إبحث عن موضوع

رواية وحدك حبيبتي الحلقة السابعة

وحدك حبيبتي ... أماني عطاالله
طلقني 2

جلست ليلى في حجرة كبيرة امتلأت عن آخرها بالنساء اللواتي أخذن يثرثرن بلا توقف حتى كاد الصداع أن يمزق رأسها إربًا ، زاد من ضيقها البخور الذي أحضرته حماتها خوفًا عليها من الحسد وهي تجلس بين هذه العيون النهمة ، رغبة واحدة امتلكت كل حواسها ، الهروب ، الهروب هو الشيء الوحيد الذي ربما يخلصها من هذا الكابوس ، ستهرب الآن وليكن ما يكون ، تسمرت العيون في ترقب وهي ترى العروس وقد نهضت فجاة واستعدت لشيء ما ، شعرت ليلى بحرج زادها ضيقًا فوق ضيقها ، كادت أن تطلق صرخات هيستيرية لولا دخول نادية إلى الحجرة وعلى شفتيها ابتسامة مرحة وما إن وقع بصرها على ليلى حتى تهللت قائلة :
- كيف حالك أيتها العروس الجميلة ؟
ألقت ليلى بنفسها بين ذراعي صديقتها التي تلقتها في جزع عندما لاحظت وجهها الشاحب وجسدها المرتعد ثم ما لبثت أن قالت بصوت حاولت أن تخفي ارتباكه :
- ليلى ... معي هدية خاصة جدًا لك
جذبتها ليلى إلى غرفتها غير مبالية بهمسات النسوة ونظراتهن الفضولية وما إن دلفت إلى حجرتها وأغلقت الباب خلفها حتى أطلقت لدموعها العنان وسط دهشة نادية وصدمتها .
بعد مضى وقت ليس بالقليل نجحت محاولات نادية المستميتة في تهدئة صديقتها ، أخيرًا تمتمت ليلى بصوت مختنق :
- الوضع أسوأ كثيرًا مما ظننت ، هذا القذر لا يمكن تحمله ، الأمر فوق طاقتي يا نادية
ربتت نادية على كتفها بحنان قائلة :
- ماذا حدث ؟
ـ هذا الوقح يتلذذ بإهانتي وكأنه ينتقم مني..!
نظرت إليها نادية في جزع قائلة :
- هل اكتشف وجود حبوب منع الحمل ؟
هزت رأسها نفيًا .. فأردفت نادية في مزيد من القلق :
- هل أخبرته عن سبب زواجك منه ؟
صاحت ليلى بانفعال :
- ليس بعد ، لكننى سأخبره به حتى أحطم غروره فوق العادي
انتفضت نادية وهي تصرخ فيها محذرة :
- حذار أن تفعلي هذا ، الذي سيتحطم هو رأسك وليس غروره
تنهدت ليلى بضيق قائلة :
- هل تصدقين أنه أخبرني في لا مبالاة بأنه كان يفضل أن أكون عشيقته وليس زوجته ، وبأنه تزوجني فقط كي ينقذ والده من الموت ؟ هل تصدقين بوجود رجل يتحدث لعروسه بهذا الكم من الوقاحة في ليلتهما الأولى ؟
ابتسمت نادية في هدوء قائلة :
- تذكري أن السبب الذي تزوجته لأجله أكثر إهانة من هذا
أردفت ليلى في عناد :
- سأخبره عن سبب زواجي منه لأر..........
قاطعتها نادية بصوت مرتجف :
- إنه عنيف جدًا ، ربما قتلك أيتها الطائشة
سألتها ليلى ببعض الذعر :
- هل قتل أحدًا من قبل ؟
ـ كلا ، لكنه كاد أن يفعلها أكثر من مرة ..
هتفت ليلى في حدة :
- ولماذا لم يدخل السجن إذًا ؟
ـ بسبب نفوذ والده وثرائه بالطبع .. ألم نخبرك بكل هذا قبل الزواج ؟!
ـ وكيف يشاركه الحاج سالم ظلمًا كهذا ؟
ـ الحاج سالم يعشق ولده حد العبادة ، ويفتخر به كثيرًا رغم كل عيوبه
غمغمت ليلى في يأس :
- ومن سيساعدني للخلاص منه إذًا ؟
ضحكت نادية وهي تشير إلى صوره المعلقة على الجدران قائلة :
- ولماذا تريدين الخلاص منه ومعظم النساء يتمنين أن يصبحن مكانك ؟
نظرت إليها ليلى في عتاب فابتسمت في مكر قائلة :
- كل ما عليك هو طاعته وإظهار بعض التعاون وأنا على يقين من أنه يجيد معاملة الجميلات
أحنت ليلى وجهها وزفرت بضيق قائلة :
- إنه ليس في حاجة إلى تعاوني ، فهو يأخذ ما يريده مني دون الرجوع إليَّ ، إنه أكثر من رأيت وقاحة ولا مبالاة .. كل ما يفعله يشعرني بالجنون
قالت نادية في هدوء :
- لا تنسي كونك زوجته
- ليتني أستطيع النسيان ، ليت ما أنا فيه ليس إلا كابوسًا فأستيقظ منه
ربتت نادية على كتفها قائلة :
- لقد حذرناك جميعًا ولكنك قررت وحدك
انهارت قائلة :
- وهذا ما يزيد من عذابي ، لماذا لم يقتلني فؤاد ؟ لماذا تركني لهذا العقاب المرير ؟

