إبحث عن موضوع

في شقة جدي

كنت سامع صوت نقط مايه، صوت قريب اوي من صوت الحنفية وهي بتنقط، بس لما ركزت مع الصوت ده اكتر.. ابتديت استوعب إنه مش جاي من الحمام او المطبخ او حتى من أي حنفية من حنفيات الشقة!.. الصوت ده مصدره انا، يعني السقف بينقط من فوقي، والنقط اللي بتنزل من السقف دي بتنزل على وشي انا!
قومت من النوم وانا منزعج وقلقان، حسست على وشي بإيدي عشان اتأكد من احساسي إذا كان صح ولا غلط، والكارثة كانت اكتشافي بأن وشي مبلول اه، بس مش بمايه بتنقط من السقف، انا وشي كان مبلول بسائل لزج ماقدرتش احدد هو ايه، وقتها كانت النقط اللي بتنزل من السقف لسه زي ماهي عمالة تنقط على راسي!.. استغرابي زاد وخوفي وقلقي زادوا اكتر هم كمان، عشان امد إيدي ناحية الأباچورة اللي جنبي على الكومودينو وانور نورها، ومع فتحتي للنور بصيت للسقف بتلقائية عشان اشوف ايه سبب النقط اللي عمالة تنزل على راسي دي، لكني في اللحظة دي اتسمرت في مكاني.. اتسمرت لما لقيت فوق راسي على طول قطة مدبوحة، واللي كان بينزل على راسي ده هو دمها، بس لا لا دي مش أي قطة، دي بندق القطة اللي بنربيها، كانت متعلقة من ديلها في السقف، وراسها كانت فوق راسي على طول وهي مدبوحة ودمها مغرق وشي!
خدت كام ثانية كده وانا متخشب في مكاني من أثر الصدمة، بعدهم فوقت وبدأت استوعب حجم الكارثة اللي متعلقة في سقف أوضتي، قومت بسرعة من على السرير وروحت ناحية الباب اللي بمجرد ما فتحته، طلعت اجري على أوضة ابويا وامي اللي بابها كان مقفول كالعادة، فضلت اخبط على الباب بكل قوة وانا بقول بصوت عالي..
-يا بابا.. يا ماما.. يا جماعة افتحوا بسرعة في مصيبة، افتح يا بابا بسرعة بالله عليك وتعالى شوف ايه اللي في أوضتي..
كنت بخبط وبزعق زي المجنون لحد ما سكتت فجأة، سكتت لما سمعت من ورايا صوت خطوات وبعده سمعت صوت نقط على الأرض، لفيت بالراحة وبصيت ورايا عشان الاقي اختي الصغيرة ابتهال، وهي واقفة في نص الطرقة اللي بتوصل لأوضة امي وابويا.. كانت عمالة تبص لي وتضحك اوي وهي ماسكة القطة بتاعتنا اللي كانت متعلقة في سقف أوضتي من شوية، كانت ماسكاها وعمالة تلف في راسها المدبوحة لحد ما فصلتها عن جسمها خالص، برقت لها وانا مش مستوعب هي بتعمل كده ليه، حرفيًا المنظر كان بشع.. دم القطة كان مغرق هدومها والأرض من حواليها، بلعت ريقي وبصيتلها برعب..
-اب اب ابتهال.. ان ان انتي بتعملي ايه؟!
قربت مني اختي وهي ماسكة راس القطة في إيد وفي الإيد التانية ماسكة جسمها، قربت مني بخطوات بطيئة والدم مغرق إيديها..
-موتتها يا باهر.. موتتها زي ما هموتك دلوقتي..
حاولت ارجع لورا عشان ابعد عنها، بس للأسف.. باب أوضة امي وابويا كان لسه مقفول زي ماهو، طب اروح فين ولا اجي منين، اختي بمنظرها ده واقفة قصادي، وورايا الباب مقفول، لكن حيرتي مادامتش كتير لأني لفيت بسرعة واديت وشي للباب وبدأت اخبط عليه بكل قوة..
-يا بابا.. يابابا افتح يابابا.. الحقونا.. 
