إبحث عن موضوع

ما بداخل المقابر

مِن فَترة ظَهر موضوع غريب على الـFacebook  وكان تريند وقتها وهو عبارة صور لمقابر قرية في مُحافطة ما اكتشف فيها بعض الشباب أعمال سِحر داخل المقابر وأكفان الموتى بطرق مُختلفة وبكميات ضَخمة، حَقيقي كنت مُذهول وأنا بَشوف الكمية دي من آذية الناس وجَهل وعدم تدين كُل من شارك في الشيء الحقير ده، بصراحة أنا أهتميت أوي بالموضوع ده وفضلت أبحث عنه وجمعت شوية بيانات عن كعادتي لمّا بقابل موضوع يشدني عدى فترة على الموضوع ده.

أخت (ياسر) صاحبي في الكلية توفت وكان لازم أقف جنبه، صاحبي مُغترب ولازم يسافر عشان يَحضر الجنازة والعزاء، مش هَخوض في تفاصيل حالته ولا الجو العام للمكان لأن أكيد أنت عارف من غير أي كلام الموقف عامل أزاي،  نزلنا وركبنا الميكروباص اللي هيودينا، وأنا بتكلم معاه سألته هننزل فين بالظبط، لمّا قال لي العنوان افتكرت أن ده نفس العنوان اللي قرأته قبل كدا بخصوص موضوع المقابر، لما سألت صاحبي عن مكان الدفنة وقال لي أنها في مقابر القرية، للحظة حسيت بخوف ما اعرفش ليه وطبعًا لمّا وصلنا نسيت كل حاجة بسبب المَنظر وحالة الحزن والكلام ده اللي بيحصل في أي حالة وفاة ومر الوقت لحد ما صلينا الجنازة ووصلنا المقابر عشان ندفن.

هي هي نفس المقابر اللي شوفت صورها وهي خارج منها الأعمال، وأحنا واقفين عيني لمحت قبر مفتوح، دققت تركيزي لقيت غُراب في التُربة بيبص لي  مِن وسط كل الناس حسيت أنه من وسط الناس كلها مركز معايا أنا زي مايكون بيراقبني، اتسحبت خطوة في خطوة لحد ما  قربت من القبر بس ما قربتش أوي لأني فعلًا خايف وخصوصًا أن القبر ده قريب من قبر أخت صاحبي، بس برضه لسة مش عارف هتصرف أزاي مع الغراب ده، فضلت على وضعي ده لدرجة أني سرحت، فوقت على أيد بتطبطب على كتفي، كان (أحمد) صاحبنا وجاي يعزي، بصيت ورايا لقيتهم خلصوا دفن، آخدنا (ياسر) أنا و(أحمد) روحناه وقعدنا للعزاء بالليل.

خَلص العَزاء ودخل ياسر ينام بسبب تعب اليوم، والد ياسر مسك فينا نبيت عشان المشوار طويل ومش هنلاقي مواصلات نروح، وافقنا طبعًا وقولنا هنجيب حاجات من آخر الشارع بس وهنرجع وبالمناسبة أخر الشارع  المقابر موجودة ولكني في الحقيقة رايح للسوبر ماركت أجيب شوية حاجات ، وصلنا وجيبنا حاجات ورجعنا، وأحنا راجعين خطوتي بدأت تهدأ بالتدريج وده لأني مركز مع المقابر، بصيت لـ (أحمد) مالقيتهوش جنبي، بصراحة أنا أجبن من أني أدخل الترب في وقت زي ده أيًا كان السبب، فضلت أبص حوليا في توتر وشبه مشلول ومش عارف أتصرف، بس لمحت حد في وسط الضلمة بيتحرك  وبيفحت في الأرض بعدها حط حاجة وجري راح حتة تانية عمل فيها نفس الكلام، وفضل كدا شوية لحد ما أتلفت وبص لي، رأسه عادية جدًا بس وشه مافيهوش حاجة غير عضم، هو يعتبر مافيش أي لحم في وشه، مافيش غير قرنية عينيه الاتنين بس، أول ما شافني جري واختفى في الضلمة، كل ده وأنا ثابت مكاني وما اتحركتش خطوة واحدة، على شمالي كان في زرع كتير، لقيت الزرع بيتحرك بعنف وفيه صوت مكتوم جاي من جواه، كل ده وأنا مرعوب من اللي بيحصل، أول ما ظهر لقيته (أحمد).

ملامحه مفزوعة، سألته ماله، قال لي أنه سمع واحدة بتنده عليه وحس أنه بيمشي تلقائي، بالظبط أجواء النداهة اللي بنسمعها من صغرنا، بدأ كل واحد فينا يزق ويشد التاني بسرعة عشان نجري ونلحق نوصل لبيت (ياسر)، جرينا لحد ما وصلنا، ريحنا شوية وما تكلمناش في أي حاجة، نمنا على طول، (أحمد) نام نوم عميق بس أنا طبعًا مجاليش نوم نهائي، فضلت على وضعي ده لحد الصبح ما طلع، حسيت بنوع من الطمأنينة شوية، قولت هطلع أشم شوية هواء، طلعت فعلًا واتمشيت شوية لحد ما وقفت بسبب زحمة في تفكيري، مهما اتكلمت مش هقدر أوصف كم الفضول والرغبة اللي بتطاردني واللي تقريبًا تحولت لضغط عشان أرجع هناك وكان القرار أني هروح بس هراقب من بعيد.

