إبحث عن موضوع

رواية وحدك حبيبتي الحلقة العاشرة

الغريمة

ما أن دلف ممدوح إلى الغرفة التى يقيم بها رفاقه حتى ابتدرهم فى مرح قائلاً :
- لماذا تأخر......
قطع عبارته فجأة عندما وقع بصره على نجوى التى جلست على حافة الفراش تحدق فى وجهه وعيناها يتطاير منهما الشرر، ابتسم قائلاً :
- حمداً لله على سلامتك
قالت بعد تنهيدة طويلة :
- عجباً ، لا تبدو مهموماً ولا حزيناً
اقترب منها قائلاً :
- أهذه هى أمنيتك لى بعد تلك الغيبة الطويلة ؟
تجاهلت ما قاله صارخة فى غضب وغيرة لم تستطع إخفاءهما :
- يبدو أن تلك القروية تروق لك
تأملها قائلاً :
- لن أغضب من تجاهلك واستقبالك البارد لى ، فأنا أشعر بما تعانين
صاحت به فى لوعة :
- تشعر.... أى مشاعر هذه التى تتحدث عنها ؟
صاح بصبر نافذ :
- نجوى ، تعلمين أننى لن أحتمل كثيراً
صرخت فى غضب :
- لا تحتمل منى مجرد الكلمات بينما تطالبنى بتحمل أفعالك التى لا تطاق
بادلها غضبها قائلاً :
- تعلمين جيداً كيف تمت هذه الزيجة ، فلمَ هذه الثورة ؟
انهارت قائلة :
- الآن وقد رأيتك ، أعلم جيداً أنك خدعتنى ، لقد كذبت علىَ لكى تمتص غضـ...
قاطعها فى ثورة قائلاً :
- كذبت عليك !! تعرفين جيداً أننى لا أكذب أبداً ، لأننى لا أخاف أحداً .
تدخلت سميرة فى حديثهما قائلة :
- مهلاً يا نجوى لم نأت إلى هنا للعراك
لاحظ ممدوح وجودها للمرة الأولى فابتسم قائلاً :
- مرحباً سميرة ، كيف حالك ؟
ابتسمت فى مكر قائلة :
- بخير ويبدو أنك أنت أيضاً بخير
زفر بضيق قائلاً :
- ما بالكما أنتما الاثنتان ؟ كيف كنتما تتوقعان رؤيتى ؟ أمزق ملابسى وأضفر لحيتى بعد أسبوع واحد ؟
تنهدت نجوى بضيق وعيناها لا تفارقان وجهه بينما أردفت سميرة :
ـ ليس بالضبط ، لكنك تبدو وكأنك أتيت للتو من الجنة
نظر إليهما قائلاً فى تهكم :
- عفواً إن كنت لا أجيد البكاء .
سميرة هى الأخت الصغرى لأشرف ، و لكونها الفتاة الوحيدة بين شقيقين فقد نالت من التدليل ما يكفى ويفيض حتى أنها تزوجت فى سن مبكرة جداً من شاب تافه لا يعبأ سوى بثروة والدها لكنها أصرت على الزواج منه رغم أنف الجميع ، هددت بالتخلص من حياتها ما لم يرضخوا لمطلبها ويقبلوا به زوجاً ، بل أنها تناولت بالفعل بعض الأقراص التى كادت أن تقتلها لولا أنهم سارعوا بإسعافها ، وما أن تعافت حتى استسلمت الأسرة لإرادتها خوفاً من أن تكرر فعلتها مرة أخرى ، ولم يستمر زواجها طويلاً ، فبعد أقل من ثلاثة أشهر ظهرت النوايا السيئة لهذا الزوج فعادت إلى أهلها تبكى كعادتها كلما أرادت شيئاً ، تدخلت الأسرة للتفاوض مع هذا الوغد حتى استطاعت بصعوبة أن تطلقها منه . استجابت بعد فترة لضغوط والديها ووافقت على الزواج من شاب ثرى ، تجمع بين والده ووالدها أعمال مشتركة ، لكنها طلقت أيضاً للمرة الثانية بعد فترة وجيزة ، فيبدو أن زوجها لم يحتمل فرط دلالها وعدم إحساسها بالمسؤولية ، توطدت علاقة سميرة بنجوى عندما كان أشرف يرسم لوحة زيتية لهذه الأخيرة ، التى كانت وقتها فى قمة جمالها ونضارتها مما جعل أشرف يستغرق أكثر من خمسة أشهر للانتهاء من هذه اللوحة ، حاول خلالها إغواء نجوى وإسقاطها فى شباكه بشتى الطرق دون جدوى حتى اقتنع أخيراً بحتمية كونها زوجة ملتزمة لا ترغب فى خيانة زوجها بالرغم من سنوات عمره التى تخطت الستين عاماً . وما أن رأى عادل الصورة التى رسمها أشرف لنجوى حتى جن جنونه بها وصمم على الوصول إليها بأى ثمن ، لكنه فشل أيضاً كما فشل أشرف من قبل ، فزاد ذلك من يقينهما بوفائها لزوجها الكهل
وعندما علم ممدوح بالأمر سخر من يقينهما وقرر أن يدخل بنفسه فى هذه التجربة قائلاً :
ـ من الواضح دون أن أرى هذه الجميلة التى تحكيان عنها أنها تزوجت هذا الكهل من أجل ماله ، ومن باعت نفسها مرة ، فما أيسر أن تبيعها مرة أخرى .
