إبحث عن موضوع

قصة ١ نوفمبر

لكل فعل رد فعل.. ولكل ظلم او كذب او كسرة قلب، انتقام يليق بيه، بس صدقني.. مش دايمًا الانتقام بيكون النهاية المثالية، الانتقام اوقات كتير بيتحول للعنة دم ممكن تقضي على حياة المظلوم زي ما بتقضي على الظالم... وبداية لعنة الدم كانت في ليلة شتوية، بالتحديد ليلة ١ نوفمبر من تلات سنين، في الليلة دي... وفي شقة من شقق المعادي، كان نايم هو على سريره، ايديه ورجليه كانوا متربطين في السرير برباط قماش مطاطي، او زي ما بيقولوا كده، رباط طبي ضاغط، كان نايم نوم مش طبيعي وكأنه في حالة إغماء، وقفت امه قصاده وجنبها ابوه ووراهم اخته مايسة اللي أصغر منه بخمس سنين، بصت له امه والدموع في عينيها وبعد كده بصت لابوه وقالتله...
-الواد هيموت ياعامر.. ابنك هيروح مننا، احنا لازم نلاقيله حل.
بص الأب لابنه بحزن وبعد كده رجع بص لمراته وقالها بصوت أب مكسور..
-يعني عاوزاني اعمل ايه يا هند.. ما انا جربت كل حاجة، شيوخ وجيبت.. وكلهم في النهاية قالوا إنهم مش هيقدروا يعالجوه لأنه معموله سحر شديد، ده انا حتى لما جيبتله دكاترة.. كلهم ماعرفوش يعالجوه وقالوا إنه لازم يتنقل لمصحة، عاوزاني اعمل ايه قوليلي.. عاوزاني اودي ابني بإيدي لمستشفى المجانين؟!
بكت الأم بحرقة وهي مش عارفة ترد تقول ايه، حقيقي الموضوع مالوش حل.. ابنهم بقاله شهر تقريبًا وهو على الحال ده، كل ليلة تشنجات وصراخ، حالة الصرع المستمر اللي بتجيله، بقت مخلياه مش في وعيه، لدرجة إنه في مرة ضرب امه عشان وقفت قصاده وحاولت تهديه، ده غير طبعًا الأصوات الغريبة اللي كان بيتكلم بيها، والدم الاسود اللي تملي كان بيرجعه كل ما بياكل أي حاجة!
احساس العجز والحزن والكسرة اتملك من أهله، لدرجة إن ابوه بص لامه وقالها بقلة حيلة وهو بيطبطب على كتفها..
-يلا يا هند.. يلا ادخلي انتي ارتاحي شوية وانا هسهر جنبه الليلة دي، وبأذن الله أول ما النهار يطلع، هروح اجيب دكتور كبير أخدت عنوان المستشفى اللي بيشتغل فيها من واحد صاحبي، فاستهدي بالله كده وادخلي انتي نامي دلوقتي، وانا من بكرة هحاول اتصرف.
بعدت الأم عنه وقربت من ابنها وقعدت جنبه على السرير، كانت بتبصله والدموع مالية عينيها وهي بترد على جوزها..
-لا مش هنام.. انا هفضل قاعدة جنبه الليلة دي، قلبي قلقان عليه اوي النهاردة.
سكت الأب وبص لبنته وقال لها بصوت واطي..
-خليكي قاعدة جنبها وماتسيبهاش، اخوكي ممكن يعمل أي حركة كده ولا كده ويفك نفسه، وساعتها ممكن يأذيها لأنه مابيبقاش في وعيه زي ما انتي عارفة، فخليكي الليلة دي جنبها عشان لو حصل في الأمور أمور.. تيجي بسرعة وتصحيني.
هزت البنت راسها لابوها وراحت قعدت على كرسي قصاد السرير، في الوقت ده دخل الأب نام في أوضته، والأم فضلت قاعدة جنب ابنها اللي كان لسه نايم زي ماهو بعد ما جت له نوبة الصرع اللي بتجيله من شهر، وأخد المهديء اللي بينيمه بالعافية طبعًا، عشان ينام زي الأموات، بس الوضع ده ماستمرش كتير.. الأبن صحي وابتدى يتحرك شوية بشوية لما تأثير المُهديء ابتدى يروح، وبمجرد ما حست بحركته، قلقت الأم اللي كانت عينيها ابتدت تغفل غصب عنها، عشان فجأة تلاقي ابنها قاعد على السرير وهو فاكك إيديه ورجليه، عينيه كان لونها أسود بالكامل، ماكنش فيها ولا حتة بيضا، كان قاعد مربع على السرير وهو باصص لنفسه في مراية التسريحة اللي جنب الكرسي اللي اخته قاعدة عليه وهو مبتسم اوي، في اللحظة دي حست الأم بالقلق ومسكت إيد ابنها وقالتله بصوت واطي..
-اهدى يا حبيبي.. مالك يا ابني بس، ايه اللي صابك وصابنا معاك، احكيلي يا ابني فيك ايه؟!
لكن الأبن ماردش، ده فضل باصص في المراية بملامح ثابتة وهو لسه يبتسم وبيقول كلام مش مفهوم بصوت غير صوته، كان صوت واحدة ست اه، لكنه كان صوت غليظ، ومع كلامه وصوته العالي، ابتدت اخته تفوق هي كمان من النوم اللي كانت نامته غصب عنها وهي قاعدة، وطبعًا اخته اول ماشافته في الحالة دي، قامت وقفت وبصت له بقلق وقالتله بصوت مهزوز..
-ان ان انت فكيت نفسك ازاي.. وبعدين هي عينيك عاملة كده ليه، اعوذبالله من الشيطان الرچيم، بس الله الرحمن الرحيم.
لما مايسة قالتله كده، بص لها اخوها وقام وقف وابتدا يقرب منها ببطء، وطبعًا أول ما الأم حست إنه بيقرب من بنتها وهيأذيها، قامت وقفت وقربت منه بخوف..
-عاوز ايه من اختك... ابعد عنها وأذيني انا، بلاش هي بالله عليك.
