إبحث عن موضوع

قصة شيطان بالعبري

قعدت على المكتب ومسكت الملف اللي محطوط عليه، رَفعت عيني وبصيت للشخص اللي قصادي.. وبعد كده بصيت للملف مرة كمان بعد ما فتحته وبدأت قراية التقرير للمرة الخامسة تقريبًا، وزي كل مرة.. لَفت نظري الملاحظة اللي مكتوبة في الصفحة الأخيرة من الورق اللي في الملف؛ كانت ملاحظة مكتوبة بخط الدكتور (إسماعيل عبد الغني) المعالج للحالة، وكأنها ملحوظة أخيرة، او تقدر تقول كده إنها الفوطة اللي بيرميها الملاكم عشان يعلن استسلامه للخصم!
ركزت في الملاحظة اكتر وبدأت اقراها لأخر مرة..
"إذا تم الوصول الى تلك الملاحظة، فعليك أن تعلم بأن الحالة التي ملفها بين يديك الأن، هي حالة.. ليس لها أي علاج طبي أو نفسي؛ فأنا الطبيب النفسي المُعالج للحالة (إسماعيل عبد الغني).. قد أيقنت تمام اليقين، بأن الشاب/ مصطفى مُنصف عبد التواب الهادي.. ليس من الحالات التي تُصنف تحت أي بند من بنود المرض النفسي أو العقلي، فكما رأيت وقرأت بالتقارير المُبينة مُسبقًا، والتي تشير جميعها إلى سلامة عقل مصطفى، فقد قررت أخيرًا وبناءًا على ما تم من أشعة وتجارب للعلاج غير مُجدية، لم تساعد في شفاء او تحسُن الحالة ولو بنسبة طفيفة... فلذلك قررت انا الطبيب المعالج للحالة، بأن مصطفى لا يعاني من مرض جسدي او عقلي او حتى نفسي، إنما يعاني من مس شيطاني، أو بالأحرى.. حالة تلبس واضحة من جن او شيطان يهودي وعشيرته.. يقول عنه مصطفى، بأنه يُدعي هسَاطان.. "
خلصت قراية الملاحظة وابتسمت ابتسامة سخرية، بعدها بصيت للشخص اللي قاعد قصادي وسألته باهتمام وانا بقفل الملف وبحطه قصادي..
-أستاذ سعد.. اتمنى إنك تساعدني وتحكيلي كل حاجة عن مصطفى، كل حاجة.. من أول ما اتولد لحد النهاردة، وصدقني، كل اللي هتحكيه مهما كان تافه او مش مهم من وجهة نظرك، فهو بالنسبة لي شيء مهم جدًا جدًا، ووارد اوي إنه يفيدني.
بلع الراجل ريقه وارتبك وهو بيقول لي..
-حاضر.. حاضر يا دكتور أدم.
ابتسمت ابتسامة خفيفة كده عشان اقلل من حدة التوتر اللي ظهر على ملامحه..
-لا لا يا راجل، مش عاوزك تتوتر كده وعاوزك تاخد راحتك خالص، احنا هنا مش في مكتب تحقيقات، وانا مش وكيل نيابة قاعد بيحقق معاك، انت في مصحة محترمة وانا دكتور.. مُجرد دكتور جاي يساعد ابن اخوك ويعالجه، بس قولي الأول.. انت بتدخن؟!
ابتسملي سعد هو كمان وقال لي..
-اه.. بدخن يا دكتور.
رديت عليه بكل هدوء وسماحة...
-طب تمام.. طلع سيجارة بقى وولع، انت في مكتب مش في عيادة ولا في أوضة علاج.. طلع يا راجل وولع كده عشان تاخد راحتك وتحكي على رواقة.
طلع سعد سيجارة وولعها، أخد منها نفسين وبصلي وهو لسه مبتسم..
-تمام يا دكتور.. انا هحكيلك كل حاجة عن حياة مصطفى، من وقت ما اتولد، لحد ما جه هنا.
لما قال لي كلامه ده، مديت إيدي ناحية موبايلي وفتحت مسجل الصوت، حطيت التليفون قدامي ووجهته ناحية سعد....
-احكي يا استاذ سعد..
اخد سعد نفس كمان من السيجارة، بعده ابتدى ياخد نَفسه بالراحة ويحكيلي عن حياة مصطفى زي ما طلبت منه لما قال لي بصوت هادي...
-مصطفى ماكنش مجرد حفيد عادي في العيلة؛ مصطفى كان الحفيد الأول بالنسبة لنا؛ وده ببساطة لأنه يبقى الأبن الأول لاخويا الكبير "مُنصف" الله يرحمه، ما انا اخويا الكبير مات بعد ما خلف مصطفى بحوالي سنة، جاله المرض الخبيث او السرطان يعني ومات بسببه، لكن من وقت موته ومن بعده جواز أم مصطفى من راجل غريب عن العيلة، وابويا الحاج عبد التواب الهادي، أكبر تاجر خضار وفاكهة في بلده، من وقتها وهو بقى بيعتبر مصطفى أبنه بدل منصف.. كان دايمًا عايش معاه وكانت امي الله يرحمها واللي تبقى جدة مصطفى.. هي اللي بتاخد بالها منه، وده من بعد ما امه رمته واتجوزت راجل تاني بعد موت منصف.. عدت أيام وفضل مصطفى عايش مع ابويا وامي في بيتهم الكبير اللي في البلد، لحد ما العيلة كبرت وهو كمان كبر معاها وبقى عنده ١١ سنة، لكن في الوقت ده تحديدًا.. اتوفي ابويا وبقى مصطفى عايش مع امي، امي اللي حصلت ابويا واتوفت هي كمان بعده بكام شهر، بس... بس....
ولحد هنا بدأ سعد يرتبك وكأنه افتكر حاجة وحشة، او حاجة هو مش حابب يحكيها، وعشان اخليه يكمل، قومت من على المكتب وروحت قعدت قصاده بالظبط وقولتله بود وبنفس الهدوء اللي كان ملامحي...
-بس ايه.. بس ايه يا أستاذ سعد، احكيلي.. احكيلي واوعى تنسى كلامي اللي قولتهولك في الأول، أي حاجة مهما كانت تافهة او مالهاش قيمة من وجهة نظرك، فهي بالنسبة لي ممكن تكون بداية لخطوة مهمة اوي من خطواتي في مسيرة علاج مصطفى بأذن الله.
اتعدل سعد في قعدته وسحب نفس طويل من السيجارة وقال لي وهو بيخرجه بضيق..
-لا يا دكتور.. هي مش حاجة تافهة ولا حاجة تعدي والسلام، اللي انا هحكيهولك ده، هو السبب في كل اللي مصطفى فيه النهاردة.. والسبب او البداية، كانت من عند ابويا الحاج عبد التواب..
