مكالمه من القبر
بعد مارجعت من دفنة حازم ابن عمي، ماحستش بنفسي إلا وانا بقلع هدومي وبترمي على السرير زي القتيل، غمضت عيني وروحت في النوم، وطبعًا أول ما نمت، شوفت نفس الكابوس إياه تاني.. لا تاني ايه، دي كانت المرة الخامسة اللي اشوف فيها نفس الكابوس وانا بغرق في البحر، بس بمجرد ماغرقت والدنيا ضلمت من حواليا.. وقبل ما نفسي يروح، صحيت مخضوض كعادتي من خمس أيام، وكعادتي برضه أول ما صحيت وانا عرقان وباخد نفسي بالعافية، مديت إيدي ناحية كوباية المايه اللي جنبي على الكومودينو وشربت كل المايه اللي جواها، وبحركة بديهية بعد ماحطيت الكوباية تاني، مديت إيدي عشان اشوف الساعة كام.. حسست بإيديا على الكومودينو عشان امسك موبايلي، لكني في لحظة اتنفضت في مكاني لما اكتشفت إن التليفون مش جنبي!
نسيت الكابوس اللي كنت اتعودت عليه، ونسيت تعب اليوم ودفنة ابن عمي بعد ما مات غرقان، وقومت جري من على سريري ونورت النور، وبسرعة روحت ناحية هدومي اللي قلعتها قبل ما انام.. دورت فيها اكتر من مرة على التليفون، لكني برضه مالقيتهوش!
وقتها روحت جري ناحية اخويا الصغير اللي سريره جنب سريري على طول وسألته وانا بصحيه..
-وله يا خالد.. انت يا ابني.. ماشوفتش موبايلي؟!
قام خالد من النوم وفاق شوية، بعد كده قال لي بتعب وهو بيفرك في عينيه..
-ايه يا حسام.. عاوز ايه يا أخي، سيبني انام بقى، انا بقالي خمس أيام مادوقتش طعم النوم، والنهاردة ماصدقت إنهم أخيرًا لقوا جثة حازم ودفنناه عشان اعرف انام وارتاح.
قربت من خالد وسألته بلهفة...
-بقولك تليفوني يابني أدم.. تليفوني مش لاقيه، شكله وقع مني.
اتعدل اخويا وقعد على السرير وجاب تليفونه من جنبه وابتدا يتصل برقمي..
-وقع فين بس.. تلاقيه مرمي هنا ولا هنا، انا هتصلك بيه وبأذن الله هنسمع صوته لما يرن دلوقتي.
رَن اخويا على تليفوني اللي كان بيدي جرس، وده طمنني لأنِ بكده اتأكدت إن ماحدش لقاه وخده وبعد كده قفله، لكن الغريب بقى إن اخويا فضل يرن كتير اوي.. مرة واتنين وتلاتة واربعة، وفي كل مرة التليفون كان بيفضل يرن لحد ما يفصل، وفي نفس الوقت إحنا لا كنا سامعينله صوت في البيت، ولا حتى كان في حد بيرد عشان نعرف هو وقع واتلاقى ولا لأ؟!
ثواني من السكوت والاستغراب، قطعهم اخويا اللي قال لي..
-مش عارف بقى يا حسام.. انا تعبان وعايز انام، خد موبايلي اهو عشان ورن عليه تاني براحتك بقى، إنما انا.. انا فصلت خلاص ومش قادر اقعد اكتر من كده.
