إبحث عن موضوع

قصة كودية الزار

من غير مُقدمات كتير.. انا ست من القاهرة، كبرت لقيت نفسي عايشة مع ابويا وعمتي في حي راقي جدًا، ومع مرور السنين وإدراكي للحياة، بدأت أسأل ابويا عن أمي، في الأول كان مابيجاوبش او بيزعقلي ويقول لي إنها مسافرة، لكني لما سألت عمتي وبدأت الح عليها في السؤال، قالت لابويا إن انا كبرت ولازم افهم كل حاجة، ف جابني ابويا وقعدني قدامه وقال لي بالنص كده..
(من يوم ما عديتي ال ١٦ سنة وبقيتي واعية للدنيا، وانتي مافيش على لسانك غير السؤال على أمك.. أمك اللي حاولت كتير إنك ماتعرفيش حاجة عنها، وكنت في كل مرة بتسأليني عنها بتوه في الكلام، او مابرضاش اجاوبك، بس بما إنك بقى مصممة تعرفي أمك تبقى مين وحكايتها ايه، ف انا هحكيلك كل حاجة...
من حوالي ١٧ سنة او اكتر شوية، كنت شاب وليا اصحاب كتير، صاحب منهم كان من منطقة شعبية، وفي مرة وانا بزوره في منطقته، شوفت امك بالصدفة، عجبتني بصراحة لأني شوفت فيها جدعنة وشهامة بنت الحارة، وده اللي ماكنتش بلاقيه في البنات اللي بشوفهم في المجتمع اللي انا عايش فيه، ف سألت صاحبي عليها وعرفت بيتها وحاولت اوصل لها بكل طرق.. لكنها كانت بتصدني، وماكنش في أي طريقة قدامي عشان اوصل لها.. غير إن انا اتقدم لأهلها، وهنا بقى كانت المُشكلة، أمها وابوها كانوا ناس من بتوع الموالد والأعمال.. يعني مش بس مستواهم أقل من مستوانا، دول كمان بسم الله ماشاء الله يعني، ناس سمعتهم سابقاهم.. وده اللي خلى ابويا وامي يرفضوا الجوازة تمامًا، لكن انا بقى أصريت عليها وروحت اتقدمت لها لوحدي لأنها كانت عجباني اوي بصراحة، وعشان الجوازة كانت تتم وانا اكون راضي، شرطت عليها إنها تبعد عن أهلها وتتجنبهم، والغريبة إنها وافقت واتجوزنا وعيشنا انا وهي في شقة بعيد عن أهلي وأهلها، ولما بقولك كلمة غريبة على إنها وافقت، ف انا هنا بقصد موافقتها بسهولة وسلاسة على إنها تسيب أهلها وتقاطعهم عادي كده بسببي.. بس مع الوقت ومع مرور حوالي سنة على جوازنا، اكتشفت إن موافقتها دي ماكانتش شيء غريب ولا حاجة، وده لأنها كانت بتروحلهم من ورايا وعلاقتها بيهم كانت كويس جدًا، ولما راقبتها لما كانت بتخرج وعرفت إنها بتخدعني، اتعصبت عليها وحصلت ما بيننا مشكلة إنتهت بإنها مش هتروحلهم تاني، وبعد المشكلة دي بحوالي شهرين.. أمك بقت حامل فيكي، بعدها انتِ جيتب وقولت بقى إن حياتي هتبقى أحسن وهنعيش في تبات ونبات زي ما بنسمع في الحواديت، لكن في الحقيقة ده ماحصلش.. أمك كانت بتاخدك من ورايا وبتروح لامها الدجالة وكمان كانت بتعمل عندها اللي بيسموه زار ده.. ومع معرفتي المرة دي باللي هي كانت بتعمله، اتخانقت معاها خناقة أكبر وكمان طلقتها وخدتك منها.. خدتك لأنها ماينفعش لا تبقى أم ولا تربي بنت.. ولا حتى ولد، مش علشان مستواها ومستوى أهلها وكل الكلام الخايب ده، لأ.. اللي زي امك دي ماينفعش تبقى أم لأنها ست كدابة.. خدعتني وقالت إنها بعدت عن أهلها وسكتهم، وهي في الحقيقة كانت بتروحلهم من ورايا وكمان كانت بتساعدهم في شغلهم، وطبعًا ماكنش ينفع تاخدك ولا تشوفك، لأن اللي زي دي ممكن تأذيكي بالأعمال وبالدجل اللي بتعمله ده.. وعشان كده خدتك منها وعزلت من شقتي القديمة وعيشت انا وانتي واهلي اللي رضيوا بالأمر الواقع، لحد ما مع الوقت ابويا وامي ماتوا ورا بعض، وماتبقاليش غير عمتك اللي اتجوزت واطلقت من جوزها لأنها مابتخلفش، وده السبب اللي خلاها تعتبرك بنتها وتعيش عشان تربيكي، اعتبرتك الهدية اللي ربنا بعتهالها عشان يعوضها بيها عن عدم الخلفة، اما انا بقى، ف انا عيشت حياتي عشانك وبس.. مابقاش ليا أي هم في الدنيا غيرك، مافكرتش ولو للحظة إن انا اجيبلك مرات أب تضايقك او تعيشك في حياة انتي ماتحبيش تعيشيها، وبصراحة كده.. انا كمان ماتجوزتش لأني لسه بحب زينب.. انا لسه لحد النهاردة بحب امك يا بنتي، بس للأسف ماينفعش، ماينفعش لا اعيش معاها ولا ارجع لها ولا حتى اشوفها، اللي زي دي.. مابيجيش من وراها أي خير إلا بإجتنابها)
خلص ابويا كلامه وانا مذهولة، ماكنتش مصدقة اللي انا بسمعه في الاول، ده زي ما يكون فيلم عربي قديم انا جزء منه، وفي نفس الوقت برضه، انا ماعرفش عنه أي حاجة!
