إبحث عن موضوع

رواية وحدك حبيبتي الحلقة الثالثة

وحدك حبيبتي ... اماني عطاالله

المنحرف

زفر ممدوح فى مزيج من الضيق والقلق وهو ينظر إلى والدته قائلاً :
ـ منذ متى وفريق الأطباء هذا بالداخل ؟
أجابته والدته وهى تجفف دموعها :
- منذ أكثر من ساعة
ـ ساعة !!
تحرك فى عصبية إلى الغرفة التى يرقد فيها والده وأمسك بمقبض الباب وما كاد يستدير فى يده حتى ابتعد عنه من جديد وعاد يهتف فى والدته قائلاً :
- لماذا لم تتصلى بى من قبل ، لماذا أهدرت كل هذا الوقت حتى ساءت حالته ؟
ـ أنت تعلم أن والدك كان يمنعنى ، وكنت أخشى أن أغضبه
غمغم ساخطاً :
- هذا المستبد ، ثم يعود ويسألنى من أين أتيت بهذا العناد والقلب المتحجر !
مضى أكثر من نصف الساعة حتى أقبل أشرف الذى ما أن رأى ممدوح حتى احتضنه وهو يهتف قائلاً :
ـ ممدوح ، ماذا حدث ؟
أجابه ممدوح فى قلق بلغ ذروته :
- يبدو أن الأمر لا يبشر بالخير يا أشرف ، مضى وقت طويل وفريق من الأطباء بالداخل ، ولم يخرج أحدهم بعد
ـ ولماذا لم تدخل أنت إليه ؟
ـ أخشى أن يرانى فتزداد حالته سوءً
ـ دعنى أجرب أنا إذاً
طرق أشرف الباب طرقاً خفيفاً وما أن دلف إلى الداخل حتى صدمته كل تلك الأجهزة والأدوية والمحاليل التى جعلت من الغرفة وكأنها إحدى غرف العناية المركزة فى مستشفى كبير ، إزداد قلقاً وهو يتأمل هذا الفريق المكون من خمسة أطباء ، أحاطوا بالسرير الذى يرقد عليه الحاج سالم بلا حراك ، التفت أحد الأطباء إلى أشرف ما أن رآه قائلاً :
- هل أنت ولده ؟ هل أنت ممدوح ؟
غمغم أشرف قائلاً وهو ينظر إلى ممدوح الذى دلف تواً إلى الحجرة وراح يحدق فى والده وقد تشبع وجهه ألماً :
- ها هو ممدوح
التفت الطبيب إلى ممدوح قائلاً :
- فى الحظات القليلة التى يفيق فيها من غيبوبته لا يكف عن ترديد اسمك
غمغم ممدوح دون أن يرفع عينيه عن والده :
- ماذا به .. هل سينجو ؟
نظر إليه الطبيب قائلاً :
- كلنا ندعو الله من أجله ، وأن كان هذا يتوقف على معاونتك لنا
التفت ممدوح إليه فى دهشه وتساؤل فجذبه الطبيب إلى الخارج قبل أن ينظر إليه قائلاً :
ـ ما فهمته من الكلمات القليلة التى يتفوه بها والدك من حين لآخر ، بأن لك دوراً مباشراً فى ما يحدث له
ظل ممدوح يرقبه صامتاً فأردف :
- لماذا لا تريد أن تتزوج وتنجب له الحفيد الذى ينتظره ؟
حدق فيه ممدوح مستنكراً قبل أن يغمغم فى نبرة تهكمية لا تخلو من الضيق :
ـ يبدو أن حياتى قد أصبحت محور اهتمام الجميع فى هذه القرية
شعر الطبيب ببعض الحرج قائلاً :
- آسف لم أقصد المضايقة ، كنت أعتبرها نصيحة عفوية من أخ لأخيه ، على أية حال ، فبرغم حبى الشديد للحاج سالم ، لا أظن بأننى أحبه أكثر منك
عاد الطبيب إلى الحجرة التى يرقد مريضه بها مرة أخرى واقتربت والدة ممدوح منه وهى تبكى فى توسل قائلة :
- بالله لا تقتل والدك يا ممدوح ، نفذ ما يريده منك لأجلى ، إن كنت تحبنى حقاً
زفر بضيق قبل أن يهتف ساخطاً :
- لماذا يضع هذا الرجل حياتى مقابلاً لحياته !! ؟
