إبحث عن موضوع

الوسواس (كامله)

الوسواس
( عن رواية حقيقية ، و تبقى دائماً العهدة على الراوي )

انهم حولي بكل الأماكن ، يأكلون معي و يشربون معي و يتجولون بغرفتي ليلاً ........

من هم ؟ ....

و من انا ؟......

ادعى ( م . ص)
ابلغ من العمر ٢٤ عاماً

طالب بكليه الهندسه

تبدأ قصتي منذ ذلك اليوم المشؤوم ، ذلك اليوم الذي حدثت به تلك الحادثة ، ففي ذلك اليوم كنت عائداً من مقر دراستي بعد يوم طويل من المحاضرات و السكاشن ، و اثناء عودتي مررت بذلك الطريق المظلم المؤدي الى بداية الشارع الرئيسي المؤدي الى بداية الشارع القائم به منزلي ، و عند مروري كان الطريق بذلك اليوم مظلماً تماماً و ذلك كان بالأمر الغريب ، فالتوقيت أن ذاك يتعدى السابعة مساءاً بعدة دقائق ، و اثناء مروري من ذلك الطريق سمعت صوتاً يهمس من خلفي قائلاً ( احنا معاااااك ) ، حينها لم أتمالك نفسي و قمت بالركض مسرعاً و عن دون عمد ارتطمت قدماي بشئ ما على الارض مما أدى الى سقوطي على وجهي و من ثم فقدت الوعي .

لأستفيق بعد ذلك و أجد نفسي على السرير بأحدى المستشفيات و بجواري أبي و أمي و أختي ، و بدأ يتخلل الى مسامعي تلك الكلمات و التي يبدو من مظهر قائلها أنه طبيب .

- ايوه ، الحمد لله ربنا ستر ، هو هيبقى كويس اول ما يفوق تقدروا تاخدوه البيت ، بس متنسوش لازم نغير كل يوم على الجرح اللي ف رجله علشان يخف اسرع و حمد لله على سلامته و الحمد لله انه لما وقع على (البلاعة) راسة مخبطتش ف الحديد بتاعها .
- الحمد لله ، الله يطمنك يا دكتور ، يعني اقدر اخده دلوقتي ؟
- اه يا حج هو فاق اهو ،،،،،، حمد لله ع السلامة يا بطل .
- الله يسلمك يا دكتور ، هو ايه اللي حصل يا بابا ؟
- متقلقش يا ابني انت بس اتكعبلت و انت ماشي فالطريق الضلمة و اغمى عليك بس ربنا ستر و انت الحمد لله بخير ، هى بس رجلك اتجرحت جرح بسيط ، و مع الغيار و الراحة زي ما الدكتور قال هتبقى زي الحصان .
- يعني انا هقدر امشي على رجلي يا دكتور ؟
- اه طبعا انت اصابتك بسيطة ، اشرب بس عصير و ارتاح شوية كده و اول ما تحس انك فوقت و بقيت تمام اتفضل عالبيت يا سيدي .
- الله يطمنك يا دكتور الف شكر .

شربت البعض من علبة عصير أعطاني أياها ابي ، و بعدها بعدة دقائق احسست بتحسن و استطعت العودة الى المنزل مع اسرتي و بالطبع كنت متعباً و مجهداً و لذلك دخلت الى غرفتي لكي استريح ، مددت جسدي على سريري و اغمضت عيني ليظلم العالم من حولي و اغوص ببحر من النوم المريح و لكن لم تدوم راحتي طويلاً بسبب ذلك الصوت الذي سمعته يأتي من حولي ، ما هذا ؟؟ ، أنه صوتاً لأشخاص يتهامسون !!!! ، لكنني لا استطيع تحديد الكلام المتناقل بينهم بسبب انخفاض أصواتهم ، قمت بفتح عيني لأرى اضاءة غرفتي مضاءة و هناك اشخاص كثيرون بالغرفة ، اشخاص لا أعرفهم ،منهم الشباب و السيدات و الاطفال و الشيوخ و جميعهم ينظرون لي و يهمسون بكلام غير مفهوم ، نهضت من سريري و اتجهت نحوهم ، و بمجرد ان اقتربت منهم تبدلت اشكالهم تماماً لتصبح وجوههم شاحبة بيضاء و علىَ صوتهم اكثر فأكثر و كان كلامهم جميعه بلغة غير مفهومة عدا كلمة واحدة ظلوا يرددونها مراراً و تكراراً و هى ( الموت ، الموت الموت ، الموت ، الموت ) ، لم استطع تحمل تلك الاصوات و تلك الاشكال و بدأت اشعر تدريجياً بأنني اغيب عن الوعي .

