إبحث عن موضوع

رواية اميرتي الحلقة السابعه

السابع
استيقظت أميرة باكرا لتجد العائلة مجتمعة على طاولة الطعام،لطالما تعمدت التغيب عن هذا الإجتماع هربا من مقارنتها بشقيقتها الصغرى تلك المقارنة اللعينة التى تصر والدتها عليها كلما سنحت لها الفرصة.بينما أميرة تخشى حقا أن يزداد الأمر سوءا وتفرق هذه المقارنة بينها وبين شقيقتها للأبد؛ يكفيها ما حدث ،ويكفي بعدها بسبب ارتباط باسل وأريج وإن أصبحت مؤخرا تشعر أن هذا الأمر لم يعد مؤلما لها ،بل لم تعد ترى باسل بتلك الصورة ،أصبحت لا تتخيله بدون أريج.
أقتربت من الطاولة لتقول بود : أسعد الله صباحكم جميعا.
ابتسم الجميع حتى والدتها وإن كانت ابتسامتها متكلفة ليقول أمجد: أسعد الله صباحك أميرة .كيف حال العمل؟
تبتسم له فهى واثقة من صدق مشاعره : بخير أخى .
نظر لها والدها ولايزال مبتسما : صغيرتى لم أقف ضد قرارك بترك دراستك وتبديل مجرى حياتك رغم اعتراضى على قرارك .لكن أريد أن اطمئن أنك تخطين بثبات على الطريق الذى إخترته لنفسك .
همت أن تجيب لتسرع أريج : أطمئن أبى فقد اختارت الطريق الصحيح.
شعرت أميرة بالراحة لدعم شقيقتها لتقول : أطمئن أبى لقد أحرزت تقدما وصنعت لنفسى اسما فى عالم التواصل الاجتماعي.وقريبا سأحول هذا الحلم إلى واقع ملموس.
غابت الابتسامة عن وجه أمل : وكيف ستفعلين هذا ؟؟ هل هذا هو ما تودينه حقا تفتتحين مطعما حقيرا .
غابت الابتسامة عن وجوه الجميع بينما تنظر ل أميرة بحدة : ستصبحين طاهية .هذا هو طموحك الكبير شقيقك الأكبر طبيبا حربيا وشقيقتك الصغرى ستصبح طبيبة ايضا إن لم تكن مدرسة بكلية الطب فهى متفوقة كما تعلمين .
ازدادت نظرتها حدة وهى تشبك أصابع كفيها معا وتقول: وانت عزيزتى كل احلامك أن تصبحى طاهية .
شعرت أميرة بسكين حاد يخترق قلبها وينفذ ساحبا روحها وهى تنظر لوالدتها التى تصر أن تراها كما تريد ؛ حتى حين حاولت اتباع الخطوات التى رسمتها لها لم تكن راضية عنها ،لطالما كانت تلك المقارنة التى تقتل طموحها .
أنهت والدتها الحديث ولم يحاول والدها أن يكون إيجابيا كالعادة بل صمت وهو ينظر لها بينما احتقن وجه أريج فهى حقا ليست الاخت المقربة التى تفخر بها اختها إلا أنها تشعر بالحزن من معاملة امها لشقيقتها لكن هذا لا يعني أن تدافع عنها فصمتت أيضا . أما أمجد فقد كان الداعم الوحيد ل أميرة كالعادة فنظر إلى والدته : وهل تفخرين أمى بنا كوننا أطباء فقط ؟؟ أم لأننا أبناءك ؟؟ظننت أن الأمهات يفخرن بأبنائهن أى كانت مكانتهم الاجتماعية!!!
حولت أمل هجومها فورا إلى أمجد : لا دخل لك يكفى انك أهملت مشفى العائلة وتبعت ذلك الوهم برأسك وأنضممت للجيش .
شبك أمجد أصابعه بنفس الطريقة وهو ينظر لها: اهااا حسنا أمى فهمت علينا أن نتخلى عن أحلامنا الخاصة ونتبع أحلام العائلة لنحظى بفخرك واهتمامك .
ازدادت نظرتها حدة بينما نهض زوجها عن الطاولة بحدة : يكفى هراء .فليفعل كل منكم ما يريد لكن من يفشل عليه تحمل نتيجة اختياره .
حاولت أمل أن تتحدث ليقاطعها بحدة : لا اريد ان اسمع هذا الحوار مرة أخرى.
