رعب
من سنين طويلة خرجت سفينة اسمها "أسكس" في رحلة لصيد نوع من الحيتان اسمه "العنبر"، وكان في السفينة دي طاقم من 20 بحار، وقائد شاب عنده 30 سنة اسمه "جورج بولارد"، ومساعد القائد "أوين تشيس". الرحلة خرجت من جزيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، علشان تصطاد مجموعة من الحيتان الضخمة في منطقة سواحل غرب أمريكا الجنوبية، وده بهدف الربح الكبير لأن حيتان "العنبر" كان بيتعمل منها زيت بتستخدم في حاجات كتيرة زي المصابيح، والأكل، والصابون، وسعر الزيت ده كان غالي.
بدأت الرحلة، وبعد يومين، بليل والبحارة قاعدين بيتكلموا جتلهم عاصفة قوية، من شدتها كانت هتقلب السفينة، والعاصفة كسرت مراكب النجاة اللي بتبقى موجودة في السفينة علشان لو غرقت أو حصل أي حالة طوارئ، وبعد ما العاصفة خلصت، الطاقم توقع إن جورج قائد السفينة، هيلغي الرحلة ويرجع، لكنه عَنَد معاهم، ورفض يرجع، وكمل رحلته، وبعد خمس شهور، وصلت السفينة لمكان الحيتان، وهنا حصلت المشكلة الثانية، ولقوا إن موسم الصيد انتهى، والسفن التانيه اصطادت تقريبًا كل الحيتان، فقد البحارة الأمل، بس حصلت حاجة عدلت من مسارهم، وهي إنهم قابلوا سفينة عليها ناس يعرفوها، وقال قائدها لجورج، إنهم اكتشفوا مكان تاني مليان حيتان، بس في مشكلتين، الأولى إن المكان ده بعيد جدًا بمسافة أكتر من 4000 كيلو، والثانية...
إن... إن المكان ده مليان جزر عليها أكلي لحوم البشر، وبيقال أنهم بيهاجموا السفن والمراكب اللي بتقرب منهم، وبياكلوا اللي عليها، وبيحرقوا السفن.. وقتها طاقم السفينة ظهر عليه الخوف، لكن جورج مترددش، وقرر يروح للمكان ده مهما كانت التكلفة ؟، وخد من القائد الإحداثيات بتاعت المكان.. وكمل في رحلته، وبعد مدة بسيطة نزل على جزيرة مهجورة كانت قريبة منهم في البحر، وصلح الأضرار اللي حصلت للسفينة بتاعته بسبب الإعصار، واصطاد هو والبحارة كمية كبيرة من السلاحف البحرية اللي لقوها بالقرب من الجزيرة، وحطوها في باطن السفينة، علشان ياكلوا منها في حالة إن الأكل اللي معاهم خلص، خاصة وإن الرحلة للمكان الجديد هتطول..
وراحوا للمكان الجديد اللي مليان حيتان، وجورج كان عمال يحسب في باله الفلوس اللي هتجيله بعد ما يصطاد، ويرجع لأمريكا، ومكانته اللي هتبقى في السماء، وبدأ يخطط هيعمل إيه بشكل دقيق، لما يرجع... وفي 20 نوفمبر سنة 1820م، وصل طاقم السفينة للمكان، ووقف جورج على حافة السفينة، وبص في البحر، وضحك، وبانت عليه الفرحة من وقت كبير، وقعد يدُور بعينه على الحيتان اللي بتتحرك تحت السفينة، وبعدها جري ووقف في نص السفينة، وأمر البحارة ينَزِلوا تلات مراكب صغيرة للبحر ويقسموا نفسهم عليها، علشان تبدأ عمليات الصيد...