قبلته المرأة قائلة :
- والدك يحبك يا ممدوح ، أنه لم يذق طعماً للنوم والراحة منذ أكثر من شهرين ، منذ تركتنا غاضباً فى المرة الأخيرة
أقبل أشرف نحوهما قائلاً :
- لقد بدأ يستعيد وعيه
تبعاه إلى حيث يرقد الحاج سالم الذى ما أن وقع بصره على ممدوح حتى بدأ يصيح فى عصبية قائلاً :
ـ ما الذى أتى بك إلى هنا ، إخرجوه خارجاً لا أريد أن أراه بعد اليوم
استدار ممدوح ليغادر الغرفة ولكن أشرف أمسك به وقال مبتسماً :
ـ ممدوح ولدك يا حاج والظفر لا يخرج من اللحم أبداً
صاح الرجل فى ثورة رغم معارضة الأطباء :
- ليس لى أبناء ، سوف أتبرع بكل أموالى للجمعيات الخيرية ، لن أترك له مليماً واحداً
لم يستطع ممدوح التحكم فى أنفعالاته فهتف فى عصبية قائلاً :
- لم آت إلى هنا طلباً لأموالك
ـ اذهب وحاول استعادة الأموال التى بذرتها تحت أقدام الراقصات ، لا أريد رؤيتك مرة أخرى ، لا تدخل بيتى مرة أخرى
اندفع ممدوح كالسهم خارجاً ولم تفلح المحاولات المستميتة التى قام بها أشرف والأطباء فى إقناعه بالعدول عن الذهاب ، لكنه ما كاد يخطو خارج المنزل حتى بلغ مسامعه صراخ والدته المتواصل فاستدار جزعاً ليرى والده قد رقد ساكناً من جديد والأطباء من حوله يحاولون إسعافه ، لم يلتفت إليه أحد سوى والدته ونظراتها المتوسلة ، ربت على ظهرها صامتاً بينما عيناه قد تسمرتا على وجه والده حتى تحركتا عينا هذا الأخير قبل أن يفتحمها فى بطء ، تنفست والدته الصعداء وهى تتمتم بالحمد والشكرلله ، انحنى ممدوح يقبل يده ولكن والده جذبها منه وهو يشيح بوجهه بعيداً ، أسرعت المرأة تقول :
ـ اطمئن يا حاج ، ممدوح سيفعل كل ما تريده ، لقد جاء ليخبرك بهذا لكنك لم تمنحه الفرصة
نظرممدوح إلى والدته غاضباً لكنها أردفت وهى ترمقه فى توسل :
- أليس كذلك يا ممدوح ؟
نظر الرجل إلى ولده قائلاً بضعف :
- أحقاً يا ممدوح ، هل ستتزوج العروس التى اخترتها لك وتنجب لى الحفيد الذى طالما انتظرته ؟
نظر أشرف إلى ممدوح الذى وقف صامتاً ولم يجب بالنفى أو ألإيجاب متجاهلاً كل العيون التى ترقبه فى توسل واستعطاف ، قال أشرف وهو ينظر إلى ممدوح ليحثه على الحديث :
ـ طبعاً يا حاج ، ومن هذا الذى يستطيع أن يخالف لك أمراً ، خاصة ممدوح فهو يحبك حباً كبيراً
نظر ممدوح إلى صديقه ثم إلى والده الذى راح يرقبه فى لهفة وهز رأسه إيجاباً ، كاد الرجل أن يقفز من فراشه فرحاً لولا أن أحد الأطباء انتهره قائلاً :
- مهلاً يا حاج حتى يكتمل شفاءك
تهلل وجه الرجل قائلاً :
- لقد شفيت
ثم أردف وهو يمد يده إلى ممدوح قائلاً :
- سأخذ ولدى ونذهب لبيت العروس فى الحال
تنهد ممدوح قائلاً :
- انتظر أولاً حتى يتمم الله الشفاء ، وبعدها نناقش أمر هذا الزواج
نظر إليه الرجل فى ريبة وقد عاد وجهه للتجهم من جديد ، فابتسم أشرف قائلاً :
ـ ممدوح يقصد ترتيبات الزواج يا حاج
ـ انتظر أنت يا أشرف ، أريد أن أسمع هذا الكلام من ولدى