لكن الشاب ده ماهتمش بكلام امه وفضل يقرب من اخته وهو بيبصلها بابتسامة شيطانية، لحد ما في لحظة.. الابتسامة دي راحت، لما الأم حطت إيديها على كتفه وحاولت تبعده عن بنتها..
-قولتلك ابعد عنها يا ابني بقى.
واول ما الأم قالت كده، التفت ناحيتها وبص لها بنظرة كلها شر، وبملامح شيطان قرب منها وزقها بكل قوة عشان تتخبط في الحيطة خبطة قوية وبعدها تقع على الأرض فاقدة الوعي، كل ده كان بيحصل قصاد الأخت اللي ماكانتش قادرة لا تتكلم ولا تتحرك.. جسمها كله اتشل ولسانها اتعقد، لا كانت قادرة تجري من الأوضة، ولا حتى كانت قادرة تتكلم وتنادي على ابوها عشان يلحقها، هي بس كانت واقفة في مكانها وعينيها عمالة تدمع لحد ما قرب منها اخوها ومسكها من رقبتها بكل قوة وابتدا يخنقها، ومع خنقته ليها ابتدا صوتها يطلع عشان تنادي على ابوها بكل ما فيها من قوة..
-يا بابا.. يا بابااا.. الحقني يا بابا...
وبمجرد ما ندهت على ابوها، زادت مسكة اخوها لرقبتها.. زادت لدرجة إنه رفعها من على الأرض وابتدى يبصلها بنفس ابتسامته الغريبة اللي مالهاش تفسير غير إنه مش اخوها.. ده شيطان!
لكن في لحظة ما الأب دخل من باب الأوضة لأنه طبعًا كان صحي على صوت صرخات بنته، كان الأخ مسك رقبة اخته بإيديه الاتنين وكسرها بكل قوة قبل حتى ما ابوها يلحقها، وفي ساعتها وقعت مايسة ميتة، عشان ترجع ملامح اخوها طبيعية من تاني ويقع جنبها هو كمان بس مُغمى عليه، ولحد هنا بقى بتنتهي الليلة بقتل الأخ لاخته، عشان بعدها تنهار الأم انهيار تام بعد ما تفوق وتعرف اللي حصل لولادها، اما الاب بقى.. فده دخل في نوبة حزن اكتئاب انتهوا بإن جت له جلطة واتنقل للمستشفى، من بعد ما دفن بنته، وابنه اتقبض عليه واتحول لمستشفى الأمراض العقلية!!!!
ولحد هنا بتنتهي الليلة المشؤومة دي زي ماقولتلك، الليلة اللي من عند نهايتها، اللعنة مابتنتهيش، بل بالعكس، دي بتستمر، وقبل ما اقولك اللعنة استمرت ازاي، خليني ارجعك لكام شهر كده قبل الليلة دي، او بالظبط يعني هرجعك لليوم اللي قعدت فيه مع اول بنتين اتعرفت عليهم في السنة الأولى ليا في الجامعة، احنا التلاتة معرفتنا كانت بسبب إننا شبه بعض.. مغتربات، وكمان كنا في نفس الكلية ونفس السكشن لأن اسامينا بتبتدي بنفس الحرف وهو النون، ومع الأيام.. ابتدت علاقتنا تكبر وتطور لحد ما في يوم قعدنا احنا التلاتة في كافيتريا الجامعة وابتدينا نتعرف على بعض بالتفاصيل، وابتدت الكلام يومها صاحبتنا نهلة لما قالتلنا..
-انا نهلة السيد حمدان، بنت من قرية ريفية فقيرة في الصعيد، امي ماكنش بيعيش لها عيال.. يعني كل ما كانت تحمل وتولد، الجنين كان بيموت اول ما بيتولد، وفضلت كده لحد ما في مرة دعت ربنا والجنين عاش، والجنين ده طبعًا كان انا.. البنت الوحيدة لامي وابويا، امي ماخلفتش من بعدي تاني لأنها في الحقيقة شالت الرحم بسبب ورم جالها فيه، وكمان ابويا ماتجوزش عليها لأنها كانت بنت عمه وكان بينهم عشرة ودم وصلة قرابة، فاكتفوا بيا وماخلفوش تاني على عكس كل قرايبنا وجيراننا، وفي الحقيقة ده اللي خلى ابويا يدلعني وسط كل بنات العيلة، وبالرغم يعني من إنه على قد حاله ويادوب اللي جاي على قد اللي رايح، إلا إنه عمره ما حرمني من حاجة، اي حاجة كنت بتمناها كان بيجيبهالي، وده طبعًا عشان يشوفني احسن واحدة في الدنيا، فمن الأخر كده فضلت دلوعة اهلي لحد ما ابويا دخلني ثانوية عامة واداني دروس في كل المواد، ولأني كنت حابة التعليم وكنت بصراحة بذاكر.. نجحت وجيبت مجموع، وعن طريق مجموعي ده التنسيق جابني للكلية هنا.. بس في الحقيقة المشكلة ماكانتش في الكلية على قد ما كانت في الجامعة نفسها، امي في الأول كانت رافضة إن انا اسيب البلد واسكن في سكن طالبات لأن دراستي بقت في جامعة القاهرة، لكن ابويا بقى ساعتها وقف قدامها وزعق فيها وقال لها إن دي فرصة وهو مش هيسيبها تضيع من إيدي، انا هبقى اول بنت في عيلتنا تاخد الشهادة من جامعة القاهرة، وعشان اصرار ابويا واصراري معاه على إن انا لازم ادخل الجامعة هنا واخد شهادتي منها، وافقت امي إن انا ادخل الكلية، وجه ابويا معايا وخلصلي ورق السكن واديني اهو.. دخلت الكلية معاكوا وابتديت اتعلم واتصاحبت عليكوا..
خلصت نهلة كلامها عشان تبدأ زميلتنا ناهد حكايتها اللي من خلالها طبعًا هنتعرف عليها بشكل أكبر....
