إبحث عن موضوع

قطار الاموات 🚊

عمرى ما تخيلت ان مترو الانفاق هيوصل بيه الامر لكدا 
طول عمري بخاف من مترو القاهرة بسبب زحمته وخناقاته اليومية وملله ؛ اوقات بتوقع اني هيحصلي حادثة انا وصحابي ؛ لكن متخيلتش ابدا اننا هنمر بالجحيم دا 

كعادة يومنا الممل انا وصحابي  اتقابلنا احنا الاربعة عشان نتحرك من محطة المرج متجهيين لجامعة حلوان 
مشوار طويل وممل مدته ساعة وربع واحيانا اطول 
انا وفريدة جارتي من صغري ؛ واللي مرتبط بيها حاليا 
الحاجة الوحيد اللي بحمد ربنا انها مكملة في حياتي والحمدلله دخلت معايا نفس الكلية وطريقنا بقى واحد 

ومحمود وفاطمة واللي هما كمان بردو مرتبطين 
واقفين احنا الاربع جنب الباب اللي في اخر عربية المترو اللي فيه شباك ازاز صغير بيبص على باب العربية اللي جنبه  

سمعنا فجأة صريخ ودوشة رهيبة من العربية اللي جنبنا 
بصينا من الازاز على العربية لقينا ناس كتير بتحوش خناقة بين اتنين احنا مش شايفنهم ؛ بس الصريخ غريب جدا ؛ كأن واحد منهم بيقتل التاني 

المترو دخل محطة سراي القبة والخناقة هديت 
بس كل الركاب باصيين للارض وبيضربوا كف على كف كأنهم شايفين جثتين بظبط 

مسكت فريدة في ايدي بكل رعب 
- مصطفى انا خايفة 
- ‏متخافيش هي خلاص هديت اهو ؛ هروح اشوف في ايه طيب بسرعة وجي 

بعد منع طويل منها وخوف عليا وقفني محمود اول لما الباب فتح ونزل هو بسرعة وركب العربية اللي جنبنا 
وكان مأجل قرار نزوله لاخر لحظة عشان فاطمة متمنعهوش من النزول 

رجعنا للازاز وبصينا عليه وهو دخل وسط الناس وبص في الارض وفجاة جسمه اتخشب تماما وملامح الصدمة باينة على وشه 
طلع موبايله وصورلنا المنظر من غير ما حد ياخد باله وبعتلنا الصور على الواتس 

جثتين في الارض 
واحدة متاكلة باسنان كأنها اسنان حيوان مفترس بهدله 
والتانية ماتت بسبب ضرب الناس 
يعني ايه ؟
هما اتخانقو وكانو بياكلو بعض ؟ 
فاطمة بصتلنا والرعب باين على وشها 
- انا عاوزة محمود يرجع 
- هيرجع اطمني هو خلاص الموضوع خلص اهو
- ‏لا انا حسا ان في حاجة غلط ؛ هتصل بيه اخليه يرجع 

مع رنتها لقينا فجأة صريخ الناس رجع والكل بيجري 
بصينا لقينا الجثتين اللي في الصور واقفين وبينقضوا على باقي الناس ؛ زحمة ؛ دوشة ؛ صريخ عالي ؛ كلهم بيقعوا فوق بعض 
ومحمود جري للازاز وبيخبط فيه وبيصرخ عشان نلحقه 

لكننا دخلنا النفق اللي تحت الارض استعدادا لمحطة الشهداء ؛ ولسبب ما نور المترو مشتغلش 
ومبقيناش شايفين اي حاجة 
مجرد ظلال لناس عمالة تضرب في بعض ويصرخوا 
دخلنا محطة الشهداء ولسه المترو هيقف وننزل لقينا الدنيا على الرصيف مقلوبة 
ناس بتصرخ وبتحاول تستنجد بينا عشان تطلع عربيتنا 

الباب فتح ولسه هننزل حصل اندفاع رهيب والكل دخل والباب قفل بالعافية وكمل طريقه لمحطة عرابي 

