إبحث عن موضوع

رواية وحدك حبيبتي الحلقة الثانية

الفصل الثاني... وحدك حبيبتي

فى أحد الملاهى الليلية بالإسكندرية ، جلست مجموعة من الشباب تضم أربعة رجال وامرأتين ، ظهر الغضب جليًا على وجه أحدهم وهو يدخن سيجارته في شراهة وعصبية ، لم تنجح كل المحاولات الخليعة التي تقوم بها الراقصة لاسترضاءه ، كانت ترقص له وحده وكأنها لا ترى في الملهى سواه ، اقتربت بميوعة لتسحب السيجارة من فمه و تلقي بها مع العشرات غيرها في منفضة السجائر وهي تغمز له بعينيها غير مبالية بالمحيطين بها ولا بنظراتهم إليها ، ابتعدت عنه قليلًا دون أن تكف عن النظر إليه والابتسام له حتى انتهت الرقصة ، صفق الحاضرون واختفت الراقصة فأطلق الشاب تنهيدة طويلة وهو يتجرع الكأس التي أمامه دفعة واحدة
التفت إليه أشرف .. أحد رفاقه :
ـ بالله كفى أيها الزعيم ، أكثر من أسبوع مضى حتى الآن وأنت على هذه الحال .. أنا لا أرى ما يستحق كل هذا الضيق
هتفت إحدى المرأتين وتدعى نجوى ساخطة :
- والده يريد أن يرغمه على الزواج من قروية بلهاء ، وأنت لا ترى ما يدعو للضيق ..!
ـ وما الجديد فى هذا ، وهل هي المرة الأولى ؟
وابتسم آخر يدعى عادل قائلاً :
- نحن نعرفه منذ سنوات طويلة ، منذ جاء إلى الإسكندرية ، ولم تمر زيارة لوالده من دون عروس تنتظره
غمغم ممدوح بضيق قائلاً :
- هذه المرة تختلف ، هناك إصرار غير عادي من قبل والدي ، بل ووالدتي أيضًا
قال أشرف مازحًا :
- ألم تقل من قبل أن والدك خطب لك كل بنات القرية ، من أين جاءت هذه العروس ؟
ضحك كمال :
- ربما لم تكن قد أكملت الثانية عشر بعد
غمغم عادل مستنكرًا :
- الثانية عشر ، هل سيزوجك والدك من طفلة ..؟!
ضحك أشرف قائلًا :
- هذا أفضل ، ستكون زوجة وحفيدة فى آن واحد ، فالرجل يتوق جدًا إلى حفيد
بادله عادل الضحك قائلًا :
- والدك رجل حكيم ، يضرب عصفورين بحجر واحد
تأملهم ممدوح بضيق قبل أن ينهض ليغادر الطاولة ، أمسك به أشرف قائلًا :
ـ مهلاً أيها الزعيم ، نحن نحاول الترفيه عنك ليس أكثر
هتف مستنكرًا :
- بهذه الطريقة !
قال كمال الذي أمسك به هو أيضًا :
- طريقتنا عادية ، ولكن غضبك هو ما فوق العادي
أشعل له أشرف سيجارة قائلًا وهو يدسها في فمه :
- اجلس ودعنا نناقش الأمر بطريقة أخرى ربما ترضيك
جلس ممدوح على مضض ، وسادت بينهم فترة من الصمت حتى عاد أشرف يقول :
ـ لا عليك ، سيغضب والدك قليلًا كعادته فى كل مرة ، وتمتنع أنت عن زيارة القرية حتى تتصل والدتك وترجوك بدموع العين أن تعود لزيارتهما من جديد ، وكأن شيئًا لم يكن ، أليس هذا ما يحدث دائمًا ؟
