيه في جيبي وبديهاله..
-خد دي، واقسملك بالله دي اخر حاجة في جيبي، خدها وقولي عنوان الحاج الشبراوي صاحب المحل.
خد الخمسة جنيه وبص لها بقرف وبعد كده قال لي وهو بيحطها في جيبه..
-ماشي.. الحاج الشبراوي ساكن في شارع بورسعيد، اكتب العنوان بالظبط.
طلعت موبايلي وكتبت وراه العنوان، وبسرعة خدت بعضي وروحت على بيتنا، وقبل ما تقولي ليه ماروحتش على العنوان، فانا هقولك إن انا فلوسي كانت خلصت وماتبقاش معايا غير كام جنيه ارجع بيهم بيتنا، ده غير إن الوقت ساعتها كان متأخر اوي، فانا قولت ارجع البيت والصبح ابقى انزل واروح للأبن التالت للحاج شبراوي، وهناك ممكن اعرف منه اي حاجة تدل على اللي بشوفه او على إسم عبد العزيز اللي خالي بيحاول يوصلهولي في كل مرة بشوفه فيها من بعد ما مات ده، بس طبعًا لما روحت البيت والوقت كان متأخر، اتهزقت شوية من ابويا وماسابنيش إلا لما أقنعته إني كنت عند عم رجب صاحب خالي والوقت سرقني وانا قاعد بتكلم معاه، وبعد ما ابويا خلص كلامه معايا بأني لو اتأخرت تاني مش هيدخلني البيت، دخلت أوضتي وفضلت قاعد ماسك الراديو لحد ما غصب عني نعست، وبمجرد ماغمضت عيني المرة دي بقى شوفت خالي عدلي قصادي في أوضتي، ووراه كانوا واقفين نفس التمانية، بص لي وابتسم وقال لي وهو بيشاور على الخيالات اللي وراه..
(مالحقتش افهم ولا اجيب حقهم.. بس انت قربت، كمل ياحسن.. كمل لحد ماتوصل للحقيقة، انا الموت سبقني وماوصلتش، لكن انت هتوصل.. كمل ياحسن.. كمل)
وصحيت من النوم على نور الشمس، صحيت وانا جُملة "كمل ياحسن" دي بترن في وداني، وطبعًا بعد ماصحيت وطمنت امي إن انا بقيت كويس، لبست ونزلت وانا مفهمها إن انا رايح عند عم رجب، لكن في الحقيقة انا ماروحتش لعم رجب، انا روحت على العنوان اللي خدته من الشاب بتاع الشاي اللي قابلته في الموسكي، وهناك.. وقفت قصاد باب شقة الحاج شبراوي، كانت شقة في برج من أبراج شارع بورسعيد.. خبطت على بابها لحد ما فتحلي ولد استنتجت إنه الأبن التالت للحاج شبراوي، ثواني من الصمت وانا مش عارف اقوله ايه، قطعهم سؤاله البديهي..
-خير يا أستاذ.. حضرتك عاوز مين؟!
اتنحنحت وغصب عني لقيت نفسي بقوله..
-مش دي شقة الحاج شبراوي والد صبري الله يرحمه؟!
قولتله إني صاحب صبري لأنه شاب وممكن يكون سنه قريب من سني شوية، بس بعد ماقولتله كده بص لي من فوق لتحت وقبل ما يجاوبني، سمعت صوت واحدة ست من جوة بتقوله..
-مين اللي على الباب يا احمد؟!
جاوبها وهو لسه بيبص لي..
-ده واحد بيسأل على صبري اخويا يا ماما؟!
لما قال كده، ظهرت من ورا أمه، ست باين من تجاعيد وشها إن سنها كبير، ومن لبسها الأسود وملامحها البهتانة، قدرت استوعب إن الست دي شايلة هموم الدنيا، بصت لي هي كمان باستغراب وسألتني بسأل عن صبري ليه، فقولتلها إن انا كنت صاحبه واسمي عز.. بس كنت مسافر ولسه راجع وعرفت باللي حصل، فجيت اعزي واشوفهم لو محتاجين حاجة.
رحبت بيا ودخلتني البيت وحكتلي على اللي حصل، وكلامها كان نفس الكلام اللي قالهولي الشاب بتاع الشاي بالظبط؛ رجالة جم بعربية نقل وولعوا في المحل وماحدش يعرف هم مين ولا عملوا كده ليه، وفي أخر كلامها قالتلي إن جوزها الحاج شبراوي تعبان وراقد في المستشفى مابين الحياة والموت، لكن كل ده بقى ماهمنيش، انا بعد ماخلصت كلامها غصب عني لقيت نفسي بسألها..
-طب يا حاجة معلش.. انا عندي استفسار، هو مين عبدالعزيز ده، انتوا تعرفوا حد إسمه عبد العزيز او ليكوا عداوة معاه مثلًا!
بصت لي باستغراب اوي وقالتلي وهي مش فاهمة مغزى سؤالي..
