همسات من عوالم مجهوله
_ تعرف ياض يا فادي .. أنا نفسي أتوب .. أه والله .. نفسي أبطل كُل القرف ده .. ده انا ساعات بقول لنفسي.. وبعد إللي بعمله دا إيه .. ولا حاجة .. واحد صايع رد سجون وحبسجي من وأنا عندي 11 سنة .
بصيتلهُ بسُخرية ورديت عليه وأنا باخُد نفس من سيجارة الحشيش:
= توبة إيه يا عم إللي أنت بتتكلم فيها .. ده انت علم الإجرام ف منطقتنا .. وفاتح دولاب مخدرات يكفي بلد .. والقشية معدن .. عايز تفهمني إنك عايز تسيب كل ده وتبطل .. إمسك إضربلك نفسين وإنت تنسى أبوك .
لمحت الحُزن على ملامحهُ لثواني بس رجعت وقولتلهُ :
= سامحني يا صاحبي .. ماكنتش أقصد أقلب عليك المواجع .. ثم إن أبوك كان راجل من ضهر راجل .. فكك من كلام الناس .. على رأي عمك چورچ .. كلام الناس لا بيقدم ولا يأخر .
كُنا قاعدين على كُرسيين في شقتي الفاضية .. لقيتهُ قام من مكانهُ .. وإتمشى لحد البلكونة، وقف فيها لدقايق ورجع وهو بيحاول يخبي الدمعة عني وقالي بنبرة أسى :
_ كان نفسي أشوفهُ يا فادي .. لما وعيت على الدُنيا ماسمعتش عنهُ غير كُل شر .. أبوك حرامي .. أبوك قتال قُتلة .. أبوك بودرجي .. أبوك عمل .. أبوك سَوا .. ماحدش كان سايبني ف حالي .
في الوقت ده موبايلي رَن .. كان رقم غريب .. وإحنا متعودين طول ما أحنا قاعدين مع بعض وبنشرب مخدرات نقفل موبايلاتنا علشان ماحدش يزعجنا .. بس مش عارف ليه اليوم ده نسيت أقفل فيه الموبايل .. يمكن ده حصل علشان نعرف الكارثة.. أيوة حصلت كارثة .
لما رديت على الرقم سمعت صوت جاي من الجهة التانية، ماكنتش سامعهُ كويس بسبب أصوات الصراخ وصوت سارينة الإسعاف والمطافي .
بص لي سليم بإستغراب بعد ما قومت من على الكرسي وأنا بقول بهيستريا :
_ ألووو .. مين معايا .. ألووو .. ألووووووو .
قلبي بدأ يدُق بقوة وأنا بسمع أصوات العويل والصريخ مُستمر .. سألني سليم بلهفة في إيه .. هزيتلهُ راسي بمعنى مش عارف .. كُنت حاطط الموبايل ف ودني .. كان الواضح إن إللي بيكلمني بيبعد عن الأصوات لإني بدأت الأصوات تتلاشى .
كان تامر أخويا .. ميزت صوتهُ بعد ما بعد عن الدوشة .. بس قبل ما أقولهُ أي كلمة لقيتهُ بيبلغني بخبر بشع .. خبر صدمني وتلقائي نزلت دموعي مني .
جالي سليم وهو بيبُصلي وبيسألني مرة تانية عن إللي حصل .. ماكُنتش قادر أتكلم .. ماكُنتش عارف أقولهُ إيه .. بس كان لازم يعرف .. كان لازم يعرف إن شقتهُ ولعت ومراتهُ فشلت إنها تهرب من قلب النار وماتت هي وإللي ف بطنها !! .
نزل سليم جري وأنا وراه .. شقتهُ ماكنتش بعيده عن العمارة إللي أنا ساكن فيها .. لما دخل الشارع لقى ناس كتير واقفين .. الكُل برغم إللي حصل بيبُصولهُ بقرف وسمعت كام واحد منهم بيدعوا على سليم .. شقتهُ كانت متفحمة حرفياً .
جري سليم على عربية الإسعاف وبجنون فضل يصرخ وهو بينادي على فريدة مراتهُ .. جريت وراه ومسكتهُ لكني ماكُنتش قادر عليه .. قفل المُسعف عربية الإسعاف ومشيوا بجُثة فريدة إللي ماكنش باين منها أي ملامح !.