أجابه ممدوح وهو ينفث دخان سيجارته في بطء :
- أنا أعرف والدي جيدًا ، هذه المرة مختلفة عن المرات السابقة ، لم أره من قبل ثائرًا لهذا الحد
أطلق تنهيدة طويلة وأردف متهكمًا :
- بغض النظر عن العبارات الكثيرة التي وبخني بها وتهديده بحرماني من الميراث كما حرمته من الحفيد الذي ينتظره بصبر نافد ، فقد هدد والدتي بالطلاق .. إذا حاولت الاتصال بي أو أرسلت لي جنيهًا واحدًا بعد اليوم
غمغم أشرف مستنكرًا :
- يا إلهي ، الطلاق .. هل وصل الأمر إلى هذا الحد ؟!
ربت عادل على كتفه قائلاً :
- إن كان المال هو ما يشغلك ، فاعتبر ما لنا لك ، وما في جيوبنا في جيبك
ابتسم ممدوح بمرارة قائلًا :
- أشكركم ، ما معي الآن يكفيني لوقت ليس بالقليل ، ربما أضطر فيما بعد للاهتمام بالمكتب ، لكنني لن أسمح لأحد ، وإن كان أبي ذاته ، بأن يرغمني على فعل شيء لا أريده
ـ ولكنك لم تذهب للمكتب منذ شهرين على الأقل
ـ ربما حان الوقت لذهابي إليه
مالت نجوى على كتفه قائلة :
- ممدوح ، إن كان لابد أن تتزوج ، فلماذا لا تتزوجني ؟ نحن نعرف بعضنا البعض منذ خمسة أعوام
ابتسم في تهكم قائلًا :
- ربما هذا ما يخشاه أبي
ـ ماذا تعني ؟
ـ أبي أيضًا يعلم أننا نعرف بعضنا البعض منذ خمسة أعوام
ـ وماذا في ذلك ؟
ـ نجوى ، لا تجبريني لأكون أكثر قسوة
سقطت دمعة من عينيها الجميلتين وهي تغمغم بصوت مختنق :
- لا ظني أن هناك ما هو أكثر قسوة من هذا
ابتسم كمال وهو يحاول أن يهدئ من روعها قائلًا :
ـ مهلًا يا نجوى ، ربما ليس هذا بالوقت المناسب ، فهو يهرب من عروس وأنت تحدثينه عن أخرى
تنهدت وقالت ساخرة :
- اخبرني حين يأتي الوقت المناسب
قطع حديثهم اقتراب إحدى الفتيات منهم ، انحنت لتهمس في أذن ممدوح غير مبالية بنظرات نجوى النارية التي تطلقها نحوها ، انصرفت الفتاة فالتفت ممدوح إلى أشرف قائلًا :
ـ أنا مضطر لترككم الآن
ابتسم أشرف هامسًا :
- يبدو أنك وجدت دواءً لأحزانك
بادله ابتسامته قائلًا :
- شيء كهذا
صاحت نجوى بعصبية :
- هذه الفتاة اللعينة أرسلتها الراقصة ، أليس كذلك ؟
أجابها في لامبالاة :
- بلى ، هو كذلك
نهضت نجوى لتغادر الطاولة ، تبعها عادل وأشرف بينما نظرت إليه سميرة في غضب قائلة :
ـ لست أدري ما الذي يجبرها على تحمل وحش مثلك ؟
اقترب منها وهمس ساخرًا :
- وحش أقوى اسمه الحب
جذبها كمال قائلًا :
- هيا يا سميرة ، كل ما نملك أن نفعله ، هو أن ندعو له بالسقوط في قبضة هذا الوحش
ضحك ممدوح لامباليًا وهو يتجه إلى غرفة الراقصة وكأن شيئًا لم يكن