ابويا اللي في شبابه كان واحد من اللي حاربوا في حرب ٦ اكتوبر سنة ١٩٧٣.. بس من وقت ما ابويا رجع من الحرب وهو مابقاش مظبوط، كانت بتجيله حالات صرع وتشنجات، واوقات كتير كان بيتكلم بطريقة غريبة وبلغة غير لغتنا، ولما جابوا له المشايخ عشان يلاقوا له صرفة او علاج، ماحدش قدر يعرف هو عنده ايه.. لحد ما في مرة جه واحد صاحبه او زميله في الجيش كان معاه على الجبهة.. صاحبه ده جاله في زيارة وحكي لجدي هادي "اللي هو ابو ابويا يعني" إن ابويا وقت الحرب، اشتبك مع عسكري من جيش العدو وقتله، بس وهو بيقتله، العسكري ده طلع من رقبته سلسلة عليها نجمة وفضل يقول في كلام غريب في وش ابويا.. ابويا اللي ماهموش كل كلام العسكري وكمل ضرب فيه لأنه ماكنش عاوز يسلم نفسه للقوات المصرية وكان بيقاوم بكل قوته لدرجة إنه كان هيموت واحد منهم، فكان من الطبيعي أن لما ابويا يضربه، الجندي هو كمان يشتبك معاه.. فاشتبكوا مع بعض لدرجة إنه كان هيموته هو كمان، لولا إن ابويا كان راجل شديد وقتله قبل ما يخلص عليه، ومن هنا بقى كانت المشكلة.. الراجل او شاب اللي كان مع ابويا على الجبهة ده، قال لجدي إن العسكري اللي من جيش العدو قبل ما يموت، قال في وش ابويا تعويذة، والتعويذة دي كانت مرتبطة بالسلسلة اللي كانت في رقبته، واللي بالمناسبة يعني ماحدش يعرف هي راحت فين لأنها ضاعت وقت الاشتباكات، وقبل ما تسألني هو صاحب ابويا ده عرف منين انها تعويذة، فانا هقولك إن الجنود اللي سمعوا او شافوا الحكاية دي، هم اللي قالوا كده.. وقالوا كمان إن وارد اوي يكون العسكري ده أذى ابويا بسحر عن طريق التعويذة اللي قالها في وشه، ومن عند الحكاية او الرواية اللي حكاها الشاب اللي كان مع ابويا في الحرب ده، من عندها بقى وجدي وكل عيلتنا تقريبًا بقوا متأكدين بنسبة ١٠٠% إن ابويا اتلبس من شيطان او جن، وأكد الكلام ده كمان.. تصرفات ابويا اللي كان بيتكلم عبري بالليل وهو نايم، وحتى لما كان بيتشنج او بتجيله يعني حالات الصرع اللي كانت بتجيله دي، كان برضه بيتكلم عبري وبيقول كلام مش مفهوم..
واستمر ابويا على الوضع ده لحد ما الأيام مرت وكبر في السن، وحالات التشنج اللي كانت بتجيله بقت أقل.. ومع جوازه وانشغاله في الحياة، تلاشت حالات التشنج شوية بشوية لحد ما كانت قربت تختفي خالص، لحد ما مات اخويا منصف.. اخويا منصف اللي موته كان بالنسبة كلنا زي الصدمة، اما بالنسبة لابويا بقى، فالصدمة كانت مضاعفة لأنه يبقى أبنه البكر.. فمن بعد موته وابويا بدأت ترجعله حالات الصرع بشكل أكبر، او رجعتله بالتحديد يعني.. بالليل وهو نايم..
ابويا كان بيصحى من النوم ويفضل يصرخ ويتكلم بالعبري، ويقول كلام احنا مش فاهمينه، لكن الكلمة اللي كانت بتبقى واضحة اوي في كلامه لأنه كان بيكررها كتير.. كانت كلمة هَساطان!
ولأننا مابنعرفش عبري وكمان لأننا من بلد في الصعيد، فاحنا بصراحة ماكناش عارفين لا معنى الكلمة، ولا حتى كنا عارفين معنى أي كلمة تانية من الكلام اللي ابويا كان بيقوله، بس تعرف.. بالرغم من تعبه واستمرار حالات التشنج والصرع اللي كانت بتجيله، إلا إنه برضه كان واقف على رجله وكان بيحاول يقاوم ويعيش، ده حتى جوزنا كلنا ووقف جنبنا وفضل يربي مصطفى هو وامي زي ما قولتلك، لحد ما مع الوقت وكبر سنه اكتر واكتر، ابتدا التعب يشتد عليه، وابتدت حالة التشنج او الصرع، تزيد عنده زيادة عن اللزوم، لدرجة إنه ماكنش بيعرف ينام بالليل من بشاعة اللي كان بيجراله، وعشان كده وبسبب سوء حالته في الفترة دي، قررنا في يوم إننا نجيبله شيخ من بلد جنبنا، كان راجل كويس وواصل اوي، صيته كان مسمع وبيقولوا إنه ياما عالج ناس ملبوسة.. يومها الراجل ده جه، ودخل على ابويا الأوضة وقال لي ادخل معاه واقفل الباب ورايا، فدخلت بصراحة واتلخمت معاه ومع شكل ابويا وماقفلتش الباب كويس، انا واربته بس.. واربته وفضلت واقف قصاد ابويا اللي كان نايم على السرير قصاد الشيخ اللي أول ما قرب من ابويا قال له بصوت عالي وبزعيق...
(بسم الله الرحمن الرحيم.. بسم الحي الجبار المتكبر، أنطق يا خبيث يا ابن الخبيث وعرف عن نفسك، أنطق وألا حرقتك بأيات الله وبكلماته.. أنطق بقولك وألا حرقتك بقوة قل هو الله أحد.. الله الصمد.. لم يلد ولم يول..)
ماكملش الشيخ قرايته للقرأن، وده لأن ابويا اللي كان نايم على السرير، قام قعد مرة واحدة وبص للشيخ وهو بيضحك ضحكة غريبة، كانت ضحكة مختلفة غير ضحكة ابويا اللي انا متعود عليها، واقسملك بالله يا دكتور إن انا وقتها خوفت من ابويا اللي زعق في الشيخ وابتدا يتكلم معاه باللغة غريبة اللي كان بيتكلم بيها دي، اوانا يعني كنت فاكرها لغة غريبة وقتها، لحد ما سألت بعد كده وعرفت إنها عبري..
المهم إن ابويا لما قام، زعق في الشيخ اللي ارتبك وطلع منديل من جيبه وابتدا يمسح عرقه وهو بيقوله بنبرة مهزوزة..
(اخرج منه.. اخرج منه طيب وانا.. وانا مش هأذيك، اخرج بقولك وألا هحرقك بالقرأن يا عدو الله)
سكت ابويا ولف وشه وبص للحيطة اللي قصاد سريره، ومرة واحدة قام من على السرير، وراح ناحية الحيطة واداها وشه؛ ووقف قصادها وفضل يخبط دماغه فيها بالراحة وهو بيقول كلام غريب بنفس اللغة، في الوقت ده الشيخ خاف، ايوة خاف ورجع لورا وقال لي بصوت واطي..
(روح.. روح كتفه، روح كتفه بسرعة..)
قربت من ابويا بحذر وانا جسمي كله بيترعش، كنت خايف لا يلف ويضربني ولا يعمل فيا اي مصيبة سودة، اه.. ما انا كنت متأكد إن اللي قصادي ده مش ابويا، ده أكيد الجن او الشيطان اللي عليه، بس بالرغم من خوفي وقلقي، إلا إنِ قربت منه ومسكته بالراحة من دراعاته وهو عمال يهز في راسه لقدام ولورا بحركة غريبة ماكنتش فاهمها!
لكن الأغرب بقى، إن ابويا مشي معايا ورجع قعد على السرير بكل هدوء، وهو لسه عمال يهز في راسه ومغمض عينيه، وبمجرد ما ابويا سكت ومابقاش يتكلم، قرب منه الشيخ بسرعة وابتدا يضرب فيه بالاقلام وهو بيقوله بصوت عالي...
(اخرج يا نجس.. اخرج يا نسل الأنجاس، اخرج وألا هموتك من كتر الضرب يا خنزير)
طبعًا انا أول ما لقيت الشيخ بيضرب ابويا، مسكته من إيده وبعدته عنه وانا بقوله بزعيق..