الله يرحمها .
إترمى سليم على الأرض وهو بيصرخ من القهر والوجع .. جيه راجل عجوز قرب منهُ وقالهُ بغضب :
_ كُنت مستني إيه غير كده .. من ساعة مارجلك خطت المنطقة بتاعتنا والمنطقة بقت سُمعتها زفت بعد ماكُنا إيد واحدة، وده قبل ما تبلي ولادنا بالزفت المخدرات بتاعتك دي .
كملت واحدة ست كلام العجوز وقالت لسليم :
_ كان ذنبها إيه الغلبانة إللي ماتت بسببك دي .. الفلوس الحرام لعنة .. وإنت إتسببت ف خراب بيوت كتير .. حسبي الله ونعم الوكيل فيك .
وجيه شاب تالت وشارك ف المحادثة وكمل وقال لسليم :
_ شوف نفسك قاعد عاجز إزاي .. سبحان الله يا عم .. ربنا كبير أوي .. ربنا رجع حق أخويا إللي أنت كُنت السبب إنهُ مايمشيش تاني بعد ما عورته بالمطوة ف رجلهُ .. فين الجباروت .. فين رجالتك البلطجية إللي بتستقوى بيهم .. أنا مش شمتان فيك .. لأن الست إللي ماتت دي ماكنش ليها ذنب عشان تموت الموتة دي .. هي بس كان ذنبها الوحيد ..إنك جوزها .
بعد ثواني قربت منهُ بنت ف التلاتينات من عمرها وقالتلهُ:
_ ولسه يا سليم .. أوعى تفتكر إن دي النهاية .. لسه التقيل كله جاي .. كُنت فاكر إن بعد إللي عملتهُ فيا .. ربنا مش هيردهالك .. تبقى غلطان .. لولا إني كُنت خايفه على بابا من العصابة بتاعتك .. كُنت كلتك بسناني بعد ما خدرتني وااااا ... إتفووو .
ظهر راجل في الأربعينات من عمره ما بين الزحمة وهو بيقول لسليم بصوت عالي :
_ قولتلك مش هاتلحق تتمتع بالفلوس إللي أنت سرقتهم مني .. ربنا كبير .. كل واحد فينا له عندك حق .. بس علشان إحنا غلابة وعايزين نعيش ونمشي جنب الحيط، ماكُناش بنتكلم على إللي بتعملهُ فينا يا ظالم .. سرقتنا وإغتصبت بناتنا وبليتنا بالمخدرات والبرشام والبلاة الأزرق .. كان ناقص إيه ماعملتوش .. لأ واللي يضحك إنك فاكر إنك هاتفلت من كل ده .. في ربنا والنهاردة بقيت عاجز بعد ما رجالتك خانوك وولعوا ف شقتك بسبب فلوس المخدرات .
وبدأت الناس تتفرق من حوالينا ومشيوا كلهم .. فضل سليم ساكت والدموع مغرقة عيونه وهو فاتحهم على أخرها .
أيوة رجالتهُ إللي كانوا ملازمينه في كل مكان، هم إللي عملوا فيه كده.. كان دايماً يقولي إنهُ خايف من إللي ناويين يعملوه .. بس ماكنش متوقع إنهم هايعملوا إللي عملوه ده.
مش عارف أبدأ الحكاية من أولها إزاي .. بس كُل إللي أقدر أقولهُ إني كُنت شاهد عيان على كُل إللي هحكيه دلوقتي .. وإللي غير حياتي تماماً .. وبقيت بسببهُ بعد ربنا سبحانهُ وتعالى بني أدم تاني .
أنا فادي .. الحكاية إللي هحكيها دي ماحصلتش معايا .. دي حصلت لسليم أعز صديق ليا .
حياة سليم كانت قاسية جداً من بدايتها .. سليم شاب إتولد في ظروف صعبة.. أمهُ ماتت وهي بتولدهُ .. وأبوه كان محبوس بتُهمة السرقة بالإكراه .
ماكنش له حد تاني .. لا عم ولا خال ولا أخ .. حتى الجيران كُلها كانوا بيبعدوا عن عيلتهُ بسبب إن أبوه وأمه بتوع مشاكل وإجتنابهم كان الحل الأفضل بين أهل الحارة .