لكن في نهاية كلام ابويا، أصريت إن انا اعرف عنوان امي، في الأول ابويا ثار وزعق وقال لي إني لو روحت لها هتأذيني، لكني هَديته وقولتله إن انا هشوفها بس من بعيد ومش هقربلها.. ومع ضغطي عليه انا وعمتي اللي ماكانتش بترفضلي طلب، اداني العنوان وروحت لها، كانت عايشة في بيت من البيوت القديمة موجود جوة حارة بسيطة.. والحارة اللي كانت عايشة فيها دي، كل أهلها تقريبًا كانوا يعرفوها، لأني أول ما سألت على بيت زينب كودية الزار، ناس كتير دلوني ووصفوا لي البيت.
وصلت قصاد البيت اللي كان بابه مفتوح، شوفت جواه واحدة ست ومعاها رجالة كتير بتديهم فلوس، كانت واقفة مع واحد منهم وقالتله وهي رافعة حاجبها اليمين...
(دي نص الفلوس، والنص التاني بعد الزار بتاع بكرة، الجن اللي على البت انا هصرفه بكرة وهاخد من امها باقي الفلوس، وساعتها بقى هبقى احاسبكوا على كل فلوسكوا.. خد يا حبيبي وماتبرقليش.. ورايا أشغال تانية)
بصيت لها باستغراب وانا بتأمل ملامحها، ابويا كان معاه حق، الست دي مستحيل تكون أمي!
قطع سرحاني وتركيزي معاها عينيها لما جت في عينيا، نظراتها كانت جامدة، عينيها ماكنش فيها لا حب ولا كره.. عيون لأنسانة روحها فاضية، او تقدر تقول كده إنها جسم من غير روح...
(خشي يا حبيبتي.. خشي ماتخافيش، ده مهما كان برضه بيت امك..)
برقت لها أول ما قالتلي كده، مابقتش عارفة اقول لها ايه ولا اتصرف ازاي، رجليا اتحركت غصب عني ودخلتلها وانا بقول لها بارتباك...
(انتي تعرفيني؟!..)
ضحكت وهي بتقعد على دكة من الدكك اللي كانت في صالة البيت..
(ألا اعرفك.. انا من يوم ما ابوكي خدك مني وانا بطمن عليكي يوماتي، بطمن عليكي بطريقتي يا بنت بطني)
اتاخدت وحسيت بالقلق من كلامها، وكمان ريحة البخور الغريبة اللي كانت مالية البيت وأشكال الناس اللي كانوا خارجين من عندها، زودوا القلق جوايا وخلوني قولتلها بصوت مهزوز وانا عنيا بتدمع...
(ليه كده يا ماما.. ليه عملتي كده؟!)
لكنها ماتهزتش وردت عليا بنفس نظراتها الجامدة وهي بتبتسم ابتسامة مش في وقتها خالص..
(نصيبي يا قلب امك.. نصيبي إن انا اكمل اللي ابويا وامي بدأوه، نصيبي إن ابوكي عشان غني ومقتدر ياخدك مني، ونصيبي برضه إن انا افضل عايشة طول العمر بعيد عنك..)
لما قالتلي كده، حسيت إن دي مش امي.. اه مش امي، ولا حتى تنفع تبقى أم من الأساس زي ما بابا قال، دي حتى مافكرتش بعد السنين دي كلها تاخدني في حضنها ولا تحسسني بحنانها!
وعشان أحساسي بالحزن من ناحيتها، وبسبب مقابلتها الجافة ليا، اديتلها ضهري ومشيت من البيت وانا بقول لها...
(وهفضل كل اللي باقي من عمري بعيدة عنك.. يارتني ما جيتلك ولا دورت عليكي.. يارتني ماعرفت إن ليا أم وعايشة من الأساس..)