وابتديت اصرخ واهلفط بأي كلام لحد ما حسيت بيها بتقرب مني، صوت أنفاسها من ورايا خلى كل اعصاب جسمي تسيب لدرجة إني بقيت عمال بترعش وانا واقف مكاني، وفي لحظة حسيت بإيديها اللي مليانة دم وهي بتتلف حوالين رقبتي وبتخنقني، غمضت عينيا وابتديت اصرخ واضرب في إيديها بكل قوتي..
-سيبيني.. ابعدي عني، يابابا.. الحقني يا بابا.. يابا... يا..
سكتت لما فتحت عيني ولقيت نفسي نايم على سريري ونور الشمس داخل من شباك أوضتي!
اتنطرت من مكاني وانا ببص على نفسي وعلى السقف، حمدت ربنا وانا باخد نفسي بالعافية على إن كل اللي شوفته ده كان مجرد كابوس..
(اعوذبالله من الشيطان الرچيم.. الحمد لله.. الحمد لله)
قولت كده وانا بقعد على السرير وببص ناحية السقف اللي طبعًا ماكنش فيه حاجة، بس فجأة اتخضيت لما لقيت باب أوضتي بيتفتح وبتدخل منه ابتهال اختي وهي بتقولي..
-يا بيبو.. ماما بتقولك قوم عشان ال...
سكتت اختي وقربت مني وهي بتسألني باستغراب..
-مالك يا ابني.. شكلك عامل كده ليه؟!
بصيت لها وانا بمسح العرق من على وشي..
-مافيش يا ابتهال.. انا كويس.
قربت مني اكتر وسألتني..
-مافيش ازاي بس.. ده انا لما فتحت عليك باب الأوضة اتخضيت خضة مش طبيعية، ودلوقتي وشك اصفر وعمال تعرق بشكل غريب، فيك ايه يا باهر؟!
قومت من مكاني وقولتلها وانا بحاول اطمنها..
-مافيش حاجة.. انا بس كنت بحلم بكابوس، كابوس صحيت منه قبل ما تدخلي عليا بثواني.
ضربتني على كتفي وهي بتقولي بهزار..
-خليك انت كده عمال تحلم بكوابيس من ساعة ما أوضتك بقت بعيدة عن أوضة ماما وبابا، وبعدين يا ابني ما انا قولتلك ١٠٠ مرة.. بطل تتفرج على أفلام رعب لوحدك بالليل بعد ما بننام.. هتتلبس.
زقيتها برة الأوضة وخرجت معاها واحنا عمالين نهزر ونضحك، وقتها كان بابا صحي وكانت امي بتحضر لما الفطار، صبحت على الكل اللي في البيت ودخلت الحمام غسلت وشي وبعد كده خرجت لعبت مع القط اللي بنربيه واللي اسمه بندق بالمناسبة يعني لحد ما ابويا نده عليا..
-يلا يا باهر.. سيب القط ويلا عشان تفطر وتنزل تشوف محاضراتك.
سيبت بندق وروحت قعدت جنبه على السفرة وقولتله وانا باكل..
-لا والله يا دكتور.. النهاردة ماعنديش محاضرات، الدور والباقي بقى على الناس اللي بتنزل تروح المدرسة كل يوم في السقعة دي وانا محاضراتي اربع أيام في الاسبوع بس.
بصت لي امي وهي بتضحك...
-بس يا واد.. مالكش دعوة باختك، سيبها تفطر وماترخمش عليها، دي لسه قدامها مشوار طويل من هنا للمدرسة.
لما امي قالت كده، ردت عليها اختي وقالتلها بضيق..
-طب والمشوار ده بقى هيستمر لحد امتى ان شاء الله، احنا مش هنرجع شقتنا تاني ولا ايه ماما؟!
رد عليها ابويا وهو بيكمل أكله..
-لا يا ابتهال يا بنتي، هنرجع.. احنا بس هنقعد هنا شهر كمان ولا حاجة عشان الشقة ماتبقاش مقفولة بعد موت جدك الله يرحمه لفترة طويلة، وبعد الشهر هنبقى نرجع.
اتضايقت اختي طبعًا من كلام ابويا، لكنها في النهاية سكتت وكملت فطارها لحد ما خلصته ونزلت مدرستها، بعدها نزل بابا هو كمان عشان يروح المستشفى اللي بيشتغل فيها دكتور أسنان، اما انا بقى.. فانا دخلت لامي المطبخ وقولتلها بابتسامة سمجة..