(تموت مين من الضرب يا مهبوش يا ابن المهابيش، انت بتضرب ابويا وبتقول للجن اللي عليه هموتك من الضرب!.. انت كده هتموت ابويا مش هتموت الجن او الشيطان اللي عليه)
بس الشيخ ماهتمش بكلامي وزق إيدي بعصبية اوي وهو بيقول لي بصوت عالي..
(يا أخي اوعى إيدك، انا مابضربش ابوك، ابوك دلوقتي مش هو ابوك اللي انت تعرفه، اللي قصادك ده يبقى شيطان بيخليه يتصرف زيهم، انت ماشوفتوش وهو بيصلي صلاتهم!)
ماهتمتشانا كمان بكلام الشيخ ولا بعصبيته، انا مسكته من إيده وزقيته لبرة الأوضة وانا بقوله بصوت عالي..
(صلاة مين يا جدع انت، امشي اطلع برة، امشي من هنا وألا ورب العباد انا اللي هموتك من الضرب)
ومع صوتي العالي اللي كان مسمع لبرة البيت، كل اللي في البيت اتلموا وحاشوه من إيدي ومشوه، لكن من بعد ما الشيخ ده مشي، ابويا فضل ساكت وفرد جسمه على سريره وفضل مبرق للسقف وهو عمال يهز في راسه لورا وقدام، وبعد دقايق من الصمت، اتكلم ابويا وقال كلمة واحدة بس "هَساطان".. وفضل يكرر في الكلمة دي كتير اوي لحد ما سكت من تاني.. وبعد كده بص لي وبص لمصطفى اللي كان واقف جنبي وابتسم، وبعد ابتسامته دي قال "أشهد أن لا إله إلا الله.. وأشهد أن محمد رسول الله" وسكت للأبد، أيوة يا دكتور ابويا مات.. ابويا مات بسبب اللي حصله من الشيخ قبل ما يموت، ايوة.. ما انا بقيت مقتنع تمام الاقتناع إن الشيخ ده هو السبب في موته، وعشان كده بعد ما غَسِلت ابويا ودفنته، خدت بعضي وروحت على بيت الشيخ ده، واللي زي ما قولتلك إنه كان في قرية قريبة من قريتنا، ومع وصولي عند باب بيته وانا نار الغل بتحرق في قلبي، وقفت مبرق ومصدوم لما سمعت أصوات صويت وصوت قرأن، وكمان لما شوفت ناس لابسة اسود داخلة بيت الشيخ جالي ذهول.. اه يا دكتور، اللي انت بتفكر فيه دلوقتي وانت بتسمعني واللي انا فكرت فيه زيك بالظبط وقتها، طلع مظبوط.. الشيخ هو كمان مات، خبطته عربية وهو راجع من عندنا ومروح بيته ومات!
وقتها وقفت لدقايق وانا حاسس إن انا في دوامة، معقول يكون الشيطان اللي كان على ابويا، هو اللي موت ابويا وبعد كده موت الشيخ اللي كان عايز يصرفه!
في الحقيقة انا اقتنعت بالكلام ده جدًا، لكن اقتناعي من عدمه وقتها ماكنش له أي لازمة، وده ببساطة لأن الشيخ مات زي ما ابويا مات هو كمان، ولحد هنا بقى بتخلص حكاية ابويا، وبيفضل مصطفى عايش مع امي لحد ما بتموت هي كمان، وانا بعد كده باخده عشان اربيه مع ولادي..
خدت مصطفى وراعيته وبقيت بحافظ عليه زي عيالي، وحتى لما سيبت البلد واتنقلت للقاهرة وبقى شغلي أكبر، خدته معايا وفضلت شايله جوة عنيا وكأنه ابني بالظبط، لحد ما كبر وبقى عنده ١٦ سنة، وهنا بقى حياتنا وحياة مصطفى الهادية، ابتدت تتغير وتتقلب ١٨٠ درجة..
وبداية القلبان او التغير اللي حصل ده، لما في ليلة كنت نايم نوم هادي وطبيعي جدًا، لحد ما صحيت من عز نومي وانا مفزوع بسبب صوت مراتي اللي قالتلي بقلق..
(سعد.. سعد، قوم يا سعد.. قوم الحق ابنك عمال يعيط)
فتحت عيني بالعافية وبصيت لمراتي اللي كانت قاعدة جنبي على السرير وهي حاضنة مُنصف ابني، اه.. ما انا سميت ابني على أسم اخويا الله يرحمه، بس ده مش موضوعنا، إحنا موضوعنا إن مراتي كانت حاضنة ابني اللي وقتها كان عنده ١٢ سنة، الواد كان عمال يعيط ويرتجف في حضن امه بشكل غريب!
فوقت نفسي من أثار النوم وروحت خدت الواد في حضني وسألته بلهفة وخوف..
(مالك يا مُنصف، جسمك بيترعش كده ليه يا حبيبي، مالك يا ابني ما تنطق، بطل عياط شوية واحكيلي زي الرجالة كده فيك ايه)
اتشحتف ابني وهو في حضني وقال لي بصوت مهزوز..
(موص موص.. مُصطفى، مُصطفى بيخبط راسه في الحيطة).. يتبع
"ده الجزء الأول من قصة شيطان بالعبري
#محمد_شعبان
شيطان بالعبري
٢ 
(مالك يا مُنصف، جسمك بيترعش كده ليه يا حبيبي، مالك يا ابني ما تنطق، بطل عياط شوية واحكيلي زي الرجالة كده فيك ايه)
اتشحتف ابني وهو في حضني وقال لي بصوت مهزوز..
(موص موص.. مُصطفى، مُصطفى بيخبط راسه في الحيطة)
أول ما ابني قال لي كده، قومت من مكاني زي اللي اتكهرب، روحت جري ناحية أوضة منصف ومصطفى اللي بمجرد ما فتحت بابها؛ لقيت مصطفى واقف قصاد الحيطة اللي قدام سريره بالظبط وكان عمال يحرك راسه لقدام ولورا!
في الوقت ده حسيت إن انا رجعت سنين لورا.. سنين شوفت فيهم ابويا وهو واقف نفس وقفة مصطفى في أوضته، الرعب اتملك مني وبقيت باصص لمصطفى وانا محتار، مابقتش عارف اقرب منه ولا اعمل ايه، يا نهار مش فايت.. "مصطفى بيقلد نفس حركات جده اللي كان ملبوس!"
فوقت من ذهولي ومن خوفي ومن حيرتي على صوت مراتي اللي دخلت الأوضة وخدت مصطفى بالحضن، راحت بيه ناحية سريره وقعدته، والحاجة اللي خلتني قلقت اكتر، هي إن مصطفى ماكنش بيتكلم مع مراتي على عكس طبيعته، ماهو الواد اصله كان بيحبها اوي وكان بيعتبرها في مقام امه، وتملي يعني كان بيحب يقولها يا امه ويتكلم معاها زي الأبن ما بيتكلم مع امه.. لكن المرة دي الواد كان مَبدول، عينيه كانت مبرقة وكان عمال يهز في راسه لورا ولقدام زي ما جده الله يرحمه ما كان بيعمل بيعمل بالظبط!
وعشان كده فوقت نفسي بسرعة من حالة الذهول اللي كنت فيها، وروحت ناحية الواد وفضلت اضربه ضربات خفيفة كده على وشه...
(مصطفى.. انت ياض يا مصطفى، فوق، فوق ورد عليا، انت سامعني يا ابني؟)
لما قولتله كلامي ده، بص لي مصطفى بنظرة رعبتني.. نظرة رعبتني لأنها كانت نظرة فاضية، عينيه كانت بتتحرك اه.. لكنها ماكانتش عينين مصطفى اللي اتعودت عليهم، دي كانت عيون لشخص ميت، شخص.. شخص مافيهوش روح، او تقدر تقول كده إنه مجرد جسم وبس، لكن تعرف.. انا لحد اللحظة دي كنت متماسك وكنت بحاول اتمالك أعصابي، بس في الحقيقة انا انهارت تمامًا لما مصطفى وهو باصص لي بنظرته الغريبة دي قال لي بكل هدوء..