سيبتها ومشيت ورجعت عيشت حياتي، كملت دراستي وبدأت اركز مع مستقبلي عشان احقق حلم بابا فيا، والحمد لله ذاكرت واجتهدت ودخلت كلية الهندسة وكمان اتخرجت واشتغلت، لكن ما بين كل فترة والتانية كده غصب عني كنت بعدي بعربيتي من المكان اللي فيه الحارة، غصب عني.. دي مهما كان برضه أمي ويكفي بس إن انا اطمن عليها ولو من بعيد، وفعلًا لما كنت بعدي اوقات كنت بشوفها بالصدفة من بعيد كده وكنت بطمن إنها بخير ولسه عايشة، لكني للأسف.. لا كان ينفع اقرب منها ولا حتى كان ينفع إني اتكلم معاها.
وفضلت على الحال ده لحد ما قابلت مهندس بيشتغل معايا في نفس الشركة اللي بشتغل فيها.. حبني وانا كمان حبيته، ف اتقدملي وبابا وافق عليه وكمان اتفقوا على يوم الخطوبة، بس يومها بقى ووقت ما كان خطيبي بيلبسني الدبلة عندنا في البيت، ظهرت أمي قدامي، ماعرفش جت منين ولا جت ازاي أساسًا ولا أيه اللي جابها..!
ابويا اول ما شافها قام وقف وبرق لها، ماقدرش ينطق ولا يقول أي حاجة، ماعرفش بقى هل خاف منها ولا فرح إنها جت ولا زعل.. في الحقيقة ماكنتش اعرف احساس ابويا كان ايه، بس اللي كنت متأكدة منه هو أحساسي انا اللي خلاني ابص لها من فوق لتحت واقولها بقلب جامد زي قلبها..
(انتي ايه اللي جابك، مكانك مش هنا... روحي للطريق اللي اختارتيه وسيبيني اعيش حياتي زي ما ربنا اختارهالي)
اتمشت وسط الموجودين لحد ما وقفت قصاد ابويا وقالت وهي بتبتسم ابتسامتها البايخة..
(عيب لما تكلميني بالطريقة دي يا حبيبتي.. ولا انت.. وانت بتربيها ماعرفتش تعلمها الصح من الغلط؟!..)
وكملت كلامها وهي بتتمشى من عند بابا وبتيجي ناحيتي انا وخطيبي...
(انا جاية اباركلك يا حبيبتي.. اهلًا يا عريس، يا زين ما اختارت)
سلمت على خطيبي اللي مد لها إيده وهو بيبص لي باستغراب...
(مين دي وبتتكلم معاكي كده ليه؟!)
ف ردت عليه بتريقة وهي بتبص لي..
(أمها يا حبيبي.. انا ابقى أمها اللي بتتبرى منها لدرجة إنها ماقلتلهاش إنها هتتخطب)
وقتها قومت وقفت ورديت عليها بعصبية..
(وانا اقول لك بتاع ايه.. انتي كنتي عايشة معايا ولا ربتيني أصلًا عشان اقولك إن انا كبرت وهتخطب؟!)
ومع سماعها لكلامي ده، بصت لابويا وقالتله..
(لا جدع.. عرفت تقسي قلبها بصحيح...)
وراحت مكملة كلامها وهي بتبص لي انا وخطيبي..
(وانتي بقى مش هتتخطبي ولا هتتجوزي إلا بموافقتي ورضايا، ومن هنا لحد ما اموت.. مش هتنفع لك أي جوازة إلا لما انا اشوف العريس واقولك اه ولا لأ.. سلام يا بنت بطني)
خلصت كلامها وخرجت من البيت، طبعًا وقتها انا اتعصبت والليلة باظت، وكمان خطيبي وأهله سابوا الدبل ومشيوا.. كانت ليلة مش فايتة بصراحة، لأني فضلت طول الليل قاعدة بعيط في أوضتي، ماسمعتش أي كلام من بابا او من عمتي.. انا بس كنت عايزة افضل مع نفسي، فضلت اعيط واعيط من كل قلبي بسبب الليلة اللي زي أي بنت كنت بتمناها تبقى أجمل ليلة في العُمر، لكنها طبعًا اتقلبت لكارثة بسبب أمي.. أمي اللي ماحدش في الدنيا أذاني قد ماهي أذتني باللي عملته فيا يومها عشان بس تثبت لنفسها ولابويا إنها قادرة تتحكم في مصيري..
ومع كُتر عياطي ووجع قلبي، الصداع والألم خلوني غصب عني اترميت على السرير وبدأت مش انام بقى، انا كنت زي اللي مخها داخل في غيبوبة لأنه رافض الواقع اللي حواليه، لحد ما فجأة سمعت من برة أوضتي صوت حد بيتكلم، ماكنش صوت بابا... ده كان صوت خطيبي، ايوة انا عارفاه كويس.