-انا زي ما انتوا عارفين، اسمي ناهد محمود جمال، حياة أهلي ماتختلفش كتير عن حياة أهل نهلة، اهلي ناس غلابة عايشين برضه في قرية ريفية بسيطة، بس مش في الصعيد، احنا من بلد ريفية اه، بس البلد دي في محافظة من محافظات وجه بحري، امي ماتت وهي بتولدني، وعشان ابويا يعرف يربيني.. راح واتجوز واحدة ست مطلقة ماعندهاش عيال، كان فاكر إنه لما يتجوزها هتربيني وهتعتبرني بنتها، لكن في الحقيقة ده ماحصلش.. مرات ابويا بالرغم من إنها ربتني وكبرتني، إلا إنها عمرها حبتني، على طول كانت بتعاملني معاملة زي الزفت، وفي نفس الوقت كمان كانت تحاول تقسي قلب ابويا عليا، بس ابويا بقى كان راجل عاقل وفاهم.. عمره ما كرهني ولا عاملني بنفس معاملتها اللي زي الزفت، لكن مع الوقت وخلفتها للعيال من ابويا، معاملتها معايا ساءت للدرجة اللي خلتني كرهت حياتي والدنيا من حواليا، وعشان كده لما دخلت ثانوية عامة وذاكرت واجتهدت عشان ادخل أي جامعة بعيدة عنها، ربنا وفقني وفعلًا جيبت مجموع كويس وكتبت في ورق التنسيق كرغبة أولى جامعة القاهرة، والحمد لله اتقبلت في الجامعة، وساعتها مرات ابويا فرحت لأنها بكده هتكون بترتاح مني، وعلى الرغم يعني من إن ابويا كان رافض فكرة إن انا اتغرب واسكن في سكن للطالبات، إلا إن زني وزن مراته عليه، خلوه يوافق وجه معايا وخلصلي كل ورقي وكمان وصى مشرفة السكن عليا، واديني اهو.. بدأت اتعلم واتعايش مع حياتي جديدة، وفي نفس الوقت كمان بدأت ادور على شغل لأن حالة ابويا المادية مش كده، ده يادوب بيكفي عياله ومصاريف البيت بالعافية.
ولحد هنا بتخلص حكاية ناهد اللي في نهايتها، بصت لي هي ونهلة وسألوني هم الاتنين في نفس واحد..
-طب وانتي يا نور.. ايه حكايتك؟!
سكتت لثواني استجمعت فيهم كل ذكرياتي، وبعد كده ابتديت احكيلهم..
-انا نور عبد الشافي، من اسكندرية، امي وابويا متوفيين، هم الاتنين كانوا بيحبوا بعض اوي وماكنلهمش في الدنيا غيري.. كنت عايشة معاهم حياة سعيدة زي أي بنت في سني، بس لما كبرت شوية ووصلت للمرحلة الإعدادية، ظروف ابويا الصحية ابتدت تسوء لأن كان عنده مرض في الكبد، وللأسف.. مافيش كام شهر واتوفى، وبعده بحوالي سنة اتوفت امي هي كمان من الزعل عليه، ومن بعد موتهم هم الاتنين بقى.. ماتبقاليش في الدنيا غير عمي اللي قعدت معاه هو ومراته وبناته، وشهادة لله يعني، عمي راعاني وأخد باله مني لحد ما دخلت ثانوية عامة وذاكرت وجيبت مجموع، ولأني طبعًا كان نفسي ادخل الجامعة، فانا روحت جيبت ورقي من التنسيق وكتبت في الرغبات كرغبة اولى، جامعة القاهرة.. ولو هتقولوا لي انا كتبت كده ليه، فانا هقولكوا إن انا عملت كده عشان اخف الحمل من على مرات عمي شوية، او بصراحة يعني، عشان ارتاح من بنات عمي اللي كتير اوي كان بيحصل ما بيني ومابينهم مشاكل بسبب الغيرة لأني أجمل منهم، وطبعًا بعد كل مشكلة من المشاكل دي، كنت بسكت ومابرضاش افتح بوقي.. لأني طبعًا كل ما كنت بتكلم او اشتكي لعمي ومراته، كانوا بينصفوا بناتهم عليا وبيطلعوني انا غلطانة، واهو.. في النهاية اتقبلت وعمي جه معايا وقدم لي في السكن الطالبات وهو قابل وموافق جدًا، اه.. ماهو شكله هو كمان كان زهق من كتر خناقاتي مع بناته، فشكله كده ماصدق إن انا اسيب البيت لبناته، ودلوقتي اديني معاكوا اهو في نفس الكلية، وبس كده.. هي دي كل حكايتي.
خلصنا احنا التلاتة كلامنا يومها وطلعنا سوا من الجامعة على السكن، ومن يومها بقى واحنا التلاتة بقينا قريبين جدًا جدًا من بعض، كل واحدة فينا اعتبرت البنتين التانيين اخواتها، ماكناش بنخبي على بعض أي حاجة، احنا التلاتة يعتبر كنا مش مجرد شلة واحدة.. احنا كنا عزوة واهل، اما بالنسبة لي انا بقى، فانا بصراحة كنت ببادلهم نفس الشعور لأني لقيت منهم اللي مالقتهوش من بنات عمي، لقيت منهم الحب والسند والأخوة، فكان من الطبيعي بعد ده كله إن انا ماخبيش عنهم أي حاجة، بس في الحقيقة بقى انا خبيت.. خبيت علاقتي بأمير.. وأمير ده كان شاب من القاهرة معانا في الجامعة، اكبر مني بسنة، كل البنات في الكلية كانوا هيموتوا عليه لأنه وسيم وغني، ابن ناس اوي وعنده عربية وأي بنت بصراحة ظروفها من ظروفي.. كانت تتمنى إنها تقرب منه وتوقعه في حبها عشان تبقى هي سعيدة الحظ اللي هتعيش معاه قصة حب طويلة تنتهي بالخطوبة والجواز، ومن حظي التعيس إن البنت اللي أمير حبها كانت انا، ولما بقولك حظي التعيس ماتستغربش، انا لما اكمل لك الحكاية هتعرف انا ليه حظي تعيس..