الوحيدة إللي كانت قريبة من أمه هي أمي .. وأمي إللي راحت معاها المُستشفى .. ولما ماتت أمي قررت تاخد سليم وتتبناه وتربيه معايا أنا وإخواتي البنات .. بعد ما قامت بتصاريح الدفن وإتكفلت بكل حاجة لوجه الله .
أبويا ماكنش حابب وجود سليم وسطينا .. ودايماً كان على خلاف مع أمي .. وكان دايماً يقول لأمي بغضب :
_ وأنا هصرف على مين ولا مين .. هو أنا ناقص عيال .. وبعدين أبوه حرامي ومُجرم .. وطول عمرنا في حالنا وهم ف حالهم .. إتصرفي .. أقولك وديه لأي ملجأ .
لكن أمي كانت بترفض .. وأصرت على وجود سليم وسطينا.. وكانت بتستحمل كلام أبويا .
لحد ما جالنا خبر موت أبو سليم وهو ف السجن !.. الخبر إللي من بعدهُ مُعاملة أبويا مع سليم إتغيرت خالص .. وبقى بيعتبرهُ فرد من العيلة .
بس للأسف لما سليم كبر ماسلمش من كلام الناس عليه إللي كانوا بمجرد مايشوفوه بيعيروه بأبوه إللي مات أوفر دوس بسبب البودرة في السجن.. وبأمهُ إللي كانوا بيقولوا عليها مجنونة .
غير كده سليم كان مولود بتشوية كبير في وشهُ .
لما بدأ يكبر ماستحملش إللي كان بيسمعهُ وقرر يبعد عن المنطقة إللي احنا ساكنين فيها .. في البداية ولما قالي كده عارضته وحاولت أغير إللي كان بيفكر فيه .. بس للأسف هرب .
فضلت أدور عليه لكني ماكُنتش بلاقيه .. كُنت بعتبر سليم مش مجرد صاحب .. ده كان أخويا فعلاً .. متربيين مع بعض طول عمرنا .. وبيجمعنا ذكريات كتير .
في الفترة دي بعدنا عن بعض، خصوصاً إني بقيت مشغول ف تعب أمي إللي دام ل9 شهور بعدها ربنا رحمها من العذاب إللي كانت شايفاه .. الله يرحمك يا أمي .
عدت الأيام وسمعت من واحد صاحبي إن سليم في الأحداث بعد ما عور راجل كبير ف وشهُ بسكينة !.
وفضل في سجن الأحداث سنين كتير .. ولما خرج كان طبيعي إنهُ يكون شخص تاني خالص .. طبعهُ شديد .
كان عمره لما خرج 14 سنة .. الشارع كان بيتهُ .. بدأ يسرق ويجري علشان يعرف ياكل .. في الوقت ده اشتغل مع تاجر مخدرات كبير وبدأ يوزع حشيش وبرشام في المناطق .. والراجل إللي كان شغال معاه كان مبسوط بيه .
فضل سليم يشتغل معاه لسنين كتير .. وف يوم إتمسك سليم وإتحكم عليه بمؤبد !.
قعد في السجن سنة واحدة وقدر يهرب .. هرب وراح للراجل إللي كان شغال معاه .. حماه وبعده عن عين الحكومة إللي كانوا قالبين الدنيا عليه .
قدر الراجل يسفرهُ برة مصر .. وراح لدولة أوروبية .. وهناك إشتغل سليم في تجارة السلاح .. وتجارتهُ زادت وصيتهُ سمع وبقى مشهور .. قرر يرجع مصر .. رجع سليم وف ضهره سلطهُ ورجالة تُقال جداً في البلد بيحموه .
وقدروا بطريقة ما إنهم يمحوا قضية سليم .. وبدأ سليم يوسع نشاطه في مصر .. ولما القرش جري ف إيدهُ .. فتح بار كبير جواة ترابيزات قُمار، وعاش سليم وسط الحرام وغاص برجلهُ .. عمل كُل حاجة غلط .. في الوقت ده قدر يوصلي .. ولما شوفته ماكُنتش مصدق إن ده سليم .. سليم إللي عاش وسطينا سنين طويلة .. لما شافني قالي على كُل إللي مر بيه من وقت ما هرب من بيتنا .