وغادر لترمقهم والدتهم بنظرات غاضبة وترحل ايضا ،أخفضت أريج رأسها خجلا فهى ستتخلى عن شقيقتها فقالت فى محاولة لإخفاء خجلها : حسنا .يجب أن أذهب سأفوت محاضرتى
ابتسمت لها أميرة بشحوب لتنهض مغادرة المكان.
تنهد أمجد بصبر وهو يتساءل : لاأفهم سبب صمتك الدائم !! لما لا تدافعين عن أحلامك؟
رفعت رأسها لتنظر له: لا يمكننى مواجهة أمى بهذه الطريقة.كيف اخبرها انها ظالمة !! كيف اطلب منها الرحمة !! كيف احرك مشاعرها نحوى إن كانت تكرهنى لسبب لا أعرفه ؟؟ هل لانى اقل جمالاً وذكاء من أريج !!! ماذنبى بذلك ؟؟ لما لا ترانى كما انا !!! لما لا تحبنى لاننى ابنتها فقط !!! أليس هذا سببا لفخرها بى .
لمعت عينيها بدموع محتبسة ليربت أمجد على كفها بحنان: انت لست اقل جمالاً من أريج انت مميزة أميرة .إياك ورؤية نفسك في خانة أقل من قيمتك .
ابتسمت له لينهض عن الطاولة مقبلا رأسها قبل أن ينصرف أيضاً .لقد استيقظت باكرا لشعورها بالراحة والسعادة وارادت أن تتمتع بدفء عائلتها ،بينما تصر والدتها على إيلامها بأى طريقة ممكنة فكان صباحها سيئا للغاية وتمكنت والدتها ببراعة من قتل سعادتها ليحل محلها الألم والحزن .
**********************
كانت أميرة بغرفتها بعد انصراف الجميع تحاول أن تتغلب على هذا الشعور بالاحباط الذى تزرعه امها دائما داخلها ،فكرت فى إعداد قائمة الطعام لهذا اليوم لكن لم تجد الحماس لذلك ،لذا فكرت في أداء صلاة الضحى وتلاوة جزء من القرآن لعل هذا الإحباط يغادرها .
أنهت قراءتها وقد شعرت ببعض التحسن فى حالتها المزاجية لتمسك هاتفها وتقرر بدأ العمل لكن قاطعها رنين الهاتف نظرت للشاشة بتعجب : نائل !!!! لم يتصل بها فى هذا التوقيت المبكر !!
أسرعت تجيب وهى تتمنى ألا يعتذر عن العمل لكن صوته الحماسى جعلها تبتسم دون إرادة منها فبعد أن حياها بود اسرع يقول بحماس كبير: أميرتى هناك فرصة ذهبية لعملك واثق انها ستزيد من ازدهاره.
انتقل حماسه إليها وشعرت أن يومها سيتحسن من هذه اللحظة: حسنا نائل .هات ما لديك .
أسرع نائل يحدثها عن إحدى الجمعيات الخيرية التى تقيم حفل سنوى وهذا الحفل يحضره بالطبع صفوة المجتمع كما يحضره نخبة من الإعلاميين والصحفيين،اخبرها أن هذه الجمعية تبحث عمن يعمل على إعداد الطعام للحضور وسيقيمون مسابقة خاصة لذلك وعلى من يرغب في التقدم أن يعد عينات من الطعام ستفحصها لجنة خاصة بذلك.
كانت بالفعل فرصة ذهبية بالنسبة لها في هذه المرحلة وقد تدفع ابويها للاعتراف بنجاحها فى الطريق الذى اختارته لنفسها ،سعدت كثيرا وزالت عنها كل المشاعر السلبية التي كانت تغزو قلبها وكادت فى لحظة أن تتمكن منها .ومن فرط سعادتها لم تنتبه لتسأل نائل من أين أتى لها بهذه المعلومة؟
اخبرها أنه سيمر عليها ليتوجها معا لمقر الجمعية للتقدم لهذا العمل فهبت من فورها تستعد لهذا اللقاء الهام .
لم يمر الكثير من الوقت وكان هاتفها يعلن عن إتصال نائل لتعلم أنه وصل أسفل البناية ،اسرعت تتفقد مظهرها لآخر مرة كانت ترتدى بنطالا فضفاضا بلون اسود فاحم وقميص بعدة ألوان ممتزجه وفوقه سترة قصيرة بلون أصفر هادئ ومريح للعين وحجابا بنفس لون السترة لكن درجة مختلفة ،فكان مظهرها العام يدل على الرقى والأناقة .
