إبحث عن موضوع

الطيفور

كانت ليلة من ليالي الشتا في السبعينات، والشتا يا ابني في الصعيد بيبقى شتا بحق وحقيقي، يعني برد ومطر ورعد وبرق.. أما ليلتها بقى وبعد الساعة تسعة بالليل، قعد الواد مرتجي اللي كان عنده ١٩ سنة وقتها، في محل عمك تابعي.. ماهو عم تابعي ده كان راجل عجوز اه، لكنه كان دايمًا بيحب الهزار والضحك.. وتملي كمان كان يحب يجمع معظم شباب القرية ويقعدوا معاه في دكانته اللي هي دكانة البقالة، عشان يسمعوا حكاياته ويتسامروا معاه، او مثلًا عشان يسمعوا اغاني على الراديو اللي ماكنش موجود في أي بيت من بيوت القرية إلا بيت العمدة ودكان عم تابعي لأنه اشتراه من القاهرة في أخر سفرية له.. لكن في الليلة دي ماحدش من الشباب كان قاعد في الدكان، الكل خاف وروح بدري بسبب السقعة، وكمان بسبب خوفهم من اللي مايتسماش!
لكن قعد مرتجي مع عم تابعي لحد ما المطر اشتد، وبسبب المطر الكتير، ساعده مرتجي في لَم البضاعة اللي كانت مرصوصة قصاد محله ودخلوا هم الاتنين قعدوا جواه، ولع عم تابعي الفحم وشغل الراديو وبص للوله مرتجي وهو بيضحك...
-واعر يا ابن الطيب.. واعر ومابتخافش من أي حاجة، الشباب كلهم اول ما لقوا المطرة اشتدت، سابوني ومشيوا، إلا انت.
ابتسم مرتجي ورد عليه وهو بيشرب من كوباية الشاي اللي قصاده...
-مافيش حاجة مستاهلة الخوف ياعم تابعي.. ماهو اصل اللي يخاف من شيء غير رب العباد، بيبقى فاضي ومخوخ من جواه، يعني تقدر تقول عليه راجل أوطنة، وانا بقى راجل ابن راجل.. لا بخاف من جن ولا من عفريت ولا من الشيطان بذات نفسه.
سحب عم تابعي نفس من الجُوزة اللي قصاده وبعد كده خرجه وهو بيبص لمرتجي..
-جدع ياض، بس يا الخوف مش دايمًا بيكون جُبن او قلة رجولة، الخوف ساعات كتير بينجي صاحبه؛ يعني عندك مثلًا الشباب اللي طلعوا يجروا على بيوتهم دول وسابوني انا وانت نلم البضاعة لوحدنا، تفتكر سابونا وروحوا على بيوتهم عشان خايفين من المطر ولا من جن ولا من النداهة ولا حتى من الشيطان نفسه..!
سكت هم تابعي لثواني سحب فيهم نَفس تاني وبعد كده كمل كلامه..
-تؤ.. العيال دي خافت منه، أصل النهاردة نص شهر ١٢.. معاد ظهوره.
اول ما عمك تابعي قال كده، مرتجي بلع ريقه بخوف، وفي لحظة اتحول من الشاب اللي فاتح صدره للدنيا ومبينلها عضلاته، لفار ممكن يستخبى في أول جُحر يلاقيه قدامه، بس في ثواني استجمع شجاعته من تاني وتَخن صوته وهو بيقول لتابعي..
-ولا يهمني ياعم تابعي.. انا قولتلك إني لا بخاف من جن ولا من نداهة، ولا حتى بخاف من الطيفور نفسه.
لما مرتجي قال إسم الطيفور، اشتد صوت الرعد، فسكت وبص لعم تابعي اللي قال له وهو بيشاور عليه بلي الجُوزة الخشب اللي كان ماسكه في إيده..
-ولو.. انت مش هتيجي اجدع منهم، ياما راح بسببه عيال وشباب وكمان رجالة بشنبات، الخوف مش دايمًا بيبقى جُبن.. وفي حالة أبن الأبالسة ده، الجري هو الجدعنة بعينها.
سرح مرتجي لثواني وبعد كده شرب شوية من كوباية الشاي اللي قدامه وسأل عم تابعي...
-غريبة.. انا طول عمري اسمع إن اللي يخاف من العفريت يطلعله، إلا ده.. انا من يوم ما وعيت على الدنيا وانا بسمع كل الناس بيقولوا إن البُعد عن الشجرة والعشة الخوص اللي جنبها عين العقل، بس ده يعتبر جُبن.. والجُبن عمره ما بينجي.
بص له عم تابعي بتركيز..
-ما انا قولتلك.. اللي زي ده مالهوش حل غير البُعد عن المكان اللي هو ساكن فيه.
قرب مرتجي من تابعي وسأله وهو باصص له بتركيز..
-طب معلش يا عم تابعي يعني في السؤال، انت تملي بتحكيلنا حكاوي عن كل حاجة، إلا الطيفور.. ليه ماحكيتلناش عنه قبل كده؟!
جاوبه تابعي بسرعة وبتلقائية من غير ما يفكر..
-لكذا سبب.. أولهم إن كل أهل البلد عارفين حكايته، وتانيهم إني مابحبش اتكلم عنه.
ابتسم مرتجي وهو لسه باصص لتابعي..
-ايوة.. ما انا عارف إن كل أهل البلد عارفين حكايته، وكمان عارف إن ده بيحكيها لده وده بيحكيها لده.. إنما انا بقى عاوز اسمعها منك انت، انا عاوزك تحكيلي أصل حكاية الطيفور من البداية بطريقتك انت..
سكت تابعي وماردش، لكن مرتجي بقى ماسكتش، ده ألح في طلبه لما قال له..
-ماتحكي يا عم تابعي.. احنا لسه قاعدين شوية لحد ما المطر يخف ونعرف نروح، وبصراحة مافيش حكاية ممكن تخلي الوقت يفوت بسرعة زي الحكاية دي.. وبصراحة اكتر يعني.. انا زي ما قولتلك كده، نفسي اسمعها منك.. عاوز اعرف تفاصيلها بطريقتك.
