إبحث عن موضوع

قصة فلتصمتوا

من ساعة ما وعيت ع الدنيا وفي قانون أساسي في العالم بتاعنا، القانون ده صدر لما البشر انقسموا لشقين، شق عايش في المباني العالية الي بعد النهر، والشق التاني الي عايش في الأكواخ الي على ضفاف النهر والي هايلة للسقوط في أي وقت من تأثير فيضانه، والي أنا منهم.

القانون صدر لما البشر الي ساكنين في المباني العالية حصلهم طفرة جينية، طفرة غريبة خلتهم بمجرد سماع أي صوت بشري يسببلهم ألم جسدي شديد، من الوصف الي عرفته إنه عامل زي نار، نار بتحرق في جسمهم لحد ما يموتوا! 

ومن ساعتها بقى ممنوع أي شخص في العالم يتكلم، ينطق، أو حتى يهمس، لغة الإشارة بقت الحل الوحيد، مسمعتش صوت بشري من ساعة ما اتولدت إلا صوت واحد، كان صوت عمي، كنت صغير ساعتها، كان بيتألم من المرض، ف..فمقدرش وصرخ، ساعتها شوفت الرعب في عين البيت كله، مكنتش فاهم حاجة، كانت ثواني بتعدي قبل ما الاقي رصاصة اغماء اخترقت الشباك وجت في رقبة عمي الي فقد الوعي في ساعتها، وفي ثواني " منفذين الحكم" كانوا في البيت.

دول الناس الي عينتهم البلد وبالأخص الناس الي عايشين في المباني العالية بتنفيذ القانون على أي شخص يتكلم، كانوا لابسين اسود، الأقنعة الي على وشهم كانت مرعبة، بابا حضني وغمى عيني، بس أنا شوفت، ساعتها مسكوا عمي، اخدوه واختفوا في لحظة. 

عمي فضل سنين كتير مختفي، كنت بسأل بابا، طب ليه مفيش حل للموضوع، زي مثلا يحاوطوا البيوت بتاعتنا بازاز عازل للصوت زي الي موجود في المستشفيات وأوض حضانات الأطفال بالأخص، قالي " البشر دايما بتختار الحل الأسهل"، بس عمي رجع، بعد ما كنا نسينا وجوده أساساً، بس كان متغير، مش عارف ايه الي حصله، كان دايما خايف، بيعيط دايما، بيبص حواليه كل ثانية، بيترعش! معداش شهر ومات. 

القتل، السرقة، الخطف، كل جريمة من دول ليهم عقوبة، بس إنك تتكلم، ده شيء مختلف؛ عامل زي تدنيس الأراضي المقدسة. 

بس الي كنت خايف منه حصل، الضيف الغير مرحب بيه وصل؛ الفضيان، والي أدى لتدمير أكتر من كوخ، إتلاف محاصيل كتير، المصايب كانت بتتوالى مرة ورا التانية، جوع، فقر، أمراض، بقالنا أكتر من يوم مبناكلش، حالة أخواتي الصغيرين كان يرثى لها، كنت أول مره أشوف الألم ده كله في عين أبويا وأمي، عايزين يساعدونا بس مش قادرين، الدموع بتتناثر من عين أمي، شفايفها بتتحرك بسرعة، لأ.. ارجوكي لأ، مبقتش مستحملة، هتصرخ من الألم.

كان لازم اتصرف، لازم صوت امى ميطلعش، ولو طلع ميتسمعش، ساعتها قررت اصرخ، اصرخ بأقوى صوت عندي، كان غريب، أول مره احس الاحساس ده، بس كان ممتع، ارتحت، شوفت الرعب في عيونهم، وبعدين حسيت بالشكة في رقبتي قبل ما افقد الشعور بأي شيء حواليا.

صحيت بعد فترة، بصيت حواليا، لقيتني في مكان كل جدرانه باللون الأبيض، لون مستفز، وكنا محاطين بإزاز من كل حتة، كنت لوحدي، لأ ثواني، كان في ناس، ناس كتير، كل واحد محطوط جوه غرفة زجاجية زي الي أنا فيها، بس في زي ماسورة كبيرة، بتوصل كل السجون ببعضها لسبب أنا مش عارفه، دققت النظر فيهم لقيتني عارفهم كلهم، أيوه .. ده رامز النجار، الي اختفى من سنتين، وده شهاب الي اختفى من ٤ سنين و..و، كلهم كانوا هنا، بس كان لونهم شاحب، وعمالين يبصوا حواليهم، مرعوبين. 