انا بصراحة أُعجبت بيه، وابتدى يبقى في مابيننا كلام بسيط كده كزمايل في الاول، لكن مع الوقت وقربنا من بعض، ابتدى يتكلم معايا في التليفون كتير وقال لي إنه بيحبني، وطبيعي إنِ كنت ارد عليه واقوله إن انا كمان بحبه، ومن وقتها وابتدت ما بيننا علاقة حب، بس العلاقة دي كانت مشروطة من ناحيته هو بأن انا ماحكيش لحد على اللي بيننا، ولما سألته وقولتله ليه ماحكيش، قال لي عشان البنات بيغيروا من بعض وممكن يحسدونا، ومش بس كده.. ده انا لما قولتله إن السبب ده مش كفاية، قال لي إن ده مش بس السبب الوحيد، هو كمان خايف على سمعتي في وسط الجامعة، لا كلمة تتقال كده ولا كده، وانا بنت مغتربة وماليش حد في القاهرة، فاقتنعت بصراحة بكلامه او اقنعت نفسي بيه لحد ما في يوم وانا قاعدة مع ناهد ونهلة، يومها كنا في استراحة بين محاضرتين وكنا قاعدين بناكل في حتة كده برة الجامعة، وبعد ما خلصنا أكل ووقت ما كنا قاعدين على الكافتريا بنشرب بيبسي بعد الأكل، فجأة تليفون نهلة رَن من رقم امها، فبسرعة ردت نهلة وابتدت تتكلم مع امها وتطمنها عليها، بس فجأة ووقت ما نهلة كانت بتتكلم، ابتدت تقول بصوت عالي..
-يووه.. يا ماما اطلعي في حتة فيها شبكة، بقولك مش سمعاكي يا ماما.. يا ماما..
وقامت نهلة وقفت بعيد لأن تقريبًا كده الشبكة في الحتة اللي احنا كنا قاعدين فيها دي كانت مش تمام، بعدها قامت ناهد وهي بتقولي..
-طيب.. انا هدخل الحمام وراجعة، عقبال ما نهلة تخلص مكالمتها.
مشيت ناهد وبعد ثواني رجعت نهلة تاني وقالتلي بزهق..
-معلش يا نور.. محتاجة دقيقة بس عشان اكلم ماما، اصلها كانت بتحكيلي على حاجة مهمة وموبايلي فصل شحن وانا بكلمها.
فتحت الرمز بتاع موبايلي واديتهولها وانا بقولها بابتسامة عريضة..
-دقيقة بس.. ده التليفون وصاحبته ملكك يا حبيبتي.
شكرتني واخدت مني التليفون، وطلبت رقم أمها وراحت تتكلم معاها بعيد، لكن بعد شوية لقيتها جاية ناحيتي جري وهي ماسكة الموبايل وبترميه في وشي وبتقولي بصوت عالي..
-انتي بني أدمة واطية وخاينة، لا راعيتي عشرة ولا صحوبية ولا عيش ولا ملح.
مسكت التليفون منها وبصيت لها باستغراب..
-جرى ايه يا نهلة، انتي اتجننتي ولا ايه، في ايه يا بنتي، هو انا جيت جنبك.
شاورتلي على التليفون وقالتلي بزعيق..
-وانا بكلم امي تليفونك كان عمال يجي عليه اشعارات ورسايل من الواتس، ولما جيت اقفل النت عشان الرسايل دي تسكت، غصب عني عينيا وقعت على رسالة منهم، والرسالة دي كانت من أمير.. أمير عامر ياست هانم اللي كاتبة له بحبك ويا حبيبي ووحشتني، وهو كمان عمال يتغزل فيكي وكاتبلك قصايد شعر، اه يا خاينة يا واطية يا بنت ال..
قاطعتها بسرعة قبل ما تشتم..
-بس بس بس.. ايه هو اللي خاينة وواطية، فين المشكلة يعني لما احب أمير، هو ده يزعلك في ايه إن شاء الله؟!
برقتلي وردت عليا بنفس صوتها عالي..
-يعني ايه يزعلني في ايه.. انا وأمير مرتبطين يا ماما وناويين نتجوز بعد ما نخلص دراستنا.
لما قالتلي كده الدنيا لفت بيا، ماحستش بنفسي إلا وانا بزعق فيها وبقولها بصوت عالي..
-مين دول اللي مرتبطين، انتي اكيد اتجننتي، أمير بيحبني وهيتجوزني انا..انا اعرفه من قبلك أساسًا وتلاقيكي انتي اللي لفيتي عليه.
اتعصبت نهلة طبعًا ومسكت فيا، وانا كمان بصراحة مسكت فيها لحد ما في لحظة اتدخلت ناهد ما بيننا لأنها كانت رجعت من الحمام، بعدتنا عن بعض وفضت الخناقة اللي كانت بيننا، وبعد ما قعدنا احنا التلاتة سألتنا عن السبب اللي خلانا نمسك في بعض..
-ايه..في ايه، انتوا اتجننتوا ولا ايه.. ماسكين في بعض قدام الناس، حصل ايه لده كله يعني؟!
لما سألت السؤال ده، جاوبتها نهلة وحكتلها كل اللي حصل من أول مكالمتها مع امها.. لحد ما مسكنا في بعض، بس وقت ما نهلة كانت بتحكي، ناهد كانت عمالة تبصلنا احنا الاتنين وهي مبرقة، وبعد ما نهلة خلصت كلامها، حطت ناهد إيدها على وشها وقالتلنا بصوت واطي..
-يا نهار اسود ومنيل.. يا نهار اسود ومنيل.
وبعد كده بصت لنهلة تاني وسألتها..
-انتي متأكدة إنه أمير عامر اللي في سنة تانية؟!
هزت لها نهلة راسها، عشان تبصلي ناهد وتسألني وهي مذهولة..
-هو يا نور.. هو أمير بتاع سنة تانية اللي انتي مرتبطة بيه؟!
رديت عليها وانا مستغربة ملامحها..
-ايوة يا بنتي هو.. انتي بتسألينا وانتي مبرقة كده ليه؟!