-لأ يا ابني.. احنا مانعرفش حد إسمه عبد العزيز ولا حتى لينا عداوة مع أي حد، بس انت بتسأل ليه، انت تعرف حاجة احنا مانعرفهاش؟
تداركت الموقف بسرعة لما قومت وقفت وقولتلها بارتباك..
-لا لا لا.. انا بس فاكر إن صبري في مرة كان قال لي إنه على خلاف مع.. مع واحد إسمه عبد العزيز.
لما قولت كده، احمد ابنها بص لي بتركيز اوي وقال لي بلهفة..
-عداوة ازاي يعني.. صبري اخويا ماكنش له أي عداوة مع أي حد بالأسم ده، هو كان يعرف حد إسمه عبدالعزيز اه، بس ده كان صاحبه.
وكمل كلامه وهو بيبص لامه وبيقولها..
-عبدالعزيز يا ماما صاحب محل العطور اللي في السيدة زينب، عبد العزيز اللي اخويا كان بيروحله البيت وبيبات معاه ساعات.
ردت عليه امه وكأنها بتفتكر..
-ااه.. عبد العزيز اللي اخوك كان دايمًا بيخرج معاه، ألا بالحق صحيح، هو ماجاش يعزينا ليه؟!
لما قالت كده أدركت إن انا قدام ست مخها ياعيني ابتدى يخف من اللي شافته ومابقتش مركزة مع اللي بيتقال او مع اللي بيحصل حواليها، بس طبعًا سؤالي ماعداش على احمد ابنها اللي تجاهل كلام امه وسألني..
-بس انت ليه بتقول إن كان في مابينهم عداوة!.. هو اه عبدالعزيز ماجاش عزانا، بس ده مش معناه إن كان في مابينهم عداوة او مشاكل.. انت تعرف حاجة يا استاذ عز!
لما احمد قال لي كده، ارتباكي زاد.. لكني بسرعة حاولت اداريه وانا بقوله..
-ماعرفش.. مايمكن عبدالعزيز تاني، انا بخمن بس، وعمومًا انا عزيت وعملت الواجب، عن اذنكم.
قولتلهم كده واستأذنت بكل هدوء وروحت ناحية الباب اللي بمجرد ما احمد فتحهولي وهو بيبصلي بنظرات غريبة، خدت بعضي ونزلت جري على بيت عم رجب.. عم رجب اللي لما قعدت معاه وحكيتله على كل حاجة مريت بيها، بسرعة قام واتصل بابنه وقال له إنه محتاجه هو وصاحبه الظابط بتاع المديرية في حاجة مهمة اوي، وبصراحة دي كانت مفاجأة ليا.. عم رجب اتصل بابنه وخلاه يجيب ظابط صاحبه عشان احكيله على اللي حصل معايا كله من أول الراديو، لحد زيارتي لبيت الحاج شبراوي، وفعلًا جه ابنه والظابط صاحبه وحكيتلهم على كل حاجة بالتفاصيل، وبعد ماخلصت كلامي بص لي الظابط بكل هدوء وقال لي..
-بص يا ابني انت.. انا المفروض ماصدقش كل الهبل اللي انت حكيتهولي ده، بس انا ماعرفش ليه حاسس إنك مابتكدبش، وعشان كده انا هقولك على كام نصيحة تنفذهم من غير أي مناقشة، أولًا انت لازم تبعد عن الحكاية دي خالص وماتدخلش فيها تاني عشان ماتعرضش نفسك لمشاكل، ثانيًا بقى، انت لازم تتخلص من الراديو اللي عندك ده عشان شكله كده متعفرت وهيجننك.. اما بقى عن القضية اللي انا بالتأكيد سمعت عنها لأنها هزت المديرية كلها ولسه التحقيق شغال فيها وماتحفظتش، فانا بطريقتي كده هدور ورا علاقات الواد صبري ده وورا صاحبه عبدالعزيز، ولو وصلت لأي حاجة مش مظبوطة او حسيت إن وراه حاجة، فانا هعرض الموضوع على الجماعة في النيابة، وهشوف ايه اللي ممكن يتعمل، اما بقى لو الواد ده طلع مالوش يد في الكارثة اللي حصلت دي، فانا بقولك اهو.. انسى الموضوع ده خالص وماتتكلمش فيه حتى مع نفسك.