وبدأت المراكب الصيد بالأدوات المخصصة، وفجأة حصلت حاجة، ظهر حوت ضخم على مسافة بعيدة، وكان بيجري ناحية الثلاثة مراكب، البحارة ثبتوا في مكانهم ومكنوش قادرين يتحركوا، وفضل جورج يصرخ فيهم علشان يبعدوا عن طريق الحوت، ومحدش سمعه من شدة الخوف، وفجأة الحوت ضرب مركبة من الثلاثه، وحطمها بالكامل، وبعد ثواني بسيطة، ظهر حوت تاني، والكارثة إنه كان أكبر من الأولاني، وطوله 26 متر، وجري ناحية السفينة الأم بتاعت الطاقم، وقام خبطها بذيلة، السفينة اتهزت، ووقعت منها حاجات في المياه، وجورج وقع، وراسه نزفت، ولما وقف وبص في البحر، لقى الحوت اختفى، فنزل للبحارة، وساعد اللي مركبتهم اتحطمت واطمن عليهم، ووزعوهم على المركبتين، وفجأة الكل سمع صوت خبطة شديدة، ولقوا المياه بترتفع للسماء، وبتقع عليهم، ولما بصوا على السفينة الأم........
لقوها اتقسمت نصين وبتغرق في البحر، والحوت بيجري بعيد عنهم.... الوقت مر على البحارة تقيل، وعلى جورج أتقل، ولما الليل جيه، بدأ الجوع يضرب أبوابهم، خاصة جورج لأنه مكنش بياكل بقاله فترة، وضربات قلبه زادت لما أيقن إنهم مش معاهم لا أكل ولا مياه، وبأنه نسي يأمر حد من الطاقم ياخد معاه صندوق أكل ومياه للشرب زي كل مرة للمراكب الثلاثة، ولما سألهم، اتفاجئ بأن واحد من الطاقم خد بالفعل أكبر صندوق أكل ومياه عذبة، وكلوا كلهم بنهم، وفي بالهم سؤال واحد "هنعمل إيه الأيام الجاية" ؟... بعد أيام، صندوق الأكل خلص، وطاقم السفينة اتعرض لعاصفة، والدنيا كانت بتمطر عليهم بقوة، والموج عالي، لدرجة إنهم كانوا هيغرقوا، وحاول جورج ينقذ الموقف بقدر الإمكان، وكان بيصرخ في البحارة وبيوجهم،
علشان يتحركوا ويتعاملوا مع الموج، وبالصدفة الموج رماهم على جزيرة كانت قريبة منهم، والعاصفة انتهت، والبحر رجع سليم... نزل الطاقم للجزيرة، وكلوا الأعشاب وأي حاجة تصلح للأكل علشان يسدوا جوعهم، وبعدها قعدوا يرتاحوا، وبعد مدة، سمعوا أصوات قريبة منهم، وشافوا نار مولعة، وناس عمالة تطبل، وتصرخ، وتتكلم بلغة وطريقة مش مفهومة، كلهم وقفوا في ذعر وخوف، ولما قربوا من مصدر الأصوات دي، شافوا ناس غريبة، كانوا عريانين، وبيتواصلوا مع بعض بلغة الإشارة والصراخ، وكانت بشرتهم بيضة، وعيونهم سودة، وأجسامهم رفيعة وطويلة، وماسكين في إيدهم أقواس وأسهم، وخناجر من الحجارة، وكانوا بيعملوا حاجة مرعبة،
مولعين نار، وحاطين فوقيها خشبة طويلة شبه الأنبوبة، ومتعلق فيها واحد عريان، وكان ميت، ولاحظ البحارة إن الناس دي كانت مبسوطة جدًا باللي بيحصل، ولما خلصوا شوي الإنسان، نزلوه على الأرض، وأكلوه بنهم مرعب، وصراخاتهم كانت بتزيد، وهنا جورج أمر البحارة يرجعوا للشاطئ من غير ما يعملوا صوت، ورجعوا وقبل ما يطلعوا المركبتين، لقوا طفل صغير بيشاور ناحيتهم وعمال يصرخ وبينادي على حد، وبعدها جيه جزء كبير من الناس دي وجريوا عليهم، لكن البحارة هربوا بالمركبتين بتاعتهم في المياه، ولكن الناس الغريبة دي مستسلمتش، وعاموا في البحر بسرعة، علشان يوصلوا للمركبتين، وبعضهم وقف على الشاطئ وكان بيضرب عليهم أسهم، لكن البحارة قدروا يهربوا ويبعدوا عن الجزيرة،
وبعد مسافة بسيطة لقوا نفسهم في بؤرة بحرية مليانة سمك قرش أحجامه كبيرة، وهنا بدأت مطاردة تانيه، وبقى بيحاول البحارة يهربوا ويجدفوا بأقصى سرعة عندهم، وبعد ساعات طويلة هربوا قبل ما سمك القرش يحطم المركبتين... مر عليهم بعد كده الوقت تقيل وصعب، وكانت الشمس الصبح بتضربهم بعنف، وبليل الجو بيبقى تلج وصعب، وفي ناس بدأت تمرض.... ومن قلة الأكل والشرب، ماتوا، وقرر جورج يدفنهم في البحر، عن طريق إنه يرميهم، ويصلي عليهم.... وبعد يومين في واحد مات، وهنا اللعبة اختلفت، وقرر البحارة يعملوا حاجة غريبة وبشعة، وهي إنهم ياكلوه بدل ما يدفنوه في البحر، وبالفعل أكلوه كله، وشربوا دمه علشان يروا عطشهم الشديد...