فى أحد النواد الرياضية حيث يجلسون قرر أن يبدأ مغامرته فجذب رفاقه إلى أحد الموائد القريبة منها ، وهتف بصوت يصل إلى مسامعها :
- إنها أجمل كثيراً من الصورة التى رسمتها لها يا أشرف ، يبدو أنك كنت طالباً فاشلاً .
اكتفت يومها برفع عينيها عن المجلة التى تقرأها لتلق عليه نظرة عابرة ، بينما ابتسمت لأشرف ابتسامة ناعمة عادت بعدها إلى جريدتها وكأن شيئاً لم يكن . فهتف ممدوح فى طرب :
ـ عذرك أيها الأحمق أن هذا الجمال لا يبدعه إلا الله وحده .
وحين تمادى ممدوح فى مغازلتها ، تركت النادى وذهبت مما أثار استهزاء أشرف وعادل ، لكنه أجابهما فى يقين قائلاً :
- هذه المرأة لى .
كان ممدوح قد اعتاد بما له من وسامة وجاذبية أن يحصل على ما يريده دائماً ، النساء والفتيات اللواتى يتهافتن عليه ، رغم علمهن بكونهن لسن أكثر من نزوة عابرة ومغامرة مؤقتة فى حياته ، زدن من غروره وثقته بنفسه إلى حد بعيد . ويبدو أن نجوى قد علمت بذلك فلم تستسلم له بسهولة وكلما ازدادت دلالاً كلما ازداد هو رغبة فيها وإصراراً على النيل منها ، استمر الأمر طويلاً حتى شعر رفيقاه بالضجر وأخبرا ممدوح بأن لا لوم عليه إذا تركها وبحث عن أخرى خاصة وأن الشئ نفسه قد حدث معهما لكنه أقسم على النيل منها ، فهو لن يسمح لامرأة أن تهزمه مهما بلغ فرط جمالها ودلالها . وبالفعل لم يمض وقت طويل بعد هذا القسم حتى سقطت نجوى فى عشقه كالبلهاء وهامت به حد الجنون ، فلم تعد تطيق زوجها الكهل الذى لاحظ نفورها منه فأخذ يضيق الخناق حولها حتى قررت أن تطلب الطلاق ، وشجعها ممدوح على ذلك ووعدها بأنه لن يبخل عليها أبداً فهو ثرى جداً ويستطيع أن ينفق عليها بسخاء أضعاف ما ينفقه هذا الكهل ، فما المبرر لهذه الزيجة الكريهة
التى تحصى عليهما أنفاسهما ؟ ومنذ ذلك الحين وهى تلازمه كظله فى معظم الحفلات والمناسبات التى يظهر فيها ، وأطلق عليه رفاقه لقب الزعيم الذى لا يقهر ، وهو إمعاناً فى إظهار سطوته عليها وتمكنه منها كان يدلى لهما بأدق التفاصيل التى تحدث بينهما حتى فى الفراش . لكنه كان يرفض رفضاً باتاً أن يشاركه فيها أحد مثلما يحدث مع الأخريات .
لم يمض وقت طويل حتى ضاقت نجوى بعلاقات ممدوح النسائية المتعددة فثارت واعترضت تارة بالتهديد وتارة بالدلال حتى أيقنت أخيراً بأنه لن يكتف بها مهما بذلت من أجله ، لقد أخبرها منذ البداية أنه لن يتزوج أبداً ، لكنها أطاعته أملاً فى أن يأت اليوم الذى لا يستطيع فيه الاستغناء عنها فيتزوجها صاغراً . قررت أن تهجره حتى ينصلح حاله ، بل تمادت فى دلالها وطلبت منه أن يتزوجها وإلا فهى لن تعود إليه أبداً ، وشعرت بخيبة الأمل القوية حين تجاهلها وهو على يقين من أنها سوف تعود إليه فهو يعلم بمدى عشقها الشديد له ، وإن كان عنادها الآن يمنعها من العودة إليه ، فأن عشقها له سيرغمها على ذلك عاجلاً أم آجلاً .