"هَساطان.. هَساطان.. هَساطان.."
وفضل يكرر في الكلمة بشكل غريب ومستفز، لدرجة إنه خلاني قومت وقفت، ولقيت نفسي غصب عني بروح ناحية الراديو اللي في الأوضة، وبشغله على أذاعة القرأن الكريم، ومع تشغيلي للراديو اللي خرج منه صوت القرأن، ابتدى مصطفى يتشنج شوية.. وشوية بشوية لحد ما وقع على الأرض وابتدى يرتجف بكل قوة وكأنه بيتكهرب!
(يا نهار مدوحس يا ابو منصف، الوله بيحصله زي ما كان بيحصل لجده.. يا مصطفى، يا مصطفى..)
ده كان صوت مراتي اللي كنت سامعه وانا مشتت، احاسيسي وقتها كانت متضاربة، مابين الخوف من مصطفى ومن اللي ممكن يكون لبسه، ومابين خوفي عليه لا يكون مصيره نفس مصير جده!
لكن في الوقت ده، او بالظبط يعني.. لما كان مصطفى واقع على الأرض وعمال يتشنج، انا ماحستش بنفسي إلا وانا بطفي القرأن عشان جسمه يسكت خالص ويبدأ يهدا، ومن بعد هدؤه، وكمان من بعد ما شيلته وطلعته على سريره وسط ذهولي وصدمتي وعياط مراتي ومنصف ابني، فاق مصطفى بعدها بشوية، كان ساكت، مابيتكلمش، وفضل ساكت وهو مصدوم او مش فايق كده لمدة دقايق، بعدهم قربت منه وحاولت اتكلم معاه لما سألته..
(لا حول ولا قوة إلا بالله.. مالك يا ابني، ايه اللي جرالك، شوفت ايه خلاك تعمل اللي عملته ده؟)
وهنا بقى كان رد مصطفى الغريب لما قال لي وهو بيبص لي وبيبص لمنصف ابني ولمراتي باستغراب..
(اعمل اللي عملته!.. عملت ايه انا يا عمي، انا ماعملتش حاجة، انا كنت نايم وصحيت على صوتك دلوقتي، بس.. بس.. ااه.. انا دراعي واجعني كده ليه وحاسس إن جسمي مكسر وكأني كنت في خناقة، وبعدين ايه الصداع الغريب اللي عندي ده؟)
سكتت ومابقتش عارف اقوله ايه، دي حتى مراتي هي كمان اللي بقول عنها رغاية، سكتت ومابقتش قادرة تتكلم، لكن اللي قطع سكوتنا كان صوت منصف اللي قال لمصطفى بخوف وبرعب..
(انا كنت نايم على سريري وصحيت من النوم على صوتك وانت بتقول كلام غريب، فبصراحة خوفت، خوفت وقومت فتحت النور عشان اشوفك وانت واقف قصاد الحيطة دي وعمال تخبط راسك فيها، كنت عمال تعمل كده وانت برضه بتتكلم بالكلام الغريب ده، وساعتها اتخضيت اكتر، وخوفت منك أكتر واكتر وروحت جري صحيت ماما وحكيتلها هي وبابا على اللي كنت بتعمله)
بص مصطفى لمنصف باستغراب، وبعد كده بص لي وسألني..
(انا.. انا مش فاكر أي حاجة من كل ده، انا كنت نايم.. والله العظيم كنت نايم، وبعدين انا مش فاكر إن انا عملت اي حاجة من الحاجات دي، ولا حتى فاكر إنِ حلمت بأي حاجة شببها)
لما مصطفى قال لي كده، قربت منه وخدته في حضني وحاولت اهديه، وبالفعل هديته وقولتله إنه جايز يكون تعبان او كان بيحلم بكابوس وهو مش فاكره، بس انا كنت بقوله الكلام ده، وانا من جوايا متأكد إن اللي عنده ده.. نفس اللي كان عند ابويا، وعشان كده ومن تاني يوم، بدأت رحلة العلاج معاه، من الشيخ ده للشيخ ده، ومن الجامع ده للكنيسة دي.. من الأخر كده ماخلتش، أي حد كنت بسمع إنه بيعالج الملبوسين، كنت باخد مصطفى واروحله، سواء بقى كان شيخ او قسيس او حتى دجال، لكن والله يا دكتور، مافيش اي حاجة جت بفايدة، بل بالعكس.. مصطفى حالته كانت بتهدى شوية لما أي شيخ كان بيقرا عليه ويتشنج، وبعد كده كان بيرجع تاني يجراله اللي بيجراله بالليل زي ما كان بيحصل مع جده الله يرحمه، بس تعرف.. الغريب بقى إن انا لما كنت بوديه لأي شيخ، كان بيفضل يصرخ ويتشنج اول ما يشوفه، ولما في كذا مرة خدته عند قساوسة، ماكنش بيتشنج ولا كان بيحصله أي حاجة.. والأغرب من ده كله، إن الشيوخ والقساوسة كلهم أجمعوا، إن مصطفى لابسه نفس الشيطان اللي كان لابس جده هو وعشيرته، نفس الشيطان.. يومها خرج من جده اللي نسيت باب أوضته مفتوح وقت ما كنت انا والشيخ معاه فيها، وبعد ما الشيطان ده خرج يومها هو وعشيرته من على ابويا، سكنوا في جسم مصطفى.. مصطفى الطفل الوحيد اللي كان حاضر الجلسة يومها وهو واقف ورا الباب اللي كان متوارب..
وفضلت حالة مصطفى تسوء اكتر واكتر، وفضل يتكلم باللغة العبرية وبأصوات كتير كل ما يتشنج، زي مثلًا.. صوت عيل صغير او راجل كبير، او صوت واحدة ست، لحد ما من كام شهر، صحينا من النوم بالليل على صوته وهو عمال يصرخ، ولما قومنا من النوم على صوت صراخه، لقيناه ماسك في إيده سكينة، ومعور نفسه في دراعه، ولقيناه كاتب بدمه على الحيطة اللي قصاد سريره كلام غريب بالعبري، وفوقه كان راسم بالدم برضه، نجمة سداسية!
من ساعتها بقى وانا قررت إن سكة الشيوخ والعلاج الروحاني مابقالهاش أي لازمة، فقررت أخيرًا إن انا اجيبه على هنا عشان يتعالج علاج نفسي، او على الأقل يعني عشان حالته تبقى أفضل شوية.
سكت استاذ سعد شوية، وبعد كده بص لي وقال لي والدموع في عينيه..
-احنا ماكناش بنعرف ننام، لا انا ولا مراتي ولا ابني، احنا بقالنا سنين مستحميلنه، بس صدقني.. انا خلاص تعبت، تعبت من كتر القلق والخوف والرعب اللي انا عايش فيه انا وعيلتي ومصطفى كمان معانا، واللي زاد وغطى بقى هو كلام الدكتور اللي بيعالجه لما قال لنا إن مصطفى مش عيان، ده ملبوس!.. انا حقيقي مش عارف اتصرف ازاي، ولا حتى عارف هروح بيه فين لو خرجته من المصحة، ماهي المصحة او المستشفى هنا، كانت أخر أمل لينا عشان مصطفى يرجع طبيعي من تاني، انا تعبت يا دكتور.. تعبت بجد ومابقتش عارف اتصرف ازاي!