خدت الموبايل من اخويا اللي رجع كمل نوم، وفضلت اتصل برقمي اكتر من مرة وانا بلف في الشقة كلها، كنت بدور على التليفون زي المجنون.. ممكن يكون وقع مني هنا ولا هنا، بس بعد تدوير واتصال لفترة كبيرة، تعبت وقعدت على كنبة الصالة، حطيت موبايل اخويا جنبي وسرحت شوية، استرجعت بذاكرتي اليوم من أوله، اتصال عمي اللي قال فيه لابويا إنهم في القسم كلموه وقالوا له إنهم لقوا جثة حازم واتبعتت على المشرحة من اسكندرية للقاهرة، بعد كده نزولي انا وابويا واخويا للمشرحة اللي وصلتلها الجثة، وهناك قابلنا عمي اللي كان منهار من ساعة ما ابنه غرق وماكناش لاقيينه، وكمان افتكرت إن بعد ما روحنا المشرحة واستلمنا الجثة متأخر وروحنا دفنناها في الترب بالليل، افتكرت إن بسبب الضلمة وقلة الأضاءة، كل اللي كانوا في الجنازة وبما فيهم انا كمان، كانوا مولعين كشافات موبايلاتهم لحد ما عم عبده التربي جاب كشاف كبير بسبب نوره قدرنا نشوف كويس ودفننا حازم، في الوقت ده انا طفيت كشاف موبايلي وانا واقف على سلم القبر وبعدين حطيته في جيبي، دي كانت أخر مرة شوفت فيها التليفون، داهية سودة لايكون التليفون وقع في القبر!!!
برقت وحسيت بفزع رهيب لما جه في بالي إن التليفون ممكن يكون وقع مني جوة القبر واحنا بندفن حازم، لكن فزعي ده زاد اكتر لما فجأة لقيت تليفون اخويا بيرن، ولقيت إن المتصل كان رقمي!!!
لحظات من الخوف والرعب والترقب وانا ماسك موبايل اخويا وهو بيرن، جسمي كله كان بيترعش بالرغم من إني كنت عرقان، حبست أنفاسي ورديت ببطء، حطيت التليفون على ودني وابتديت اسمع...
(صوت خرفشة استمر لفترة بسيطة، بعده سمعت صوت حد بيهمس من بعيد..)
بلعت ريقي بصعوبة ورديت بصوت متحشرج..
-مممم... مممين... انت مين ووصلت لموبايلي ازاي؟!
لكن ماحدش رد عليا، صوت سكوت وهدوء غريب خلاني قربت التليفون من ودني وكررت سؤالي لتاني مرة..
-انت مين؟!
لكن المرة دي بقى جاوبني.. كان صوت متحشرج، حد بيتنفس بالعافية، رد عليا بكل هدوء وبنبرة مخيفة..
(انا حااازم.. حاازم يا حسام...)
بعد ماقال لي كده ابتديت اسمع اصوات صرخات عالية اوي في التليفون، كانت اصوات رهيبة ومتداخلة، ناس كتير بتصرخ ومن ضمنهم صوت حازم هو كمان، فغصب عني وبحركة سريعة، رميت التليفون من إيدي وانكمشت في مكاني وانا باصصله، المكالمة كانت لسه مفتوحة، نفس الأصوات كانت لسه طالعة من التليفون وهو واقع على الأرض، لحد مافي لحظة ومن غير أي مقدمات، شاشة الموبايل ضلمت والأصوات سكتت، وقبل ما اقرب من التليفون واجيبه من على الأرض، سمعت من ورايا صوت شخص بيتنفس، في الوقت ده دقات قلبي فضلت تزيد لدرجة إني كنت حاسس بصدري عمال يطلع وينزل بشكل مُتككرر.. الزمن وقف بيا، الرعب اتمكن من كل طرف من أطرافي.. لدرجة إني سيبت التليفون مكانه وفردت ضهري على الكنبة.. الكنبة اللي صوت الشخص اللي بيتنفس ده كان جاي من وراها، لحظات من الفزع والتردد.. ياترى ابص ورايا واشوف مين اللي بيتنفس، ولا اسيب المكان كله واجري على أوضتي واصحي اخويا؟!