حضرت نجوى الحفل الذى أقامته سميرة بمناسبة عيد ميلادها بدعوة منها ، حاولت الرفض لكن رغبتها القوية فى رؤية ممدوح أرغمتها على القبول ، فهو سوف يسعى إلى عودتها إليه بلا شك ، محال أن يكون قد نجح فى نسيانها بتلك السهولة ، ربما لم يعشقها بعد لكنه يكن لها إعجاباً شديداً ، يمكنها أن تجزم بهذا . ارتدت أحلى ما عندها وتزينت بأبهى المساحيق والحلى ، جذبت كل العيون إليها بينما تعلقت عيناها بالباب تنتظر حضوره حتى ظهر أخيراً بأناقته البالغة وابتسامته الساحرة ، وتلك الأخرى التى تتأبط ذراعه هائمة ، نظرت إليه فى عتاب لكنه أشاح بوجهه عنها وكأنه لا يعرفها ، سقط الكأس من يدها وتحجر الدمع فى عينيها ، استدار إليها الجميع يحاولون التخفيف عنها وبقى هو جالساً على الأريكة يدخن سيجارة ويتحدث إلى رفيقته وكأن الأمر لا يعنيه . شعرت سميرة بشفقة بالغة على نجوى وعاد قول أشرف يطن فى أذنيها " ممدوح يبدل النساء كما يبدل أحذيته " . حمدت الله على تلك الصداقة التى تربطه بأشرف والتى منعته من الاستجابة لتوددها إليه ذات يوم ، أسرعت تلحق بنجوى التى اتجهت إلى إحدى الغرف الجانبية وانفجرت تبكى فى هستيريا . عادت إلى أخيها تستنجد به وتطلب منه التدخل والتحدث إلى هذا المستبد الذى فاقت قسوته الحد ، نجوى لا تستحق منه ذلك بعد كل ما فعلته من أجله . عاد إليهما أشرف بعد قليل بصحبة ممدوح الذى ما أن تنبهت نجوى إلى وجوده حتى ازداد نحيبها ولوعتها فى حين ابتسم هو قائلاً :
- إذا كان وجودى يضايقك إلى هذا الحد يمكننى الذهاب
ازدادت نجوى نحيباً بينما لكمته سميرة فى عتاب قائلة :
- كف عن سخافتك يا ممدوح
ثم أردفت وهى تدفعه نحو نجوى قائلة :
- هيا قدم فروض الولاء والطاعة
اقترب ممدوح من نجوى ورفع وجهها إليه ، أشاحت بوجهها بعيداً تحاول أن تخفى دموعها المنهمرة ، ضمها إليه وطبع على شفتيها قبلة طويلة حتى تنحنح أشرف قائلاً :
- كفى أيها الزعيم ، سميرة ما زالت فى الحجرة .
ابتسم الأخير وهو يلف خصر نجوى بذراعه قائلاً فى تهكم :
- يا إلهى ، لقد نسيت أن أختك بكراً
هتفت سميرة فى استنكار قائلة :
- يا لك من وقح يا ممدوح
ثم التفتت إلى نجوى وأردفت :
- أهذا من كنت تذرفين الدمع من أجله ؟
ضحك الجميع حتى نجوى التى التفت إليها ممدوح قائلاً :
- سأذهب نصف ساعة على الأكثر ثم أعود إليك كى نكمل السهرة معاً
تعلقت بذراعه قائلة :
- أين ستذهب ؟
ابتسم قائلاً :
- لن أهرب منك ، سأتخلص من رفقتى ثم أعود إليك
هتفت فى غيرة لم تستطع إخفاءها :
- من هى هذه المرأة ؟
ـ أنها سكرتيرة جديدة تعمل لدى فى المكتب
نظرت إليه فأردف فى مكر :
- أنها موهوبة جداً وتعمل على إرضائى بكل الطرق
لكمته ساخطة :
- أنت لا تضيع وقتك أبداً
ابتسم ساخراً :
- لا أحب أن أكون وحيداً ، خاصة فى المناسبات .
******
أسرعت ليلى تجفف عبراتها المنهمرة عندما دلف ممدوح إلى الحجرة ونظر إليها فى تساؤل فأمسكت برأسها قائلة :
- لدى مغص شديد
ضحك وهو ينظر إليها قائلاً :
- كنت أظن أن المغص يصيب البطن لا الرأس ، أم أنه نوع جديد من المغص ؟
أشاحت بوجهها قائلة :
- أنه الصداع
نظر إليها فى ريبة قائلاً :
- مغص أم صداع ؟
ـ الاثنين معاً ، أرجوك اتركنى الآن وحدى
تنهد بعمق وقد أدرك تقريباً ما يصيبها لكنه لم يقل شيئاً ، اتجه إلى خزانة ملابسه وأخرج منها سترة أنيقة للسهرة فهتفت فى انفعال :
- أين ستذهب ؟
قال دون أن ينظر إليها :
- ليلى .. هناك بعض الأسئلة التى لا أحب أن أسمعها ، على رأسها هذا السؤال
اتسعت عيناها وهى تنظر إليه فى شئ من الصدمة ، كيف استطاع أن يخدعها برومانسيته الزائفة ورقته المصطنعة طيلة الأيام الثلاثة الماضية ، ماذا حدث لها ؟ هل ذهب عقلها لتصدق مستبد مثله ؟ ما هذا الضعف الذى يسرى بأوصالها ويخدر مشاعرها ويسلبها القدرة على رد إهانته .