بعد ما سعيد خلص كلامه، قومت وقفت جنبه وقولتله وانا بواسيه..
-ماتقلقش، خير بأذن الله.. انا لما مدير المستشفى، كلمني وبعتلي التقارير بتاعت حالة مصطفى، انا أصريت إنِ انزل مصر بنفسي واباشر حالته، وبأذن الله مع العلاج اللي انا راسمهوله، هيتحسن وهيخف وكمان هيبقى شخص طبيعي.
لما قولت لسعيد كده، رفع راسه وبص لي باستغراب اوي..
-علاج!.. علاج ازاي يا دكتور، ده الدكاترة اللي أشرفوا على حالته، وأخرهم دكتور إسماعيل.. كلهم قالوا إن مصطفى مالوش اي علاج لأنه مش مريض نفسي من الأساس!
ابتسمت له وحاولت اطمنه اكتر لما رجعت مكاني ومسكت الملف...
-اه.. ده بالنسبة لهم هم، إنما انا.. مافتكرش، بص.. انا في دماغي خطة علاج، لو مِشيت بأذن الله زي ما انا راسملها، مصطفى هيخف، بس كل اللي انا طالبه منك إنك تتعاون معايا، يعني لو احتاجت اتكلم معاك او احتاجتك في أي معلومة، ياريت تخليني اقدر اوصلك بسهولة.
اول ما قولتله كده، طلع سعيد موبايله، وقال لي بترحاب..
-طبعًا يا دكتور أدم، انا تحت امرك، خد رقم تليفوني وكلمني وقت ما تحتاجني.
مسكت موبايلي وقفلت المسجل، وبعد كده سجلت رقم سعيد اللي بعد ما اداهولي، سلم عليا وخد بعضه ومشي، وبعد ما مشي سعيد عم مصطفى، قعدت مع نفسي ومسكت ورقة وقلم وشغلت التسجيل اللي عليه حكاية مصطفى، قعدت وابتديت افرغ كل النقط المهمة اللي سعيد حكهالي، وبعد ما خلصت تدوين الملاحظات، خدت بعضي وخرجت من المكتب وانا معايا الملف، روحت لمكتب مدير المستشفى، اللي اول ما دخلتله بص لي وهو مبتسم اوي كعادته..
-أهلًا أهلًا يا دكتور أدم، اتفضل اتفضل..
ابتسمتله انا كمان، وبعد ما سلمت عليه، حطيت الملف على المكتب وقعدت قصاده وقولتله باهتمام شديد وانا ببص على الملف..
-انا لسه مخلص قعدتي مع سعيد عم مصطفى، وبصراحة الراجل كان متعاون جدًا معايا وحكالي كل حاجة بالتفصيل عن الحالة، ده حتى كل اللي حكاه انا سجلته في مسودة و...
قاطعني دكتور شربيني مدير المستشفى لما قال لي وهو بيمسك سماعة التليفون..
-تمام يا أدم، استنى بس ماتكملش إلا لما إسماعيل يجي، انا هكلمه حالًا اهو..
بصراحة كنت عاوز اقوله ماتكلموش، لأني بعد اللي قريته في التقرير، بقيت واثق ومتأكد من إن وجود إسماعيل مع الحالة دي، لا هيقدم ولا هيأخر، بس الحقيقة انا مالحقتش اتكلم، لأن دكتور شربيني كان بالفعل كلمه وقاله يجي..! وفي ظرف تلات اربع دقايق، كان دخل إسماعيل علينا المكتب، وبعد ما سلم عليا وعلى المدير، قعد على الكرسي اللي قصادي، ماهتمش بيه ولا بوجوده، انا بصيت للدكتور شربيني وكملت كلامي..
-انا سجلت الملاحظات والنقاط المهمة اللي في حكاية مصطفى، واللي بالتأكيد عرفتها من سعيد، وبأذن الله، انا هبدأ في وضع خطة للعلاج، بُناءًا على اللي عرفته.
اول ما قولت خطة علاج، بص لي إسماعيل باشمئزاز وكأني شتمته مثلًا..
-خطة علاج!.. خطة ايه علاج ايه يا دكتور ادم، انت ماقريتش التقرير اللي انا كاتبه ولا ايه؟!
بصراحة المرة دي بقى، ماقدرتش اسكت، انا بصيت له من فوق لتحت وضحكت ضحكة سخرية بسبب كلامه...
-انهي تقرير ده يا دكتور.. التقرير اللي في أخره، حضرتك كاتب ملاحظة بتقول فيها إن مصطفى مش مريض ولا له علاج إلا عند الدجالين!
اتعصب عليا إسماعيل اوي لما قولتله كده..
-لا ماسمحلكش، دجالين ايه، انا ماجيبتش سيرة دجالين في التقرير.
سكتت وبصيت للدكتور شربيني، وبعد كده رفعت التقرير وانا بقوله..
-طب بزمتك يا دكتور.. في دكتور نفسي، يقول على مريض عنده، إنه مالوش علاج وإنه ملبوس بشيطان يهودي وكمان معاه عشيرته، ليه يا فندم.. هو جسم مصطفى لوكاندة للشياطين؟!
اتنحنح دكتور شربيني لما حس بالإحراج وقال لي على استحياء كده..
-ماهو.. ماهو يادكتور أدم، كل الدكاترة اللي اشتغلوا على الحالة، ماقدروش يوصلوا معاها لأي نتيجة، ده حتى الدكاترة اللي شخصوها كفُصام او ذُهان، طلعت في النهاية تشخيصاتهم كلها غلط لأن علاجهم ماجابش أي نتيجة، وحتى الأعراض اللي عنده مابتقولش كده.
استغربت بصراحة من كلام الدكتور شربيني، وحسيت إن انا قاعد في المورستان من قرون مثلًا، مش في مصحة كبيرة سنة ٢٠١٧.. وعشان كده، حطيت الملف قصادي وانا بقول للدكتور شربيني..
-ومين قال بس إنه فُصام او ذُهان، انا ماقولتش كده.. مصطفى مشكلته اكبر من كده بكتير، انا بس كل اللي محتاجه، إن انا ابص على الحالة مرة كمان، وياريت يعني لو تسمحلي اقعد اتكلم معاه، ومن بعد قعدتي دي، هبدأ اتصرف او امشي على خطة العلاج اللي في دماغي.
وقتها إسماعيل رد عليا وقال لي بكل سماجة الحقيقة..
-ماشي.. ماعنديش مانع، بس انا لازم احضر الجلسة اللي هتعملها معاه، ولا انت ناسي إن انا الطبيب المعالج للحالة ولا ايه؟!
قومت وقفت وانا باخد الملف وبصيت لشربيني وبعد كده بصيت لاسماعيل..
-لا مش ناسي يا دكتور.. مش ناسي إنك الطبيب المعالج للحالة، بس ياريت انت كمان ماتنساش، إن دكتور شربيني عرض عليا الحالة دي، لما حضرتك استسلمت وماقدرتش توصل معاها لأي نتيجة، ومع ذلك برضه.. انا ماعنديش أي مانع إنك تحضر الجلسة، ومش الجلسة بس على فكرة، انا كمان ماعنديش اي مانع إنك تتابع معايا مراحل العلاج اللي هتبعها مع مصطفى.. واهو اقله يعني، لو جاتلك حالة تانية مشابهة، تبقى تقدر تتصرف معاها بمنطقية وواقعية أكتر من كده.
بصراحة وبسبب كلامي السخيف اللي قولته ده، سكت الدكتور اسماعيل واتحرج هو وشربيني.. شربيني اللي قطع السكوت لما قال وهو بيشاور ناحية باب المكتب..