-ست الكل.. ونبي منورة، شوفي.. سكر واقف بيشطب المطبخ.
ضحكت بخبث وبصت لي بصة معناها إنها فاهماني..
-عاوز ايه يا واد.. انت مابتقوليش كلام حلو إلا لما بتبقى عايز حاجة، ادخل في الموضوع على طول.
هرشت في راسي وانا بقولها..
-مافيش.. كل الحكاية بس إن كريم هيجي يقعد معايا شوية، يعني عشان نذاكر وكده يعني، بس بصراحة انا خايف اتصل بيه واقوله تعالى لا تضايقي يعني لأننا مش في بيتنا وكده.
ردت عليا امي وهي بتبص لي باهتمام..
-لا يا ابني.. احنا في بيتنا، الشقة دي جدك الله يرحمه قبل ما يموت كان كاتبها لابوك بيع وشرا، بالظبط زي ما كتب الشقة اللي تحتنا على طول لعمك حسين، اتصل بكريم وخليه يجيلك واقعدوا تلعبوا مع بعض وكأنك في شقتنا القديمة تمام.
انبسطت بصراحة لما قالتلي كده، بس للحظة وقفت مكاني وانا بفتكر كلامها..
-نلعب!.. انتي قولتي نلعب ولا قولتي نذاكر وانا سمعتها غلط؟!
ضحكت امي وهي بتقولي..
-لا قولت تلعبوا يا حبيب امك.. اوعى تكون فاكر يا واد إن انا مش ببقى سامعاكوا وانتوا قافلين على نفسكوا باب الأوضة وقاعدين بتلعبوا بلايستيشن وعاملين انكوا بتذاكروا، هو انا عبيطة يا واد؟!
ضحكت بصراحة وقولتلها باحراج..
-ماشي يا حاجة، بس والله العظيم النهاردة فعلًا هنذاكر، ما انتي عارفة بقى إن السنة دي اخر سنة وماينفعش فيها اللعب، وبعدين انا عاوز اتخرج بقى يا ماما واخلص.
قربت امي وطبطت عليا ودعيتلي بالنجاح انا وكريم اقرب صاحب ليا، بعدها سيبتها وخرجت واتصلت بيه عشان يجي يقعد معايا لأول مرة في شقتنا الجديدة، او بمعنى اصح يعني في شقة جدي اللي كان عايش فيها، وابويا ورثها منه او خدها بعد ما مات، وبقينا عايشين فيها بدل شقتنا..
خلصت كلام مع كريم في التليفون وقعدت استنيته لحد ما بعد نص ساعة لقيته بيخبط على الباب، قومت فتحتله الباب وسلمت عليه ووصلته لأوضتي اللي قفلت بابها علينا وقعدنا فيها سوا، رحبت بيه وقعدنا نتكلم سوا، او انا يعني اللي بدأت الكلام لما قولتله..
-منور والله يا حاج يا كيمو.. ايه رائيك في الشقة بقى؟!
رد عليا وهو بيبص حواليه..
-جميلة يا بيبو.. بس انتوا ناويين تقعدوا فيها لغاية امتى؟!
-والله ما عارف يا كريم، ابويا بيقول اننا ممكن نقعد شهر كمان غير الشهر اللي قعدناه من بعد موت جدي، بس بيني وبينك كده، انا شايف إننا هنطول، ابويا شكله عاوزنا نستقر هنا ويأجر الشقة اللي كنا عايشين فيها.. انا سمعته وهو بيقول لامي كده من كام يوم، بس الغريب إنه النهاردة قال لاختي إننا هنقعد لمدة شهر وبس، مش عارف بقى.. جايز يكون بيقولها كده عشان ماتضايقش بسبب إن مدرستها بعيدة عن المنطقة هنا وقريبة من الشقة اللي كنا عايشين فيها.. وجايز يكون بيتكلم بجد، بس سيبك سيبك.. احنا انشغلنا في الكلام ونسيت اسألك، تشرب ايه؟!
ابتسم كريم ابتسامة بقلق كده وقال لي..
-اي حاجة يا باهر.. بس قبل ما اشرب عاوز اقولك على حاجة مهمة اوي، انا من ساعة ما دخلت الشقة دي وانا مش مرتاح.
بصيت له باستغراب وسألته..