وقبل ما اقرر انا هعمل ايه، حسيت بصوت النَفس بيقرب من وداني، وساعتها حسيت بيه، هوا بارد بيلمس راسي من ورا، انا في حد ورايا دلوقتي.. انا لازم الف واشوف مين، بس في الحقيقة انا برضه مالحقتش الف، انا فجاة حسيت بإيدين بتمسك في رقبتي بكل قوة وبتخنق فيا، قاومت وافضلت الوش بإيديا الاتنين وانا بضرب الإيدين دي بقوة، لكن مقاومتي كانت من غير أي فايدة.. وده لأن الإيدين اللي كان ملمسهم بارد اوي دول، كانوا خلاص اتمكنوا من رقبتي وابتدوا يخنقوني بقوة اكبر عشان استسلم وما اقاومش، وللأسف نجحوا في ده.. انا بالفعل بدأت استسلم للموت وابتدت عنيا شوية بشوية تزغلل، واخر حاجة فاكر إن انا شوفتها قبل ما الدنيا تضلم من حواليا، كان وش حازم الشاحب وملامحه اللي كانت مليانة غضب وكره...
(حسااام.. ياحسااام.. اصحى بقى يا أخي، انت ايه.. نايم نوم أهل الكهف!)
فتحت عيني على صوت اخويا اللي كان بيصحيني، قومت بسرعة وبصيت حواليا وانا مرعوب من اللي حصل، انا كنت نايم على الكنبة في الصالة، وقصادي كان واقف حسام اللي تليفونه كان مرمي على الأرض!.. بصيت على الحاجة اللي كانت في إيده باستغراب وانا بحاول افوق من أثار النوم...
-ايه ده... ده تليفوني، انت جيبته منين؟!
اداني خالد تليفوني اللي كان في إيده، وبعد كده وطى جاب تليفونه من على الأرض وهو بيقولي..
-انا ماجبتش حاجة ياعم، ده عم عبده التربي هو اللي لسه جايبه دلوقتي.. ماهو الباب فضل يخبط وسيادتك كنت نايم زي القتيل، ولما قومت انا فتحت.. لقيته عم عبده.. عم عبده اللي لما خرج من أوضته اللي في الترب بالليل وقت ما كان رايح يشتري عشا، سمع صوت رنة موبايل خارجة من المدفن بتاعنا، فالراجل بيقول إنه توقع يعني إن موبايل حد فينا ممكن يكون وقع جوة واحنا بندفن حازم الله يرحمه.. ماهي مش أول مرة تحصل وحد يقع منه موبايله وهو بيدفن حد من قرايبه، فالمهم يعني إنه فعلًا لما فتح المدفن وفتح القبر، لقى موبايلك واقع على السلم، فأخده وخلاه معاه لحد ما النهار طلع، وبعد كده راح لعمك عشان يديله الموبايل، بس طارق ابن عمك لما قابله.. قال له إن الموبايل ده يبقى بتاعك انت مش بتاع حد من اخواته، فأصر عبده طبعًا إنه يجيبه لحد هنا بنفسه عشان ياخد قرشين.. حلاوة رجوع الموبايل، بس ماتقلقش، انا اديته ال ٢٠٠ جنيه اللي كانوا في جيب بنطلونك وخدت منه التليفون، شوفت بقى إن انا طلعت جدع معاك وجيبتلك تليفونك وانت نايم، وانت كنت رامي تليفوني على الأرض.
خلص خالد كلامه وانا ماردتش عليه، انا مسكت التليفون وفضلت اقلب فيه شمال ويمين، لكنه ماكنش بيشتغل، التليفون كان فاصل شحن!
قومت بسرعة حطيته على الشاحن واستنيته لحد مايشحن شوية عشان افتحه، بس بمجرد ما شحن وجاب ٢%.. سمعت ابويا من برة أوضتنا وهو بينده عليا انا واخويا...
يتبع
(ده الجزء الأول من قصة مكالمة من قبر)
مكالمة من قبر
٢
قومت بسرعة حطيته على الشاحن واستنيته لحد مايشحن شوية عشان افتحه، بس بمجرد ما شحن وجاب ٢%.. سمعت ابويا من برة أوضتنا وهو بينده عليا انا واخويا...
