يوم مرعب
كنت نايم لما جالي تليفون الساعة 1 بليل، من رقم غريب، فرديت، وسمعت صوت واحدة بتقولي:
-يا رامي باشا، اللي بيحصل فيا أنا وعيالي ده حرام، أنت لازم تجيلي دلوقتي.
من صوتها عرفت إنها "حسيبة" حارسة المقابر القريبة من بيتي، فقولتلها:
-مالك في إيه ؟ ، وبعدين أجيلك فين ؟ الوقت متأخر.
صرخت:
-"منة" بنت عمك من وقت ما ادفنت عندي والمقابر مقلوبة، ومافيش حاجة على بعضها.
-يعني إيه ؟
-أصوات صراخ بليل، خيالات بتجري في كل حتة، أطياف بتخبط عليا باب أوضتي، أجسام بتتحرك تحت سريري، ومبقناش عارفين نعيش، لازم تجيلي ، وإلا هيكون في تصرف تاني.
قفلت التليفوني في وشي، طلبتها كتير، مردتش، فاضطريت ألبس هدومي، ونزلت واتمشيت للمقابر، الشوارع كانت فاضية، ومليانة كلاب ضالة. وصلت للمقابر بعد عشر دقائق، ولاقيت "حسيبة" وقفالي على البوابة، كانت ست أربعينية، وملامحها جميلة، وعينيها قوية ومخيفة، ولابسة جلابية سودة، ولفة شعرها بطرحة، وماسكة حديدة، قولتلها:
-بعد العِشرَة دي تتص...
-يا باشا بلا عشرة بلا نيلة، أنا ست وحيدة، وبربي تلات عيال، وجوزي ميت، ومعنديش راجل يحميني.
-فهميني إيه اللي بيحصل.
-مافيش وقت، أنت تيجي معايا دلوقتي.
شدتني من إيدي ومشينا في طريق طويل وضيق وكان كله رملة وحصى ، والدنيا كانت ضلمة، وحسيبة منورة بكشاف كبير، ووصلنا لحد القبر بتاع منة بنت عمي، رحمة الله عليها، ماتت في عز شبابها، كان عندها سرطان في المخ، وبتتعالج منه بقالها فترة، وتوفت، ودفناها هنا من يومين بالظبط... ولاقيت حسيبة بتشاورلي على قبرها وبتقولي:
-اتصرف.
-عايزه ننزلها القبر مثلاً ؟
-لا يا باشا، أنت اللي هتنزلها، وهستناك هنا.
قلبي ضرباته زادت، وجسمي رغم البرد بدأ يعرق، وعيني برقت، فلاقيتها قالتلي:
-قسمًا بربي، لو منزلتش، وفهمتلي اللي بيحصل، لأرميلكم الجثة في الشارع.
-مش هنزل لوحدي، ده شرطي.
حسيبة فكرت شوية، وهزت راسها، وقبل ما ننزل بصيت حواليا، شوفت حاجة غريبة جدًا، شوفت حسيبة واقفة
بعيالها التلاتة من بعيد خالص، وبتبص عليا باستغراب ؟، وهنا رعبي زاد أضعاف، وبصيت لحسيبة اللي معايا، وفضلت مركز في وشها، ونزلنا القبر، كان عبارة عن أوضة تحت الأرض، مفروشة بالرملة، وضيقة شوية، وكفن "منة" في أخر المكان، حسيبة شدتني من إيدي ونورت بالكشاف بتاعها على كفن "منة"، وقالتلي:
-افتح بُقها، ليكون حد دسلها عمل، ولا نيلة قبل ما تدفن.
