إبحث عن موضوع

حوار مع مجرم

حوار مع مجرم

"إلى أي مدى تميل النفس لفعل أبغض الأعمال!!، تلك هي الخارطة التي من الشيق البحث للكشف عنها.
في صباح مُشرق، سماؤه صافية، إلا من بعض السحب المُفرَقة؛ تدخل مكتب أحد الضباط فتاة مر على مولِدها ٢٥ سنة.
- كيف حالك يا سيادة العقيد؟
- مرحبًا، جئتي باكرة عن موعدك.
- مكثتُ الكثير منتظرة مثل هذا اليوم، فكيف لا أصل باكرة!
- اوعذتَك مرارًا بخطورة ما تطلبين، الأمر ليس بهذا اليُسر، أنت تطلبين ملاقاة مجرم مريض، يعاني من الاضطرابات النفسية، تاريخه يشهد على خطورتِه.
- أعلم خطورة الأمر، ومازلت مُصرة على ما أريد.
- لك ما جئتي لأجله، راجيًا أن تكوني واعية حقًا بخطورة ما تطلبي.
- لا تقلق، أعرف ماذا أريد.
- حسنًا، سأهَيئ لكِ رؤيته، ولكن لا تنسي طيب الذكر عنا في مقالاتك.
- أجل بالطبع، سأفعل.
بينما في طريقها إلى المصحة حيث المجرم، أطلقت العنان لذكرياتها مع صديقتها التي توفت أو قل قُتلت، بعض ذكريات المرح والمزاح، التي جعلتها تتبسم وعيناها تزرف دموعًا.
أخذ عسكري يدعوها للقدوم لرؤية المجرم.

عينان مُغمضتان، يجلس على كرسي معدني مُثبت في الأرض، مُقيد بحلقات متصلة من الصلب على كرسيه، وأمامه منضدة معدن أيضًا، في غرفة مغلقة، لا يوجد بها منفذ غير باب الخروج، والصحفية جالسة على الجانب الأخر من المنضدة، وخلف السجين ثلاث من العساكر أقوياء البنيان.
اردفت الصحفية بعد تفعيل مُسجلها الصوتي:
- هل لي طرح عليكَ بعض الأسئلة؟
بعد دقيقة من السؤال اردف السجين:
- ومن أنتِ؟، أصحفية!
- نعم، أنا صحفية بجريدة(........)، ولكن كيف عرفت؟؟
- أمثالك يشتهرون، مقابل معاناتي هنا، لا تقلقي، سأعطيكِ ما تريدينه.
اندهشت الصحفية من كلامه وقالت:
- ماذا تريد؟
رد:
- أظنه لا يَعنيكِ.
اردفت:
- أيمكنك أن تحدثني عن القسوة، والخيانة، وعن الوضاعة؟
- اسمعي مني تلك القصة.
اردفت بابتسامة: 
- لم أتِ لنقل قصصِك.
رد بتعنيف:
- اسمعي قصتي، فهي ما تريدين، وما أريد.
ردت:
- لا أعي ماذا تريد، ولكن حسنًا، تفضل.
************
*قصة السجين*

رفيقان اثنان، جمع بينهما عملهما، فقد كانا ضابطين بالشرطة، كان أحدُهما يُدعى "أحمد" متزوج وعنده ولدٌ ذو تسعة أعوام، والأخر أعزب يُدعي "شريف"، وذات مرة استقدم الأعزب صديقه لتناول العشاء معه بمنزله، وطلب منه أن يُحضر ولده معه.
وافق أحمد، وبعد تناول العشاء، رن هاتفه من العمل للذهاب من أجل جريمة حديثة الوقع.
قال أحمد: 
- يجب أن أذهب، دع عُمر -الابن- معك لحين عودتي.
شريف: 
- فلتذهب، لا تقلق على عُمر.
لم يتأخر أحمد وعاد سريعًا، ولكن لم يجد بالمنزل أحدًا، لا عُمر، لا شريف.
شرع يتصل بشريف كثيرًا، ولا أحد يرد.
قال وبدأ التوتر بنبض على وجهه:
- كيف هذا!!، أين أنت يا شريف؟؟، أين ولدي؟