-تمام يا أدم.. تمام، تقدر تتفضل مع اسماعيل وتروحوا تشوفوا الحالة.
سلمنا عليه احنا الاتنين وخرجنا من المكتب وروحنا لأوضة مصطفى، كان قاعد على سريره ساكت، شاب عدي ال ٢٠ سنة، شكله وهيئته بيدلوا على إنه مانامش بقاله أيام، كان قاعد وتاني رجله وضاممها على وشه في هدوء مُميت.
دخلت عليه انا واسماعيل الأوضة، ومع دخولنا رفع راسه وبص لنا بنظرة يأس، نظرة حسيت منها إن صاحبها فقد الأمل في الدنيا اللي حواليه، ومابقاش قصاده أي حاجة غير اليأس والوحدة.
سحبت كرسي وقعدت جنبه، في نفس الوقت اللي فيه إسماعيل عمل زيي وجاب كرسي هو كمان وقعد جنب سرير مصطفى من الناحية التانية، وبعد قعادنا اجنا الاتنين جنبه؛ بصيت لمصطفى اللي كان مركز اوي مع إسماعيل وابتديت اتكلم معاه لما قولتله بصوت هادي وثابت..
-ازيك يا درش.. عامل ايه النهاردة؟!
رد عليا وهو مش باصص لي، ده كان لسه باصص لإسماعيل بنفس النظرة الثابتة او الجامدة اللي كانت في عيونه..
-كويس.. كويس يا دكتور، انا كويس، المهم بقى.. انت كويس؟!
رديت عليه بكل ثقة..
-اه يا درش الحمد لله، بس انا مش هنا عشاني، انا هنا عشانك انت، انا هنا عشان.. عشان ابعده عنك.
اول ما قولت جملة ابعده عنك دي، إسماعيل بص لي باستغراب، وكأنه عاوز يقولي، انت اتجننت!.. تبعد مين، انت مش لسه كنت مكدبني من دقايق وبتقول إنه مش ملبوس!
بس المشكلة ماكانتش في نظرة إسماعيل ليا، المشكلة كانت في نظرة مصطفى اللي لف وشه وبص لي باستحقار وكأني قولت مصيبة..
-ومين قالك إن انا عايزه يبعد عني، وبعدين انت تعرفه منين.. انت ماتعرفش أي حاجة عنه إلا إسمه وبس، إنما هو.. هو عارفك كويس، عارف إنك خواف، جبان.. وكمان بتكدب، بتكدب وبتقول إنك مصدق بوجوده بالرغم من إنك من جواك مش مصدق، زيك زي كل اللي قعدوا معايا هنا.. كلهم كانوا بيقولوا إنه مش موجود، لحد ما شافوه بعينهم، او سمعوه بودانهم.
قام إسماعيل وقف وهو بيقول لمصطفى..
-انا مصدقك.. انا سمعته.
وكمل كلامه وهو بيبص لي..
-وربنا سمعته قبل كده وهو بيتكلم بصوت راجل، ومرة بصوت عيل صغير ومرة بصوت واحدة ست، انا مش قولتلك إنه ملبوس و..
قطع كلام إسماعيل، مصطفى اللي نزل من على السرير بهدوء ووقف قدامي وقال لي وهو بيبص لي بتحدي..
-هساطان موجود.. هساطان وعشيرته معانا دلوقتي..
وابتدا صوت مصطفى يتغير من صوته العادي، لصوت أتخن.. صوت أتخن ماكنش بيتكلم بالعربي، ده كان بيتكلم بالعبري!
يتبع
"ده الجزء التاني من قصة شيطان بالعبري
#محمد_شعبان
شيطان بالعبري
٣ 
بس المشكلة ماكانتش في نظرة إسماعيل ليا، المشكلة كانت في نظرة مصطفى اللي لف وشه وبص لي باستحقار وكأني قولت مصيبة..
-ومين قالك إن انا عايزه يبعد عني، وبعدين انت تعرفه منين.. انت ماتعرفش أي حاجة عنه إلا إسمه وبس، إنما هو.. هو عارفك كويس، عارف إنك خواف، جبان.. وكمان بتكدب، بتكدب وبتقول إنك مصدق بوجوده بالرغم من إنك من جواك مش مصدق، زيك زي كل اللي قعدوا معايا هنا.. كلهم كانوا بيقولوا إنه مش موجود، لحد ما شافوه بعينهم، او سمعوه بودانهم.
قام إسماعيل وقف وهو بيقول لمصطفى..
-انا مصدقك.. انا سمعته.
وكمل كلامه وهو بيبص لي..
-وربنا سمعته قبل كده وهو بيتكلم بصوت راجل، ومرة بصوت عيل صغير ومرة بصوت واحدة ست، انا مش قولتلك إنه ملبوس و..
قطع كلام إسماعيل، مصطفى اللي نزل من على السرير بهدوء ووقف قدامي وقال لي وهو بيبص لي بتحدي..
-هساطان موجود.. هساطان وعشيرته معانا دلوقتي..
وابتدا صوت مصطفى يتغير من صوته العادي، لصوت أتخن.. صوت أتخن ماكنش بيتكلم بالعربي، ده كان بيتكلم بالعبري!
كان بيزعق وبيصرخ وبيثور، ولما حاولت اقرب منه او اسيطر عليه، اتدخل اسماعيل ونده على الممرضين اللي كانوا واقفين برة الاوضة..
-يا عبد الجواد.. يااحمد.. تعالوا.. تعالوا بسرعة.
دخلوا الممرضين ومسكوا مصطفى وربطوه في السرير، وقبل ما يدوله حقنة المهديء اللي إسماعيل قالهم يدوهاله، مسكت بسرعة إيد الممرض وقولتله..
-اوعى.. اوعى تديله الحقنة كلها، انا مش عايزه ينام ولا يغيب عن الوعي، انا عاوزه فايق بس مابيقاومش.. عاوزه صاحي بس هادي، فاهمني؟
هز لي الممرض راسه وادى لمصطفى جرعة قليلة من المهديء.. وقتها مصطفى كان جسمه بقى أهدى، لكن عينيه كانت لسه بيضا وكان برضه بيتشنج، بس مش بنفس القوة اللي كان بيتشنج بيها، فعلى طول ومن غير أي تفكير، قربت من ودن من مصطفى وقولتله بصوت عالي وانا بمشي إيديا على راسه..
-مش هنا يا مصطفى.. هساطان مش هنا، ولا الشيخ اللي انت شايف إنه كان السبب في موت جدك هنا، الشيخ مات، وجدك هو كمان مات.. بس جدك ماماتش بسبب الشيخ ولا بسبب هساطان ولا بسبب القرأن اللي اتقرا عليه، مافيش هساطان، جدك ماكنش عليه شيطان يا مصطفى، اللي انت فيه ده مش حقيقي، اهدى وركز معايا يا مصطفى.. انت مصطفى، قاومهم، ماتخليهمش يتملكوا منك، مافيش عشيرة، مافيش شيطان، مافيش تعويذة ولا سحر اتقال في وش جدك، جدك كان بيحصله كده بسبب الحرب وبسبب الضغط.. مصطفى قاومهم وخليك اقوى، انت مصطفى وده عقلك انت، اتحكم انت فيه، اطردهم منه، اطردهم وابعد عنه أي أفكار مش صح، ماحدش هيأذيك لو هم مشيوا، انا جنبك.. انا جنبك ومش هسيبك يا مصطفى، سامعني.. سامعني كويس يا مصطفى..
ابتدا مصطفى يهدى شوية بشوية وابتدت عينيه ترجع لطبيعتها، ومع كل ده.. التشنج بقت حدته اقل، وساعتها حسيت إنه بقى واعي وقادر يتواصل معايا، واحساسي ده اتأكد اكتر لما سمعته بيقولي بصوت واطي..