-مش مرتاح ازاي يعني؟!
جاوبني وهو بيبص حواليه بنفس القلق..
-مش عارف يا باهر.. مش عارف، انا من ساعة ما دخلت وانا حاسس إن انا مخنوق او في حاجة مش مريحاني في المكان هنا.
قربت منه وقولتله بهزار..
-جرى ايه ياعم الشيخ، انت اتعديت من عمك اللي بيرقي الملبوسين ولا ايه وبقيت بتعرف الاماكن المسكونة، وبعدين يا سيدي اطمن.. انت تلاقيك بس متضايق بسبب إن الامتحانات قربت وانت مافتحتش كتاب، إنما الشقة.. مالها الشقة، ماهي زي الفل اهي يا عم كريم، ثم إن جدي الله يرحمه بقى لما كان عايش فيها، تملي كان بيشغل قرأن وكان بيصلي فيها الصلوات في معادها، تيجي انت وتقولي مش مرتاح ومخنوق، صلي على النبي في قلبك كده وماتحاولش تخوفني بكلامك الاهبل ده لأني كده كده مابخافش.
قولتله كلامي ده وانا بحاول اطمنه واطمن نفسي معاه، انا فعلًا بقيت احس بنفس احساسه ده بقالي فترة، او بالتحديد يعني من حوالي عشر أيام.. او من وقت ما بقيت بشوف كوابيس غريبة كل يوم بالليل!
خلصت كلامي مع كريم اللي بص لي وهو لسه على وشه نفس نظرة القلق والخوف اللي كانت باينة اوي من وقت ما دخل الشقة..
-براحتك يا باهر.. انا قولتلك اللي انا حاسس بيه وخلاص.
حاولت اغير الموضوع واقلبه هزار لما قولتله..
-طيب يا سيدي، افادكم الله.. نورت المحكمة يا حاج كركر، تطفح ايه بقى عشان اخلي امي تعملهولك.
-اي حاجة.. اللي موجود هشربه.
هزيتله راسي وبصيتله وضحكت وخرجت من الأوضة، روحت لامي أوضتها اللي كانت قاعدة فيها بتتفرج فيها على التلفزيون والقطة نايمة جنبها..
-ماما.. عاوزين كوبايتين عصير انا وكريم.
ردت عليا وهي واضح على ملامحها انها متضايقة..
-ماشي يا ابني، ادخل انت.. وانا لما اعمل العصير هبقى انده عليك عشان تاخده.
لكنها لما قالت كده، قربت منها وسألتها باهتمام..
-أولًا كده تسلم إيدك على العصير اللي انتي لسه ماعملتيهوش، ثانيًا بقى ايه اللي مضايقك يا ست الكل؟!
مشت إيديها على القط بندق وهي بتقولي بزعل..
-مش عارفة يا باهر القط ماله، بقاله شوية كده ساكت ومابيلعبش ولا بيروح ولا يجي زي عوايده، شكله تعبان او فيه حاجة.
قربت منه وابتديت العب معاه، لكنه فعلًا ماكنش بيلعب ولا بيتحرك من مكانه على غير عادته، القط واضح كده من شكله إنه تعبان او فيه حاجة، وعشان اطمن امي وماخليهاش تقلق، طبطبت عليه وانا بقولها..
-ماتقلقيش عليه، هو لو فضل تعبان كده لحد المغرب، هاخده وانزل بيه للدكتور بتاعه عشان هو بيجي في الوقت ده، وإن شاء الله خير.. ماتقلقيش انتي وبس وماتضايقيش نفسك يا...
(باهر.. يا بااهر... الحقني يا باهر...)
ده كان كريم اللي نده عليا بصوت عالي، وبسبب صوته ده سيبت امي ورجعتله أوضتي اللي قاعد فيها عشان اشوفه بينده عليا بصوت عالي كده ليه، بس اول ما دخلت عليه الأوضة لقيته واقف ورا الباب وهو مبرق... يتبع
"ده الجزء الأول من قصة (في شقة جدي).. 

في شقة جدي...
٢ 
(باهر.. يا بااهر... الحقني يا باهر...)
ده كان كريم اللي نده عليا بصوت عالي، وبسبب صوته ده سيبت امي ورجعتله أوضتي اللي قاعد فيها عشان اشوفه بينده عليا بصوت عالي كده ليه، بس اول ما دخلت عليه الأوضة لقيته واقف ورا الباب وهو مبرق، فبصيتله باستغراب وسألته..