*****

جلس فؤاد بغرفة مكتبه يراجع بعض الحسابات الخاصة بأعماله التي قام بها مؤخرًا عندما طرقت ليلى بابه وهي تحمل له كوبًا من الشاي ، تهلل وجهه قائلًا :
ـ يا لسعادتي..! دكتورة ليلى بنفسها تحمل الشاي إليَ
ـ ومن لي أغلى منك يا أخي الحبيب
ـ أشكرك يا حبيبتي
توقع بعدها أن تنصرف ، لكنها جلست على كرسي قريب من مكتبه
رفع بصره إليها يسألها :
- أهناك شيء يا ليلى ؟
- نعم ، أريد التحدث معك
طوى أوراقه جانبًا ، ونظر إليها في اهتمام :
- حسنًا ، كلي آذان صاغية
قالت في ارتباك حاولت أن تخفيه :
- أريدك أن تخبر الحاج سالم بأنني قبلت الزواج من ولده
نهض عن كرسيه :
- ماذا ؟! لابد وأنك جننت .. ألم ننته من هذا الأمر سابقًا ؟
أبعدت وجهها عنه صامتة فتابع في غضب :
- اسمعينى جيدًا يا ليلى .. أفضل أن تمضي عمرك كله بلا زواج .. على أن ترتبطي بـ حيوان مثل ممدوح سالم هذا
غمغمت دون أن تجرؤ على النظر إليه :
- اسمعني أنت يا فؤاد ، فأنا لم أعد طفلة صغيرة ، كما أنني لست إحدى فتيات هذه القرية اللواتي لا هم لهن سوى الزواج والإنجاب ، أنا أستطيع أن أحدد ما أريده جيدًا
اتجه إليها وراح يهزها بعنف :
- وهل ممدوح سالم هو ما تريدينه ؟ ثقافتك العلمية لا تعني أنك أصبحت خبيرة في شئون الحياة ، لن أسمح لك بدخول هذا الجحيم أبدًا
غمغمت في عناد :
- ربما هو ليس سيئًا بالقدر الذي تتخيله
صرخ فيها :
- بل هو أسوأ مما أتخيل .. ما أعرفه عنه يكفيني لأعلن أنه شيطان .. وما خفي كان أعظم بلا شك !
هز يديه في حيرة قبل أن يعض على شفتيه قائلًا :
- هل ستصدقيننى إن قلت لك بأنني أشعر بالخجل عندما يأتي ذكره في جلسة ما ؟
عاد يحدق في وجهها قائلًا في تردد :
- ماذا أقول لك ؟ هل أخبرك بأنه أرغم والده .. الحاج سالم الذي يهابه الجميع .. أرغمه على أن يوفر حجرات في منزله لاستقبال رفاقه وعشيقاته اللواتي لا تخلو زيارة لوالده منهن .. إحداهن ترافقه منذ سنوات طويلة ، ويقولون أنها جميلة أيضًا ، كلهن جميلات يا ليلى
نظر إليها قبل أن يردف :
- اسألي أهل القرية لماذا يخفون بناتهم وزوجاتهم أثناء زياراته لها ، اسألي عنه كل راقصات المنصورة والإسكندرية .. يكفي أن تذكر المرأة اسمه لتغدو مطمعًا للرجال جميعًا
ضمها إليه في حنان قائلًا :
- لن تحتملي يا ليلى ، صدقيني لن تحتملي
ظلت صامتة فعاد يصرخ في دهشة :
- لماذا هذا الوقح هو من قبلت الزواج منه دونًا عن سائر الرجال الذين تقدموا لخطبتك ؟ رجال أقلهم شأنًا .. أفضل منه ملايين المرات .. ما الذي جذبك إليه وأنت لم تريه بعد ؟
غمغمت بصوت مرتبك :
- إنه مهندس وثري و ...........
ـ وماذا أيضًا ؟ ويسحر ناقصات العقل بوسامته وعضلاته المفتولة
ـ إذا استطعت أن أغيره سيكون .......
ـ لن تستطيعي يا ليلى ، لن تستطيعي أبدًا ، بل أنت من سوف تتغيرين ، ستتبدلين تمامًا ، ستغدين مسخًا لا حول له ولا قوة .. سيضمك إلى قفص الحريم الذي حاربت طويلًا كي لا تدخلينه
صرخت في عناد قائلة :
- كلا .. كلا
ـ بل نعم .. وألف نعم
قالت في إصرار :
- سأرغمه أن لا يرى فى الكون امرأة غيرى ، سيحبنى وحدى ، سأجعل منه قيساً جديداً
هتف ساخراً :
- وكيف ستفعلين هذا ..؟ بأن تقدمي نفسك هدية له .. وهكذا بلا ثمن ..!
هزها بعنف قبل أن يردف يائسًا :
- أفيقي يا ليلى .. بزواجك من هذا القذر ستغدين ملكه .. سيتوجب عليك طاعته .. وسيصبح المجتمع كله ضدك في حال عصيانك له
ـ تقاليدكم اللعينة هي ما يفرض عليَّ هذه الطريقة للتقرب منه ، أنا لا أملك حيلة أخرى ، مجرد محاولة رؤيته خارج نطاق الزواج سيثير زوبعة من الأقاويل لن تنتهى أبدًا
حدق فيها وهو يضرب كفًا بأخرى قائلًا :
- يا إلهي ، ماذا حدث لك ؟ ما هذا الذي تقولينه ؟ أين عقلك الراجح ؟!
صمت قليلًا وعاد يصرخ مستنكرًا :
ـ إن كنت تتحدثين وكأنك عاهرة قبل أن تريه ، فماذا ستفعلين بعد رؤيته ؟!
همت أن تعلق ، لكنه أزاحها بعنف لتصطدم بباب الحجرة قائلًا :
ـ أذهبي ، أذهبي من أمامي

******

كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحًا ، عندما استيقظ ممدوح غاضبًا تتملكه رغبة عارمة في تحطيم الهاتف الذي لم يكف عن الرنين المتواصل منذ ما يقرب الساعة محاولًا تجاهله من دون جدوى ، كانت سكرتيرة مكتبه ، سهام ، تدعوه للحضور لأمر عاجل
وضع السماعة وغمغم ساخطًا وهو يتثاءب في كسل :
- يبدو أنه لا مفر من بعض العمل ، ما معي من مال كاد أن ينفد