-عمي.. الخرزانة، الأوضة الضلمة.. صوت جدي، الشيخ.. الخرزانة، عمي.. ماتسيبنيش، انا مش عايز اروحله.
رديت عليه وانا لسه بمشي إيديا على راسه..
-مش هسيبك يا مصطفى، مش هسيبك لوحدك، ابعدهم عنك وانا هحميك من الخرزانة ومن الأوضة الضلمة.
سكت مصطفى وبص لي وابتسم، في الوقت اللي كان إسماعيل باصص لي فيه وهو مبرق..
-ايه ده.. انت عملت فيه ايه؟!
طبطت على مصطفى عشان يحس بالأمان وبعد كده خرجت انا واسماعيل من عنده وروحنا على مكتبي، ومع دخولنا للمكتب ووقت ما إسماعيل كان لسه بيبص لي بذهول، مسكت تليفوني بسرعة واتصلت بسعد عم مصطفى وقولتله إن انا عاوز اروحله البيت، وفعلًا خدت منه معاد وروحتله يومها انا وإسماعيل اللي كان كل ما يسألني عن أي حاجة ماكنتش بجاوبه.. ماكنتش بجاوبه لأني ماكنتش عاوز اشرحله، انا كنت عاوزه يشوف بعينيه اللي هيحصل، وبالفعل.. اول ما وصلنا عند سعد البيت، وبعد ما سلمنا عليه وبعد ما خلى مراته تقدم لنا العصير، طلبت منه إن انا اقعد اتكلم مع منصف ابنه بس لوحدنا، استغرب سعد من طلبي وكان رافض تقريبًا، لكن مراته اتدخلت وإسماعيل كمان قاله إن ده هيساعدنا كتير في علاج مصطفى زي ما قولتله واحنا رايحين في الطريق، فبعد ما اقتنع سعد بالعافية، نده لمنصف ابنه اللي خدته ودخلت معاه اوضة من أوض البيت وسألته باهتمام شديد..
-منصف، انا عارف إن انت ومصطفى متربيين سوا، يعني اكتر من الاخوات.. فانا حاليًا مافيش قدامي غيرك، احكيلي يا مصنف، احكيلي عن معاملة ابوك لمصطفى، يا ترى بيحبه ولا بيزعقله ولا بي..
قاطعني منصف وهو بيقعد على السرير اللي موجود في الاوضة وبيبص في الأرض..
-معاملة!.. معاملة ايه يا دكتور، انا ابويا طول عمره قاسي عليا وعلى مصطفى، طول عمرنا بنخاف منه احنا الاتنين وامي قبلنا، ماهو اصل ابويا راجل شديد، اتربى في القرية على الشدة والضرب من وهو صغير، وكان فاكر إنه بضربه لينا واحنا صغيرين او حبسنا في الاوضة الضلمة، لما كنا بنعمل أي حاجة غلط، كان فاكر إنه بكده بيربينا، لكن للأسف.. طريقته دي خلت مصطفى يتعب ويظهر عليه الشيطان اللي كان لابسه وماكنش ظاهر من وقت ما جدي مات.
لما منصف قال لي كده قربت منه وقولتله بهدوء..
-مصطفى مش ملبوس يا منصف، مصطفى مريض، مصطفى مريض وانا هعالجه، وقريب اوي هيخرج من المستشفى وهيرجع البيت من تاني، وده رقمي اهو.. لو ابوك ضربك او ضربه تاني لما يخرج، ارجوك اتصل بيا.. اياك تتردد يا منصف..
بص لي منصف وابتسم ابتسامة جواها حزن وهم كبير..
-لا يا دكتور.. من وقت ما كبرنا وهو مابقاش يضربنا، ماهو هو كمان كبر ومابقاش فيه صحة للضرب.
قربت منه وواسيته وشكرته على المعلومات اللي قالهالي، وبعد ما خلصت كلام معاه، خرجنا من الاوضة وطلبت من سعد إنه يعدي عليا بكرة في المصحة لأني محتاجه في حاجة مهمة.. وهي طبعًا موضوع ضربه لمصطفى وإنه لازم يقعد ويتكلم معاه، وبعد ما خلصنا مشوارنا عند سعد، رجعت انا واسماعيل على المصحة، دخلنا مكتبي اللي بمجرد ما قفلت بابه ورانا، بص لي إسماعيل باندهاش وقال لي..
-انا ساعدتك.. جيت معاك وسمعت كلامك وساعدتك لما لقيت إن تأثيرك إيجابي على الحالة، لكن اقسم بالله يا دكتور أدم، انا لا هسكت ولا هتحرك من مكاني ولا هساعدك تاني إلا لما تشرحلي انت عملت ايه ولا ناوي على ايه.
قعدت على مكتبي وشاورتله إنه يقعد..
-اقعد يا دكتور إسماعيل وانا هفهمك انا شكيت في ايه وناوي على ايه.
قعد إسماعيل وابتديت اشرحله بالتفصيل كل اللي انا شكيت فيه من البداية ولحد وقتها..
-اللي عند مصطفى مش لبس، ولا مس من شيطان او جن، ولا حتى مرض واحد.. اللي عند مصطفى مرضين ويمكن تلاتة كمان، او تقدر تقول كده إن اللي عنده هو أضطراب هوية تفارقي مع هايروفوبيا او زي ما بتتقال بالعربي "رُهاب ديني" وكمان صدمة.. ما اصل انا هفهمك انا فكرت في ده ليه بالرغم من إن اضطراب الهوية التفارقي ممكن يكون مش ظاهر اوي؛ مصطفى يا دكتور اتعرض لصدمة وهو صغير، والصدمة دي بتتمثل في موت جده اللي كان أعز الناس عنده لانه هو اللي رباه من بعد موت ابوه، وضيف على كل ده بقى إن مصطفى بقى مقتنع تمام الاقتناع إن اللي كان سبب في موت جده هو الشيخ، والمصيبة الأكبر إن مصطفى كبر وهو مقتنع من كلام كل اللي حواليه بإن جده قبل ما يموت كان ملبوس بشيطان وعشيرته، والشيطان ده عرف اسمه طبعًا لما جده كان بيكرره كتير قدامه كل ما كان بيتشنج، او كل ما كان بيتكلم عبري.. العبري اللي مصطفى حفظ منه كام كلمة، وبقى بيقولهم بأصوات مختلفة، ولو هتسألني عن موضوع الأصوات المختلفة ده، فانا هقولك إن أي أنسان لو اتحط تحت ضغط نفسي وعصبي وعقلي، ممكن اوي يتكلم بأصوات مختلفة، هو انت يا دكتور ماشوفتش حالات على اليوتيوب لناس مشاهير بيتكلموا بأكتر من نبرة صوت وساعات كمان بيتكلموا من بطنهم، فكل اللي بقى بيقوله مصطفى بنبرات متغيرة، هو كلام عبري سمعه من جده وهو صغير واتحفر جوة عقله، جده اللي سمع الكلام ده من جنود العدو وقت حرب اكتوبر، وبس يا سيدي.. من عند حادثة الشيخ، جه لمصطفى الهايروفوبيا واضطراب الهوية، لكن الامراض دي فضلت مخفية او أعراضها مش ظاهرة لحد ما كبر، ولو هتسألني عن سبب ظهور الأعراض او تطور المرض وتعرض مصطفى لحالة الوهم اللي وصل لها دي، فانا هقولك إن ببساطة كده.. عمه سعد هو السبب، عمه اللي رباه تربية شديدة زيه زي أي أب مصري صعيدي بيربي ابنه، يعني اوقات كتير كان بيضربه بالخرزانة، وساعات كان بيحبسه في أوضة ضلمة، وفضل مصطفى مكمل حياته بالأسلوب ده وهو بيتراكم جواه حزن وكره وصدمات لحد ما الأعراض ظهرت بطريقة عشوائية..