(يا حسام.. يا خالد.. يلا ابني انت وهو عشان نروح لعمكوا، النهاردة عزا حازم واحنا لازم نبقى معاه هو وولاده من أول اليوم)
سيبت التليفون وانشغلت مع ابويا اللي خلاني انا وحسام غيرنا هدومنا بسرعة وروحنا لعمي، وبسبب انشغالي وسربعتي يومها، نسيت اخد موبايل معايا.. وفي الحقيقة انا طول اليوم انشغلت انا واخويا مع ولاد عمي في تحضيرات العزا وكمان في اسئلة الناس بقى عن الطريقة اللي وصلنا بيها لجثة حازم بعد ماغرق واختفى في البحر لمدة خمس أيام، وفضلت مشغول طول اليوم لحد ما العزا خلص وروحت البيت، ونفس اللي حصل بعد الدفنة، حصل برضه بعد العزا.. انا واخويا وابويا كنا راجعين تعبانين اوي، وعشان كده ابويا دخل أوضته ونام على طول، وخالد اول ما حط راسه على المخدة راح هو كمان في النوم، إنما انا بقى.. انا مانمتش، انا غيرت هدومي وقعدت مسكت موبايلي وابتديت اقلب فيه، اول حاجة بصيت عليها كان سجل المكالمات اللي لقيت فيه رنتين من زمايل ليا، طبعًا ماقدرتش ارد عليهم لأني كنت ناسي التليفون في البيت زي ماقولت، بس الغريب بقى في سجل المكالمات، إن انا مالقتش ولا مكالمة من التليفون لرقم اخويا، كلها كانت رنات من رقمه لرقمي، يعني ايه!.. يعني المكالمة اللي انا رديت عليها امبارح دي كانت تهيؤات!.. طب واللي انا شوفته بعدها وحازم اللي خنقني، لا لا لا.. اكيد دي كلها تهيؤات بسبب الضغط العصبي والتوتر اللي انا عايش فيهم بقالي أيام، واكبر دليل على إنها تهيؤات هو إنِ لما صحيت من النوم.. كنت عادي على الكنبة ومش ميت ولا مخنوق ولا حاجة، بس ازاي.. طب وتليفون اخويا اللي كان مرمي على الأرض.. من اللي رماه!.. هو انا اتجننت وبقيت بشوف حاجات مش حقيقية، ولا ده حصل بجد والتليفون اتعفرت بسبب وجوده في القبر ولا ايه....!
فضلت قاعد بكلم في نفسي زي المجانين وانا بقلب في التليفون بعشوائية لحد ما دخلت على الاستوديو، وهنا بقى كانت المصيبة لما لقيت اخر حاجة في الاستوديو، فيديو متسجل من الكاميرة بتاعت التليفون بتاريخ امبارح بالليل!
فتحت الفيديو وانا بتعدل في قعدتي وببص لشاشة التليفون بتركيز، الفيديو كان شغال والشاشة سودة تمامًا، بس الصوت اللي كان موجود مع الشاشة السودة كان صوت واطي اوي لدرجة إن انا قربت سماعة التليفون من ودني عشان اسمع ايه اللي بيتقال، وفعلًا اول ما قربت التليفون ابتديت اركز.. سمعت صوت شخص بيهمس..
(حسام... هتموت يا حسام.. هتجيلي قريب ياحسام.. هتجيلي قريب)
وابتدى الصوت يقرب لحد ما مرة واحدة سمعت صوت صرخة قوية اوي خلتني رميت التليفون من إيدي على السرير، ومع رميتي للتليفون غصب عني.. بصيت للشاشة وانا مصدوم، الشاشة كانت جايبة وش حازم الشاحب وهو مبرق لي وشفايفه بتتحرك بأسمي وكأنه ماسك التليفون وبيصور نفسه، بس مرة واحدة وقبل ما اعمل اي رد فعل، التليفون ضلم والصوت سكت خالص!!!