وبعد يومين اتكررت نفس الحكاية، واحد مرض ومات، والطاقم مترددش ياكله... ولكن بعد كده مبقاش حد منهم بيموت، ومرت الأيام، عملوا فيه قرار ينقذهم، وهو إنهم يعملوا قرعة، واللي يقع عليه الاختيار، يضربوه بالنار، وياكلوه كله.. وفعلاً ده اللي كان بيتعمل كل يوم، يعملوا قرعة، ويختاروا حد، ويقتلوه بالنار.. وياكلوه.. ويشربوا دمه... وفضل الحال مستمر بالشكل ده، لحد ما اتبقى 8 من الطاقم، من أصل 21 شخص... وفي يوم وقعت القرعة على قائد السفينة "جورج بولارد"، وهنا رفض القرار ده، واتصارع البحارة، واختلفوا، ناس عايزاه يتاكل، وناس بتحبه، وضربوا بعض، وكانوا هيموتوا بعض، وحاول جورج ينط في البحر،
لكن في تلاته مسكوه، وقدروا يسيطروا على الوضع، ويقنعوا الباقي إنهم ياكلوه، وإنه مش أحسن من اللي اتاكلوا... والخناقة هديت، وحاول جورج يكسب تعاطفهم بكلامه وعياطه، لكن مقدرش يعمل ده قدام جوعهم وعطشهم العنيف.. وربطوا جورج في حافة مركبة من الاتنين، ومسك واحد منهم البندقية، وحطها في صدره، وقبل ما يضرب، الكل سمع صوت سفينة بتقرب منهم، ولقوا طاقم بحاره وقائد بيشاورلهم وبيصرخ فيهم علشان يوقفوا اللي بيعملوه، ولما القائد قرب منهم، مكنش مصدق اللي شافه، لقى كمية عظام بشرية مهولة في المركبتين، ودم، وشم روائح قذرة، وشاف حالتهم البائسة، وهدومهم المتقطعة، وأمر بحارته إنهم يساعدوهم...
وبالفعل رجع الـ8 الباقيين من طاقم السفينة "أسكس" للولايات المتحدة الأمريكية مرة تانية، بعد صراع دام لمدة 89 يوم كاملين في البحر، وبعد فترة رجع جورج بولارد للإبحار تاني، ولكن بمجرد ما اتحركت مركبته الجديدة بمسافة بسيطة غرقت في المياه، وهنا الكل أيقن إنه "فقر" ومبقاش حد بيتعامل معاه، فاعتزل جورج البحر، واشتغل في حاجة تاني.أما أوين فتعب وجاله مرض نفسي، ودخل المستشفى، قبل ما يموت بلحظات بسيطة، كتب مذكراته، وحكى فيها كل اللي شافه، والمذكرات دي كانت مصدر جذب للكتاب والمخرجين على مر السنين اللي فاتت، وأتعمل قصص وأفلام وروايات كتيرة جدًا عن القصة دي...
إعداد سامي ميشيل
#يوم_مرعب
التعليقات على الموضوع