مسكت ناهد موبايلها وفتحته، وبعد كده حطته قدامنا على الترابيزة وقالتلنا بحزن وذهول..
-مش انتوا بس اللي اتضحك عليكوا.. انا كمان زيكوا، أمير مرتبط بيا انا كمان، ومش بعيد يكون بيقولي نفس الكلام اللي بيقولوا لكل واحدة فيكوا، ووارد برضه إنه يكون بيقوله لبنات تانية غيرنا.
مسكت نهلة الموبايل بتاع ناهد وفضلت تقلب في المحادثة اللي كانت مفتوحة قدامها..
-يا كداب يا ابن الكلاب.. ده نفس الكلام اللي كان بيقولهولي!
يتبع
(ده الجزء الأول من قصة ١ نوفمبر.. )


١ نوفمبر
الجزء الثاني 
مسكت نهلة الموبايل بتاع ناهد وفضلت تقلب في المحادثة اللي كانت مفتوحة قدامها..
-يا كداب يا ابن الكلاب.. ده نفس الكلام اللي كان بيقولهولي!
في الوقت ده انا كنت قاعدة مذهولة، ماكانتش قادرة لا اتكلم ولا اقول اي حاجة، انا خدت شنطتي وخدت حاجتي وسيبتهم وقومت من سكات، لا حضرت محاضراتي ولا كملت بقية اليوم، انا طلعت على السكن وفضلت طول اليوم قاعدة في أوضتي وماخرجتش منها، الحزن كان بيعصر في قلبي عَصر، تفكيري اتشل ومابقتش قادرة اتنفس بطبيعية، انا أول مرة احب ولد في حياتي، معقولة أول أنسان احبه يخونني بالشكل ده، لا ومع مين.. مع اقرب اتنين ليا في الدنيا!
قضيت اليوم مابين عياط وحزن وألم، لحد ما جه تاني يوم ونزلت الجامعة، يومها حضرت المحاضرات لوحدي وماتكلمتش لا مع ناهد ولا مع نهلة، وكمان هم الاتنين كانوا طول يوم واقفين بعيد.. كل واحدة مننا كانت واقفة بعيد عن التانية، وفضلنا على الحال ده لمدة يومين.. يومين وانا بعيدة فيهم عن كل اللي اعرفهم، سواء نهلة او ناهد، او حتى أمير اللي ماكنتش برد على مكالمته ورسايله، ده انا حتى ماكنتش بقف في مكاني لما كنت بشوفه في الجامعة، انا أول بس ما كنت بلمحه، كنت باخد بعضي وبجري من المكان اللي هو واقف قريب منه.. وفضلت على الحال ده لحد ما في اليوم التالت لقيت نهلة وناهد جايين ناحيتي، كنت همشي واسيبهم لأني بصراحة كده ماكنتش طايقة اتكلم لا معاهم ولا مع حد، بس قبل ما امشي او اتحرك من مكاني، مسكتني ناهد من دراعي وقالتلي بجدية..
-ماتمشيش.. انا عاوزة اتكلم معاكي انتي ونهلة، بس برة الجامعة.
سمعت كلامها وخرجت معاها انا ونهلة، قعدنا على الكافيتريا تللي متعودين نقعد فيها احنا التلاتة، وبعد ما قعدنا وقبل ما اتكلم او اسأل ناهد هي عايزانا في ايه، اتكلمت هي وقالتلنا بكل ثقة..
-احنا بعدنا عن بعض ليه، احنا التلاتة مالناش ذنب في اي حاجة، احنا التلاتة اتضحك علينا منه، هو اللي لازم يتعاقب مننا، مش احنا اللي نعاقب نفسنا ونبعد عن بعض.
لما قالت كده، ردت عليها نهلة..
-انا بعدت عنه، لما بشوفه في الجامعة مابقفش اسلم عليه ولا حتى برد على رسايله ورناته.
بصيتلها من فوق لتحت وبعد كده بصيت لناهد..
-وانا كمان.. مابتكلمش معاه من يومها.
سكتت ناهد شوية وبعد كده بصت قصادها وقالتلنا..
-وانا كمان.. انا كمان قاطعته ومابقتش اتكلم معاه، مع إني من جوايا بتقطع لأني حبيته بجد، بس احنا التلاتة دلوقتي داخلين على فترة امتحانات، ولازم في الفترة دي نركز فيها اوي ونرجع قريبين من بعض تاني ونقوى ببعض، احنا ماينفعش حاجة تفرقنا، بل بالعكس بقى.. احنا لازم نتجمع ونحط إيدينا في إيدين بعض لحد ما فترة الامتحانات دي تعدي على خير، وبعد ما الامتحانات تخلص بقى.. يبقى يحلها المولى ونشوف هنتصرف ازاي مع عم فلانتينو ده.
بصراحة كلام ناهد كان كلام عقلاني، وعشان كده اقتنعت بيه انا ونهلة ورجعنا التلاتة نتكلم عشان نعدي المرحلة الصعبة دي سوا، وفعلًا عديناها وخلصنا امتحانتنا وكل واحدة مننا رجعت لبلدها، بس بعد ما رجعنا على طول وفي بداية فترة الأجازة، اتصالات امير بيا ورسايله، زادت اوي، واللي عرفته بعد كده إنه مش بس بيتصل بيا وبيبعتلي رسايل كتير.. ده كمان كان بيعمل كده مع نهلة وناهد، وفضل يتصل ويزن علينا لحد ما في يوم لقيت ناهد بتتصل بيا وبتقولي إنها عازماني انا ونهلة عندها في البلد لمدة يوم.. وده يعني عشان نغير جو وكمان قالت إنها عايزانا في موضوع مهم اوي يخص أمير، بصراحة في الأول رفضت، بس بعدها بكام يوم ومع قعادي مع بنات عمي وكتر المشاكل ما بيننا من وقت رجوعي، فكرت بيني وبين نفسي في موضوع السفر لناهد، فكرت فيه وقررت إن مافيش مانع يعني إن انا اسافرلها، واهو منها اغير جو واتناسى حرقة قلبي من أمير، وكمان ابعد شوية عن بنات عمي، والأهم من ده كله بقى هو إشباع فضولي في إني اعرف ناهد عايزانا في ايه، وعشان كده أقنعت عمي بالعافية إن اسافر لناهد، والحمد لله بعد كلام كتير وزن اكتر مني انا ومراته، قدر يقتنع وخلاني اسافر لناهد اللي بلدها مش بعيدة اوي عن اسكندرية، بل بالعكس، دي يعتبر اقرب لي كمان من القاهرة، ف في النهاية وافق عمي، واتفقت مع ناهد ونهلة على اليوم اللي هنتقابل فيه وسافرت.. سافرت لناهد اللي لقيتها في استقبالي وبعد كده روحنا جيبنا نهلة اللي وصلت متأخر لأنها كانت جاية في قَطر من الصعيد، نهلة اللي قدرت ببساطة إنها تقنع ابوها بسفرها لأنه بيحبها وعمره ما رفضلها طلب زي ما قالت، ومع تجمعنا احنا التلاتة، وبعد ما روحنا لناهد البيت وشوفنا مرات ابوها الحرباية واكلنا عندهم، قعدت معانا ناهد بعد الاكل وقالتلنا بصوت واطي..