مسكت التليفون تاني بسرعة وحاولت افتحه، بس للأسف.. التليفون ماكنش بينطق، الأوضة من حواليا كانت ضلمة ضلام القبر، وانا كنت قاعد على السرير بترعش، حاولت اكسر نوبة الهلع اللي صابتني لما حطيت إيدي على الكومودينو وولعت الأباچورة.. وبمجرد ما نور الأباچورة اشتغل، شوفت فجأة وش حازم قصادي، كان واقف جنب سريري بالظبط.. هيئته كانت نفس الهيئة اللي شوفته عليها في الفيديو، وشه شاحب، عينيه مبرقة، كان متكفن وشفايفه بتتحرك بأسمي، حاولت اقرا قرأن او اقوم من مكاني بس ماقدرتش.. انا جسمي اتشل ومابقتش قادر اعمل اي حاجة، وقتها قرب مني حازم ببطء ومد إيديه حوالين رقبتي وابتدى يخنق فيا لحد ما فقدت الوعي، وبرضه تاني يوم صحيت على صوت خالد اخويا وهو بيصحيني وبيقولي إني كنت طول الليل عمال اصرخ وانا نايم، والمصيبة الكبيرة بقى إن انا لما مسكت التليفون وقلبت فيه.. مالقتش الفيديو اياه، يعني كل دي كانت تهيؤات.. بس خليني اقولك إن التهيؤات ماوقفتش لحد هنا، انا فضلت بعد اليوم ده ولمدة تلات أيام مابنامش، انا كل ما كنت بحاول اغمض عينيا واروح في النوم، كنت بسمع صوت حازم طالع من التليفون وبعد كده كنت بشوفه قصادي، وفي النهاية كان بيخنقني عشان افقد الوعي لدقايق.. دقايق كنت بقوم بعدهم من النوم او من الأغماءة اللي بتجيلي، وانا بتنفس بصعوبة، وفي نفس الوقت كنت ببقى حاسس بألم رهيب في رقبتي، ومش رقبتي بس اللي كنت ببقى حاسس عندها بالألم.. انا راسي هي كمان كانت بتنفجر من كتر الصداع وقلة النوم، ده غير ضربات قلبي اللي كانت بتزيد كل ما كنت بفتكر اللي حصل يوم غرق حازم.. ماهو انا وحازم في اليوم ده كنا طالعين رحلة مع زمايلنا، ووقت ما كنت في المايه انا وهو وهم.. خدته وبعدنا عنهم شوية وطلبت منه إنه يتحداني ونشوف مين فينا هيقدر يوصل لمسافة وعمق اكبر من البحر، وفعلًا دخلنا جوة البحر وأول مابعدنا عن عيون اصحابنا قربت منه وشديته لتحت.. ايوة انا اللي قتلت حازم، انا اللي غرقته لأني كنت بعرف اعوم كويس وهو لأ، وعشان كده استغليت الحتة دي كويس واستغليت كمان اندفاعه وحبه لشكله قصادي وقصاد نفسه وغروره، وغرقته.. غرقته لأنه خدها مني، نور.. اول حب ليا وزميلتنا في نفس الشلة، كانت اقرب واحدة ليا في الدنيا من بعد موت امي، وفي اليوم اللي خلاص كنت هصارحها فيه بأن انا بحبها وعايز ارتبط بيها، اتفاجأت بكلامها ليا لما قالتلي إنها ارتبطت بحازم وانها فرحانة اوي لأنه ابن عم اقرب صاحب ليها، والمصيبة الأكبر بقى إنها قالتلي إن انا زي اخوها.. اه زي اخوها عشان مش لبق في الكلام زي حازم، زي اخوها عشان ماعنديش الغرور اللي عنده.. بس انا بقى ماسكتتش، انا خططت وقررت لحد ما بعد ارتباطهم باسبوع طلعنا سوا الرحلة دي، وفي الرحلة غرقته وعملت نفسي وقتها إن انا اللي بغرق، فزمايلي انشغلوا بيا وحاولوا ينقذوني، في الوقت اللي كان حازم غرق فيه وماحدش خد باله لأننا كنا بعيد اوي وماحدش كان شايفنا اساسًا، وطبعًا عقبال ما طلعوني للشط وأنقذوني ونزلوا يدورا عليه، كان البحر بلعه، وحتى لو ماكنش بلعه، انا كده كده ماعملتش