-ايه يا ابني في ايه.. بتنده عليا بصوت عالي كده ليه، وبعدين انت ايه اللي موقفك كده؟!
قرب مني وقالي وهو شكله خايف وقلقان..
-خرجني.. خرجني من هنا، انا عاوز امشي.
خرجته من الأوضة وانا لسه باصصله باستغراب..
-في ايه يا ابني.. ما احنا كنا قاعدين كويسين!
بلع ريقه وقال لي وهو بيروح ناحية باب الشقة..
-لا يا باهر.. الشقة دي فيها حاجة، انت بعد ما خرجت بثواني، لمحت خيالات بتمشي على الحيطان.. ومش بس كده، انا طول ما انا قاعد كنت سامع اصوات ناس بتتكلم مع بعض بصوت واطي وبكلام مش مفهوم.. بص، انا حاسس إن الشقة دي فيها حاجة وقولتلك كده من أول ما دخلت، فانت لو عاوزني اكلملك عمي واخليه يجي يرقيكوا ويقرالكوا قرأن، انا ممكن اعمل ده، بس إن انا اقعد هنا دقيقة كمان.. ده مش هيحصل لو على جثتي، سلام.
قال لي كريم كده، وفتح الباب وخد بعضه ونزل جري!
في الحقيقة ماعرفش هو ازاي شاف ده كله وانا واختي وابويا مابنشوفش حاجة في الشقة، انا اه بشوف كوابيس وكده، إنما في الأول وفي الأخر دي مجرد كوابيس، مش حقيقة يعني، اكيد كريم بيتهيأله او بيحور عليا وكل اللي بيقول إن هو شافه وسمعه ده مجرد خيالات.. اكيد.
ولحد هنا اقدر اقولك إني أوهمت نفسي بكده عشان اعرف اعيش او اتعايش في الشقة، والغريب بقى إن انا يومها بعد ما كريم مشي، قعدت اذاكر في أوضتي وفي الصالة وماشوفتش اي حاجة، ده حتى القط بندق اللي كان باين عليه إنه تعبان، بعد شوية قام وفضل يجري ويلعب في الشقة بشكل هيستيري لحد بالليل.. ومع دخول الليل ورجوع ابويا من الشغل وبعد ما اتعشينا كلنا ودخلنا ننام، فجأة قومت من النوم مخضوض، بس المرة دي مش بسبب حلم او كابوس، المرة دي كان بسبب اختي اللي صحتني من عز النوم وهي بتقولي..
-باهر.. قوم يا باهر بسرعة، قوم شوف بندق ماله.
قومت من النوم وخرجت معاها لمكان القط، القط اللي كان نايم قصاد الحمام بشكل غريب، كان فارد جسمه كله بطريقة غريبة وهو بوقه مفتوح وعمال يخرج منه دم!
قربت منه بحذر، وبقلق وبخوف ابتديت احسس عليه وانا عنيا بتدمع..
-مالك.. مالك يا بندق، ايه الدم ده كله..
سكتت لثواني وانا بمشي إيدي عليه، وبعد كده بصيت لاختي وقولتلها..
-اجري صحي بابا بسرعة.
مسكت القط وبصيتله بتركيز وقت ما اختي راحت تنادي ابويا، ومع نظراتي له، حسيت إنه هو كمان بيبص لي وهو خلاص بيموت، صوته كان بيطلع بالعافية وكأنه بينازع الموت، بس وسط ما ده كله كان بيحصل، قلبي كان مقبوض وكنت خايف، مش بس بسبب الكوابيس اللي كنت بشوفه فيها وهو مدبوح او وهو بيموت، لأ.. انا كنت خايف بسبب إن الدم اللي كان بيخرج من بوقه بدأ يبقى لونه أسود!
قعدت جنبه لثواني وانا عمال اعيط عليه لأني مربيه بقالي سنة ونص تقريبًا، بعدها بابا جه وخده مني وبص عليه وبعد كده قال لنا..
-القط ده شكله آكل حاجة مسممة وخلاص بيموت...
