إبحث عن موضوع

سماهر (كامله)

سماهر

( عن رواية حقيقية )
" و تبقى دائماً العهدة على الراوي"

أنا أراهم حقاً كل ليلة ، سواء في احلامي او في واقعي على هيئة رؤى ترى بالعين .....

من انا ؟
ادعى : علا صلاح
ابلغ من العمر : ٢٥ عاماً

تبدء احداث قصتي منذ ان كان عمري عشرة اعوام حينها رأيت لأول مرة ذلك العالم الذي اصبح جزء لا يتجزء من عالمي ، أتذكر ذلك اليوم جيداً.

كالمعتاد بحلول الليل ذهبت الى سريري تاركة العابي و عالمي الطفولي من خلفي لأذهب الى عالم النوم و الاحلام ، أغمضت عيني و بمجرد ان غصت ببحر الظلام المدعو ب (النوم) رأيت نفسي واقفة بمكان مخيف ليلاً ، من حولي شواهد قبور ، تعم الاجواء رائحة كريهة و اصوات نباح الكلاب تأتي من بعيد ، أنها المقابر و انا واقفة بينها ، اشعر برعب و خوف لم أشعر به من قبل ، فلك عزيزي القارئ ان تتخيل بأن طفلة في العاشرة من عمرها تخلد الى النوم لتستيقظ وسط المقابر ليلاً .

لم استطع مقاومة فزعي و رعبي ، و صرخت بصوت مرتفع يمتزج بالبكاء و النحيب ، اقتطع صوت بكائي ، صوت سيدة عجوز يأتي من خلفي .

- اطمني يا علا اطمني ، انتي وسطنا ، احنا مش هنأذيكي ، انتي مهمتك توصلي الرسايل منهم للي عايشين .
- انتي مين و رسايل ايه ؟
- انا سماهر .......
- سماهر مين ؟
- هتعرفي كل حاجة ف وقتها ، و خصوصاً لما تكبري و تدركي قيمة الموهبة اللي ربنا ادهالك و ادهالي من قبلك .

بمجرد ان انهت كلامها رأيت شواهد القبور تهدم من حولي و يخرج منها تلك الجثث التي كانت ساكنة بداخلها ، كانت تلك الجثث محاطة بالأكفان و البعض منهم اصبح هياكل عظمية بداخل الكفن ، و جميعهم ... جميعهم يزحفون على بطونهم متجهين نحوي ، و بمجرد ان اصبحوا امامي نظرت لي تلك العجوز مرة اخرى و قالت .
- ارجعي دلوقتي ، بس اتعودي انك هتشوفيهم دايماً ......

حينئذ تبدل المشهد تماما لأرى نفسي في غرفتي مرة اخرى و لكنني واقفة امام احد جدران الغرفة .

لم أعر اهتماماً كبيراً لم رأيته و قلت في نفسي انها من الممكن ان تكون احلام او تخيلات و ذلك لأنني كنت طفلة في ذلك الوقت ، و لكن عندما بدأت ان اتقدم في العمر و ادرك الحياة من حولي كثرت تلك الكوابيس او الرؤى اكثر فأكثر ، حينها بدأت اشعر بالخوف و القلق و اخبرت امي بما أراه و لكن كان ردها على ما اخبرتها به مفاجأة بالنسبة لي .
- متخفيش يا بنتي كل اللي بتشوفيه ده سماهر كانت بتشوفه زيك بالظبط.
- سماهر مين يا ماما ؟ ....
- سماهر دي تبقى جدتك ام ابوكي الله يرحمه ، ده اسمها الحقيقي ، و ابوكي قبل ما يموت قالي انك هتشوفي اللي بتحكيهولي دلوقتي ده ، لكن انا مكنتش عاوزة اقولك انك هتشوفي كده و كنت مستنياكي لما انتي تيجي تحكيلي بنفسك زي ما ابوكي قالي قبل ما يموت .
- طب و انا ليه يحصلي كده ؟ ...... و اشمعنى انا اللي اشوف الميتين دول؟
- والله يا بنتي انا لما سألت ابوكي السؤال ده مجاوبنيش و قالي انك انتي لما تكبري هتعرفي بنفسك .

مرت اعوام و اعوام و في كل ليلة كنت ارى الاموات رؤيا العين ، كنت ارى اشخاص قضوا نحبهم منذ زمن بعيد او قريب ، اشخاص اعرفهم و اشخاص لا اعرفهم ، و انا لا اجد تفسير لما يحدث حتى رأيت ذلك الحلم في احدى الليالي .

رأيت سيدة عجوز واقفة امام احدى شواهد القبور تبكي بحرقة و قهر ، اقتربت منها و سألتها (لم تبكي ؟) ، التفتت و نظرت لي نظرة تمتلئ بالألم و الحسرة و كان وجهها شاحب جدا و قالت .
- ولادي يا بنتي ، بطلوا يزوروني ، امانة عليكي وصليلهم أني محتاجة لدعائهم و لزيارتهم .

ثم أشارت بيدها ناحية شاهد القبر الذي كان مكتوباً عليه عنوان لأحدى المنازل ، استيقظت من نومي صباحاً و ذهبت الى ذلك العنوان و اكتشفت أنه عنوان منزل عائلة الحاجة (سيدة القاضي ) رحمها الله ، و ان من يسكنون ذلك المنزل هم بناتها ، قابلت احدى بناتها و اخبرتها بما رأيت و كان الغريب انه عندما انهيت حديثي بكت بشدة و قالت .

- احنا فعلاً مقصرين جدا ف حقها من يوم ما ماتت ، مع أننا عايشين ف خيرها لحد النهارده ، حقيقي مش عارفة اشكرك ازاي انك فكرتيني و حسستيني بتقصيري ، و بشكر ربنا قبل ما اشكرك أنه جعلك سبب أني اكون سبب في رحمة امي و الدعاء ليها ، و انا بكره الصبح هروح لها .
- و ليه مش دلوقتي ؟
- فعلا معاكي حق ، و ياريت تيجي معايا و بالمرة تقريلها الفاتحة معايا .
- تمام و انا موافقة .

ذهبنا الى المقابر و وقفنا انا و ابنة الحاجة ( سيدة ) امام شاهد قبرها و قرأنا على روحها الفاتحة ، حينها رأيتها واقفة بعيداً و تنظر لي و تبتسم و كأنني اتممت مهمتي بنجاح .

و منذ ذلك الحين اصبحت مؤمنة كل الأيمان بأن الله خلقنا نحن البشر لنكون اسباباً لرحمة بعضنا البعض ، و بمرور الوقت و الزمن تعايشت مع تلك الهبة التي ورثتها من جدتي (سماهر) ...... تمت

بقلم
محمد_شعبان
العارف

ليست هناك تعليقات