سَحب تابعي أخر نَفس من الحجر وبعد كده حط لي الجوزة قصاده وابتدى يحكي لمرتجي..
-الحكاية يا ابني بتبتدي من سنين... من وقت ما كان عايش في العشة الخوص دي راجل إسمه سعد ومراته اللي اسمها زينب.. كان راجل فلاح وفي حاله، مراته كانت بت صغيرة وحلوة، لكنها برضه كانت بت محترمة وفي حالها، او أهل البلد كلهم كانوا فاكرين إنها محترمة وفي حالها لحد ما في يوم، البلد كلها صحيت على مصيبة سودة، سعد ومراته اندبحوا في العشة اللي عايشين فيها!.. طبعًا وقتها الدنيا قامت وماقعدتش، مين اللي عمل كده في راجل غلبان زي ده، مين المتهم في الجريمة البشعة دي، ومين ومين ومين.. اسئلة كتير ماحدش لقى لها إجابة ولا البوليس نفسه، لحد ما أهل البلد وكعادتهم يعني حبوا يلاقوا أصل للحكاية، فطلعت واحدة منهم كانت بتشتغل خدامة في بيت العمدة وقالت لكل الناس إن البت زينب كانت تعرف راجل على جوزها، والراجل ده كان معاها في العشة وقت ما سعد كان بيزرع في الأرض اللي بيشتغل فيها، ولما خلص شغله ورجع العشة ولقى الراجل ده معاها، كان عاوز يقتلها هي وهو.. لكن الراجل اللي معاها كان عَفي وشديد، فقتل سعد وبعد كده قتل زينب عشان ماتقولش هو مين، وبصراحة يا ابني الحكاية دي كانت حكاية واقعية وتتصدق، وكمان واقعيتها زادت أكتر لما البت الخدامة قالت إن جوزها شاف واحد خارج بيجري من العشة دي ليلة الجريمة، فالناس صدقوا الحكاية وبدأوا يتعاملوا على أساس إنها صح، والبت زينب اللي كانت شريفة وعفيفة وكل أهل البلد بيدعوا لها بالرحمة، بقت ست زانية والكل بقى يجيب في سيرتها، ولحد هنا تقدر تقول إن الموضوع اتقفل، بس في الحقيقة يا ابني الموضوع ماتقفلش.. الموضوع اتفتح تاني لما أهل البلد بدأوا يلاحظوا حاجات غريبة، والحاجات الغريبة دي بدأت باختفاء عيل صغير من البلد.. وبعده بكذا يوم، شاب تاني اختفى، بس لما دوروا على الشاب ده وقلبوا البلد، لقوه مدبوح ومرمي على شط الترعة، بالظبط يعني جنب العشة الخوص والشجرة اللي قدامها، فالدنيا اتقلبت تاني والناس ابتدت تدور على العيل الصغير اللي اختفى، لكنهم ماعرفوش يلاقوه، فبقى من الطبيعي إنهم يدوروا على اللي قتل الشاب، لكنهم برضه ماعرفوش يلاقوا القاتل زي ما ماعرفوش يلاقوا العيل الصغير ولا الراجل اللي كان مع زينب وقتلها هي وجوزها.. وفي وسط ما الناس بيدوروا على اللي عمل البلاوي دي كلها.. اتفاجأوا باختفاء شاب تاني، وبرضه تاني يوم لما جم يدوروا عليه، لقوه في نفس المكان!.. الله!.. مين اللي بيقتل الشباب دي كلها وغرضه ايه من كده، وابتدت بقى الأسئلة تنتشر من تاني لحد ما اتدخل العمدة وقال للناس إن المشكلة في العشة الخوص والشجرة، أكيد في عندهم حاجة غريبة ولازم نلاقيلها حل.. فاقترح العمدة وقتها على الناس إنه يجيب شيخ من بلد جنبنا يقرا على العشة والشجرة، وفعلًا يا ابني جاب شيخ واتجمع هو والناس وابتدا يقرا ويقرا لحد ما فجأة سكت وغمض عينيه، ومع سكوته الناس كلهم بدأوا يبصوا لبعض باستغراب، لكن استغرابهم ده مادامش كتير لأن الشيخ اتكلم وقال لهم إنه حاسس بإن في حاجة في العشة، وبعد ما قال الجملة دي.. اتمشى لحد ما دخل جوة والناس وراه طبعًا لأنهم كانوا خايفين يدخلوها لوحدهم من بعد جريمة القتل اللي حصلت فيها، بس بعد ما الشيخ دخل جوة واتمشى لحد أخر العشة، زعق في الناس وقال لهم إنه لقى حفرة غويطة طرفها عند نهاية العشة وبقيتها وراها، فالناس والشيخ معاهم.. لفوا لورا العشة عشان يلاقوا حفرة كبيرة فعلًا بس متداري عليها بخوص!.. شالوا الخوص اللي فوق الحفرة عشان يكتشفوا إنها حفرة فاضية، لكن الشيخ وقتها اتكلم وقال لهم إن الحفرة دي فاضية اه.. لكنها في الأول ماكانتش كده، دي كان جواها أثارات، والأثارات دي حد حفر وطلعها بمساعدة حد.. والحد اللي ساعد الشخص اللي حفر ده، خد الأثارات وهرب بيها، وساب اللي حفر لحارس الأثارات.. ومن سوء حظ اللي حفر إن الحارس ده ماكنش جن ولا مارد، ده كان طيفور.. يعني شيطان او جن بس صغير.. ولما سألوه الناس ليه جن صغير يحمي أثارات، الشيخ جاوبهم وقال لهم إنها ماكانتش أثارات كتير ولا مهمة.. دي كانت كام حتة صيغة من أيام الفراعنة على كام تمثال صغير وبس، وقتها بقى الناس نسفوا الحكاية اللي حكتها خدامة العمدة وتوقعوا ايه اللي حصل لسعد ولمراته بالظبط، الناس يا ابني قالوا في ساعتها إن سعد هو ومراته كانوا بيدوروا على أثارات ورا العشة وكان في راجل او حد يعني بيساعدهم، والحد ده بعد ما طلع الدهب وخده.. ساب سعد ومراته لانتقام حارس الأثارات، او بمعنى أصح.. للطيفور!.. اقتنعوا كل اللي واقفين بالحكاية دي، وزاد اقتناعهم أكتر الشيخ لما قال لهم إن كل اللي قالوه صح، اللي بيعمل كده هو حارس الأثارات، والحارس ده لسه موجود وهيفضل موجود كده على طول، فالأفضل إن ماحدش يقرب من مكان العشة او الشجرة اللي قصادها بالليل، وخصوصًا في اليوم اللي حصلت فيه جريمة قتل سعد ومراته من كل سنة، وكمان في الأيام اللي بعده واللي قبله، يعني تقدر تقول كده.. من قبل نص شهر ١٢ بكام يوم، لحد يوم عشرين منه، وفضلت البلد على الحال ده من وقت كلام الشيخ.. ماحدش بقى بيقرب من العشة ولا من الشجرة، واللي كان بيقرب كان بيحصله حاجة من الاتنين.. يأما بيموت زي اللي سبقوه، يأما بيرجع وبيحكي عن إنه شاف جن في هيئة عيل صغير، او بالظبط يعني في هيئة العيل اللي اختفى في الأول خالص بعد موت سعد ومراته.. وبعد كده اللي بيحكي ده كان بيتجنن او بيموت روحه، وبس كده يا ابني.. أدي حكاية أهل البلد مع حارس الأثارات او الجن الصغير اللي إسمه الطيفور ده.