****

في الردهة الواسعة بالطابق الأسفل ، جلس ممدوح بين والده ورفاقه يستقبلون سيلًا من الرجال المهنئين بدا وكأنه لن يتوقف أبدًا .. راح يستمع في صبر نافد وابتسامة صفراء إلى دعواتهم له بالفضيلة والهداية ، حانت منه التفاتة إلى رفاقه فوجدهم أكثر ضيقًا منه وهم يتطلعون إليه في لهفة وشوق لمعرفة ما حدث أمس بينه وبين هذه الغامضة التي تزوجها ، اقترب منه أشرف هامسًا :
- وماذا بعد ؟ هل سنبقى في جلسة التعذيب هذه للأبد ؟
تنهد ممدوح بضيق :
- ثق أنني أشعر بما تشعر به وربما أكثر
تابع أشرف بنفس النبرة الهامسة :
- جد لنا حلًا إذًا
ـ أخشى أن أسلب أبى فرحته
ـ امنحنا نحن أيضًا القليل من الشفقة
اتسعت ابتسامة ممدوح وقبل أن يعلق بشيء أقبل فؤاد لتقديم التهنئة ، نظر كلاهما للآخر في برود واضح بينما تقدم الحاج سالم إلى ضيفه يحتضنه في ترحاب وحفاوة .. سرى فيض من الهمس والهمهمة بين الحاضرين قطعه فؤاد حين اقترب من ممدوح مصافحًا فبادله ممدوح المصافحة ، وكذلك فعل رفاقه وكأن شيئًا لم يكن
لم يمض وقت طويل حتى نهض فؤاد مستعدًا للرحيل فهتف الحاج سالم مستنكرًا :
- بهذه السرعة ..! لن تنصرف قبل أن تشاركنا الغداء .
ابتسم فؤاد بهدوء :
- كرمك لا يحتاج إلى برهان يا حاج سالم , لكنني أنتظر بعض التجار من سوهاج وأخشى أن يصلوا إلى المنزل ولا يجدونني هناك ، هل يمكنني رؤية العروس قبل أن أنصرف ؟
وقف ممدوح وسط دهشة والده ورفاقه ودهشة فؤاد نفسه قائلًا :
- ما دمت مصرًا على الرحيل ، سأرافقك لرؤية العروس إذًا
تدخل والده منزعجًا :
- أنا الذي سأرافقه
أجابه ممدوح في حزم :
- ابق أنت مع ضيوفك يا أبي ، هيا يا سيد فؤاد
تقدمه فؤاد إلى الدرج بينما اقترب منه والده وقال هامسًا :
- تذكر يا ولدي أنه في بيتك
ابتسم ممدوح :
- اطمئن لن أقتله
صعد ممدوح الدرج عدوًا كعادته ، لكنه توقف ما إن نظر خلفه وأدرك أن فؤاد لا يستطع مجاراته وقال مبتسمًا :
- تمتلك جسدًا ثقيلًا يا سيد فؤاد
ضغط فؤاد على كلماته :
- العمل لا يترك لي وقتًا للاعتناء بنفسى
قال ممدوح في لا مبالاة :
- هذا ليس عذرًا كافيًا ، إن لبدنك عليك حق
أجابه فؤاد في مكر :
- أخشى أنك لا تهتم سوى بهذه الحقوق
ضحك ممدوح ولم يعلق ، وصلا إلى الحجرة التي أعدت خصيصًا من أجل العروسين ، فتحها ممدوح وأشار لضيفه :
ـ تفضل ، سأرسل لاستدعاء ليلى حالًا
جلس فؤاد وتأمل ما حوله بإعجاب قائلًا :
- الحجرة رائعة ، أتمنى لكما التوفيق
قدم له ممدوح علبة سجائره :
- تفضل
لكن فؤاد رفضها متعللًا بأنه لا يدخن ، فابتسم ممدوح :
- تبدو فاضلًا أكثر من اللازم
نظر إليه فؤاد وابتسم مرغمًا بينما أشار ممدوح إليه بطبق من الفاكهة :
- لا أظن أن هذه من الممنوعات
تناول فؤاد منه تفاحة شاكرًا ثم ما لبث أن سأله ببعض الاهتمام :
- هل أخبرت ليلى بما حدث بيننا أمس ؟
أجابه ممدوح بوقاحة مقصودة :
- لم يكن هناك وقت
ساد الصمت بينهما حتى قطعه فؤاد :
- عذرًا ، إن كنت قد أخذتك من ضيوفك
هتف ممدوح ممتنًا :
- لقد أنقذتني من هذه الجلسة المملة

