إبحث عن موضوع

الموتي لا يتكلمون

الأنكار دائمًا لا يفيد بشيء، وأنا لن أكذب، فأنيّ لم أعُد اتحمل وجودها الروحي! في حياتي.. فلذلك قررت أن أنهي هذا العناء، ولتكن النهاية!
                                         *.                                   
قبل عامان من الآن..
من لحظة زواجي من (سارة) و أنا أحلُم بتلك اللحظة.. أخيرًا وبعد طول إنتظار؛ سارة الآن بين جوفها جنين، مزيج غريب بين الفرحة والخوف، لكن بالنهاية ها أنا سوف أكُن أب وسأرى سارة هي و أم.

كل المشاعر وكل الأماني نُزعت تمامًا؛ حين أنجبت سارة (حسن) -وقد  سميته بذلك الأسم نسبة إلى صديق الطفولة ورفيقي بالعمل (حسن)

ولكي أكون صريح معكُم؛ فأنا شخص لا أُجيد الكذب على نفسي، فحين رأيت ابني حسن؛ لم أشعر بأي شيء أتجاهه، لكني تغاضيت تمامًا، ورجحت هدا لكونيّ أول مرًة يكُن ليَّ مولود.

في ذلك الوقت من كل عام؛ كُنا نذهب إلى الإسكندرية، تحت راية العمل، عن طريق دفع كُل شخص في العمل؛ مبلغ من المال لزيارة الشواطئ وما إلى هذا.
                                      *.                                       
                  