بعد ما خلص تابعي الحكاية، بص له مرتجي وسأله..
-يعني الشيخ ده هو أول واحد قال إن في جن او شيطان صغير إسمه الطيفور، صح كده يا عم تابعي؟!
فرد عليه تابعي..
-مظبوط.. بس قبل ما تقول إنه كان بيكدب او إنه كان بيقول أي كلام، فانا هقولك لأ، انا كنت واقف يومها يا ابني وشوفت كل اللي حصل بعيني، انت وقتها كنت لسه مولود مابقالكش كام يوم، يعني كل اللي انا قولتهولك ده ثقة.. خد كلامي ثقة، الراجل حكى اللي حصل بجد، واللي حكاه ده كان هو التفسير الوحيد المظبوط لكل الحاجات والتفاصيل اللي اتلاقت عند العشة.
سرح مرتجي في سقف الدكانة شوية وبعد كده قال لتابعي..
-ماشي يا عم تابعي.. مصدقك، المهم دلوقتي.. الوقت عمال يتأخر والمطر لسه شغال، انت ايه بقى.. مش هتروح ولا ايه؟!
بص تابعي للشارع ورد على مرتجي وهو بيرص حجر كمان على الجوزة..
-لا.. لا يا ابني، انا هفضل قاعد لحد ما المطر يخف خالص، انا لو خرجت دلوقتي ممكن ماعرفش اروح من كتر الماية اللي نازلة من السما ومغرقة الشوارع، انا لو خرجت في وسط المطرة دي ممكن يجرالي حاجة من البرد.
قام مرتجي وراح ناحية باب الدكانة اللي كان نصه تقريبًا مقفول..
-شكلك عجزت يا عم تابعي وهتفضل قاعد هنا للصبح، عمومًا انا هروح بقى عشان ابويا مايسودش عيشتي.
قام تابعي وقف وبص لمرتجي وقال له وهو مبرق..
-لو هتمشي.. إياك تعدي من جنب العشة او الشجرة، انت مش بس ابن اخويا وحبيبي محمد الطيب، انا بعتبرك زي ابني يا مرتجي.
طبطب مرتجي على كتف عم تابعي وهو بيقوله..
-ماتقلقش.. انا همشي من وسط البيوت ومش همشي من عند الطريق الرئيسي ولا من عند الترعة، سلام.
رد عليه عمك تابعي بقلق..
-سلام يا ابني.. توصل بالسلامة.
خرج مرتجي من دكان عم تابعي اللي قعد عشان يكمل سهرته، خرج وسط المطر والطين عشان يروح بيته قبل ما الساعة تعدي ١٢ وابوه يطين عيشته، بس مرتجي وهو في طريقه للبيت، ماعملش زي ما قال لتابعي.. مرتجي مامشيش من وسط البيوت، مرتجي مشي من عند الطريق الرئيسي، والطريق الرئيسي كان على شماله الترعة، والترعة بالقرب منها ايه..!
رديت على عم جاد..
-العشة والشجرة اللي بيطلع من عندهم الطيفور، صح كده؟!
-صح يا ابني.. بس مرتجي بقى ماهموش، الواد كان قلبه جامد بصحيح، مشي من عند الطريق الرئيسي وسط المطر وفي عز الليل لحد ما فجأة لقى نفسه قصاد العشة والشجرة اللي بيظهر عندهم الطيفور...!
وقف وهو بيبص حواليه بخوف وبحذر، الدنيا كانت ضلمة إلا بس من نور القمر اللي كان كل شوية يظهر ويختفي بسبب الغيوم اللي في السما، صوت المطر حواليه والضلمة والسكوت، خلوه بيفكر في إنه لازم يتحرك من مكانه، بس تفكيره ده لو اعتبرناه حاجة واحدة من الحاجات اللي جواه، ففي ١٠٠٠ حاجة تانية كانت بتقوله ماتمشيش؛ حكايات الناس عن الكائن او الجن الغريب ده اللي بالرغم من إنه صغير، إلا إنه ممكن يقتل ناس ويجنن ناس تانية، صوت اصحابه وهم قاعدين مع بعض في مرة وبيقولوا إن الطيفور لو طال حد.. مستحيل يعيش، ولو حصل والشخص ده عاش، فهو هيعيش الباقي من عمره زي المجاذيب اللي بنشوفهم في الشوارع، وكله كوم بقى وكلام عمك تابعي كان كوم تاني.. كلام عمك تابعي عن حارس الدهب الغريب ده، واللي بالرغم من إن الدهب او الأثارات اللي كان بيحرسها اتسرقت، إلا إنه برضه لسه لحد النهاردة بيظهر وبيأذي الناس عاطل في باطل!