مش عارف ليه كنت بسمع كلامها، وبنفذه، وقفت قدام راس منه، وشيلت الكفن عن وشها، كان غامق شوية، وبقها مفتوح، ولسانها داخل لجوه، وجسمها مكنش اتحلل، دورت في بقها، وحواليها، ملقتش حاجة، وكنت بتعامل مع جثتها بحرص
شديد، لأنِ دكتور تشريح، وعارف يعني إيه احترام الجثث، بعد ما خلصت تدوير، رجعت الكفن على وشها، ولفيت بجسمي، وبصيت لحسيبة، لاقيتها واقعة عند السلالم، والكشاف بعيد عنها، وبتنهج، ومرعوبة وبتشاور ورايا، بصيت بسرعة، لاقيت منة واقفة بالكفن في وشي،
وعينها مفتحة كأنها عايشة، وراحت لحسيبة، ومسكتها من إيدها وشدتها ووقفتها، حسيبة فضلت تصرخ، وتستنجد بيا، ولما حاولت أروحلها، منة زقتني بإيدها ورجعتني لورا، وبعدها زقت حسيبة من القبر، ورجعتلي، وفجأة شوفت أخوها "علي"، اللي هو ابن عمي، ولاقيت "منة" ماسكة في إيدها حبل مشنقة، وحطيته على رقبة "علي"، وفضلت تخنق فيه، ومات.. وبعدها رجعت لمكانها، وأنا طلعت جري وخرجت من القبر بفزع، وقَوِمت حسيبة من الأرض، ذراعها كان أزرق، وواجعها، قولتلها:
-أنا هتصرف في اللي بيحصل، ومتنزليش القبر تاني.
قفلنا القبر، ومشيت، وأنا في الطريق، فهمت منة عايزه إيه ؟ ، منة عايزه تنتقم من أخوها، لأنه طردها في أخر أيامها وهي في أشد الحاجة للرعاية والفلوس، وأخد ورثها كله، ومرضيش يصرف على علاجها، ومحضرش عزاها، ولا دفنتها، ويوم موتها فضل يضحك في التليفون معايا،
وسافر علشان شغله كأن مافيش حاجة حصلت.... في اليوم التاني، اتصلت بيه، رد عليا بالعافية، وطلبت منه يجليي البيت في حاجة ضرورية، رفض واتحجج وقالي أنا جاي تعبان من السفر ومش قادر، فزعقت معاه، وصممت، وقدام إلحاحي، جالي.
خدته ووقفنا في الشارع، وقولتله:
-ورث أختك لازم تطلعه للخير لأنه مش حقك.
-أنت مجنون صح ؟ ، جايبني علشان تقولي كده ؟ ، وتفكرني بالمجنونة اللي ماتت، وما صدقت خلصت منها.
-عمرك ما كنت قاسي بالشكل ده.
-أنا ماشي ، وياريت لو عايزنا نفضل قرايب متجبش سيرة منة الملعونة، ربنا يجحمها.
مكنتش مصدق اللي بيقوله، وسكت، وشوية وقولتله:
-قبل ما تمشي لازم تيجي معايا مشوار.
خدته، وروحنا المقابر، وهناك حسيبة فتحتلنا البوابة، أديتها دواء لذراعها، وألف جنيه علشان تتهد شوية، وخدت منها مفتاح، ومشينا ووصلنا لقبر "منة"، فتحته وقبل ما ننزل، "علي" قالي:
-أنت عايز إيه ؟ ، وبنعمل إيه هنا ؟
-تحت هتلاقي باقي ورث أبوك يمكن تحتاجه.
-أنت مجنون صح أنا مش ه...
زقيته في القبر، ونزلت وراه، ونورت بكشاف الموبايل، ولسه هكلمه، لاقيته مديني ظهره وواقف قدام جثة "منة"، ومرعوب، وعمل حمام على نفسه،
و"منة" كانت واقفة بوشها، وبتبصله وبتضحك، فَقَربت منه، لكن لاقيت حاجة ضربتني بقوة في صدري، وخرجتني من القبر، والباب بتاعه اتقفل، وسمعت صرخات "علي"، كانت مفزعة ومخيفة، حاولت أنقذه لكن مقدرتش.... لما النهار طلع فتحت باب القبر ونزلت، ولاقيت منظر مفزع، "علي" كان......
كان متعلق في السقف بحبل مشنقة، وعينيه مفتوحة على أخرها، خوفت أقرب منه، وفضلت مرعوب، ووراه شوفت "منة" واقفة وبتضحك.. أنا مكنش قصدي ده يحصل نهائي، مكنتش متخيل إنها تقدر تقتله أصلاً، إزاي ميت يقتل واحد عايش ؟؟؟..