مصطفى يا دكتور إسماعيل مانفعش معاه علاج الذُهان ولا الفُصام بالرغم من أعراضهم مشابهة للأعراض اللي عنده، وده لأنه من الأخر كده مش مصاب بيهم، هو مصاب بكبت ورُهاب ديني.. الرُهاب الديني يا دكتور اللي جاله بسبب إن الشيخ اللي هو رمز الدين الأسلامي، بقى في نظر مصطفى قاتل، وعشان كده بقى كل ما يروح لشيخ ويقرا عليه قرأن يتشنج ويثور، وطبعًا هو كان بيروح عند الشيوخ لأنه زي ما بيقولوا عليه.. ملبوس او عنده مس، إنما هو في الحقيقة كان مصاب بإضطراب نفسي أعراضه مش ظاهرة، وظهرت فجاة لما فقد الثقة في نفسه وفي كل اللي حواليه، فبقى بيهرب من الواقع بتاعه، لواقع تاني خيالي.. او تقدر تقول بمعنى أوضح اكتر.. إنه نسج جوة عقله الباطن شخصية هساطان وعشيرته، وكمان أقنع نفسه إنه خرج من على جده ودخل فيه هو.. وبكده اتحول مصطفى من شخص مضطهد ومقهور، لشخص مريض.. مريض يا دكتور مش ملبوس.
وقتها بص لي اسماعيل وقال لي..
-حلو.. كل الكلام ده جميل، بس تقدر تقولي بقى ايه تفسيرك للي حصل لجده، وتقدر تقولي كمان انت ازاي هتقدر تعالجه؟!
ضحكت بصراحة لما سألني الاسئلة دي وجاوبته بكل سلاسة..
-جرى ايه يا دكتور.. ماتركز معايا كده، اللي حصل لجد مصطفى ده كان عادي، أي شخص ممكن يعاصر حروب ويحصله نفس اللي حصل لجد مصطفى، وارد جدًا إنه يتصاب بمرض نفسي او عقلي، وبعدين انت عارف كلمة هساطان معناها ايه بالعبري!.. معناها شيطان، يعني وارد اوي يكون الجندي اللي من جنود العدو ده، كان رافع في وش جد مصطفى النجمة اللي هي رمز دينه وبيشتمه وبيقول عليه إنه شيطان، يعني ماقالش لا تعويذة ولا يحزنون، لكن جد مصطفى بقى بسبب اللي شافه وبسبب تعبه ومعاناته في الحرب وبسبب كلام الجنود زمايله وقتها، عقله لما رجع من الحرب.. رفض إنه يتقبل الحياة الهادية البسيطة بتاعتنا دي، وخلق له معوق او حاجز جديد عشان يفضل عايش في مغامرة زي ما كان أيام الحرب، ده تفسيري لحالة جده، اما بقى بالنسبة لمصطفى نفسه، فانا محتاج اقعد في مصر فترة عشان اباشر علاجه بنفسي، مصطفى لازم يقعد مع شيوخ، ولازم كمان يقعد مع عمه ويواجهه.. لازم يعرف إن عمه كان بيضربه عشان مصلحته بالرغم من إن ده كان غلط، ولازم كمان يتأكد بنفسه إنه لما يتقري عليه قرأن، مش هيتاذي ولا هيجراله حاجة، والأهم من ده كله، إن احنا لازم نستمر معاه في الجلسات ونحاول نفصل الشخصيات الكتير اللي جواه دي عن بعض ولازم نقعد ونشرحله إن في حالات زيه كتير وإن جده ماكنش ملبوس من الأساس، وانا بعدها بأكدلك، إنه بأذن الله هيخف وهيتعافى، لأن من الواضح كده إنه بيستجيب للعلاج، بس في ملحوظة أخيرة لازم تعرفها يا دكتور، انا بكلامي ده مابكدبش إن في جن وعفاريت ولا حتى بكدب كلام الدين، الجن موجود والشياطين موجودين في كل الأديان، لكن اللي حصل لجد مصطفى ده كان أمر عادي، وموت الشيخ بعدها برضه كان أمر عادي وصدفة عادية جدا.. يعني وارد اوي إن أي حد وهو مروح بيته، تخبطه عربية ويموت، ولحد هنا بقى اسمحلي اقولك إنك كنت غلط، مش أي حالة لمريض إحنا مش عارفين هو عنده ايه او ايه نوع مرضه، نجري ونقول إنه ملبوس، يا دكتور إسماعيل، ربنا زي ما خلق الجن والشياطين، فهو برضه خلق المرض والعلاج، واللي عند مصطفى ده مش مس.. مصطفى مريض ولازم يتعالج، ولازم انت تساعدني في علاجه ده.
سكت الدكتور إسماعيل لما حس إنه مش قادر يرد عليا ولا يعارضني، او تقدر تقول كده إنه من الأخر، صدق في كلامي واقتنع إن مصطفى مريض وكمان بدأ معايا في رحلة علاجه.. رحلة علاجه اللي لسه مستمرة لحد النهاردة بالرغم من إنه خرج من المستشفى واشتغل وعاش حياته، لكنه لسه.. لسه لحد النهاردة بيحضر معانا جلسات وبيمشي على مهدئات خفيفة جدا، والحمد لله يعني.. مع استمرار الجلسات اللي بقعد معاه فيها ومعاملة عمه له اللي بقت أفضل، وقعاده مع شيوخ بجد من الأزهر الشريف، ابتدى مصطفى شوية بشوية يتعافى، وابتدت الأعراض تقل من عنده لحد ما شوية بشوية هتختفي خالص، ومن عند نهاية، او بداية نهاية حكاية مرض مصطفى، خليني اقولك يا عزيزي إن الشيطان والجن موجودين اه، بس برضه المرض النفسي موجود، يعني مش أي تهيؤات بتشوفها او شوية اكتئاب تمر بيهم، تقول ده عمل معمولي او جن لابسني، النفس البشرية والمخ مُعقدين بشكل كبير، وفي النهاية وقبل ما انهي كلامي وانهي مشواري مع حالة مصطفى اللي زي ما قولت بدأ يتعافى، خليني اقولك كلام مهم اوي.. ماتتكسفش، ماتتكسفش لو احتاجت تتكلم مع حد او تخرج اللي جواك إنك تروح لدكتور نفسي، عيادات الطب النفسي مش للمجانين زي ما السينما والتلفزيون بيصورلنا دايمًا، ماتستسهلش وتروح لشيخ لو شوفت كوابيس او لو حسيت بحاجات غريبة، جرب ولو لمرة إنك تروح الاول لطبيب نفسي "شاطر" واتأكد إنك سليم عقليًا ونفسيًا، قبل ما تقول على نفسك ملبوس، لأن صدقني.. التأخر في علاج المرض النفسي، هو اسوء بكتير من حالات اللبس والسحر نفسها، ونهايته غالبًا بتكون يأما الانتحار، يأما الوحدة والانعزال.. وخليكوا دايمًا فاكرين إن ربنا عزوجل، زي ما خلق الداء، خلق معاه الدواء، فمش عيب ابدًا إنك تتعالج عند طبيب نفسي، بدل ما تروح لدجال مش على دراية بدينه بشكل كافي، ونهايتك تبقى أسوء من اللي كنت عليه..
تمت
#محمد_شعبان

ليست هناك تعليقات