كل الحاجات دي كانت بتدور في عقل مرتجي، بس أهمهم كان كلام عم تابعي وتحذيراته اللي كلها كانت من وجهة نظر مرتجي، تحذيرات خايبة ومالهاش أي قيمة، فعشان يثبت لنفسه إن الطيفور ده مجرد جن عادي ممكن يتحرق لو قريت عليه كام أية من أيات القرأن الكريم، قرب كام خطوة لقدام بحذر.. كان خايف ورجليه بتترعش وهو بيتقدم ببطء لحد ما وصل بالقرب من الشجرة، وقتها اتشجع وقلبه بقى أجمد لأنه ماحصلوش حاجة، لا الطيفور ظهر ولا حد قرب منه ولا حصله أي حاجة غريبة، وده السبب اللي خلاه يتقدم كام خطوة كمان، لكنه فجأة يا ابني وقف مكانه لما شاف خيال او ضل لعيل صغير عنده يجي ١١ او ١٢ سنة، ظهر من ورا الشجرة!
كان الخيال ده بيبص عليه وبس.. ماقربش منه ولا أذاه ولا عمله أي حاجة، لكن ظهوره في حد ذاته، هو اللي خلى مرتجي يخاف بجد ويرجع لورا بنفس البطء اللي اتقدم بيه..
(يا ليلتك السودة يا مرتجي يا ابن محمد الطيب، الطيفور طلع.. الطيفور طلع بجد!)
قال لنفسه كده بصوت مسموع وهو بيحاول يبعد كام خطوة لورا عشان يعدل وشه ويطلع جري على بيته، لكنه في لحظة كده وقف لما لقى الخيال ده بيخرج من ورا الشجرة وبيمشي من عندها لناحية العشة، وقف مرتجي وهو مركز معاه اوي لحد ما خطوات الضل ابتدت تبقى اسرع، وفجأة خد بعضه وطلع يجري بسرعة وكأنه بيبعد عن المكان كله.. وزي ما كل حاجة بتحصل فجأة، ظهر فجأة برضه من العشة ضل تاني.. بس المرة دي لراجل كبير ماسك في إيده سكينة، وبسرعة رهيبة جري الضل ده ورا ضل العيل الصغير لحد ما وصل له وابتدى يدبحه، والمصيبة هنا بقى يا ابني إن الضل الكبير ده وهو بيدبح الضل الصغير، مرتجي كان سامع صوت حد بيآن ومعاه كان صوت لسكينة وكأنها بتقطع في لحم بني أدم صوت أنينه كان مسموع اوي.. ومش بس مسموع اوي، ده من كتر ماهو عالي ومزعج، اضطر مرتجي إنه يحط إيده على ودنه ويقعد على الأرض وهو بيصرخ..
(كفاية.. كفاية.. بقولك هَطرش كفااية)
ومع صرخات مرتجي، صوت الآنين سكت خالص، ومعاه سكوته اختفتوا الخيالين!
وقف مرتجي لثواني وهو مرعوب وفي نفس الوقت برضه مش فاهم حاجة، مين الشخص اللي دبح العيل الصغير ده، وايه علاقة كل اللي هو شافه بالحكاية اللي الناس بيحكوها!
اسئلة كتير ابتدت تسلل لراسه، ومعاها ابتدى يسمع من وراه مع صوت المطر.. صوت خطوات رجلين ومعاهم صوت حد بيتنفس بسرعة!!!
التفت مرتجي بهدوء وهو بيقرا كل اللي حافظه من قرأن، لكنه مرة واحدة سكت لما شاف قصاده طفل.. طفل هيئته وطوله بيقولوا إنه هو صاحب الضل اللي شافه من شوية وهو بيتدبح، إنما.. إنما الشخص ده ماكنش عفريت ولا جن ولا حتى شبح لطفل مدبوح، ده كان طفل عادي.. شكله متبهدل اه وطالع عين اللي خلفوه بسبب المطر والطينة، بس برضه مرتجي قدر يشوف على ضوء القمر البسيط إنه عيل صغير مش عفريت!
فقرب منه مرتجي وسأله بخوف وبصوت مهزوز..
(أن أن أن.. أنت مين؟!.. انت الطيفور وخلاص هتموتني!)
ابتسمله الواد ابتسامة طمنته، ومع الابتسامة دي مد له إيده بحاجة، مد مرتجي إيده هو كمان وخدها منه، كانت حتة قماشة متبهدلة.. لا لا، دي كانت حتة من جلابية بيضا ولونها بقى غامق بسبب الطين اللي كان في إيد الواد، خدها مرتجي وبص فيها وبعد كده سأله بتلقائية..
(ايه دي.. انا مش فاهم حاجة ولا عارف انت ناويلي على ايه، هي حتة القماشة دي نذير موتي؟)
ماجاوبش الواد عليه، ده ملامحه ابتدت تتغير وابتدى يآن بنفس الصوت الغبي اللي سمعه مرتجي من شوية، والمرة دي بقى مع أنينه او صراخه المزعج.. رجع راسه لورا عشان يظهر على رقبته علامة دبح...!
يتبع

محمد_شعبان
الطيفور

الطيفور
٢ 
(أن أن أن.. أنت مين؟!.. انت الطيفور وخلاص هتموتني!)
ابتسمله الواد ابتسامة طمنته، ومع الابتسامة دي مد له إيده بحاجة، مد مرتجي إيده هو كمان وخدها منه، كانت حتة قماشة متبهدلة.. لا لا، دي كانت حتة من جلابية بيضا ولونها بقى غامق بسبب الطين اللي كان في إيد الواد، خدها مرتجي وبص فيها وبعد كده سأله بتلقائية..