قومت بسرعة من على السرير وخرجت برة الأوضة، ماكنش في حد.. الشقة كانت ضلمة وبابا وعمتي كانوا في أوضهم!
وقفت لمدة ثواني كده وانا بحاول اسمع صوت خطيبي جاي منين، لحد ما قدرت احدد إنه جاي من الحمام!
اتمشيت ورا الصوت لحد ما وقفت قصاد باب الحمام اللي مفتوح، وقفت متمسرة في مكاني لما شوفت المنظر اللي شوفته قدامي...
انا شوفت خطيبي واقف في نص الحمام، نصه الفوقاني ماكنش لابس فيه هدوم، وكان ماسك في إيده موس حلاقة وعمال يشرح بيه في جسمه وهو باصص للسقف!
ماقدرتش اتمالك نفسي، حطيت إيدي على بوقي وبعلو صوتي ابتديت اصرخ، ومع صرختي، بص لي خطيبي وقال لي وهو بيبتسم نفس ابتسامة أمي الجامدة....
(مش هتتم.. الجوازة مش هتتم..)
وفضل يكرر في جملة الجوازة مش هتتم الجوازة مش هتتم.. وانا عمالة اصرخ عشان ماسمعوش، لحد ما اتنفضت في مكاني لما حسيت بحد بيلمسني من دراعي..
(مالك يا بنتي.. فيكي ايه، واقفة بتصرخي كده ليه قدام باب الحمام الساعة دي؟!)
بصيت جنبي لقيته ابويا، ولما شاورت له على الحمام ولسه هقول له إن في مصيبة جوة، مالقتش حاجة.. نور الحمام كان مطفي وكمان الحمام نفسه كان فاضي!
اترميت في حضن ابويا وفضلت اعيط، انهارت ومابقتش قادرة حتى اتكلم او اقول له أي حاجة، ف خدني من إيدي ودخلني أوضتي وشربني مايه وفضل قاعد جنبي طول الليل لحد ما النهار طلع ونمت، ومع طلعة شمس يوم جديد، خبط باب شقتنا، كان خطيبي اللي جه عشان يعتذر لبابا عن إنه يكمل في الجوازة دي، وعلى فكرة هو قال لبابا إن اللي امي عملته في الفرح.. مش هو بس السبب في إنه عايز يفركش... ده اللي امي عملته كان سبب مهم وأساسي أه، لكن السبب التاني بقى إنه حلم بالليل وهو نايم إن في ستات كتير لابسين اسود في اسود وبيضربوه على جسمه بكرابيج، ولما صحي من النوم، لقى أثار خرابيش على جسمه مكان الضرب اللي اتضربه، والحاجة اللي كان فاكرها كويس اوي لما صحي.. هو صوت امي اللي سمعه وهو جوة الحلم..
(الجوازة مش هتتم.. الجوازة مش هتتم..)
والجوازة فعلًا ماتمتش وكمان سمعتي باظت في الشركة اللي كنت بشتغل فيها بعد ما كلهم عرفوا إن امي ست دجالة، وده خلاني سيبتها واشتغلت في شركة تانية وبدأت حياة جديدة، لكن المرة دي بقى كنت واخدة عهد على نفسي إن انا ماتجوزش عشان اللي حصل قبل كده مايتكررش تاني، لحد ما بعد حوالي سنة ونص، أبويا اتوفى وبعده بشهرين عرفت إن أمي هي كمان اتوفت، وبالرغم من كل اللي عملته فيا إلا إن انا وعمتي وقفنا في غسلها وفي دفنتها وكمان دعيت لها بالرحمة وبأن ربنا يسامحها، والحمد لله يعني.. نيتي الطيبة وعدم كرهي ليها بالرغم من اللي شوفته منها، ربنا ردهولي في أنسان محترم يبقى إبن صاحب الشركة الجديدة اللي كنت بشتغل فيها، اتقدم لي وخطبني من عمتي واتجوزنا، ودلوقتي انا جايبة منه ٣ صبيان والحمد لله سعيدة معاه فوق ما أي حد يتخيل، وعشان كده انا لحد النهاردة بحمد ربنا على عوضه ليا في جوزي وولادي، وكمان بدعي ربنا يطول في عمر عمتي ويرحم ابويا وكمان يرحم امي ويسامحها.. ربنا يرحمك أمي ويغفرلك كل اللي عملتيه في حياتك.. ربنا يرحمك يا زينب يا كودية الزار...
تمت
(تلك القصة، هي قصة حقيقية روتها أحدى المتابعات، ولك كل الحق عزيزي القاريء في التصديق من عدمه...)محمد_شعبان
كودية_الزار

ليست هناك تعليقات