-انا جيبتكوا هنا مش عشان اتأمل في جمالكوا، انا جيبتكوا عشان نروح احنا التلاتة مشوار مهم.
بصت لها نهلة باستغراب..
-مشوار ايه ده اللي مهم؟!
ردت ناهد بابتسامة خبث..
-احنا لازم نرد القلم لأمير، ومش مرة، تلات مرات.. احنا التلاتة لازم نأذيه زي ما أذانا.
لما قالت كده سألتها..
-مش فاهمة، نأذيه ازاي يعني؟!
ردت عليا وهي بتبصلي وبتبرق..
-احنا هنروح لخالتك ام بهاء، ولية قادرة وواصلة، بيقولوا إنها عمرها ما عملت عمل إلا ولازم مراده يتم.
اول ما قالت كده ردت عليها نهلة وهي على وشها سعادة غريبة..
-قصدك نعمله عمل؟!
بصت لها ناهد..
-لا.. تلاتة، انا روحت للولية وحكيتلها، وقالتلي عشان الواد ده يتأذي بجد، لازم العمل اللي هيتعمله يكون مضروب في التلاتة.. مش هو كدب علينا احنا التلاتة، يبقى لازم الأذية برضه تجيله مننا احنا التلاتة، ها.. قولتي ايه يا نور؟!
وقتهة مابقتش عارفة ارد واقولها ايه، انا عمري ما جربت حاجة زي دي، هو انا اه نفسي اتسبب في أي أذى لأمير واخد حقي منه، بس لأ.. سحر ايه، انا ماليش في السكة دي، قطع تفكيري مع نفسي صوت ناهد..
-ها يا نور.. قولتي ايه؟
رديت عليها بسرعة..
-لا.. انا خايفة، خايفة لا بكده نكون بنعمل حاجة حرام تتسبب بعد كده في أذيتنا كلنا.
لكن نهلة ردت عليا بغضب وفي نفس الوقت بتريقة..
-انت هتفضلي هبلة كده لحد امتى، كفر ايه بس.. وبعدين هو الكدب اللي هو كان بيكدبه علينا ولعبه بقلوب بنات الناس وأعراضهم، كل ده مش كفر، بطلي هبل بقى ويلا معانا، خلينا نطفي نار قلوبنا ونشفي غليلنا.
كملت ناهد كلامها وهي بتبصلي..
-ومش بس نارنا اللي هنطفيها، احنا لما نجننه ونخليه يمشي يكلم نفسه، هنبقى بنجيب حق بنات كتير اوي البيه ضحك عليهم بوسامته والقرشين اللي مع ابوه، ومش بس كده.. احنا كمان هنبقى بنحمي بنات تانية ممكن يأذيهم لو فضل شايف نفسه ورافع مناخيره للسما.
اقتنعت بكلامهم ليا وخرجنا احنا التلاتة وروحنا لبيت ام بهاء، كان بيت بسيط من دور واحد، اول ما وقفنا قدامه خبطت ناهد على الباب تلات خبطات، ففتحت لها ست شكلها كده معدية السبعين السنة، كانت ملامحها جامدة والتجاعيد اللي في وشها كان تخض، اول ما شافتنا بصت لنا احنا التلاتة من فوق لتحت ودخلت جوة وقالتلنا بصوت عالي..
-ادخلوا واقفلوا الباب وراكوا.
دخلنا احنا التلاتة وراها وقفلنا الباب.
البيت كان بيت كبير وواسع، لكنه في نفس الوقت كان مقبض ويخض، دخلنا ومشينا وراها لحد ما قعدت هي على دكة خشب في اوضة من الأوض، بصت لنا وابتسمت وشاورت لنا نقعد على الدكة اللي قصادها، فقعدنا احنا التلاتة وقبل ما نقول أي كلمة، اتكلمت ام بهاء وعلى وشها نفس الابتسامة الخبيثة..
-من غير ماتقولوا اي حاجة، ناهد حكتلي، اللي زي ده يستاهل الأذية، بس انا كل اللي يهمني قبل ما أذيه هي الفلوس، وكمان يهمني اعرف انتوا عايزين تعملوا فيه ايه!
لما قالت كده، قامت ناهد وطلعت من كيسها فلوس واديتهالها..
-خدي يا ستنا.. دول ال٣٠٠ جنيه اللي طلبتيهم مني لما كنت عندك.
خدتهم الست وبعد كده بصت لنا..
-عاوزين تأذوه ازاي.. كل واحدة منكم لازم تقول اللي نفسها يحصل فيه.
بصوا لي هم التلاتة، ناهد ونهلة وام بهاء، كانوا مستنين كلامي عن اللي انا عاوزاه يحصل في أمير، وقتها الشيطان كان اتملك مني وخلاني غصب عني قولتلهم بكل صراحة وتلقائية..