وماكملش ابويا كلامه، وفي نفس الوقت اللي كان ماسكه فيه، ابتدى القط يتشنج لحد ما طلع في الروح، مات القط وبعد كده ابويا خده ونزل دفنه في مكان بعيد عن البيت، وبصراحة في الليلة دي انا واختي وامي مانمناش، كانت ليلة غريبة عدت علينا وكأنها سنة، ومع طلوع النهار.. لبست اختي ونزلت مدرستها، وابويا هو كمان راح شغله، وانا فضلت قاعد لأن محاضراتي كانت هتبدأ متأخر يومها، وكمان فضلت قاعد في البيت لأن امي قبل ما تنزل قالتلي..
(خليك قاعد يا باهر لحد ما انزل السوق وارجع عشان هتصل بيك تنزل تاخد مني الحاجات اللي هشتريها لأني مابقدرش اشيلها لحد فوق، وبعدين انا مش هتأخر)
وفعلًا شغلت التلفزيون وقعدت قدامه لحد ما بعد حوالي خمس دقايق لقيت الباب بيخبط بشكل هيستيري!
قومت فتحت الباب اللي لقيت وراه شاب واقف قال لي وهو بينهج..
-انت استاذ باهر؟!
-اه انا.. خير؟!
-انا شغال في السوبر ماركت اللي تحت العمارة، والدة حضرتك تعبانة اوي تحت، اتكعبلت وهي ماشية في الشارع وتقريبًا كده رجلها اتكسرت، فاحنا اول ما لقيناها وقعت قعدناها على كرسي وعرفنا منها إنها ساكنة هنا.. هي قالتلنا باهر ابني فوق.
اول ما قال لي كده، خدت موبايلي ومفتاح الشقة معايا ونزلت جري معاه، وفعلًا لما نزلت.. لقيت امي قاعدة على كرسي قصاد السوبر ماركت والناس ملمومين حواليها، كانت عمالة تعيط من شدة الألم ورجلها اليمين كانت ملوية وزرقة بشكل مش طبيعي، فبسرعة طلبتلها الأسعاف وبعد كده اتصلت بابويا وفضلت قاعد جنبها وانا بحاول اهون عليها، لكن وقتها بقى.. وسط الناس اللي كانوا واقفين حوالينا ووسط كلامهم الكتير، سمعت حد منهم قال لي كلام غريب اوي..
(والله يا أستاذ انا ما عارف هي وقعت ازاي.. انا كنت قاعد قصاد المحل بتاعي اللي قصاد باب العمارة وكنت شايفها وهي ماشية عادي، بس فجأة ومن غير ما تتكعبل.. فجأة كده وقعت لوحدها وفضلت تصرخ وكأن حد شد رجليها عشان تقع!)
الكلام ده كان كلام غريب ومالوش تفسير، بس ايه يعني اللي مش غريب وله تفسير في كل اللي بيحصل لنا ده، انا حرفيًا بقالي أيام حاسس بأن حياتي مش مظبوطة ومليانة مصايب كلها أغرب من بعض، وكمان انا بقيت حاسس بإن في حاجة هي السبب في كل اللي بمر بيه ده، وفي الحقيقة احساسي كان صح.. احساسي كان صح لما حصل اللي حصل يومها بالليل..
انا في اليوم ده بعد ما امي راحت المستشفى واتعملها عملية وركبت شريحة ومسامير، وبعد ما انا رجعت البيت بالليل ومعايا اختي لأن ابويا فضل سهران جنبها لحد ما ابقى اروحله انا الصبح.. ليلتها فضلت قاعد طول الليل وانا ماسك المصحف في الصالة، كنت قاعد بقرا قرأن واختي نايمة جوة في أوضتها لأنها رجعت من المدرسة على المستشفى وبصراحة تعبت طول اليوم مع ماما، لكن فجأة وانا قاعد في الصالة وبقرأ قرأن عشان ربنا يخرجنا من اللي احنا فيه ده أيًا كان هو ايه او ايه سببه، ابتديت اسمع برة الباب صوت خرفشة!
قومت من مكاني وروحت ناحية الباب وبصيت من العين السحرية، وساعتها اتصدمت لما لقيت هدى بنت عمي اللي شقته تحت شقتنا بالظبط، واقفة وبتبص حواليها بحذر وهي بتدلق حاجة من أزازة محطوطة جوة كيس اسود في إيديها!