(ايه دي.. انا مش فاهم حاجة ولا عارف انت ناويلي على ايه، هي حتة القماشة دي نذير موتي؟)
ماجاوبش الواد عليه، ده ملامحه ابتدت تتغير وابتدى يآن بنفس الصوت الغبي اللي سمعه مرتجي من شوية، والمرة دي بقى مع أنينه او صراخه المزعج.. رجع راسه لورا عشان يظهر على رقبته علامة دبح.. شكلها وشكله هو كمان في اللحظة دي، خلوا مرتجي يرمي حتة القماش اللي كانت في إيده، ويطلع يجري بسرعة من المكان كله، وفضل يجري ويجري وهو قلبه بيدق بسرعة لحد ما وصل لبيته، وهناك. وأول ما فتح الباب وهو وشه اصفر وبياخد نفسه بالعافية، استقبله ابوه اللي كان صاحي ومستنيه، استقبله بالأقلام وبالزعيق والشتيمة..
(انت ايه اللي أخرك برة ياض انت.. انا مش قولتلك فوق ال ١٠٠ مرة إن لما الليل يليل، وخصوصًا في شهر ١٢.. ماتتأخرش برة البيت، وبعدين انت ايه اللي مبهدلك بالشكل ده، انت كنت فين؟!)
حط مرتجي وشه في الأرض وهو بيرد على ابوه بارتباك..
(و و والله يا ابا انا ماعملتش حاجة.. انا كنت قاعد مع عم تابعي في دُكانه)
اتعصب محمد الطيب على ابنه وقال له بصوت عالي..
(دُكان التابعي!.. قعدت في دكان التابعي لحد دلوقتي؟!)
قال له كده وسكت شوية وكأنه بيفكر في حاجة خلته يخاف او يقلق، بعد كده قرب من ابنه وسأله باهتمام وتوتر..
(وجيت من عند دكان التابعي لحد هنا ازاي؟!.. مشيت من أنهي طريق، عديت من عند العشة والشجرة اللي بيطلع من عندهم الطيفور!)
ارتبك مرتجي لثواني كان هيعترف فيهم لابوه بكل حاجة، لكنه في لحظة تمالك نفسه وقال له وهو بيبلع ريقه..
(لا لا لا.. لا يا ابا ماعدتش من هناك.. انا.. انا جيت من عند البيوت، لفيت من الحواري مش من عند الطريق الرئيسي)
بلع محمد الطيب ريقه وهو بيقول الحمد لله بصوت واطي لما اطمن على ابنه، بعد كده قرب من مرتجي وقال له بصوت عالي..
(ماشي.. إياك تتأخر تاني برة البيت، واعمل حسابك يا ابن الطيب.. من هنا لحد أخر الشهر، مافيش خروج من البيت، اخفى من وشي.. اخفى)
دخل مرتجي أوضته وهو خايف وقلقان، ماكنش خايف من ابوه ولا من الأسلوب اللي كلمه بيه، لأ.. هو كده كده كان متعود من ابوه على الشدة والزعيق من بعد ما امه ما ماتت وهو عنده عشر سنين تقريبًا، فكان من طبيعي إن ابوه يزعقله وياخد باله من كل صغيرة وكبيرة في حياته لأنه بقى له هو واخته اللي اصغر منه أب وأم، فعشان كده بقى مرتجي ماخافش من ابوه ولا من طريقته وزعاقه معاه، مرتجي كان خايف من اللي شافه، اه.. ماهو كده خلاص، مرتجي يعتبر شاف الطيفور، وممكن في أي وقت يظهرله تاني ويخليه يتجنن او يموت نفسه، ففضل مرتجي طول الليل قاعد على سريره وهو بيترعش من البرد والخوف لحد ما غصب عنه وبعد ما اتغطى كويس عشان يحمي نفسه من البرد، عينيه غصب عنه غمضت وراح في النوم، وبمجرد ما استسلم للنوم، صحي فجأة على صوت ناس بيتكلموا مع بعض!.. فتح عينيه كويس وفضل يفرك فيهم لحد ما اتفاجيء لما لقى نفسه مش في بيته ولا على سريره، مرتجي كان واقف قصاد العشة ووراه بالظبط كان الشجرة الكبيرة اللي قصادها، لكن المرة دي المشهد كان مختلف عن اللي شافه في الحقيقة؛ العشة ماكانتش بشكلها اللي عليه لما شافها وهو راجع البيت، ماكانتش متكسرة ولا نصها مهدوم زي ما شافها، العشة كانت سليمة، ومن جواها كانت خارج نور، ومع النور ده كان طالع أصوات ناس بيتكلموا بصوت واطي!.. قرب مرتجي أكتر من العشة عشان يسمع الصوت كويس، لكنه في لحظة ما قرب.. رجع تاتي لورا لما لقى عيل صغير خرج من العشة وراح استخبى ورا الشجرة، بس استنى.. ده ماكنش أي عيل كده وخلاص، ده كان نفس العيل اللي شافه واداله حتة القماش!. خرج الواد ده من العشة جري وراح استخبى ورا الشجرة وكأنه بيحتمي بيها من حد خايف منه، وبعد ما الواد اطمن إن ماحدش شايفه، خرج من ورا الشجرة ووقف يبص على العشة لثواني وبعد كده طلع يجري عشان يخرج راجل من العشة بسرعة ويجري ورا الواد، ولأن الواد كان صغير وماكنش قادر يجري بسرعة، فالراجل قدر إنه يجيبه وقطع حتة من جلابيته ووقعه على الأرض، وبمجرد ما الواد وقع على الأرض والراجل وقع فوقيه، مسكه الراجل بقوة وحط إيده الشمال على بوقه، وبإيده اليمين ابتدى يدبحه، في الوقت ده لَفت نظر مرتجي صوت رجالة جه من ناحية العشة اللي كانت وراه، فالتفت عشان يشوف هم مين.. وساعتها اتسمر في مكانه من اللي شافه، التلاتة دول يعرف اتنين منهم، ده عمك تابعي والعمدة ومعاهم راجل تالت دقنه طويلة وماسك فانوس جاز!
فضل مرتجي واقف في مكانه وهو مش فاهم حاجة، العمدة وعم تابعي كانت هيئتهم أصغر من اللي هم عليه في الحقيقة، يعني لا كان شعرهم ابيض ولا كانت ملامح وشهم مليانة تجاعيد زي ما اتعود يشوفها، وبعدين هو مين الراجل التالت ابو دقن ده اللي لابس سبح كتير على رقبنه وعمة بيضة؟!