قفلت القبر، وجريت على البوابة، ولاقيت حسيبة قاعدة على الكرسي، ونايمة على نفسها، أديتها ألف جنيه، وقولتها اللي حصل امبارح ميتحكيش.. رَوَحت البيت، وأنا مش عارف هعمل إيه ؟ ، لو بلغت هتسجن، لأن أنا اللي وديت "علي" للقبر بنفسي.. سلمت على أمي بسرعة، ودخلت أوضتي، وقعدت على سريري، وفضلت أعيط... ولاقيت تليفوني بيرن، كان رقم "علي"، رديت، ومراته قالت:
-الحقني يا رامي، "علي" رجع إمبارح بعد ما قابلك، ونام، ولما صحيت الصبح، لاقيته...... رابط حبل في سقف المطبخ، وانتحر.. أنا مش عارفة اتصرف إزاي.
-جايلك حالاً.
طلبت الإسعاف، وروحتلها، وهناك شوفت "علي" متعلق بنفس الشكل بتاع المقابر، عقلي كان هيطير، مش فاهم إيه اللي حصل ؟؟ ، إزاي "علي" كان في المقابر، وإزاي رجع شقته ؟...... عدا تلات أيام، سهلت فيها بعلاقاتي مع الدكاترة إجراءات التشريح، والدفن، ودفنا "علي" في مقابر تانيه غير بتاعت حسيبة... وفي اليوم الرابع، كلمت حسيبة، وطلبت منها تنزل القبر بتاع "منة"، وقولتها هديلك ألفين جنيه لو
نزلتي، فنزلت واتصلت بيا، وقالتلي القبر تمام، ومفهوش غير جثة منة... بعدها روحت أزور مرات "علي"، وطلعنا وقفنا في البلكونة بعيدًا عن بناتها، وقولتلها:
-ممكن تفهميني ليه "علي" خد ورث منة، ورماها في الشارع ؟
-ربنا يرحمهم، "منة" كانت مفهمة العيلة إنها طيبة، ومريضة بالسرطان، بس مش دي الحقيقة، "منة" كانت مدمنة، بتشرب مخدرات، وخمور، ولما خَست، والهالات السودة مَلِت وشها، قالت إنها مريضة، وخففت شعرها، وكل ده ليه ؟ علشان صورتها قدام العيلة، وعلشان متتحرمش من الورث، "علي" حاول يعالجها كتير، ويرجعها تاني لرُشدها، كانت بترفض، وبتسرق فلوسه، وبتعرضنا للخطر، فقرر يديلها ورثها ومتعش معانا تاني، وبعد أسبوع واحد صرفت كل الورث، ورجعت تاني تطالبه بفلوس، رفض وطردها في الشارع، و...
منى فضلت تعيط، فهديتها، وطلبت منها تكمل، وقالتلي:
-جابت لنا بلطجية وهددتنا بالقتل، والبلطجية كسرولنا الشقة، وكانوا هيخطفوا البنات، لولا إن "علي" ادالهم فلوس ودهب ومشاهم، وقال لـ"منة" إنه هيدلها فلوس بكره، ولما جَتله تاني يوم، كان راكب عربيته ومستنيها، وجري وخبطها جامد، وماتت، وساعده يومها إن منطقتنا فاضية، والدنيا كانت ليل وشتاء، وبعلاقات "علي" القوية، قدر يغطي على قتلها، وقصتها.... يومها مشيت وأنا في حالة من عدم التصديق، والخوف، ولما وصلت بيتي، كلمت "حسيبة"، واطمنت إن الدنيا تمام، بس قالتلي إن الأصوات رجعت تشتغل تاني،
والأحداث اللي كانت بتحصل كلها بتتكرر، فقولتلها إنِ رايح لها بكره وهديها فلوس كتير وقفلت... فجأة لاقيت نور الشقة قطع، ومنة ظهرتلي، وماسكة حبل مشنقة وبتضحك، وفي إيدها الشمال ماسكة بنت "علي" الكبيرة"، وحطيت على رقبتها الحبل، واختفت.... وسابتني بين نارين، أتصرف إزاي ؟ ، وأعمل إيه ؟ ، مُستحيل أعرض بنت "علي" للخطر، وأكرر اللي عملته مع "علي" وكان السبب في موته... مستحيل.
لو القصة عجبتكم لازم تقولولي رأيكم في الكومنتات، والشير بيفرق معانا جدًا، والناس اللي بتابع في صمت لازم تظهر وتقول رأيها.
بقلم: سامي ميشيل
#يوم_مرعب
قصه ممتعه وشيقه جدا استمرررر تحياتي :)
ردحذف