-عاوزاه يتجنن.. عاوزاه يمشي يكلم نفسه زي ما خلاني امشي اكلم نفسي من بعد اللي عمله فيا.
بعد كده اتكلمت نهلة وقالتلها..
-انا بقى مايكفنيش جنانه، انا عاوزاه يتلبس بجنية توريه النجوم في عز الضهر.
ولما جه الدور على ناهد، بصت لام بهاء وقالتلها بغِل..
-لا.. كل ده هبل، انا عايزة اخلص منه، عايزاه ينتحر عشان احمي اي بنت ممكن يعمل معاها زي ما عمل معانا.
سمعتنا ام بهاء وهي على وشها نفس الابتسامة، بعد كده قامت من مكانها وراحت لأوضة تانية في البيت، وبعد ثواني رجعت وهي ماسكة أزازتين بلاستيك صغيرين، الأزازتين كان جواهم ماية، قربت مننا وادتلي أزازة، وبعد كده ادت لنهلة أزازة، وراحت قعدت مكانها وقالتلنا..
-كل واحدة منكوا هيتحققلها اللي هي عايزاه، بس بكذا شرط... اولهم إن ذنب اللي هيجراله تتحملوه انتوا، وتانيهم إن كل واحدة فيكوا تسمع كلامي..
وكملت كلامها وهي بتبصلي..
-انتي يا بنتي.. هتسقيه شوية من الأزازة دي، هتسقيه شوية المايه في الشاي او في العصير.. مش هتفرق، المهم إن بعدها مرادك هيتم، بس خلي بالك، لازم بعد ما تخلصي ترمي بقية اللي جوة الأزازة في عين الحمام.
وبعد كده بصت لنهلة وقالتلها..
-وانتي يا بنتي هتحطيله من المايه دي في أي أكل، ده العمل اللي هيحَضر عليه جنية عاشقة من بنات الجن، وبعد كده هترمي اللي هيتبقى من الأزازة في مايه جارية.
وكملت كلامها وهي بتبص لناهد وبتطلع ورقة صغيرة اوي من جلابيتها..
-وانتي يابت يا ناهد.. الورقة دي تخليها في أي حاجة من حاجته لمدة تلات ليالي، تلات ليالي لازم الورقة دي تبات فيهم جوة بيته.
قامت ناهد خدت الورقة اللي كان مكتوب عليها كلام كتير بحبر احمر وهي فرحانة اوي، وبمجرد ما خدت ناهد الورقة قالتلنا ام بهاء..
-دلوقتي ممكن تمشوا.. بس قبل ما تشموا احب اسمعها منكوا كلكوا في نفس واحد، قولوا انكوا جيتوا هنا بأرادتكوا وانكوا هتتحملوا ذنب اللي هيجراله.
ردينا عليها احنا التلاتة في نفس واحد وقولنالها إننا جينا بأراداتنا واننا هنتحمل ذنب كل حاجة هتجراله، وبعد ما خلصنا عند ام بهاء ومشينا، كل واحدة مننا روحت لبيتها وهي معاها العمل.. العمل اللي حافظنا عليه لحد ما فاتوا كام اسبوع وخلصت الاجازة ورجعنا تاني للجامعة، وهناك قابلنا أمير احنا التلاتة بعد ما رجعنا نتكلم معاه، وعملنا زي ما ام بهاء قالتلنا، انا قابلته وحطيتله شوية ماية في كوباية الشاي بتاعته لما قام ودخل الحمام واحنا قاعدين مع بعض، اما نهلة.. فجابتله صنية بسبوسة هي عملاها بإيديها وحطتله جواها وهي بتعملها، شوية من المايه اللي كانت جوة الازازة، اما ناهد بقى.. فناهد راحت اشترتله قلم غالي وفتحته وحطتله جواه الورقة الصغيرة اللي خدتها من ام بهاء، وقفلته تاني واديتهوله هدية، وبعد ما كل حاجة تمت زي ما ام بهاء قالت ورمينا بقية الماية في الأماكن اللي قالت عليها، أمير حاله ابتدى يتشقلب، امير فضل لمدة شهر مابيجيش الجامعة، وكل زمايله القريبين منه قالوا إنه بقى بيتصرف تصرفات غريبة، بقت بتجيله حالات صرع وبقى بيأذي ابوه وامه واخته، وفضل على الحال ده لحد ما بعدها بشهر عرفنا من بنت زميلة له، إنه في ليلة ١ نوفمبر، قتل اخته الصغيرة مايسة وكسرلها رقبتها، وبعد ما قتلها وامه جالها انهيار عصبي وابوه تعب وجت له جلطة، اتنقل أمير لمستشفى المجانين اللي انتحر فيها بعد اسبوع!