من لحظة تواجدي في الإسكندرية؛ وأنا لا يدور في عقلي إلا فكرة واحدة، أعلم جيدًا إنها فكرة شيطانية بعض الشيء، لكن لعنة المعرفة؛ كانت تنهش فيَّ حتى أعرف هل أنا أب لذلك الطفل أم لا؟
لم أواجه أي مشكلة أثناء أقامتي هناك، لأن كان لدينا شقة بالإسكندرية، نتواجد بها كل عام.
بعد يومين من تواجدي هناك؛ قرر الفضول أن يأخذني إلى أقرب معمل حتى أُرضي الوحش الذي عَلت زمجرتهِ بداخلي!
                                       *                                   
لا أكره في حياتي شيء سوى نظراتهم ليَّ! بالطبع لا أرضى بأن أكون سمين البدن؛ كالبندا، لكني حاولتّ مرارًا وتكرارًا أن أخفض منه، لكن دائمًا كنت أجد الخذلان هو النتيجة!
أخيرًا ترجلتُ إلى الدكتور، وقمت بكل ما هو مطلوب حتى يتم التحليل بنجاح.
                                      *.                                   
بعد أسبوع كان الموعد النهائي؛ حتى أستلم نتيجة التحليل، وعلى مائدة الطعام جلست في المنزل؛ حتى أبدأ يومي بوجبة الفطار، في نفس اللحظة جلست سارة معي.
دائمًا لا تُجيد الصمت حتى وإن قُطع لسانها؛ ستجد طريقة لكي تتحدث، وأثناء التهامي للطعام؛ قالت:
-مش ناوي تخس ولا ايه يإبراهيم؟
وبدون اهتمام لها؛ تحدثت ناطقًا:
-لا مش ناوي عايزة حاجة؟!
لتجيب قائلة:
-لا ياحبيبي أصل أنا كنت نفسي تخس شوية بدل ما إنتَ عامل زي الدبة كده.. ههه.
لا أعرف حتى ما المضحك فيما قالته، لحظتها اتخذتُ من الصمت رفيق طوال وقت الأكل، لم يشغل عقلي التفكير بها إنما الحيز الأكبر في التفكير كان من نصيب نتيجة التحليل، وهل سيطمأن قلبي أم لعنة المعرفة وزمجرة الفضول سيحولونني إلى آلة حرب؟!
                                      *                                  
دائمًا ألتفت إلى التفاصيل وأركز معها، فتعابير وجه الدكتور الآن لا توحي بخير أبدًا! لكني انتظرت منه الحديث؛ حتى قال:
-أستاذ إبراهيم حضرتك مخلف؟
وعلى الفور قلت له:
-اه يادكتور مخلف.
أردف الدكتور قائلًا:
-النتائج الي عندي بتقول أن حضرتك مش بتخلف!
                                  *.                                
طول طريق عودتي كان الحزن والخذلان هما ظلي، لأول مرًة لا يعنيني نظارات المارة ليَّ؛ أنا واتحدث مع نفسي كالمجذوب، أتذكر جيدًا حينها كنت أقول:
-حقيقي أنا كُنت حاسس من أني مش بخلف؛ بدليل الطفل الي خلفته سارة الي مكنتش حاسس من نحيته بأي حاجة، أنا مش عارف اتصرف إزاي يمكن غيري سهل جدًا أنه يطلق مراته ولا حتى يقتلها، إنما أنا عارف نفسي كويس مش هقدر اعمل كده، طول عمري عايش جمب الحيط، كنت وحيد ابويا وامي، اخر حاجة كنت افكر اعملها هي أني اخد قرار، والدي والدتي ما شاء الله كانوا هما الراعي الرسمي ليَّ في كل حاجة في حياتي، حتى سارة الي أتجوزتها كانت من اختيارهم، دلوقتي أنا لازم اخد قرار؛ اعيش ساكت واكمل حياتي وانا عارف أن الشيء الي المفروض ابني هو في الحقيقة ما يمتش ليَّ بصلة، ولا اخد قرار فعلًا واعمل حاجة تنجدني من الي انا فيه؟ الإجابة هي أن مش عارف ولا مدرك حتى للمصيبة الي حصلت!
وفي أثناء سيري نظرت إلى شاطئ الإسكندرية.. تمنيت لو أعبُر إلى الضفة الثانية وأعش هناك وحيدًا يلا خيانة من أحداهن وبلا تلك الضوضاء التي عَمّت في كل الأرجاء.
لا زلتُ أتساءل ذلك السؤال الطفولي؛ لماذا يا الله خلقتني بكَّم تلك العيوب؟! احيانًا أشعر أن كل النقص والعيوب لم تتواجد إلا في شخصي أنا!
                                     *.                                   
السكون والصمت كانوا مدخلي للمنزل حين ترجلت إلى داخله، وبعفوية ترجلت إلى غرفة النوم، وقبل أن افتح بابها بثوانٍ؛ سمعت صوت سارة هي وتتألم.. لا.. لا.. هذا الصوت أُدركه تمامًا! 
                                       *.                                
دلفت من باب الغرفة وبحوزتي سكين حاد! جلبته من المطبخ بعد ما سمعت صوت أهات خارجة من سارة دالة على ممارستها لعلاقة خارج  رباط الزواج الشرعي!
ردةٌ فعلهُم؛ أمام اندفاعي لغرس السكين في بطن الفاعل! كانت أسرع من أن ينجوا من فعلتهم، ما ألمني حقًا غير تلك الخيانة؛ هو أن الفاعل كان صديق حياتي حسن!
لم أشرع الكثير من الوقت في تقدير أنه حسن أم لا؛ لأني أخذت سارة من شعرها  وبكل قوة؛ كُنت ذبحتها من رقبتها!
انتفضت بعد فعلتي تلك! حين سمعت بكاء طفل، وكان حسن.. وبلا مبالاة تركته ورحلت غارق في دماء والدايهِ.
                                      *.                                 
أعلم أن الموتى لا يتكلمون، ومن المفترض أن لا أحدٌ يراهم، لكن من بعد ما حدث؛ وهي تتجلى أمامي طوال الوقت! قد تكون لعنة.. قد يكون سحر.. قد يكون خيال ينسدل من السراب إلى الحقيقة.. قد يكون أي شيء.. أنا لا أعلم لكن ما أعلمه يقيننًا؛ أن علىَّ التخلص من هذا العبث حتى لو جزاء ذلك الموت!

انتحاري أهو الحل؟ من أجل لا أراها مرًةٌ أخرى؟ إذا فهو القرار النهائي!
للدقة أنا لن أسميه انتحار.. بل سأسميه الموت الرحيم، لأني سأتخلص من لعنتها التي سبيتها ليَّ، قد أكون استطعت أن أهرب من الشرطة وخلافه، لكني لم أستطع أن اهرب منها.. ولذلك أنا الآن أقف على شرفة المنزل المتواجد في الدور السابع.
وبدون تفكير كثير؛ كُنت ألقيت نفسي من الشرفة!
فجأة وفي أثناء وقوعي؛ رأيتها ناظرة ليَّ من الشرفة على نفس المشهد موتها.. وقد رسمت على وجهها؛ ابتسامة شيطانية لا تمت إلا للبشر بشيء.
بغتة رأيتني أنا وقد ارتطمت على الأرض، والدم يسيل منيَّ بالإضافة إلى تلك الجموع، الذين كونوا شكل دائري حول جثتي، كُلهم استفسروا عن مَن هذا الذي أنتحر من الدور السابع المهجور؟!
(تمت)

ليست هناك تعليقات