كانت بتدلق مايه قصاد باب شقتنا وانا مركز معاها، لحد ما بحركة سريعة فتحت باب الشقة عشان تبص لي وهي مبرقة، ومع فتحتي للباب رمت هدى الأزازة من إيديها وكانت لسه هتنزل تجري، لكني مسكتها بسرعة من دراعها وقولتله وانا مبرق لها..
-الله يخربيتك، ايه ده.. ايه اللي انتي بترشيه قصاد الباب ده.
سكتت هدى اللي اصغر من اختي بسنتين، سكتت ومابقتش عارفة تقولي ايه لحد ما قولتلها بغضب..
-وديني يا هدى لو ما قولتيلي كنتي بترشي ايه لاهكون نازل لابوكي وامك وقايلهم على اللي بتنيله ده، انطقي.. ايه اللي جوة الازازة ده.
ردت عليا هدى بارتباك..
-هتقولهم ايه.. ماهم عارفين اصلًا.
-عارفين!.. عارفين ايه؟!
وهنا بقى كانت المصيبة لما جاوبتني هدى بكلام خلاني بسمعها وانا مبرق ومذهول...
-امي.. امي هي اللي ادتني الأزازة دي وخلتني ارشها قصاد الشقة، ودي مش اول مرة.. انا بقالي عشر أيام كل يوم بعمل كده، ولما في الأول قولتلها لا ضربتني، انا ماليش دعوة بأي حاجة، ماما وبابا هم السبب.. هم اللي بيخلوني ارشلكوا المايه دي اللي جايبينها من عند راجل دجال اسمه دويدار، عشان تسيبوا الشقة وتمشوا وياخدها معتصم اخويا يتجوز فيها.
كانت هدى بتقول لي كده وانا بسمعها ومابعلقش، كنت مصدوم من كلامها لدرجة إنها خدت الأزازة بالكيس ونزلت جري وسابتني واقف مكاني بعد ما خلصت، الصدمة والذهول خلوني مش عارف اتصرف ازاي، انا في لحظة حسيت إن مخي وقف عن التفكير، بعدها ماحستش بنفسي ألا وانا بجري على تليفوني وبتصل بابويا وبحكيله كل اللي شوفته وسمعته، ومافيش ثواني من مكالمتي معاه ولقيته جاي على البيت، قعد معايا وسمع مني كل اللي حصل بالتفاصيل اكتر، وبعد ما خلصت كلامي دخل صحى اختي وخلاها تلم هدومنا كلها ونزلها للعربية، وبعد ما لمينا كل حاجتنا او معظمها يعني وسيبناها في العربية هي واختي، طلعت انا وهو عند عمي، خبطنا على الباب مرة واتنين وتلاتة لحد ما فتحلنا، وأول ما فتحلنا الباب مسكه ابويا من هدومه وقال له بغضب شديد..
-اقسم بالله يا حسين لولا ان ابوك موصيني عليك، ولولا انك اخويا.. كان زماني جايب أجلك.. بقى دي اخرتها، بنتك بترش أعمال قصاد الشقة عشان تطفشونا وانت تاخدها وتديها لابنك.
عمي كان بيسمع كلام ابويا وهو حاطط وشه في الأرض ومابينطقش، ماتكلمش ولا كلمة، دي مراته هي اللي اتكلمت لما طلعت من وراه وقالت لابويا..
-ايوة يا حسن.. الشقة من حقنا احنا.. احنا اللي كنا بنراعي ابوك في مرضه وقت ما كنت انت ملهي في دينتك انت ومراتك وعيالك، ايه.. مستخسر في ابني حتة الشقة اللي المفروض يتجوز فيها وعاوز تكوش عليها، مش مكفيك إنك عندك شقة وعايش فيها، عاوز تاخد دي كمان؟!
ساب ابويا عمي ورد عليها وهو ماسك نفسه بالعافية عن إنه يضربها..
-مفروض!.. ومين اللي فرض المفروض ده بقى إن شاء الله، الشقة دي حقي وابويا الله يرحمه كتبهالي زي ما كتب الشقة اللي انتوا عايشين فيها دي لجوزك، ولا انا عشان مقتدر وقدرت اجيب شقة برة عاوزين تاكلوا ورثي.. ما ترد، رد يا معدوم الرجولة والنخوة، ولا هي هتفضل سايقاك كده لحد ما توديك للقبر بإيديها؟!