كُنت بسمعهُ وأنا مذهول .
_ معقول يا سليم .. معقول إنت تعمل كُل دا ؟ .. إيه إللي إتغير فيك يا صاحبي ؟ .
قولتله الجملة دي وأنا مستغرب وكإني شايف واحد تاني غير سليم إللي أنا أعرفه .
بس لقيتهُ بيمسك كاس خمرة وبيضحك بصوت عالي وهو بيقولي :
_ إيه إللي إتغير فيا .. لأ حاجات كتير .. حاجات كتير أوي يا فادي .. مانا لو كُنت فضلت سليم العبيط أبو دمعة على خده بمجرد ماحد يتريق عليه .. ماكنتش هعرف أعيش .. تقريباً كُنت إنتحرت .. سيبك من الرغي ده.. أنا كده مبسوط وعايش حياتي بالطول وبالعرض .
= وأمي يا سليم .. نسيت أمي إللي ربتك .. حتى ماجتش تعزيني فيها .. ربنا عالم يا سليم هي كانت بتحبك قد إيه .. يا أخي دي كانت بتحبك أكتر مننا .
إتأثر وسابت الكاس من إيدهُ وبص في الأرض ورد عليا بنبرة فيها حُزن :
_ مين قالك إني نسيتها .. أنا لما عرفت خبر موتها كنت بتقطع .. لحد دلوقتي بشوفها وعايشه جوايا .. أنا كُنت في الدفنة وكُنت واقف بعيد عن العزا .. ماكنتش قادر أوريك وشي بعد إللي عملتهُ .
الفترة دي كانت صعبة بالنسبة لي جداً .. كُنت قربت أخلص جامعة وكُنت في سياحة وفنادق والشغل كان مستنيني بمجرد ما أخلص دراسة .. بس للأسف .. للأسف إتشديت لسكة المخدرات والسبب كان سليم .
كل حاجة كانت قدامي .. ماقدرتش أتغلب على الشهوة إللي سيطرت عليا .. وبدأت أشرب من مخدرات لخمرة، لأ وبدأت أشتغل مع سليم كمان .. والفلوس جريت في إيدي .. أبويا لما عرف ضربني .. عمره ماضربني في حياته غير في الوقت ده .
كلامه ماكنش فارق معايا .. وكل إللي كان على لساني أنا حر .. هعيش حر وهاموت حر .. و كإني قررت أتحدى أبويا .
ماكنتش بكون ف وعيي أغلب الأوقات .. ماروحتش إمتحانات سنة رابعة لحد ما سقطت في المواد كلها وعدت السنة .. بس انا ماروحتش وماعدتهاش وفي النهاية إترفدت من الكلية، وفضلت كده لحد ما في يوم سليم كان بيسلم شحنة سلاح كبيرة، يومها حصل تبادل إطلاق نار مابينهم وبين بعض .. إتصاب سليم بطلقة تحت كتفه الشمال وفوق القلب بكام سنتي بس ! .
وقتها أنا قولت إنهُ مات خلاص .. منظره كان بيقول كدا .. بس ربنا ستر وقام بعد فترة بالسلامة .
لما فاق كان شارد معظم الوقت .. ماكنش بيرضى ياكل ولا يشرب .. لما خرج من صمتهُ قالي بشرود :
_ طول الإسبوعين وأنا راقد على السرير ماكُنتش بشوف غير حلم واحد .. حلم واحد بس .. كُنت بمشي في كُل مكان وعيون الناس حواليا .. كُل ما أروح لمكان ألاقي الناس تبُص عليا وفي منهم إللي كان بيخاف مني وبيجري من قدامي .. أنا بكون حاسس إن إللي أنا شايفه ده بجد .. لحد ما شوفت راجل كبير ف السن وسألتهُ وقولتلهُ :
_ هما الناس ليه بيبُصولي .. حتى أنت لما عديت من جنبك بصيت عليا بخوف .
لقيته بيبلع ريقهُ وبيقولي بتوتر :
_ يا أبني ما إحنا لازم نعمل كده بعد إللي شايفينهُ مكتوب على أورتك دا .