أسرعت تهبط لتجد نائل يرتدى حلة سوداء.للمرة الاولى تراه يرتدى زيا كهذا فهو دائما يرتدى سراويل من الچينز وقمصانا شبابية ضيقة بعض الشئ .أو ربما يكون هو ضخما بشكل مبالغ فيه.ابتسمت له وهو يسرع ليفتح لها باب السيارة.
نظرت للسيارة بتعجب فأسرع يقول : إنها لأبى .
حدجته بتفحص وهى تتمتم : حسنا .
استقلت السيارة ليسرع هو خلف المقود ويحرك السيارة فورا .
*********************
كانت مسابقة الطعام تلك أكبر مما تخيلت أميرة فقد تقدم الكثيرون بالفعل وهناك ايضا البعض يمثل مطاعم كبرى .لذا كانت المنافسة قوية للغاية واستغرقت المسابقة أسبوعا كاملا.
واضطرت أميرة أن تتخلى عن عملها هذا الاسبوع وتتفرغ لتلك المسابقة،وكان نائل ياتى يوميا ليصحبها للجمعية ويعيدها عصرا .
أعدت لهذه المسابقة الكثير من الأطعمة ما بين مقبلات ووجبات أساسية وحلوى ومشروبات وكان العدد يقل يوما بعد يوم حتى كان اليوم الاخير الذى نافست فيه طاه محترف .
كم كانت سعادتها أن يتم قبولها فهذا الحفل ستعرف من خلاله فى الحياة العملية الواقعية بل وإن كللت جهودها بالنجاح فقد يحفر اسمها بين اشهر الطهاة .
كم كانت فخورة وهى تخرج من الجمعية بصحبة نائل بعد أن حصلت على هذا الحفل .
كم كان نائل سعيدا لأجلها وكم كان فخورا بها ،فها هى أميرته الجميلة تخطو بثبات نحو حلمها الذى أصبح تحقيقه وشيكا .جلس خلف المقود بحماس ووجه مشرق يقول بسعادة: يجب أن نحتفل بهذه المناسبة.
نظرت له بسعادة: بالطبع سأدعوك لتناول الغداء بأى مكان تختاره انت .
تغيرت نظرته إلى الحدة : أنت تمزحين !!! انا صاحب الدعوة وعليك اختيار المكان
عقدت ساعديها بعند كعادتها : وانا صاحبة العمل وصاحبة المناسبة ، وعليك أن تصغى إلي .
رفع سبابته مشيرا لها : وأنا لن اسمح بهذا ،انا احتفل بنجاحك .عليك الالتزام بقوانينى .
ابتلعت غصة بحلقها وتغير وجهها فورا وقد لاحظ نائل هذا التغيير فهى للمرة الأولى يحتفل أحدهم بنجاحها هى .هى دائما تحتفل بنجاح الجميع.تحتفل بكل مناساباتهم السعيدة ،لكن لا تذكر أن احدهم احتفل بها .
شعر بإنقباض قلبه فورا فأميرته حزينة وهو يجهل السبب ،لكنه قرر أن يصرف عنها هذا الحزن فهو لن يسمح أن يتحول يوم نجاحها ليوم حزين مهما كلفه الأمر فأخفض نبرة صوته وتخلى عن الحدة : أميرتى . هل تسمحين لى بالاحتفال بنجاحك ؟
أشارت بالموافقة ليحرك السيارة وهو يغير مجرى الحديث لعله يغير مزاجها : سيكون العمل شاقا .سأساعدك بالتأكيد.هل فكرت فى قائمة الطعام؟
كان الحديث عن العمل هو افضل علاج لها فأسرعت تخبره بدقة عن كل خياراتها لهذا اليوم وهو يستمع لها بسعادة خاصة حين اختفت نظرة الحزن من عينيها
************************
لم تعلم أميرة أن ابراهيم والد نائل أحد أعضاء هذه الجمعية ، ولم يتدخل هو فى المسابقة بأى شكل كان بل ولم يظهر أمامها من الأساس،إكتفى بمراقبتها من بعيد .
وكم أعجبه ثقتها بنفسها وكان فخورا بكل مرحلة تجتازها بنجاح .هى حقا مميزة ويحق لابنه أن يتعلق بها بشدة ويصر على الزواج منها .
اقترح ابراهيم على اللجنة منح المتسابق الفائز دعوات لحضور هذا الحفل الكبير والذى يتوق لحضوره صفوة المجتمع، وكان أمله من هذا أن تشعر بنجاحها بين عائلتها .