أقبلت ليلى في تلك اللحظة وأسرعت ترتمي بين ذراعي فؤاد في لهفة وكأنها وجدت من ينقذها من براثن هذا الذئب ، تأملها فؤاد في قلق :
- ماذا بكِ ؟
قالت بصوت مرتبك :
- كنت أخشى أن لا تأتي
تمتم وهو يتفحصها بإمعان ليتأكد من كونها بخير :
- وكيف لا آتي ، ومن لي أغلى من ليلى ؟
تحجر الدمع في عينيها وهي تتعجب كيف لم تدرك ذلك من قبل ، لماذا لم تستمع إليه عندما نصحها بالابتعاد عن هذا المتوحش ؟ همس فؤاد باسمها في قلق ثم حول ناظريه إلى ممدوح وسأله بانفعال :
- ماذا فعلت بها ؟
أجابه ممدوح وهو يتطلع إلى ليلى التي تجاهلت النظر إليه منذ دخولها إلى الحجرة :
- وماذا تظنني قد فعلت بها وقد علمت أمس فقط أنها تحدت الجميع للزواج مني ؟
نظر إليه فؤاد في غضب لكنه لم يجد ما يقول .. عاد ينظر إلى ليلى في قلق وتساؤل فتصنعت ابتسامة قائلة :
ـ لا تقلق بشأني ، أنا بخير ... ربما كنت مرهقة قليلًا لأنني لم أنم جيدًا
قال فؤاد في ريبة :
- سأسافر غدًا إلى سوهاج ، يمكنني تأجيل السفر أو حتى إلغائه إذا اقتضى الأمر
كتمت ليلى غيظها بصعوبة حين أمسك ممدوح بكتفيها وأدارها إليه قائلًا :
- اطمئن يا فؤاد ، يمكنني أنا الاعتناء بها جيدًا ، فالرجل لن يجد امرأة مثلها كل يوم ، هي أيضًا قد وجدت أخيرًا الرجل الذي يمكنه التعامل معها بالطريقة التي تفضلها ، أليس كذلك يا عروسي الجميلة ؟