لكن في الحقيقة عمي ماكنش بيرد، عمي كان مغلوب على أمره وساكت، اه ماهي مش حاجة جديدة عليه، احنا من زمان عارفين إن عمي حسين مراته هي اللي مسيطرة عليه هو وبنته هدى وابنه معتصم اللي اكبر مني بحوالي سنتين، لكن ابويا بقى ماهموش، ابويا لما لقى عمي ساكت، بص له هو ومراته وقال لهم والشر بيخرج مع كل حرف بيقوله..
-حلو.. حلو اوي.. خليك انت بقى كده مابتردش وانا همشي، انا هاخد عيالي ومراتي وهمشي، بس ورب العباد يا حسين الشقة ماحد هيسكنها ولا حتى هعرضها للبيع، خليها زي ماهي كده مقفولة وعاملة زي الوقف، وابقى ارمي قصادها بقى اعمال انت ومراتك براحتكوا، وادي دقني اهي لو عرفتوا تاخدوها، إنشالله لو طلعتوا لي فيها عشاير الجن كلهم وعملتولي اللي مايتعملش، برضه مش هسيبهالك ولا ابنك هياخدها.
ولحد هنا كان خلص ابويا كلامه اللي بعده نزلت انا وهو لاختي وركبنا العربية ورجعنا لشقتنا القديمة اللي كنا عايشين فيها قبل ما جدي يموت، اما بقى عن اللي حصل بعد كده.. فالحمد لله امي خرجت بالسلامة وطبعًا خرجت على شقتنا مش على شقة جدي، وابويا بعدها خلاني اتصلت بكريم صاحبي اللي جاب لنا عمه وقرا لنا قرأن والرقية الشرعية في الشقة، وأكد لنا إن الشقة فعلًا كان مرشوش قدامها ماية أعمال مقري عليها بالطلاسم والسحر لما حكيناله عن اللي حصل معانا، وكمان لما حكيناله بالتفاصيل اكتر عن الكوابيس اللي كنت بشوفها وعن القط اللي مات، أكد لنا إن وارد جدًا يكون القط شرب من الماية دي بشكل مش مقصود، وعشان كده مات بالطريقة دي، وطبعًا مش محتاج اقولك إن الكوابيس اللي كنت بشوفها واللي حصل لامي وكل حاجة مرينا بيها، كانت بسبب عمي ومراته ربنا يسامحهم، لكن برضه الحمد لله.. احنا اهو كويسين بعد ما الشيخ جالنا شقتنا بعد ما رقى شقة جدي، ورقانا احنا نفسنا والحمد لله الموضوع عدى على الخير، لكن عمي ومراته بقى هم اللي مابقوش كويسين الحقيقة، عمي بعد اللي حصل ده اتخانق مع مراته ومابقاش بيتكلم معاها، وبعدها بكام شهر مراته تعبت واتنقلت للمستشفى اللي رجعت منها وهي قاعدة على كرسي بعجل لأنها اتشلت بسبب اخر خناقة اتخانقتها مع جوزها، وبصراحة كده ابويا لا بقى بيزوره هو ومراته بعد اللي حصل ده لأنه مش قادر يسامحه، ولا حتى بقى بيروح الشقة ولا بقى يخلي اي حد مننا يروحها من بعد اللي حصل، وادينا اهو بعد مرور تلات سنين.. ادينا اهو لسه قافلين الشقة، وعمي ومراته حالهم لسه زي ماهو، من سيء لأسوء.. اما بالنسبة لي انا بقى؛ فانا بحكيلكوا الحكاية دي لسببين، اولهم إنكوا ماتخسروش اللي حواليكوا او تحسوا من ناحيتهم بالخيانة، لأ.. احذروا بس، احذروا من القريب اللي ممكن يكون بيدبر من وراكوا لمصيبة وبحذركوا ممكن تحموا نفسكوا منها، وكمان بحكيلكوا عشان اسألكوا سؤال مهم اوي، انتوا لو مكاني او مكان ابويا او امي او اختي.. ممكن كنتوا هتسامحوا عمي ومراته ولا لأ؟!
تمت
محمد_شعبان
في_شقة_جدي

ليست هناك تعليقات