انتهى من ارتداء ملابسه وراح يصفف شعره فى عناية زادتها غضباً، ظلت تتأمله صامتة ، عطره الثمين كاد أن يخنقها ، حتى الدبوس الصغير فى رابطة العنق لم يهمله ، فكيف أهمل مشاعرها بهذا الشكل ؟ قالت أخيراً بصوت حاولت أن تجعله ساخراً بقدر استطاعتها ، لكنه خرج رغماً عنها مختنق تطل الغيرة واضحة مع كل حروفه :
- هل أنت ذاهب إلى حفل زفاف ؟
قال دون أن ينظر إليها :
- ألست عريساً بالفعل ؟
أجابته وهى تحاول أن تتحكم فى انفعالاتها الثائرة :
- عجباً كونك تتذكر هذا وتنسى كونى العروس ؟
التفت إليها وظل يتأملها قليلاً قبل أن يقول فى نبرة بدت حانية بعض الشئ :
- هل تريدين المجىء معى ؟
حدقت فيه بعينين أنهكهما الدمع قائلة :
- هل ستذهب بمفردك ؟
زفر بضيق قائلاً :
- يبدو أن أسئلتك لن تنتهى يا ليلى ، هل ستأتين معى أم لا ؟
لم تكن فى حاجة إلى إجابة لسؤالها الأبله ، كانت على يقين من أنه سيخرج للنزهة برفقة هذه المرأة ، فلماذا يحتاج إليها إذاً ؟ هل يريدها أن تتعامل مع وجود هذه الساقطة فى حياته كأمر حتمى ؟ أهو فى حاجة إلى المزيد من الغطرسة ليجمع بين زوجته وعشيقته على نفس المائدة ؟ وبعد أسبوع واحد من الزواج !!
استيقظت من شرودها حين انتهرها قائلاً :
- ليلى ، لماذا أنت صامتة ؟ هل ستأتين معى أم لا ؟
هزت رأسها فى عصبية قائلة :
- لا أستطيع ..... لا أستطيع
أربكتها عيناه التى تسمرت على وجهها فتابعت :
- أخبرتك أننى متعبة
غمغم فى تهكم :
- نعم ، لديك صداع فى بطنك و مغص فى رأسك
قال وهو يستعد للمغادرة :
- سأضطر للذهاب وحدى إذاً
هتفت دون وعى :
- لا أظن هذا ، معك من الصحبة ما يكفى
نظر إليها وقد أيقن سر تحولها وثورتها ، أتجه إلى الباب قائلاً فى قسوة :
- اخلدى للنوم يا ليلى ولا تنتظرين عودتى ، فربما أتأخر لوقت طويل
لكنه ما كاد يصل إلى الباب حتى وجدها ترتمى بين ذراعيه وهى تنتحب قائلة :
- كلا ، ابق معى ، ليس عدلاً أن تذهب وتتركنى هنا مريضة
ضمها إليه وقبل رأسها فى حنان لم يستمر طويلاً بل عاد ليقول فى قسوة من جديد:
- يمكن فى هذه الحالة أن تكون سعدية أكثر نفعاً منى
أشاح بوجهه هرباً من دموعها التى انهمرت وهى تحدق فى وجهه ولا تصدق هذا الكم من القسوة التى ليس لها ما يبررها
ما أن أغلق الباب خلفه حتى كاد الصداع يفتت رأسها ، والمغص ينهش أحشائها بالفعل وكأنها كانت تتنبأ بالمرض فأطلقت لجنونها العنان وراحت تنتحب فى هستيريا ، ماذا حدث لها ؟ لمَ كل هذا الألم الذى تشعر به ؟ لمَ الغضب ؟ لمَ الغيرة !!! لقد كان زواجها منه وسيلة وليس غاية ، أنه تجربة وخطوة في طريق مستقبلها ليس إلا ، ليس أكثر من منحل فاسد ، تركها تجن وذهب ليتنزه مع أخرى وربما يعود بصحبة امرأة ثالثة ، هتفت في لوعة
- كلا .... كلا ، ليس هذا الرجل يا قلبى ، ليس هذا الرجل
*****

ليست هناك تعليقات