حمدت ليلى الله على أن ظهرها في مواجهة أخيها حتى لا يراها عندما أغمضت عينيها وعضت على شفتيها حتى كادت تدميها .. اتسعت ابتسامة ممدوح وهو يجذبها إليه ويقبلها غير مبالٍ بوجود فؤاد الذي هز رأسه مستنكرًا ولكنه وقف عاجزًا لا يدري ماذا يفعل .... ؟
****
ما إن انفرد ممدوح برفاقه حتى تنفس عادل الصعداء قائلًا :
- يا إلهي لقد كدت أختنق
بادله أشرف سخطه :
- حتى السيجارة لم نستطع حرقها وهم ينظرون إلينا هذه النظرة الطفولية
ابتسم ممدوح :
- مهلًا يا رفاق ما زال الوقت مبكرًا على هذا الغضب ، هذه المسرحية سوف تستمر أسبوعًا على الأقل
صاح عادل مستنكرًا :
- أسبوعًا ، أسبوعًا نستيقظ قبل أن ننام لنجلس مع هؤلاء الجبابرة
أجابه ممدوح ساخطًا :
- إنها العادات والتقاليد في هذه القرية يا صديقي
قطع حديثهما كمال الذي قال متلهفًا :
- دعك من هذا الآن وحدثنا عن العروس
وقال أشرف في لهفة أعنف :
- من هي ، هل رأيناها من قبل ؟
أجابه ممدوح في اقتضاب زادهم شغفًا :
- كلا
ـ هل رأتك هي من قبل ؟
ـ لم ترني ولم أرها من قبل .
ـ هل هي عانس بالفعل ..؟ دكتورة بالجامعة كما تقول والدتك ؟
ـ لم تحصل سوى على الماجستير ولديها إصرار يدهشني للحصول على الدكتوراة
ـ ليست عجوزًا شمطاء إذًا ، هل هي جميلة ؟
ضغط ممدوح على حروفه قائلًا :
- فينوس
حدق ثلاثتهم فيه فتابع في شغف :
- ولديها من الغرور والعناد والجنون أيضًا ، ما يبعث على التحدي
صاح عادل في عدم تصديق :
- إن كانت حقًا باهرة الجمال كما تقول ، فلماذا قبلت الزواج بهذه الطريقة ، هل أغرتها سمعتك الحسنة في القرية ؟
ابتسم ممدوح :
- يبدو هذا
تمتم عادل ساخرًا :
- كيف هذا وسمعتك في القرية يخشاها الرجال قبل النساء ؟
ضاقت عينا ممدوح قائلًا :
- مغامرة صغيرة تجرب اللعب مع الكبار ، ولكم يسعدني أنها سقطت في أرضي
قال أشرف في تهكم :
- إنها مجنونة إذًا
ابتسم ممدوح :
- هذا ما أقرت به بعد الدرس الأول
هتف كمال مستنكرًا :
- لا تقل أنك عذبتها من الليلة الأولى ..!
قال ممدوح وهو يتأمله ساخرًا :
- لقد ضغطت عليها قليلًا ، بعد أن وجدت أن معلوماتها عني غير كافية
صرخ كمال بضيق :
- تبًا لك أيها المتوحش ..! يبدو لي أنها رقيقة جدًا
ـ أنت أبله ، فهى نمرة شرسة تحتاج لمن يروضها ، وسأفعل هذا بكل سرور
سأله أشرف في لهفة :
- هل هي عذراء ؟
ـ كانت حتى صباح اليوم أيها الأحمق
ابتسم عادل في شغف :
- حسنًا ، أخبرنا ما حدث بينكما من الألف إلى الياء
صاح ممدوح مستنكرًا :
- ماذا ؟
قال أشرف مندهشًا :
- ما بالك مصدومًا هكذا ..! لقد كنت تقص علينا ما يحدث بينك وبين الأخريات بأدق التفاصيل
ـ هذه المرأة زوجتي ، تحمل اسمي وربما غدًا تحمل طفلي أيضًا .
قال أشرف متفهمًا :
- حسنًا ، لكن حديثك عنها ملأنا شوقًا لرؤيتها .. أم أنك ترفض ذلك أيضًا
ابتسم ممدوح قائلًا :
- ليس لهذا الحد

كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة عندما نهض ممدوح واستعد للذهاب ، فأمسك عادل بذراعه قائلًا :
ـ إلى أين ستذهب ؟
أجابه ممدوح وهو يتثاءب :
- سآوي للفراش
علق أشرف ساخرًا :
- لكنها ما زالت السادسة مساءً وليس صباحًا أيها الزعيم
ضحك عادل متسائلًا في خبث :
- قلت لي من سيروض الآخر ؟
انفجروا يضحكون جميعًا وبينهم ممدوح حتى سأله أشرف متصنعًا الخوف :
- هل الأستاذة تستخدم العصا ؟
عاد عادل يضحك :
- ربما تحرمه من درجات السلوك
وقال كمال :
- اتركوه يمضي إذًا حتى لا تتسببوا في رسوبه
تصنع أشرف الجدية :
- إن كان الأمر كذلك ، يجب أن ندعك تمضي فهو مستقبلك يا صديقي
ثم نظر إلى عادل وكمال في ذعر مصطنع وقال :
- يجب أن نحترس يا رفاق حتى لا نسقط في قبضة الأستاذات القرويات ، يبدو أن لهن سحر خاص
نظر عادل إلى ممدوح الذي وقف يراقبهم مبتسمًا وقال :
- معك حق يا أشرف ، انظروا ماذا فعلت إحداهن بالزعيم ؟
ضحك ممدوح في مرح :
- أيها الغجر ..! لم أذق للنوم طعمًا منذ أمس
قال أشرف في خبث :
- نحن نقدر موقفك
ضحك ممدوح :
- أنتم لا تطاقون ، خاصة وأنا في مثل هذه الحالة
ثم أردف وهو يفتح الباب :
- غدًا سنلتقي لآخذ ثأري