نفسي إن انا بغرق إلا لما اتأكدت إنه غرق ومات.. وبموته كنت فاكر بقى إن انا هقدر اوصل لقلب نور لأني اقرب حد ليها من بعد حازم، بس في الحقيقة اللي انا عاوزه ماحصلش او مالحقتش اعمله.. انا من بعد موت حازم وحياتي اتقلبت لجحيم، من يوم موته ولمدة خمس أيام، كنت بشوف نفسي وانا بغرق في الحلم.. وفضلت على الحال ده لحد ما المنقذين لقوا جثته وسلموها للشرطة.. الشرطة اللي بدورها اتصلت بابوه وسلمته جثته عشان يدفنه، وطول الفترة اللي فاتت دي وانا كنت بمثل على كل اللي حواليا وبوهمهم إن انا اكتر واحد حزين عليه لأنه غرق قصادي، بس في الحقيقة انا اللي قتلته، وفي الحقيقة برضه انا دلوقتي اللي ندمان على عملتي السودة دي، واللي بسببها وبسبب التليفون اللي وقع جوة القبر بالصدفة، جحيم حياتي زاد اكتر وبقيت حرفيًا مابعرفش انام في اليوم الواحد نص ساعة على بعضها، وعشان انهي كل ده.. كان الحل الوحيد إنِ ارتاح من الجحيم اللي انا عايش فيه قبل ما اتجنن او انهار، انا لازم اعمل في نفسي زي ما عملت في حازم.. انا لازم اموت غرقان زيه.. انا لازم اروحله زي مابيقولي كل مابشوفه في كوابيسي من وقت موته.. وياريت اللي هيسمع الكلام ده.. ياريت يدعيلي بالرحمة، ولو الكلام ده او الحكاية وصلت لأهلي.. ياريت يسامحوني، انا الشيطان ضحك عليا ودلوقتي انا هنتحر في البحر وهكفر عن ذنبي..
(الكلام ده كان متسجل في فويس نوت على تليفون لقاه شخص ما على شط من شواطيء اسكندرية بالليل، وجنب الموبايل اللي بالمناسبة يعني ماكنش عليه أي رمز او باسورد، الشخص ده لقى جزمة وتحتها وورقة مكتوب فيها سامحني يا حازم!.. بس الشخص اللي لقى الموبايل ده كان طماع وخده وخباه بسرعة، ولما روح بيته شال الخط منه ومسح كل اللي عليه بعد ماسمع الفويس وابتدى يستعمله، ومن يوم ما بدأ يستعمله وهو بيحلم بحلم واحد بس.. حلم بيشوف فيه شخص طالع من البحر وبيقوله وصل حكايتي، وصل حكايتي لأهلي وخليهم يسامحوني، فالشخص ده كتب لي الحكاية دي وبعتهالي عشان اوصلها للناس، لعل وعسى يعني الحلم المتكرر ده يفارقه، وفي نهاية الحكاية اللي اتبعتتلي... قال لي الشخص اللي لقى التليفون.. إنه بعد كده عرضه للبيع على موقع شهير للموبايلات المستعملة، وفعلًا قدر يبيعه لواحد مش من نفس محافظته، وبعد ما باعه غير رقمه عشان الشخص اللي اشترى التليفون ده مايوصلوش ولا يرجعهوله من تاني لأنه مش ناقص.. مش ناقص لأنه حتى بعد ماباع التليفون، فضل يشوف نفس الحلم ومافيش حاجة اتغيرت، وده اللي خلاه يحكيلي الحكاية عشان اوصلها لكل الناس على أمل إنها توصل لأهل حسام صاحب التليفون الأساسي ويسامحوه على قتله لابن عمه وبعد كده انتحاره، بس اسمحلي اقولك في النهاية حاجة مهمة اوي ياصديقي.. ياريت تخلي بالك وانت بتشتري أي تليفون مستعمل، لأنه ممكن اوي يكون تليفون حسام واخر واحد اشتراه، عرضه للبيع كموبايل مستعمل عشان يبيعه زي ما اشتراه... تليفون حسام اللي فضل ليلة كاملة في القبر، ويا عالم لو وقع في إيدك ممكن ايه اللي يجرالك بسببه!!)
تمت
محمد_شعبان
مكالمة_من_قبر
التعليقات على الموضوع