بعد ما سمعنا الكلام ده وعرفنا اللي حصل لأمير، ما انكرش إننا ندمنا شوية، بس ندمنا ده غطى عليه احساسنا بالانتصار، ايوه.. احنا حسينا إننا باللي عملناه ده قدمنا خدمة جليلة لكل البنات اللي كان ممكن يأذيهم أمير او يكسر قلبهم باستغلاله لوسامته ولفلوس أهله، بس خليني اقولك إننا مع الوقت ابتدينا ننسى او نتناسى اللي حصل، ما احنا برضه كنا لازم نعيش ونكمل دراستنا.. خصوصًا بقى إننا ماشوفناش لا كوابيس ولا شوفنا احلام فظيعة ولا عفاريت زي ما بنسمع في القصص اللي بتحكيها، احنا عملنا اللي عملناه في أمير وبعد كده عيشنا حياتنا طبيعي جدًا لحد ما بعد سنة بالظبط، وفي نهاية شهر اكتوبر، جت نهلة وقالتلنا إنها لازم تسافر البلد عشان عمتها تعبانة اوي ولازم تروح البلد عشان تزورها، بس نهلة لما راحت مارجعتش، نهلة اتأخرت في البلد لمدة أسبوع، ولما قلقنا عليها واتصلنا بأهلها، عرفنا منهم إنها بعد ما كانت عند عمتها، وبالتحديد يعني في ليلة ١ نوفمبر.. بعد ما خرجت ليلتها من بيت عمتها اللي على النيل على طول، فضلت ماشية من عند باب البيت لحد ما قربت من ماية النيل وفضلت باصة جواها، وفي لحظة ومن غير ماحد يحس، رجليها اتزحلقت ووقعت جوة الماية وغرقت، في الوقت ده بنت عمتها خدت بالها، وعقبال ما صرخت وندهت على الناس عشان يلحقوها، كانت نهلة غرقت واختفت جوة المايه، وفضلت جثتها مالهاش أي أثر لحد ما بعد تلات أيام ظهرت على سطح وخدوها ودفنوها، وطبعًا مش محتاجة اقولك إن ابوها وامها حالتهم بقت زي الوفت من بعد موت بنتهم، لدرجة إن امها اتعمت من العياط عليها، وابوها جت له جلطة واتنقل للمستشفى ومات فيها بعد اسبوع، ومن وقت ما حصل لنهلة اللي حصل ده وانا وناهد بقينا مرعوبين، بس مع الوقت ولما احنا الاتنين حسينا ان اللي حصل ده كان قضاء وقدر وحادثة ممكن تحصل لأي حد، انشغلنا في الدراسة وفي حياتنا ونسينا نهلة واللي حصل لها.. نسينا لأن قلبنا كان قسي من بعد اللي عملناه ومرينا بيه، بس بعد ما خلصنا امتحانات سنة تالتة وبعد ما قضينا الأجازة ورجعنا تاني الجامعة عشان نخلص سنة رابعة، حصلت المصيبة التانية.
مع بداية السنة دي وفي نهاية شهر اكتوبر تقريبًا، كانت ناهد بتدور على مكان تنزل فيه شغل في القاهرة من بعد ما سابت شغلها اللي كانت بتشتغله بسبب إنها اتخانقت مع صاحب الشغل، وفعلًا ناهد لقت اعلان على النت وراحت تقدم في الشركة اللي كانت منزلة الإعلان، بس ناهد لما راحت مارجعتش، ناهد لقوها ميتة تحت عمارة في حي مدينة نصر، ولما الناس اتجمعوا والشرطة جت والتحقيق اتفتح، عرفوا إن المكان اللي راحت تقدم فيه على شغل ده، مش شركة زي ماهي كانت فاكرة.. المكان ده كان عبارة عن شقة بتاعت شخص بيشغل البنات في الدعارة، ولما اتعرض على ناهد طبيعة الشغل وهي رفضت وقالت إنها هتفضحهم وهتوديهم في داهية، حبسوها في أوضة من أوض الشقة عشان يضربوها ويصوروها وهي من غير هدوم ويشغلوها معاهم بالعافية، بس ده ماحصلش، ناهد كسرت شباك الأوضة اللي كانت محبوسة فيها ونطت من الدور الرابع وماتت.. وده اللي اتعرف بعد كده من تحقيقات البوليس اللي وصل للناس دول عن طريق الفيس بوك والرسايل اللي كانت مابينهم ومابين ناهد، ولحد هنا بقى بتخلص حكاية ناهد بموتها وموت ابوها وراها من الزعل عليها، ومش بس من الزعل عليها، ده كمان من كلام اهل البلد اللي قالوا إن بنته كانت مشيها بطال وكانت بتستغفله وهي في القاهرة وهو نايم على ودانه في البلد.. ودلوقتي وبعد مرور حوالي سنة على اللي حصل، بكتبلك الحكاية دي وانا دموعي على خدي، بكتبهالك وانا ندمانة وحاسة إن انا وناهد ونهلة ارتكبنا مصيبة، احنا كنا السبب في اللي حصل لأمير وعيلته، وربنا رد كل اللي عملناه فيه هو وأهله بموت نهلة وناهد بالطرق البشعة دي، بس الغريب بقى إن كل واحدة فيهم ماتت في يوم ١ نوفمبر، وعشان كده انا بكتبلك، بكتبلك بعد مرور حوالي سنة على موت ناهد، انا خايفة، خايفة إن يوم ١ نوفمبر اللي جاي يكون الدور عليا، انا عارفة إني غلطت وعملت حاجة المفروض ماكنتش اعملها، عارفة إن انا المفروض كنت ارفض كلام كلام ناهد وماروحش عند ام بهاء، كان يكفي بس إن انا اسيب أمير لربنا، او ممكن كنا نبعد عنه او نروح نصارحه، بس احنا الشيطان وقتها والغضب كانوا اتملكوا من قلوبنا وعموا بصرنا وبصيرتنا.. عموا بصرنا وبصيرتنا لدرجة إننا ماكناش شايفين غير الانتقام وبس.
انا كتبتلك الحكاية وذكرتلك في اولها اللي حصل لأمير على لسان امه اللي اتجننت بعد كده ومابقتش بتتكلم مع حد، كتبتهالك عشان الناس تسمعها وتعرف إن انا بعترف بذنبي قدامهم وقدام  ربنا، على أمل إنه يغفرلي ونهايتي ماتبقاش بشعة زي نهاية ناهد ونهلة، بكتبهالك زي ما قولتلك قبل كده وانا بموت من الخوف والرعب كل ما يوم ١ نوفمبر يقرب، ادعوا لي.. ادعوا لي ربنا يسامحني بعد ما اعترفت بذنبي، بس قبل ما انهي حكايتي عايزة اعرف منكوا اجابة لكذا سؤال جوايا.. تفتكروا بعد اللي عملته ده كله، ممكن ربنا يسامحني ولا لأ، وهل انا اصلًا استاهل السماح ولا استاهل الموت زي نهلة وناهد، انا خايفة.. خايفة وبفكر في الانتحار، بس انا أجبن من إني انتحر، فبالله عليكوا ادعوا لي.. ادعوا لي بإن يوم ١ نوفمبر اللي جاي يعدي عليا من غير ما اموت زي اصحابي ما ماتوا.. ادعوا لي لو من وجهة نظركوا استاهل الدُعاء..
تمت
#محمد_شعبان
١نوفمبر

ليست هناك تعليقات