بصينا من جديد للعربية اللي جنبنا 
ولكن في صمت رهيب 
كملنا في النفق وشايفين كيانات سودا ليهم واقفة ولكن مبيتحركوش 
ومن وسط الكشافات اللي بنمر بيها اللي متعلقة في النفق 
لمدة اقل من الثانية المكان بينور 
ولكننا شوفنا اخر حاجة نتمنى نشوفها
محمود واقف كأنه مسطول وساند راسه على الازاز وجسمه كله دم 
وكل لما الدنيا تضلم والنور يرجع من اثر الكشافات لمدة ثانية بنشوف وشه 
عينه لونها لبني 
سنانه ملتصق بيها جلد لبشر 
وبيبصلنا بنظرة  سحبت روحنا من جسمنا 
فاطمة بكت ؛ لاول مرة تخاف من محمود 
احساس ان الانسان يحب شخصه ولكنه يتحول لشئ اخر مهما كان تحوله هو امر مؤلم ؛ بيدخلك في حالة من الندم والحسرة ؛ حالة تخليك عاوز ترجع الزمن وتمنعه من التغيير دا 

صرخت لكل العربية 
- دول شافونا ؛ لازم المحكة الجاية نهرب شافونا وهيجوا 

وصلنا لعرابي واول لما الباب فتح نزلنا جري  

ولكنهم نزلوا ورانا 
اشبه بالاموات ؛ ولكنهم اموات صاحيين ؛ بيمشوا زيينا 
دا مرض ولا لعنة ولا سحر اي كان بس لازم نخلص من الكابوس دا 

جرينا في اتجاه السلم ولكن ملحقناش نطلع وملقناش حل غير اننا نجري لاتجاه اوضة التذاكر
وصلتلها وحاولت اكسر الباب 
في اخر لحظة كسرته ودخلت فاطمة وفريدة ودخلت في اخر لحظة وقفلت 
شايفهم كلهم من شباك التذاكر 
مجرد جثث شكلهم بدون روح 
ولكنهم واقفين ؛ بيحاولو يكسروا الازاز ويدخلوا 

- احنا اتحاسرنا ولازم نلاقي طريقة نخرج من هنا 

رديت عليا فريدة وقالت ان عددهم كبير جدا ؛ احنا يدوب نمشي خطوتين ومش هنلحق نطلع 

خطوتين ؟ 
بظبط ؛ احنا محتاجين نمشي خطوتين بظبط 
لازم نلحق نمشي للرصيف في لحظة دخول المترو اللي جي 
دي الطريقة الوحيدة اللي تخلينا نتخلص باكبر عدد منهم 
نصهم هيتداس والنص التاني هينشغل بالركاب الجدد 

وقفت قدام الباب ؛ ٣ ثواني بستجمع قوتي عشان نخرج 
شيلت كرسي وفتحت الباب وزقيت عدد منهم 
بقى عندى ثغرة خفيفة نعدي منها 

مسكت ايدهم وخرجنا جري وبنتفداهم بقوة الدفع 
جسمهم هش جدا ؛ بيتزقوا بكل سهولة 
وصلنا للرصيف ونطينا والمترو داخل المحطة 

ولكن فاطمة اتمسكت 
حاولنا نشدها ونخلصها من ايدهم ولكنهم حاوطوها من كل ناحية 
ولاول مرة نشوف بعيننا ايه اللي حصل ؛ 
بياكلوها كأنهم حيوانات لقوا فريسة جديدة 
الدم بيطير من جسمها فكل حتة 
ملقناش حل غير اننا نسيبها ونبعد  
جرينا والجزء اللي بيجري ورانا المترو داسه بدون اي رحمة 
دخلنا جوا النفق ومن ورانا سامعين صريخ الركاب اللي نزلوا 
صوتهم وصدى الصوت اللي بيسمع في النفق مرعب 
فكرنا بكل لحظة عيشناها من ثواني 
ضميت فريدة ومشينا وسط الظلام للمجهول 
بدون علم للي جي ولا اللي هنقابله 
وصلنا محطة السادات ولقيناها فاضية بالكامل ؛ طلعنا السلالم وخرجنا ومافيش وجود لاي شخص 
ولمحنا اخيرا ضوء الشمس ؛ احنا دلوقتي في وسط ميدان التحرير 

في مشهد فكرني بنهاية الثورات اللي مرت على مصر 
جثث في كل حتة 
دخان خارج من حريق في اكتر من مكان 
المادة الاغلب للوحة دي هي الضباب 
في كل مكان حوالينا ؛ وكأننا بدأنا حياتنا انا وفريدة زي ما بنتمنى 
بس في عالم هنبنيه من جديد 

في رمزية غريبة جدا 

الفوضى والمرض الغريب دا هما بداية لنفس الشئ

نهاية العالم !


مصطفي عمر

ليست هناك تعليقات