روحت  لمسافة مش بعيدة أوي بس أنا كاشف المكان من عندي خصوصًا أن القابر مالهاش أسوار، هو يدوب أوضة للتُربي بس وباقي المساحة مُستغلة مقابر، حسيت أن فيه حد بدأ يظهر تدريجًا في المقابر، وتقريبًا هو هو نفس الشخص  اللي أنا شوفته أمبارح، مش بس كدا، ده بيعمل نفس اللي عملوا  أمبارح ولكن الزيادة المرة دي حاجتين، الأولى أنه مشافنيش والثانية أنه بيحاول يفتح باب قبر معين وأكيد كل ده لغرض ما، رجعت وأنا  مش فاهم حاجة وعمال بفكر في اللي بيحصل ده ليه، بالصدفة وأنا معدي لمحت شيخ بيقفل باب المسجد وافتكرت أني شوفته واتكلمت معاه قبل كدا في جنازة أخت (ياسر)، جريت عليه وأنا متوتر ورعوب، كلمني بهدوء وقال لي مالك، بصتله بتوتر وحكيت له كل حاجة  ورده بعدها كان صادم بالنسبة لي:

-مش هخبي عليك، ده واحد اسمه (علي) ومن  زمان شغال في أعمال وسحر وآذية الناس، في الأول هو كان شغال على قده حبتين والموضوع عل قد نصب على الناس وبياخد قرشين، بس شوية بشوية بدأ الموضوع يكبر معاه ولحد ما بقى علم من أعلام الآذية والشر والكُفر في البلد هنا، من فترة أحنا عملنا حملة على التُرب دي ونضفنا كل اللي قدرنا عليه وفضائيات كتير جت تصور، وأنا ورجالة البلد هنا كل أما بنواجهه بينكر وبيحلف أنه مالهوش علاقة بالكلام اللي أحنا بنقوله ده بالذات أننا مش قادرين نمسك عليه أي دليل يدل على أن هو اللي بيعمل كدا ومن ساعتها وأحنا عارفين وساكتين لأن ما فيش حيلة في الأيد، وطالما زي ما أنت بتقول هو هناك دلوقتي يبقى لازم نتحرك حالًا، تعالى معايا.

بعدها على طول عدينا على كام واحد وكلمنا كام شخص في التليفون لأن دي فرصتنا، اتجمع عدد كبير وطلعنا على المقابر كلنا، في دقايق بسيطة كنا محاوطينه، اترعب مننا ومن كتر ذهوله ودهشته تقريبًا جاله شلل مؤقت من رهبة الموقف، بس أنا تركيزي في حاجة تانية خالص وهي أننا مسكناه وهو بيحاول يفتح باب تربة أخت (ياسر) اللي لسة متوفية أمبارح ده غير البلاوي اللي لقينها معاه وأكيد هيحطها في المقابر ويمارس أعماله الدنيئة، والأكبر من كدا أن التُربي طلع شغال معاه وهو اللي بيسهل عملية دخوله للترب وطبعًا هو المسؤول عن كل حاجة الرجال ده بيعملها ده غير كوارث تانية كتير، بلغنا الشرطة وجه (أحمد) و(ياسر ووالده)، تمموا على باب المقبرة والناس كتر خيرها هدتهم شوية لحد ما الدنيا بقت أحسن شوية ووصلت الشرطة خدت الاثنين.

 عدت أيام العزا والوضع هدي شوية، واطمنا على (ياسر) وآخدت (أحمد) عشان نمشي، وأحنا في الطريق مروحين كنت راكب قدام في المواصلات، السواق كان مزود السرعة شوية، وأثناء انشغال السواق بالأجرة ظهر قدام العربية فجأة (علي) اللي اتمسك في الترب وده سبب كفيل أوي أن العربية تتقلب بينا،حصل لنا حداث وفضلنا فترة بسيطة في المستشفى ووقتها عرفت أن ماحدش اُصيب في الحادثة دي غيري أنا و(أحمد) بس، زي ما يكون أحنا المقصودين باللي حصل.

 بعد ستة أشهر عرفت أن الراجل اللي اسمه (علي) ده لقوه منتحر ولقوا على جسمه كلام غريب مدقوق في الجلد زي الوشم، في الفترة الأخيرة بقيت بتعرض لحاجات كتير غريبة، لمّا جمعت معلوماتي من مصدر معين اكتشفت أن ما فيش حاجة غريبة حصلت لي غير من بعد يوم موته، وحاليًا بشوفه بنفس هيئته المرعبة اللي شوفتها قبل كدا وأنا في الترب بالليل، بيتعرض لي في كوابيس مختلفة، ماعرفش إذا كانت دي البداية ولا لا بس هي دي كل حكايتي واللي كلها جت عن طريق الصدفة وترتيب القدر وبتمنى أخرج منها بأقل الخسائر وعارف أن ده مش هيحصل.
.
.
محمد عبد القادر

ليست هناك تعليقات