لأستفيق و أجد نفسي على سريري و ابي يقف بجانب السرير و بجانبه شاب ، نظر لي بشفقة و قال.
- انت شايفني ؟
- اه شايفك ، انت مين ؟ ، مين ده يا بابا ؟
- ده الدكتور (ابراهيم) ، جاي يطمن عليك ...
- دكتور !!! ، ليه دكتور ؟
- يا ابني انت بقالك يومين من ساعة ما وقعت و انت جاي من الجامعة كل ما حد يقرب منك تصرخ و عيونك تبييض و تفضل تقول ( الموت الموت الموت) ، و لما ملقتش حل جبتلك شيخ و قعد يقرالك و يقرالك لكنك برضه زي ما انت ، و اخر ما تعبت بعتت جبت دكتور نفسي علشان يشوف مالك و اول ما ادالك الحقنة انت فوقت اهو و بقيت بتكلمنا .
- يومين ايه ؟ ، انا نايم بقالي يومين عالسرير !!!!
- ايوه يا ابني اقسملك بالله ، انت بقالك يومين عالحال ده .
- بعد اذنك يا حاج ، ممكن تسيبنا لوحدنا شوية؟
- اه طبعا يا دكتور طبعا .

خرج ابي و ظللت انا و ذلك الطبيب نرمق بعضنا البعض بنظرات فارغة ، حتى اقتطع هو تلك النظرات قائلاً.

- انت شوفت ايه ؟
- هتصدقني ؟.....
- اه طبعاااا هصدقك ، انا شغلتي ان انا اصدقك ، احكي .....

رويت للطبيب ما رأيته و كيف أنه مر يومان في ذلك الحلم القصير ، و لكن الغريب كان رده .