مالحقش يفكر او يسأل نفسه كتير لأنه فجأة سمع من وراه صوت الراجل اللي دبح الواد وهو بيقول لتابعي والعمدة والشيخ اللي معاهم..
(كان عايز يهرب ابن الكلب.. بس انا جيبت أجله)
لف مرتجي عشان يشوف ملامحه لأنه ماكنش شافها كويس في الأول، وساعتها المفاجأة كانت أكبر.. الراجل اللي دبح الواد يبقى محمد الطيب، ابو مرتجي!
فتح مرتجي بوقه على أخره وصرخ في ابوه اللي كان ماسك السكينة في إيده وهي مليانة دم..
(ابويا!.. انت اللي دبحت الواد، وبعدين هو.. هو عم تابعي والعمدة بيعملوا معاك ايه؟!)
لكن ابوه ماردش عليه، وكأنه مش شايفه من أساسه، ده اللي رد كان صوت الشيخ اللي قال لمحمد الطيب..
(تسلم إيدك يا طيب، يلا بقى اسحبه بسرعة ورا العشة عشان نفتح بدمه باب الكنز.. يلا بسرعة قبل ما حد يعدي)
وقتها اتكلم العمدة وقال له..
(ماحدش هيعدي يا شيخ همام، الناس من بعد ما انا قتلت سعد وزينب في العشة، وهم مابقوش يقدروا يقربوا منها)
ارتبك تابعي وهو بيقولهم..
(مش وقت رغي دلوقتي.. يلا يا طيب تعالى وهات الواد وخد حتة القماش اللي اتقطعت من جلابيته دي لا حد يشوفها، يلا خلينا نفتح الباب الحديد اللي جوة الحفرة وناخد الدهب اللي وراه.. يلا بقى خلينا نخلص من أم الليلة الغَبرة دي)
سمع محمد الطيب كلامهم وخد حتة القماشة وسحب الواد من رجليه وراحوا كلهم ورا العشة، ومافيش ثواني وابتدت الأرض تتهز من تحت رِجل مرتجي اللي كان واقف بيتفرج على كل اللي بيحصل ده وهو مذهول، وبعد الهزة اللي الأرض اتهزتها، سمع صوت العمدة وهو بيقول بصوت مسموع..
(الدهب اللي جوة التلات زلعات ده هيتقسم زي ما قولنا، انا والشيخ التلتين، وانت يا تابعي ومعاك الطيب هتاخدوا تلت عشان حفرتوا وتعبتوا)
لكن وقتها رد عليه محمد الطيب وقال له بضيق..
(لأ.. انا هاخد زيادة عن التابعي.. اه، ما انا مش اقتل وادبح الواد اللي انا جايبه عشان تفتحوا بيه باب الكنز، وفي الأخر اخد زي تابعي اللي بيحفر، لأ.. انا عاوز زيادة عنه)
سكت العمدة شوية وبعد كده قال لمحمد الطيب..
(ماشي يا طيب.. مش هنختلف، ادفن الواد جوة العشة وادفن معاه حتة القماشة لا حد يشوفها، وانا هديك زيادة)
لما العمدة قال كده رد عليه تابعي..
(ماشي.. وانا موافق، انا مش همد إيدي في جثة ولا هزفر إيدي بدم، إنشالله لو هتاخدوا جزء من نصيبي، كفاية إن انا سكتت على موت سعد ومراته والواد ده وكمان ساعدتكوا)
ضحك العمدة وهو بيرد على تابعي..
(وإن ماكنتش انت يعني اللي تساعدنا، مين هيساعدنا، هو مش احنا التلاتة من واحنا عيال صغيرين، كتفنا في كتف بعض في المصايب قبل الأفراح)
وفي لحظة وبعد ما العمدة قال كده، المكان كله اتغير ورجع ضلمة زي ما مرتجي شافه في الحقيقة، العشة رجعت زي ما كانت، والشجرة رجعت دبلانة والدنيا بقت ضلمة وسكوت من حواليه، لكن السكوت ده مادامش كتير، السكوت اتقطع لما مرتجي سمع من ورا الشجرة صوت عيل بيكلمه..
(اسأله.. اسأله هو عمل فيا كده ليه، اسأله هو ليه خطفني وانا بلعب في الشارع وقال لي تعالى هجبلك حلويات.. اسأله هو ليه دبحني، واسأله كمان لو انت كنت مكاني.. كان هيعمل فيك كده عشان شوية دهبات!)
وأول يا ابني ما خلص العيل ده كلامه، ابتدى مرتجي يحس بصداع رهيب.. صداع بعده غمض عينيه وفتحها تاني عشان يلاقي نفسه في بيته ولسه نايم على سريره، لكن من برة البيت، كان سامع صوت أذان الفجر اللي تقريبًا كده كان هو السبب في إنه يصحى، قام من على سريره وهو مفزوع ومش مصدق اللي شافه في الحلم، طلع جري من أوضته على أوضة ابوه عشان يسأله عن اللي شافه، وأول ما راح ناحية الأوضة وفتح بابها على ابوه.. لقاه قاعد على سريره ومبرق للباب وهو بيقول بصوت عالي..
(لا.. مرتجي لا.. مرتجي لا.. حاضر..)
قرب منه مرتجي بسرعة وسأله..
(مالك يا ابا.. فيك ليه، انت بتكلم مين؟!)
فاق محمد الطيب من التوهة اللي كان فيها وبص لابنه والدموع في عينيه..
(مافيش.. مافيش يا ابني، روح انت على أوضتك دلوقتي)
لكن الواد بقى ماسمعش لكلام ابوه وقال له..
(لا يا ابا.. مش هروح على أوضتي.. مش هروح على أوضتي إلا لما افهم، انت قتلت يا ابا ولا لأ، انت دبحت عيل صغير ولا كل اللي انا شوفته ده كان تخريف!)
سكت الأب شوية وبص للطبلية اللي عليها طبق فاكهة جنب سريره وبعد كده بص لابنه وقال له...