ابتسامة واسعة ارتسمت على شفتيه عندما بلغ مسامعه ضحكة سهام المدوية فغمغم يحدث نفسه :
ـ كان الله في عونك يا شوقي
شوقي هو أحد العملاء الذين يأتون إلى مكتبه ببعض المشروعات لوضع التصميمات الهندسية لها ، وكم أقسم قبلًا بأنه لن يأتى إلى مكتبه مرة أخرى ..! ، خاصة فى المرة الأخيرة ، بعد أن انتظره ثلاث ساعات كاملة ضاعت بلا فائدة ، لكن ممدوح كان واثقًا بأن دلال سهام ومواهبها الخاصة ، والتي تمثل شروطًا أساسية للعمل معه ، سترغم شوقي على العودة إلى مكتبه من جديد
دلف إلى مكتبه قائلًا :
- أهلًا شوقي ، كيف حالك ؟
ـ ها أنت أخيرًا ، لولا إلحاح مدام سهام ما عدت إلى هنا أبدًا
ضحك ممدوح وهو ينظر إلى سهام :
- لولا ثقتي في قدراتها ما سمحت لها بالعمل معي
جلس إلى مكتبه وأردف :
- حسنًا أنها المرة الرابعة التي تأتي فيها إلى مكتبي لأمر هام ، هات ما عندك
جلس شوقي على المقعد المواجه له قائلًا :
- هناك رجل فرنسي على درجة كبيرة من الثراء ، يريد عمل تصميم مبتكر لفيلا في الساحل الشمالي
تابع وهو يقدم له أحد الملفات :
- ستجد في هذا الملف كل ما تحتاجه من معلومات ، المهم هو أن هذا التصميم يجب أن يكون عندي بعد ثلاثة أيام على الأكثر
تطلع إليه ممدوح في تهكم قائلًا :
- ثلاثة أيام !
ـ منذ أسبوعين وأنا آتي إلى هنا عبثًا ، أنت من لا يأتي إلى المكتب ، الخطأ ليس خطأي ، لماذا لا ......
أشار له ممدوح بيده كي يصمت قائلًا :
- كفى ، دع لي عقلي إن أردت تصميمًا جيدًا
نهض شوقي لينصرف قائلًا :
- حسنًا أيها العبقري ، أراك بعد ثلاثة أيام
ما أن ذهب شوقي حتى دلفت سهام إلى مكتبه وهي تبتسم قائلة :
ـ أخيرًا أنت هنا ، كاد الشوق يقتلني إليك
ضمها إليه قائلًا :
- سلامتك من القتل يا جميلتي ، اطمئني ، ربما أضطر قريبًا إلى نقل إقامتي لهذا المكتب
همست بسعادة وهي تقبله :
- أحقًا ما تقول ؟
هز رأسه إيجابًا وهو يطبع فوق شفتيها قبلة طويلة ، تركها بعدها قائلًا :
- والآن .. اليَّ بفنجان من القهوة

اقتربت عقارب الساعة من الخامسة عصرًا عندما رفع ممدوح رأسه عن أوراقه ملقيًا بالقلم الذي بين يديه فوق مكتبه ، غمغمت سهام وهي تحمل إليه صينية فوقها بعض السندوتشات وكوبًا من المياه الغازية :
ـ بقدر ما أعشق حماسك للعمل بقدر ما أبغضه أحيانًا
تناول من يدها أحد السندوتشات وهو يبتسم قائلًا :
- كم الساعة الآن ؟
ـ تجاوزت الخامسة
ـ ألا تنصرفين في الثالثة ؟
ـ لقد اتصلت بزوجي وأخبرته أن لدي عمل إضافي ، هل مللت وجودي ؟
ـ أخشى أن يتسبب وجودك معي في شجار بينكما كالعادة
أحاطت عنقه بذراعيها قائلة :
- لا عليك ، الشجار ينعش الحياة الزوجية
عانقها في عنف قائلًا :
- هكذا ..! امضي معي الليلة هنا إذًا ، ودعيني أساهم في إنعاش حياتك الزوجية
ضحكت في دلال قائلة :
- شرط أن تلقي بملف شوقي هذا جانبًا ، ولا تدع العمل يأخذك مني
قال مبتسمًا :
- اطمئني ، لقد انتهيت منه
هتفت بدهشة :
- انتهيت من التصميم بهذه السرعة ؟
ـ نعم ، وهو ممتاز أيضًا
ـ أنت عبقري يا حبيبي
شعرت بالسخط عندما رن جرس الهاتف فابتعد عنها وتناول سماعته مبتسمًا ، وما لبثت ملامحه أن تبدلت وهو يستمع إلى محدثه بقلق ، سألته بلهفة وهو يضع السماعة :
- ماذا حدث ؟
أجابها ساخرًا وهو يرتدى سترته :
ـ عفوًا سهام ، يبدو أنه ليس مقدرًا لحياتك الزوجية أن تنتعش اليوم ، والدي مريض جدًا ، ويجب أن أسافر إلى المنصورة حالًا
استدار إليها قبل أن يغلق الباب خلفه قائلًا :
- اتصلي بـ شوقي وسلميه التصميم ، ثم اتصلي بـ أشرف واخبريه أن يلحق بي إلى هناك

******

ليست هناك تعليقات