بصراحة اتضايقت من طريقة كلامه، لكني سكتت.. سكتت لأني حسيت إنه معاه حق، وبدون أي نقاش، بعد ماخلصنا القعدة اللي كنا قاعدينها، روحت البيت وخدت الراديو وروحت رميته في النيل، ومن يومها وانا مابقتش بشوف أي حاجة لحد مابعد شهر بالظبط كلمني عم رجب وقال لي إنه عاوز يشوفني.. ولما خدت بعضي وروحتله، اتصل بالظابط إياه عشان يجي.. ولما جه وقعد معايا، قال لي إن انا كان معايا حق، الشرطة لما دورت ورا صبري واصحابه، وبالأخص يعني صاحبه عبد العزيز اللي ساكن في السيدة زينب ده، لاحظوا إنه سايب بيته ومحله بقاله شهور.. وبالتحريات عنه أكتر وأكتر، عرفوا إنه اصلًا من الصعيد، ومن وقت اختفاؤه وهو عايش في البلد اللي هو منها، ولما بعتوا وسألوا عليه هناك.. عرفوا إنه هربان ومالوش أثر، فشكوا وقتها إنه وراه حاجة او له علاقة باللي حصل في محل الشبراوي، فبدأوا يحققوا مع دايرة معارفه وقرايبه لحد ماعرفوا المصيبة الكبيرة.. عبدالعزيز كان صاحب صبري، وياما صبري دخل بيته وأكل معاه عيش وملح، بس للأسف.. صبري ماصانش لا العيش ولا الملح.. وعمل علاقة مع اخت عبدالعزيز لحد مابقت حامل منه، وطبعًا عبدالعزيز لأنه شاب أصله من الصعيد، فأول ماعرف باللي حصل، خد اخته وراح بيها البلد هي وامه، وهناك قتل اخته هو وولاد عمه ودفنوها في حتة مقطوعة، وبعد كده دبروا للحادثة اللي حصلت دي كلها، وبعد مانفذوها وولعوا في صبري واخوه وفي ٦ زباين تانيين كانوا في المحل.. ماكنش ليهم أي ذنب في أي حاجة، ولعوا في العربية اللي نفذوا بيها على الطريق الصحراوي، وبعد كده هربوا عشان الحكومة ماتجيبهمش، بس قدر ربنا وعدله، خلى كل اللي حصل معايا انا وخالي ده يحصل.. عشان يدورا عليهم ويقبضوا على واحد من اللي نفذوا المصيبة دي ويتقبض عليه في بيت متطرف من بيوت البلد.. وهو طبعًا اللي اعترف بكل ده وبعد كده الباقيين كلهم اتجابوا.. اتجابوا بسبب شغل الشرطة واعترافات الشاب اللي اتقبض عليه، او في الأساس يعني بسبب الراديو اللي خرج من حريقة المحل بأعجوبة لأنه تقريبًا كده كان موجود في مكان ما في المحل.. ماطالتهوش النار اوي، وعن طريقه قدرت اتواصل مع قرين خالي وقرناء الناس اللي اتقتلوا في الكارثة اللي حصلت دي، عشان في النهاية كل اللي نفذوها يتجابوا ويتقبض عليهم وكمان يتقدموا للمحاكمة، واللي نفذوا وولعوا بإيديهم اتحكم عليهم بالإعدام، اما بقى اللي ساعدوا وشاركوا من بعيد سواء بحماية اللي نفذوا او بسواقة العربية.. فدول اتحكم عليهم بأحكام مشددة، لسه في السجن بسببها لحد النهاردة.. اما بالنسبة لي انا بقى، فانا حياتي مشيت طبيعي بعد ما القضية اتحكم فيها، او ماقدرش اقول إنها مشيت طبيعي اوي لأني اوقات بشوف خالي في الأحلام وهو بيلومني على إني رميت الراديو، لكن مع الوقت ومع مرور السنين.. الأحلام دي فضلت تقل تقل.. لحد ما اختفت خالص، اما بالنسبة بقى لمحل الشبراوي للمنظفات بالموسكي، فده بعد كام سنة اتجدد على إيد احمد الأبن الصغير للحاج شبراوي، واتفتح من تاني، وبالنسبة للحاج شبراوي نفسه، فهو فضل مريض لمدة تلات سنين وبعد كده اتوفى من زعل على عياله.. ولو هتسألني عن بيت خالي عدلي، فاحب اقولك إن البيت اتهد واتبنى مكانه عمارة كبيرة، واهو.. بعد ماعدى على اللي حصل ده حوالي ٩ سنين.. انا لسه لحد النهاردة وحتى بعد ما اتخرجت واشتغلت في مجال المونتاچ واتجوزت وخلفت، فانا في الحقيقة لحد النهاردة مانسيتش ولا هنسى كل اللي مريت بيه، بالرغم من إني يعني كنت السبب الخفي في القبض على اللي ارتكب المصيبة السودة دي، إلا إن برضه ماحدش عرف إن انا السبب غير عم رجب وابنه والظابط اللي حكتلهم على اللي عرفته وقتها، واللي عن طريقه حياتي اتقلبت ١٨٠ درجة، وبقيت بالتأكيد بصدق في وجودهم، وكمان بقيت بصدق بعد اللي شوفته وعيشته إنهم حوالينا.. ولو عاوزين يوصلوا لنا رسالة هيوصلوها.. حتى لو عن طريق راديو.. بالظبط زي راديو خالي عدلي.
تمت
محمد_شعبان
راديو_عادلي

ليست هناك تعليقات