عادت العيون كلها لتحدق فى ممدوح من جديد فزفر فى ضيق قائلاً :
ـ أشرف يقول ما أريد قوله يا أبى
نهض الرجل ليغادر فراشه قائلاً :
- هيا بنا إذاً ، يكفى ما أهدرناه من وقت زاد على الشهرين حتى الآن
لكن أحد الأطباء اقترب منه ليعيده إلى فراشه وهو يغمز له بعينيه قائلاً :
ـ ليس الآن يا حاج ، يجب أن تستريح فى الفراش أسبوع على الأقل ، أى انفعال قد يتسبب لك فى انتكاسة ربما يكون لها مضاعفات خطيرة
غمغم ممدوح فى مرارة قائلاً :
- استرح يا أبى ، لن تفسد العروس إذا انتظرت أسبوعاً آخر
ابتسم والده قائلاً :
- حين تراها ستكون لهفتك أكبر من لهفتى
تناول ممدوح بعضاً من طعامه مرغماً تحت الإلحاح الشديد من قبل أشرف الذى حاول جاهداً أن يخفف عنه ،
تارة بالعقل وتارة بالدعابة ، جاءت والدته تحمل الشاى وعلى شفتيها ابتسامة واسعة وهى تهتف :
ـ كنت أتمنى أن أقدم لكما الشربات بدلاً من هذا الشاى ، ولكن لا بأس سأفعلها قريباً بإذن الله
نظر إليها ممدوح فى ضيق جعلها تلكمه فى مرح قائلة :
- عندما ترى عروسك سوف تشكرنا
غمغم ساخراً :
- أستطيع أن أتخيلها دون أن أراها
نظرت إليه فابتسم فى مرارة قائلاً :
- بلهاء بضفيرة أو اثنتين ، وربما منكوشة الشعر أيضاً ، تعد الأيام والليالى لنلعب سوياً لعبة العروس والعريس
انفجر أشرف ضاحكاً بينما صاحت والدته فى عتاب :
- ما هذا الذى تقوله ، أهذا ما تعرفه عن أبيك ؟
حاول أشرف تصنع الهدوء قائلاً :
- صفيها أنت لنا يا خالتى
انشرحت المرأة قائلة :
- أنها طول وعرض و......
قاطعها ممدوح ساخراً :
- طول وعرض ، يبدو أنها تصلح للحرب لا الزواج
عاد أشرف يضحك من جديد قبل أن يقول :
- فى أى مدرسة هى ؟
ابتسمت المرأة قائلة :
- فى كلية الحقوق
التفت أشرف إلى ممدوح فى جدية قائلاً :
- هذا رائع بالفعل يا ممدوح
نظر إليه ممدوح الذى راح يرتشف الشاى فى لامبالاة ، فالتفت أشرف إلى المرأة من جديد قائلاً :
ـ فى أى سنة هى ؟
أسرعت المرأة تقول فى حماسة :
- أنها ليست تلميذة ، بل دكتورة فى الجامعة
بصق ممدوح الشاى من فمه لينتثر رذاذه فوق ملابسهم قبل أن يصرخ مستنكراً :
ـ ماذا ، هل اكتشف الحاج سالم أخيراً بأنك فشلت فى تربيتى فبحث لى عن مربية أخرى !!؟
نظرت إليه والدته فى دهشة ، لكنه تابع ثائراً :
ـ هذه العانس ربما تصلح له ، لكنها لا تصلح لى أبداً
حاول أشرف تهدئته بينما هتفت والدته مستنكره ، فأردف فى ذهول :
ـ أى حفيد هذا الذى ينتظره من امرأة بلغت سن اليأس !!!
غمغم أشرف :
- انتظر يا ممدوح ، لابد أن هناك خطأ ما
صاح غاضباً :
- قلبى يحدثنى بأن هذه المرأة لديها دستة من الأحفاد الجاهزة لتلبية رغبة أبى
صاحت والدته :
- كفى يا ممدوح ، هذه الفتاة لم تتزوج من قبل ، برغم كل الخطاب الذين تقدموا لخطبتها منذ ظهورها فى القرية
غمغم ساخراً :
- ظهورها !! هل هبطت فجأة من السماء ، أم انشقت الأرض عنها ؟
نهضت والدته وهى تزفر بضيق قائلة :
- قل ما شئت ما دمت لم ترها بعد...

ليست هناك تعليقات