مضي يوم، والثاني ولم يجد لهما أثرًا، وكأن الأرض انشقت وابتلعتهما.
الأم في حالة انهيار، وكذلك الأب.
وظيفته كشرطي ساعدته كثيرًا في إيجاد طفله بعد أسبوع واحد، ولكن عندما وجده؛ كان مُفرغًا مِن أحشائه، ملقى بين صناديق القمامة في إحدى الطرقات.
أصيب الأب بحالة من الصدمة، وبعدها نوبة من الجنون، فأخذ يكسر ما أمامه في مكتبه، ويضرب من يحاول تهدئته، وبعدها جلس على ركبتيه، ينظر أسفله وهو يبكى قائلا: مَن الذي نُزعت الرحمة من قلبه، وفعل بابني هكذا!، مَن ذاك الذانية أمه!
رفض أن يعود إلى المنزل لكي لا يلتقي بزوجِه، ويخبرها بما حدث، وبات ليلته في مكتبِه.
في الصباح فوجئ بأن زوجَته لم تتصل به ولو لمرة، هذا على غير عادة.
إذ به يتلقى اتصالًا من أحد جيرانِه يخبره أن زوجته مذبوحة بالمنزل.
أسرع أحمد إلى المنزل، فوجدها عارية تمامًا، ملقاه على الأرض حول بركة دماء.
وبعد الكشف على الجثة، أقر الطبيب أنها تعرضت للاغتصاب قبل ذبحها.
قدم أحمد استقالته، وأثَر الجلوس في منزله وحيدًا.
وبعد فترة وجد في المنزل ما أثار دهشته، وجد مفتاح للمنزل كان مع طفله يومَ العَشاء، تذكر زوجته وقلبه يلتظي قائلًا: 
- مَن قتلكِ هو قاتل ولدي أيضًا، وهذا يفسر سبب دخول القاتل المنزل دون أن يشعر به أحد من الجيران.
اقسم أحمد أن يهب حياته مقابل إبادة من قتل طفله وزوجه.
وفي مساء ذاك اليوم، بينما يفكر أحمد فيما يجب أن يفعل، أحد يطرق الباب، يفتح أحمد ليتلقي ضربة قوية علي رأسه، جعلته يَخِر مستلقيًا على الأرض.
وعندما استيقظ كان مُقيدًا في كرسيٍ، لا يستطيع الحراك، ووجد أمامه شريف واقفًا.
اردف شريف:
- مفاجأة، أليس كذلك؟، أتعرف، ما أحببت إذاءك قبل استيقاظِك.
- أيها الوغد، الحقير، لماذا فعلت هذا معي؟
- فعلت هذا بابنك لأنه ولدٌ صغير، هناك من يحتاج أعضائه تلك، وهناك أيضًا من يحتاج ثمن تلك الأعضاء، كل شيء كان مدبرًا، حتى اتصال الهاتف لكي تذهب وتترك ابنك، وفعلت بزوجك ذلك من أجل الشهوة، فإنها مثيرة للغاية.
قطع أحمد كلامه صارخًا:
- أين كانت تتركتك أمك، عند انتقالها بين منازل الدعارة؟
- دعك من أمي، فعليَّ إنهاء ما قَدِمتُ لأجله.
- ولِمَ قَدِمت أيها الجبان؟!
- ببساطة، لأختم ما بدأت، أأقتل الأم والابن وأترك الأب الذي لن يهدأ بعد فَقدِهِما.
- اقتلني، لأنك لو ما فعلت لفعلت أنا.
يشد شريف أجزاء سلاحه، ويوجهه تجاه رأس أحمد قائلًا:
- لهذا أنا هنا.
وتقوم بخرق جمجمة أحمد طلاقات سلاحه.
_______________________
*السجين أمام الصحفية*

الصحفية في قلق:
- احمم، لماذا توقفتَ عن الحديث؟
- انتهت قصتي.
- سأعتبر هذه القصة جواب علي سؤالي الأول، والأن أريد معرفة، لماذا أنت هنا؟
- دَعيني أعرفك بنفسي، أنا القاسي، والخائن، والوضيع. 
ردت بعد بضع ثوانٍ وينتابها شىء من الفزع:
- أنت القاتل، والمُغتصب، وتاجر الأعضاء!!
لحظات من الصمت ثم قالت الصحفية:
- تُرى ماذا يدفعك لتفعل ذلك مع صديقك؟
- دائمًا هو الأفضل، في العمل يسبقني في الترقية، وحياة طيبة، وأسرة سعيدة، وأنا لا أتمتع بأي من ذلك، لعل موتَه يشفي حقدي.

همت الصحفية تاركة الغرفة واتجهت إلي العقيد، ليخبرها بعض المعلومات عن أحمد وأسرته، وبمجرد أن سمعت اسم زوج أحمد امتلأت عيناها بالدموع وشرعت في النواح، لإدراكها أن السجين مَن قتل صديقتها".

تَمَت.
شهاب الدين أشرف

ليست هناك تعليقات