ولما سألتهُ إيه إللي مكتوب .. لقيته بيقولي:
_ ميت .. مكتوب بالخط العريض وباللون الأحمر( ميت ) !!
تخيل يا فادي .. كل ما أنام كُنت بشوف الحلم ده .. بنفس التفاصيل وبنفس الحوار إللي دار بيني وبين العجوز .. حتى الأماكن هي هي .. مش فاهم معناه إيه ؟ .
وبدأ سليم يسأل أي حد يقابله عن تفسير الحلم.. لكن ماحدش كان بيفيده .. ف قرر إنه مش هيكمل في طريق السلاح تاني وهايستكفى بالمخدرات والصالة بتاعتهُ، لكنه بعد فترة باع الصالة بعد ماخسر فيها فلوسهُ كلها .. ماهو كان بيلعب قمار برضه.. لعب على فلوسه وخسرها .. لعب على ڤيلتهُ وخسرها .. لعب على الصالة وخسرها برضه .
بدأ الراجل إللي كان بيشتغل معاه يشوف غيره وركن سليم على الرف زي ماكان دايماً يقولي الجملة دي .
في التوقيت ده رجع سليم زاي ماكان .. شاف شقة في منطقة شعبية .. وإتجوز وإستقر في المنطقة دي هو ومراتهُ .
حاول يشوف شغل يقدر يغطي بيه مصاريفه هو وزوجته بس مافيش أي صاحب شغل كان بيرضى بيه وب شكله إللي كان باين عليه البلطجة .
زهق وقرر يفتح دولاب مخدرات ويبيع منه لشباب الحتة .. وبالفعل ده إللي حصل .. وبدأ يجمع حواليه رجالة بقوا تحت سيطرتهُ .. وزاد ف جبروتهُ .. فرض إتاوة على أهل المنطقة .. وماحدش فيهم كان بيجرؤ يفتح بوقه معاه بنص كلمة .
زاد سليم ف غروره وبدأت يسرق بالإكراه ويتخانق ويعور .. أتغر بعد ما بقى شايف نفسهُ قوي وماحدش يقدر عليه .
في الوقت ده أنا كُنت معاه كتف بكتف .. ومعاه في أي مشكلة أو أي شغل شمال .
وفي يوم كُنا قاعدين مع بعض .. كُنا بتعاطى حُقن مخدر .. زود سليم ف الجُرعة.. وشهُ إصفر وفقد الوعي .
جريت بيه ف كل المستشفيات لكن ماحدش كان راضي يستقبله .. روحت بيه للبيت عنده وروحت جبت دكتور وكشف عليه .. سليم كان هايروح فيها وربنا كتبلهُ عمر جديد لتاني مرة .
لما فاق سليم أقسملي إنهُ شاف كُل الناس إللي شافهم في الحلم إياه واقفين قُدامهُ وهو بيدب السرنجة ف إيده وكلهم بنفس واحد بدأوا يقولوله بعد ما شاوروا عليه ( ميت .. ميت .. ميت )! .
وفضلوا يكرروا نفس الجملة دي .. ماحسش سليم بنفسه وزود الجُرعة .
أنا كُنت معاه وأكدتله إننا كنا لواحدينا .. ماحدش كان موجود معانا .
أعوذ بالله وشهُ بدأ يسود ويظهر عليه علامات غضب من ربنا .
ماحدش كان بيحب سليم بسبب إللي كان بيعملهُ .. بس مش عارف ليه بدأت أحس إن سليم بيتغير .. ولما سألته عن إللي حاسس بيه .. لقيتهُ بيضحك وهو بيقولي :
_ عندك حق يا فادي .. طب أقولك السبب ؟ .
هزيتلهُ دماغي وكمل كلامهُ بفرحة ماشوفتهاش على وشه من وقت طويل :
_ أنا حلمت بأمي .. أنا ماشوفتهاش بس شوفت صورتها .. أيوة كانت هي .. جت لي لابسه أبيض في أبيض وكإنها طايره .. وشها كان منور يا فادي .. ووسط النور ضحكة جميلة أوي .. كانت بتضحكلي .. وبدأت تمدلي إيديها وشاورتلي عشان أقرب منها وأمسك إيديها .. قربت منها بس قبل ما ألمسها صحيت من النوم .