(الحكايات اللي مليانة أساطير دايمًا مابتبقاش كاملة.. احنا اللي بنعمل الأسطورة لما بنكدب الكدبة ونصدقها، وياريتنا لما بنكدب الكدبة ونصدقها بنكتفي بكده، احنا كمان بنخلي اللي حوالينا يصدقوها ويفضلوا يحكوها لعيالهم جيل بعد جيل لحد ما تبقى حقيقة وواقع، واقع الناس مع الوقت بيضطروا إنهم يتعاملوا معاه ويعيشوا فيه.. وحكاية الطيفور يا ابني كانت أكبر أسطورة وكدبة انا عيشتها في حياتي، ايوة يا مرتجي يا ابني.. انت كل اللي سمعته واتربيت عليه من وانت عيل صغير كان كدب، الطيفور مش موجود، الطيفور كان كدبة احنا اللي عملناها عشان نخلي الناس تبعد عن العشة وماتدورش ورانا، اللي بيظهر في المكان ده مش جن صغير ولا حارس لكنز اتسرق.. اللي بيظهر ده كان قرين او عفريت الضحية اللي اتفتح عن طريقها الباب اللي بيوصل لزلعات الدهب)
سكت محمد الطيب شوية وبعد كده بص لابنه وكمل كلامه..
(عارف إنك جواك اسئلة كتير.. بس ماتقلقش، انا هجاوبك عليها كلها طالما انت اللي وصلته لحد هنا، الحكاية ابتدت من حوالي ١٩ سنة.. في الوقت ده كنت انا راجل غلبان على قد حاله، اتجوزت بنت عمي اللي هي امك وبصراحة الدنيا كانت مطلعة عين اللي جابوني ونازلة فيا تلطيش، ومش انا بس.. انا وعمك تابعي اللي كان صاحبي الروح بالروح، هو كمان كان طالع عينه في الفلاحة طول النهار عشان شوية ملاليم بياخدهم يومية، إنما بقى صاحبنا التالت واللي هو كان العمدة، فده كان شاب بخيل وغني.. ورث عن ابوه الكرسي وورث عن اخوه الكبير مراته من بعد ما مات، ومش بس كده.. ده كمان لما اكتشف إنه مابيخلفش، اعتبر ابن اخوه اللي مات ابنه ورباه عشان يورثه كرسي العمودية من بعده، لكن كل اللي حكتهولك ده كان شيء عادي ومافيش منه مشاكل.. المشاكل كلها بدأت لما الشيخ همام زار بلدنا، يومها جه في زيارة للعمدة واتمشى معاه في البلد، ووقت ما كانوا بيتمشوا وعدوا من عند العشة بتاعت سعد ومراته، اتكلم الشيخ همام مع العمدة وقال له إن حتة الأرض اللي مبني عليها العشة دي تحتها أثارات، ولأن العمدة كان صاحب الشيخ همام اوي وعارف إنه راجل واصل وبيعرف في امور السحر والجن، وكمان لأنه كان راجل بخيل وبيحب الفلوس زي عينيه، فطوالي العمدة صدقه وراح اتكلم مع سعد وطلب إنه يشتري العشة منه، لكن سعد ومراته رفضوا وقالوا للعمدة إنه راجل خرفان، وكمان قالوا له إنهم مستحيل يبيعوا العشة اللي بنوها بتعبهم عشان شوية ملاليم، فالعمدة وقتها ماشافش قدامه وقتل سعد هو ومراته، وبالطريقة كده قدر عن طريق إشاعة خلى واحدة من الخدامين اللي عنده في البيت تقولها لأهل البلد.. قدر إنه يبعد الشبهات عنه وخلى كل الناس يقولوا إن مرات سعد كانت تعرف راجل عليه وهو اللي قتلها وقتل من بعدها لما شافهم وهم مع بعض، بس دي مش الحقيقة يا ابني.. الحقيقة إن العمدة كان شيطان، عمل المصيبة عشان العشة تفضى له ويعرف يحفر فيها براحته هو والشيخ همام، وفعلًا استعد العمدة للحفر بس مش بإيدين رجالته، هو ماكنش بيثق في حد وكمان كان خايف الكلام يتنطور كده ولا كده، وعشان كده بعد ما قتل سعد ومراته، بعت لي انا وعمك تابعي لأننا كنا احنا التلاتة اصحاب من واحنا عيال صغيرين وكمان لأننا كنا محتاجين فلوس، يومها جمعنا في أوضة من أوض بيته وقعد معانا هو والشيخ همام، حكولنا على كل حاجة وطلبوا مننا إننا مش بس نحفر في الأرض ونساعدهم في إنهم يطلعوا الدهب، دول كمان طلبوا مننا إننا نجيب عيل صغير عشان يتقدم قربان ويتدبح على البوابة اللي وراها الدهب، ولأننا يا ابني انا وعمك التابعي كنا مش لاقيين المليم زي ما بيقولوا وكنا بنستلف من طوب الأرض، فاحنا بصراحة ضعفنا ووافقنا.. وافقنا واتفقنا إننا يومها بالليل هنروح عند العشة ونحفر، وكمان اتفقوا معايا على إن انا اجيبلهم عيل صغير وانا جاي، وعشان الاتفاق يمشي زي ما تم، فانا يومها لما خرجت من البيت بالليل وشوفت عيل ابن واحدة غلبانة من أهل البلد بيلعب في الشارع وفي حتة ضلمة بعيدة كده، روحت ناحيته وقولتله تعالى معايا عشان اجيبلك حلويات، فصدقني الواد ومشي معايا وخدته وروحنا للعشة، وهناك قعدناه انا وتابعي والشيخ همام والعمدة وابتدينا نحفر وهو مش فاهم حاجة، بس في وسط الحفر، الشيخ همام وقفنا وقال لنا إن الدهب موجود ورا العشة على طول مش جواها، فردمنا الحفرة من تاني وروحنا ورا العشة وابتدينا نحفر لحد ما لقينا باب او غطا مدور كده معمول من الحديد، فوقف الشيخ همام بالقرب منه وفضل يقول في كلام غريب لحد ما فجأة قال لنا يلا ادبحوا