****

دلف ممدوح إلى حجرته وأغلق الباب بقدمه في عنف كعادته فاستيقظت ليلى مذعورة وأسرعت تغادر فراشها ، ما إن وقع بصره عليها حتى ابتسم قائلًا :
- هل كنت نائمة ؟
زفرت بضيق صامتة فتابع في مكر :
- لماذا لم تنتظري حتى أوقظك ؟
غمغمت ساخطة :
- لقد أيقظتني بالفعل بأسلوبك الهمجي هذا .
جذبها إليه هامسًا :
- أنتِ تفضلين طريقة أمس إذًا ؟
حاولت التخلص منه قائلة :
- بل أفضل أن تتركني لأغسل وجهي
تأملها متهكمًا ، كانت ترتدي روبًا حريريًا أبيض اللون ، طويل الذيل والأكمام ، وقد لفته حولها بإحكام حتى لا يظهر منها شيء ، تركها فجأة فكادت تسقط أرضًا بينما قال في لا مبالاة :
- بدلي هذه الثياب ، فأنا لا أنوي الصلاة الآن
أسرعت هاربة من أمامه وهي تغمغم بسيل من السباب والشتائم لم يفهم منها شيئًا لكنه صاح فيها قائلًا :
ـ عشرة دقائق ، وربما نضطر لتغيير باب الحمام
التفتت إليه قائلة في بلاهة :
- لماذا ؟
أجابها في نبرة باردة :
- سوف أكسره
ظلت تحدق فيه بنفس البلاهة فأردف بصبر نافد :
- لاتتأخري يا....... دكتورة
أغلقت باب الحمام خلفها بعنف ، خطوات قليلة تفصل بينها وبين الجنون ، كل ما يفعله هذا الوغد يثير جنونها ، نظراته الوقحة ، لسانه الفظ ، لمساته العنيفة ، أسلوبه الهمجي ، والأدهى من ذلك كله ، تلك اللامبالاة التي ينتهجها ، أطلقت تنهيدة عميقة ورفعت عينيها إلى السماء تلتمس المعونة وترجو من الله أن يغفر لها هذا الذنب الذي ارتكبته في حق نفسها ويمنحها القدرة على التحمل والصمود حتى النهاية ، كادت تنفجر باكية حين سمعت صياحه بالخارج :
- هيا يا دكتورة ، لقد انتهت الدقائق العشرة
غمغمت ساخطة :
- اللعنة عليك وعلى هذه الدكتوراة التي ألقت بي في قبضتك
غسلت وجهها سريعًا وخرجت إليه في عبوس صارخة :
- ماذا تريد مني ؟
أجابها في نبرة هادئة وشبه ابتسامة تتراقص على شفتيه :
- ألا تجيدين التخمين ؟
تخضب وجهها خجلًا وهي تلملم روبها الحريري حولها بإحكام أكثر فأطلق ضحكة طويلة قبل أن يردف في لهجة زادتها خجلًا :
- لقد أخبرتني والدتي بأنك لم تتناولي طعامًا منذ أمس
ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة :
- لم تكن لي رغبة في تناول الطعام
قال في تهكم :
- أراهن أن لكِ رغبة الآن
صاحت ساخطة :
- لا تظن أنني كنت أنتظرك
قال وابتسامة تتلألأ على شفتيه :
- أتنكرين هذا ؟
أتسعت عيناها في استنكار :
- يالك من متعجرف !
شهقت في فزع حين أحاط خصرها بذراعه وهو يقودها إلى مائدة الطعام فضمها إليه وقبلها قائلًا :
ـ سأعلمك كيف تكفين عن الفزع كلما لمستك يا ليلى .
نزع روبها بقوة وألقى به جانبًا وهو يهمس :
- هكذا أفضل كثيرًا
قالت بصوت مختنق :
- أنا جائعة جدًا
أجابها في نبرة تملؤها الرغبة :
- أنا أيضًا جائع جدًا ، لكنك جعلت شهيتي تسلك طريقًا آخر

راح يلتهم شفتيها وعنقها في نهم ، حاولت التملص منه حتى فقدت القدرة على المقاومة وماتت شفتيها المرتعدة فلم تعد تشعر بهما تحت وطأة قبلاته العنيفة الشرهة ، بدأت الحجرة ترقص بها وجدرانها تقترب منها ، انطفأت الأنوار فجأة وتسارعت دقات قلبها في جنون وكأنها في سباق مع الزمن وعادت لتتوقف كلها دفعة واحدة وقد وصلت إلى نهايته .

ليست هناك تعليقات