كان بيحكي وهو بيضحك ومبسوط أوي .. وفجأة لقيتهُ بيقولي :
_ أنا عايز أصلي يا فادي .. قلبي مُنشرح .. بس مابعرفش أصلي .. عمري ما جربت أصلي قبل كده .. هو ممكن ربنا يتقبل مني يا فادي ؟ .
بصراحة بدأت أتريق على كلامهُ وغيرت الموضوع .. عدت الأيام ورجع سليم أسوأ من الأول .. بدأ يشرب حشيش كتير وبقى بيقفل على نفسه كتير ومابقاش عايز يتكلم مع حد حتى أنا .
مراتهُ بتقولي إنهُ فضل أكتر من يومين لا أكل ولا شرب .. كل إللي بيعمله إنه بيشرب خمرة وحشيش وبس.
فضل سليم على الوضع ده شهر بحالهُ ! .. ولما ظهر لقيتهُ خس جداً ووشه إتشفط .. وكان بيمشي بالعافية .. مراتهُ غضبت وسابتله البيت بسبب منظره إللي كان كل إللي يشوفه يقول إنه خلاص هايموت .
وفعلاً تعب جداً وكان عنده تبول لا إرادي .. عقلهُ بدأ يغيب وبقى بيشبه المجانين .. صوته بقى عالي أوي .. دقنه طويلة أوي .. شعره كمان طويل .. مابقاش بيسيطر على ألفاظه ُ .
وفي مرة كان بيزعق وبيشتم في واحدة ست كانت معدية من الشارع ماعملتلوش أي حاجة .. وفجأة وقع من طولهُ ! .
لدقايق الكل بصله وسابوه واقع .. والكل إتأكد إنهُ مات .
بس مامتش .. هو أغمى عليه .. رجالته شالوه ودوه المستشفى .. أنا كنت معاهم .. عملوا مشكلة كبيرة وخناقة مع أمن المستشفى والدكاترة علشان يدخلوه ويلحقوه .
خصوصاً إن سليم كان بياخد أخر أنفاسهُ .. إتحط على جهاز التنفس الصناعي .. وللمرة التالتة ربنا يكتبله حياة جديدة .
وعدت أيام كتير وطلع سليم من المستشفى .. بس طلع بني أدم تاني .. الإبتسامة ماكنش بتفارق وشه .. حاول يبعد عن المخدرات ويدور تاني على شغل كويس .. بس للمرة التانية ماحدش كان بيرضى يشغله .
كان معاه فلوس قرر يفتح ببها كشك سجاير لكن ماحدش كان بيشتري منه .. يف الوقت ده بلغ رجالته إنه بعد عن المخدرات وإنهم يبعدوا عنه خالص .
بس بان ف عيون الرجالة الغدر والضيق .. ماهو بكده قطع عيشهم معاه .. وإنهم طالبوه بفلوسهم وهو مارضاش يديهم حاجة .. وفتح بيهم الكشك .
بس ماعداش شهرين وقفل الكشك بعد ما خسر كل فلوسه .. مراته بدأت تتعب وفضل يلف بيها على الدكاترة بس فلوسه قلت ومابقاش معاه فلوس .
بعد محاولات كتير إنه يلاقي شغل كويس وفشل .. قرر يرجع يبيع مخدرات تاني .. بس المرة دي لوحده، وفعلاً فتح الدولاب من تاني .. بس للأسف حصل إللي حصل في مراتهُ وفي إبنه إللي كان جوة بطنها .
رجالته حرقوا شقته ومراته وابنه ماتوا فيها .
وبعد الدفن إللي ماكنش فيه حد غيري أنا وهو إتنين كمان معانا .. قعد سليم على قبر مراته وهو بيعيط بحُرقة وبيقولي:
_ أنا السبب .. أنا السبب يا فادي في اللي حصلهم .. ياريتهم كانوا موتوني أنا .. على الأقل ماحدش كان هايزعل عليا .
طبطبت على كتفهُ وماكنتش لاقي كلام أقولهولهُ، وعشان كده سكتت وبدأت أسمعهُ :
_ عُمرها مازعلتني .. كانت عارفه بإللي بعمله ورغم كده كانت بتنصحني .. أنا أسف يا فريدة .. والله أسف .. حقك عليا .. أوعدك إني هنفذ كل إللي كنتي بتقوليهولي .. أوعدك إني هابقى واحد تاني .