الواد وحطوا من دمه على الباب، بس الواد في اللحظة دي كان اختفى!.. فدخلت انا جوة العشة من الباب اللي ورا عشان ادور عليه وبرضه مالقتهوش، فخرجت بعد كده لبرة العشة خالص عشان الاقيه واقف ورا الشجرة، وفعلًا طلع شكي في محله، الواد كان عاوز يهرب ويفضحنا، بس اول ما لمحني جاي ناحيته طلع يجري وانا بقى ماسيبتوش، ماكنش ينفع اسيبه وألا هنروح كلنا في داهية، انا جريت وراه وانا ماسك السكينة لحد ما لحقته ودبحته، وبعد ما جيبت رقبته جرجرته لحد الحفرة اللي جواها الباب، الباب اللي بمجرد ما جه عليه الدم اتفتح وظهر من وراه تلات زلعات مليانين دهب.. والدهب ده بعد كده اتقسم علينا احنا الاربعة، كل واحد خد على قد المصيبة اللي عملها، وبعد ما كل ده تم، خدت الواد ودفنته في حفرة غويطة جوة العشة وردمت عليه وكل شيء انتهى، او احنا كنا مفكرين إن كل شيء انتهى لحد ما شاب من شباب البلد لقوه مقتول عند العشة، وقتها الرعب والقلق بدأ يتسلل وسط الناس والأسئلة ابتدت تكتر.. وعشان العمدة يخرس الألسنة، اتفق مع الشيخ همام على الموضوع اللي تم ده واللي كل البلد عارفاه، جمع الناس وراح بيهم عند العشة ووراهم الحفرة اللي كنا حافرينها وراها وقال لهم إن سعد طلع دهبات من تحت الأرض والحارس بتاعها هو السبب في كل اللي بيحصل ده، وعشان الموضوع يبقى محبوك اكتر، فالشيخ همام قال للناس إن الحارس ده بيتشكل في هيئة عيل صغير إسمه الطيفور.. وقال لهم إنه اتسمى بالأسم ده لأنه جن صغير، والناس لأنهم غلابة وطيبين صدقوه ومابقوش يقربوا من ناحية العشة ولا الشجرة اللي قدامها، واتقفل الموضوع على كده وكل أهل البلد بقوا يخافوا يتكلموا عن العشة او حتى يقربوا منها.. حتى انا وتابعي والعمدة وكل اللي نعرفهم، مابقاش حد مننا ولا من نسلنا بيقرب من الحتة دي، إنما ربك بقى يا ابني انتقامه حصل في الشيخ همام اللي لقوه مقتول في بيته بعد ما اتسرق، اما بقى العمدة.. فده فضل عايش لحد ما سنه كبر وتعب وجاله شلل، ودلوقتي زي ما انت عارف، ابنه او ابن اخوه بقى هو اللي بيدير البلد، اما عمك تابعي.. فده بعد ما جوز بناته بشوية من الفلوس اللي جت له لما باع الدهب، فتح بالباقي دكان وفضل قاعد فيها لحد وقتنا هذا، اما انا بقى.. فانا قدامك اهو، انتقام ربنا بالنسبة لي كان عبارة عن موت امك، حبيبة عمري، بس الظاهر كده إن الانتقام ده مش كفاية والقدر خلاك الليلة دي تمشي من عند العشة وتقابله وتجيبه معاك لحد هنا...)
سكت محمد الطيب وقام من مكانه ومسك السكينة اللي كانت جوة طبق الفاكهة اللي على الطابلية وقال لمرتجي..
(عفريت العيل ظهرلي.. ظهرلي من شوية وخيرني بيني وبينك، قال لي يا اموت نفسي، يا هياخدك مني ويخليك تتجنن... وانا ماقدرش افرط فيك، انا عملت كل ده علشانك انت واختك... ابقى ادعيلي بالرحمة يا ابني)
قال محمد الطيب الكلمتين دول وضرب السكينة في رقبته عشان يقع في الأرض ويطلع في الروح، ولحد هنا بتخلص حكاية محمد الطيب بانتحاره، اما بقى التابعي.. فده ليلتها وهو قاعد في دكانته، الفحم المولع وقع حواليه والدكانة ولعت بيه.. وعقبال ما الناس اتلموا وحاول يطفوا الدكان ويخرجوه منها، الراجل كان طلع في الروح ومات، اما بقى العمدة.. فده برضه مات ليلتها وفي نفس معاد موت الاتنين التانيين تقريبًا، لكنه ماماتش بحريق او مات منتحر.. ده مات بسكتة قلبية لأنه كان مشلول ومريض، ولحد هنا بتخلص حكاية التلاتة، لكن حكاية الطيفور مع مرتجي مابتخلصش، الواد مرتجي بعد ما ابوه مات ودفنه وخد عزاه وبعد كده حضر عزا التابعي والعمدة.. راح قعد مع ابن اخو العمدة او العمدة الجديد يعني وحكى له اللي حصل، بعد كده راحوا طلعوا عضم العيل الصغير وجلابيته اللي كانت مقطوعة وفي حتة قماش منها مدفونة جنبه، طلعوا كل ده من جوة العشة ودفنوه في الترب، وبعد ما عملوا كده هدوا العشة خالص وشالوا الشجرة من مكانها والمكان ده بقى حتة أرض فاضية، حتة أرض مافيش منها ضرر بعد ما اتشال منها عضم العيل الصغير اللي راح ضحية للطمع.. وكمان بعد ما حقه رجع بموت اللي كانوا سبب في موته هو.. ومن قبله سعد ومراته، وبكده بقى اقدر اقولك إن حكاية او أسطورة الطيفور انتهت، لكن بقية حكاياتي لسه مانتهتش.
لما عم جاد وصل لحد هنا قربت منه وسألته بتركيز..
-حلو.. احكي يا عم جاد.. احكي وانا هكتب وراك..
كمل عم جاد وحكى لي كذا حكاية كمان هرجعلكم من تاني وهحكيهالكم لما بس تقولوا لي احكي وكمل.. ها، احكي واكمل؟!
تمت
محمد_شعبان
الطيفور

ليست هناك تعليقات