- مصدقك جداااااا ، بس ممكن سؤال ؟
- طبعا يا دكتور ، اتفضل .
- انت سمعت حاجة قبل ما تقع و تفقد الوعي فالطريق ؟
- اه يا دكتور ، سمعت صوت بيقولي (احنا معاك) و بعد كده وقعت و فقدت الوعي .
- تمام ، انت بتخاف من حاجة معينة ؟
- اه طبعا ، بخاف من المقابر و لما بيكون في جنازة لحد ميت من العيلة مش بروحها .
- طيب بص ، انت لما كنت ماشي لوحدك فالطريق و الدنيا ضلمة من حواليك انت طبيعي كنت خايف ، و الأنسان لحظة خوفه تفكيره مبيبقاش منتظم و مخه كمان ممكن يخليه يسمع اصوات او يشوف حاجات مش موجودة و لما انت سمعت الصوت ده اللي هو اساساً مش موجود الا فمخك ، خوفك بقى اكبر فاضطريت تجري علشان تهرب من الصوت و بعدها اتكعبلت عادي ف (بلاعة) فالطريق و راسك اتخبطت و من شدة خوفك و قوة الخبطة فقدت الوعي و طبعا ده كله و كمان خوفك من عالم الاموات و المقابر و ضيف عليه كمان خوفك من الصوت اللي سمعته و كلام الدكتور انك اتخبطت ف ( بلاعة ) و طبيعي احنا ف معتقادتنا المصرية ان اللي يقع عند (بلاعة) بيتلبس او بيحصله حاجة ، فمخك خزن كل الحاجات دي و من كترها و كمان مع الم و صدمة الوقعة اصبح مخك مجهد ، فقرر يهرب من الواقع و يدخل عالم موازي و العالم ده خلقه عقلك الباطن علشان يثبت ان في اموات بتطاردك مثلا و يأكدلك الافكار اللي انت نفسك معتقد فيها و خلاك تشوف تصور ف خيالك للأموات اللي انت اساساً عندك وسواس منهم .
- يعني كل اللي انا شوفته ده خيال !!!!!
- انا مقولتش أنه خيال ، ولا قولت انك مشفتهوش مثلاً ، كل اللي اقصد اقوله ان المخ لما بيدي اشارات للجسم انه ينفذ حاجة بينفذها ، و انت مريض ب (الوسواس) من الميتين و من المقابر و مع اللي حصل مخك بعت اشارة لعينك علشان تشوف اللي شوفته ده ، و ده لأن مخك مجهد و محتاج لعلاج .
- يعني انا مجنون يا دكتور ، و هتعالج بجلسات كهربا و ممكن اتحجز فمستشفى المجانين؟؟
- يا سيدي مش مجنون ولا هتتحجز فمستشفى المجانين ، بس انت محتاج علاج طبي زي اقراص و ادوية و ده لأن حالتك متستدعاش جلسات كهربا ، و خلي بالك مش دايما المريض النفسي علاجه كهربا و جلسات استماع و بس زي ما بتشوف ف الأفلام ، لا ف احيان كتير بنحتاج نتدخل بعلاج زي ادوية و عقاقير علشان نعالج بيها المخ ، و معظم حالات الطب النفسي بيبقى علاجها ادوية مش بس مهدأت و منومات و جلسات كهربا ، و انت اللي عندك ده مرض اسمه (الوسواس) ، تقدر تقرأ عنه او تسأل أي دكتور تاني عنه ، و الوسواس ده اتطور عندك بعد الوقعة بسبب خوفك و بسبب الصدمة اللي حصلتلك ، و عموماً انا كتبتلك العلاج المناسب بس انتظم عليه ، و عنوان عيادتي مع والدك هتتابع معايا كل اسبوع لحد ما تقوم بالسلامة يا بشمهندس ، بس متقلقش انت العلاج ف حالتك هيجيب نتيجة سريعة و اكبر دليل على كده ان انت اول ما اخدت حقنة منه استرديت وعيك تاني .
- يعني مش هشوف الحاجات دي تاني يا دكتور ؟
- ما اقدرش اقولك اه او لأ ، كل اللي اقدر اقوله انك مش هتغيب عن الوعي تاني و تعيش ف العالم ده ، انما لو افكارك و خوفك فضلوا مسيطرين عليك و مخك عاوز انك تشوفهم هيخليك تشوفهم .
- يعني ايه الحل يا دكتور ؟
- واجه خوفك و اعرف ان الموت و الحياة بيد الله ، و اعرف كمان ان كلنا هنموت ، و اعرف حاجة و عقيدة مهمة جدااااااا و هى ان الروح لما بتسيب الجسم بتروح عند اللي خلقها و ببساطة مفيش ارواح اموات ع الارض ، الارواح مكانها عند اللي خلقها .

انهى الطبيب حديثه ثم ذهب ، و من بعد ذلك انتظمت بالعقاقير التي حددها و تابعت الجلسات بعيادته و بالفعل تحسنت حالتي ، لكنني مازلت أراهم و حتى الأن لا اعلم ، هل هم اشباح و ارواح اموات ؟ ، ام قرناء ؟ ، ام أنه ذلك المرض المدعو ب (الوسواس) ؟؟؟؟؟ ....... تمت

بقلم
محمد_شعبان
العارف

ليست هناك تعليقات