*************************
مرت الأيام سريعا أصبح الحفل وشيكا .كان عليها العمل بكد شديد. وكان نائل معاونا لها بل وأصبح ماهرا حذقا فى شراء الخضروات والفاكهة من كثرة تجوله معها .
مر شهر كامل يلازمها نائل كظلها ،افرغت أياما لعملها الخاص الذى تروجه عبر مواقع التواصل وأياما أخرى للعمل على إعداد الحفل .
اخيرا سلمها رئيس الجمعية عدة دعوات لحضور الحفل تقبلتها بسعادة ظاهرة ففى قرارة نفسها تخشى أن تتأمل الكثير من عائلتها فيصيبها الإحباط كالعادة .
استجمعت شجاعتها فى صباح باكر قبل الحفل بيوم واحد وتوجهت لتقدم الدعوات للعائلة .
اقتربت منهم بخطوات مهزوزة تخشى من مقارنة أخرى بينها وبين شقيقتها الصغرى.
حمحمت وهى تمد يدها بالدعوة لوالدها الذى ما إن رأى شعار الجمعية حتى اسرع يلتقط الدعوة متسائلا : من أين لك بهذه الدعوة أميرة ؟
نظرت له تتفحص ملامحه: سأعد الطعام بهذا الحفل أبى وحصلت على بعض الدعوات.
رفعت والدتها حاجبيها بدهشة: انت !!! ستقدمين طعام حفل كبير كهذا ؟؟
مدت يدها بدعوة أخرى لشقيقها أمجد : تقدمت للعمل وتم قبولى بعد منافسة قوية للغاية.
ابتسم أمجد : انت تستحقين أميرة .
قدمت دعوة أخرى لشقيقتها التى تلقتها بسعادة : أيمكننى اصطحاب باسل ؟؟
هزت أميرة كتفيها بلا مبالاة: يمكنك اصطحابه بالتأكيد.
نهض والدها عن مقعده ليربت على كتفها : سأحضر بالتأكيد.اتمنى لك التوفيق أميرة .
انشرح قلبها لدعم والدها وإن كان لفظيا ، كما وضع أمجد الدعوة بحقيبة صغيرة يحملها دائما وهو يقول: وانا كذلك .
اقترب يقبل رأسها: انا فخور بك صغيرتى .
اتسعت ابتسامتها بينما قلبها يتوجس خيفة من رد فعل والدتها بعد بينما إكتفت الأخيرة برمقها بنظرة مختلفة نوعاً ما وغادرت بصمت .
**********************
احتفظت أميرة بالدعوة الأخيرة لتعطيها ل نائل ليتمكن ايضا من اصطحاب عائلته التى لم تعرف عنها شيئا حتى الآن.
تقابلا كالعادة ليصحبها للجمعية وما أن انطلق بالسيارة حتى فتحت حقيبتها وأخرجت الدعوة تقدمها له ليرفع حاجبيه بتعجب: ما هذه اميرتى؟
لم تلتفت لنظرة التعجب على وجهه وقالت ببساطة : دعوة للحفل لتصحب عائلتك .
ضحك نائل بصوت جهورى : انت لا تعلمين شيئا عن عائلتى ؟
هزت رأسها نفيا لتغيب الابتسامة عن وجهه وهو يقول: كنت اتمنى تأجيل هذا الحديث حتى ينتهى الحفل .لكن يبدو أننا مضطرين لخوضه الآن.
لم تفهم أميرة ما يقوله فتساءلت : ماذا تقول؟ انا لا أفهم شيئا.
تنهد بحزن فهو مضطر للاعتراف بكل ما فعله للتقرب منها .ستعلم الآن أنه كان يلاحقها مذاك اليوم الذى قابلها فيه لأول مرة.ستعلم الآن عن حبه لها وشغفه لقربها.وشوقه للزواج منها .ستعلم الأن ياله من توقيت سئ .
تنهد مرة أخرى: سأخبرك بكل شئ أميرتى .
دق قلبها خوفا وقد شعرت أن هناك أمرا يخفيه عنها متعمدا : تحدث انا اسمعك.
نظر لها تلك النظرة التى أسرت قلبها سابقآ ،تلك النظرة التى رأتها بعينيه حين إلتقيا بالمتجر وحين تقدم للعمل ،تلك النظرة التى لم تراها بعين رجل آخر. ها هى تطل من عينيه وهو يقول برجاء: ارجو منك فقط أن تستمعى لى بقلبك فقد تشعرين بما دفعنى لأقدم على كل هذا .

#قسمة

ليست هناك تعليقات