بعد شهور فضل فيهم سليم يعافر ويحاول يقرب من ربنا لكنه ماكنش بيقدر يكمل للأخر .. ماحدش كان عايز يسمعهُ .. حاول يقرب للناس ويراضيهم لكن الكل كان بيتجنبه وماحدش رضي يديله فرصة تاني .
ولما حس بإنه فشل إنه يغير طبعه مع الناس، قرر يسلم نفسهُ ويعترف على كل حاجة .. وبالفعل حكى على كل إللي يعرفه .. وإتقبض على ناس كتير بعد ما بلغ عليهم .
لما أهل منطقتهُ عرفوا فرحوا بإللي عمله سليم لإنه كان سبب إن كل البلطجية يتقبض عليهم .
وبدأ كام شخص منهم يزور سليم في السجن .. أنا كنت أعرف أمين شرطة جوة القسم إللي كان محبوس فيه سليم، في يوم قال لأمين الشرطة ده :
_ عايز أتوضى يا عم خليل .. بس أنا مابعرفش أتوضى إزاي .. ممكن تساعدني تكسب ثواب .
وفعلاً ساعده عم خليل أمين الشرطة وإتوضى قدامه ومن بعده إتوضى سليم، عم خليل لما حكالي كان بيقولي :
_ لما الماية كانت بتنزل عليه كان بيضحك ويقول الله .. الله .. الله .. لحد ما خلص وضوء وسابني وجري على الزنزانة وهو بيقول بصوت عالي ( حاضر جاي أهو .. مستعجله ليه يا أمي ) .. بصراحة قولت عليه مجنون .. ماهو دي مش أفعال واحد عاقل .
بيكمل عم خليل كلامه وقال :
_ كُنت واقف برة الباب بس سامع صوته .. مش عارف إزاي أول مرة يتوضا وهو حافظ القرآن بالشكل دا .. أنا حتى حسيت إن في حد بيقول وهو بيقول وراه ! .. ولما سكت وطال سكوتهُ روحت خبطت عليه وأنا بقولهُ بضحكة حرماً يا شيخ سليم .. بس ماكنش بيرد عليا .. لما فتحت الباب .
سكت عم خليل لثواني .. كُنت مستغرب أوي بصراحة .. ليه عم خليل بيعيط بالشكل ده؟ .. قلبي إتقبض .. وكمل عم خليل كلامه وقال :
_ لما فتحت الباب لقيته ساجد .. ولما إستنيت والوقت طول أوي .. هزيتهُ لقيتهُ وقع على جمبهُ وهو مُبتسم ووشه أبيييض ومابينطقش .. سليم مات يا فادي .. مات وهو ساجد.
ماستوعبتش كلام عم خليل لما قالهولي .. بس إتأكدت بنفسي لما سمعت قصتهُ بتتقال في القسم كله .
على قد ما زعلت على فراقه بس فرحت بأخرتهُ .. رغم إللي عمله ف حياته إلا إنه كان عايز يرجع لربنا .. ولما كان بيضعف ويرجع تاني للسكة الشمال كان ربنا بيختبره إختبار صعب علشان يرجعلهُ .
ربنا بيحبك يا سليم .. وأنا كمان بحبك وهفضل أحكي حكايتك لأولادي وأحفادي وهخليهم يحكوها لأحفادهم كمان .. لازم يتعلموا ويتأكدوا إن ربنا رحمته واسعة .. ومش علطول نزهق لو الفرج اتأخر.. طَول بالك وإياك تيآس لو دعيت وربنا ماستجبش في وقتها .. ربنا كريم وكبير، وكل شيء بآوانه... حتى استجابة الدعاء.. أصبر واتوكل على الله .
ربنا بيحبنا ودايماً بيدينا فرص كتير علشان نرجعله .. الله يرحمك يا سليم .
لا تقنطوا من رحمة الله يا جماعة .. خليك متمسك بدينك وراعي ربنا ف كل حاجة بتقولها وبتعملها .
وربنا يحسن ختامنا ويرزقنا موتة جميلة زي موتة سليم .
تمت .
التعليقات على الموضوع