كلهم كان مربوط في دماغهم، جهاز غريب، ليه طرفين، متوصلين بالجنب اليمين والشمال من الدماغ، زي الي في راسي ده بالظبط، لسه بحط أيدي عليه، لقيتهم كلهم بصولي بصة رعب، كلهم هزوا راسهم، كإنهم بيقولولي " لأ متع.." قبل ما أشوف نور الجهاز الاحمر و احس بنار بدأت بدماغي، وبعدين نزلت على كتفي، وبعدين حسيت بيها في جسمي كله، نار بتحرق في كل حتة في جسمي، مش قادر من شدة الألم، صرخت للمرة التانية، ساعتها شوفت نظرات الرعب الي اترسمت في عيونهم كلهم، قبل ما الاقي كل أجهزتهم نورت بالنور الأحمر. 

كلهم بدأوا يترعشوا بنفس الطريقة، الألم باين في عينهم، بس محدش نطق، كلهم كانوا بيتألموا في صمت، بس أنا مكنتش مستحمل، كنت بصرخ، وفي كل صرخة الألم بيزيد أكتر، عينيهم بتدمع، بيبرقوا، بيبصولي بغضب، كإنهم بيصرخوا فيا " اسكت!" حاولت امسك نفسي، سكت، عدت دقايق والجهاز وقف، والألم وقف، ساعتها لقيتهم كلهم جريوا ناحيتي بغضب، ولولا الازاز الفاصل ما بينا والي فضلوا يرزعوا عليه زي المجانين كانوا زمانهم مقطعني لأشلاء. 

بدأت افهم قواعد المكان واحده واحده، برغم إن الازاز ده عازل للصوت، بس ممنوع الكلام، أي صوت بشري الجهاز بيلقطه ويسبب الألم الرهيب ده، أي صوت بيطلع من أي غرفة بيمشي من خلال الماسورة الكبيرة دي ويعدي على كل الغرف فبالتالي كل الأجهزة بتلقطه وكله بيحصله نفس المعاناة، يا ترى هو ده الألم الي بيحصل للناس الي عايشة في المباني العالية لما يسمعوا أي صوت بشري. 

أخدت فترة على ما اعتدت على الألم ده ومبقتش أصرخ، بس  كل كام يوم يا شخص بيموت يا شخص بيختفي، غالباً بيخرج، بيجيبوا واحد جديد مكانه، وطبعاً يا بيحاول يجرب الازاز العازل ويتكلم، يا إما يلمس الجهاز، وطبعاً بمجرد ما يصرخ كلنا بنضطر نستحمل الألم الرهيب ده، لدرجة إني بقيت بكره أي صوت بشري، بمجرد ما حد يتكلم بحس بالألم من غير ما الجهاز يشتغل.

سنة، اتنين، تلاتة.. مبقتش اعد، لحد ما في يوم حصل حاجة غريبة في المكان، كان في تحركات كتيرة من " منفذين الحكم"، كان في توتر كبير، سامع صوت رزع وخبط من بره، كان في هجوم من بره، الكهربا فصلت، كل حاجة وقفت، أبواب الغرف اتفتحت! خرجت انا وكل الناس من الغرف، دقايق وكنا في الشارع، لقيت ناس ماشية ماسكة شعل من النار، عصيان، كان في ضرب من الطرفين، مش فاهم في ايه، شوفت ناس من قريتي تقريبًا هم الي عملوا كل ده! 

بس سمعت صوت غريب، صوت سبب رعشة في جسمي، أهل قريتي كانوا عمالين يصرخوا ويزعقوا! " اسكتوا" حاولت اسد ودني، الجهاز هيشتغل؟! مش عارف، بس حاسس بألم شديد، " كفاية"... أسئلة كتيرة طرأت على ذهني، طيب لو ده الألم الي بيحس بيه الي عايشين في المباني العالية ف ده ظلم، احنا بنظلمهم، أصوات الألم بتطلع من المباني العالية، بس..بس احنا من حقنا نتكلم، ربنا ادانا الحق ده، صوت صرخات أهل قريتي بيعلى، الألم بيزيد " كفاية .. حرام ". 

أنا حاسس إني بدأت افقد عقلي، طيب مين فينا صح؟! مين فينا العاقل؟! من فينا المجنون؟! صرخات الألم بتقتلني، مين فينا الي بيظلم التاني؟! الألم بقى في كل حتة في جسمي، انا مش مستحمل، لقيت سلاح واقع ع الأرض، رفعته، " اسكتوا .. اسكتوا " الألم رهيب، لقيتني بضرب في كل الي حواليا زي المجنون، الطلقات عمالة تتطاير من سلاحي في كل اتجاه، أنا .. أنا ايه الي عملته ده ؟! أنا.. أنا قتلتهم، أنا مش فاهم حاجة، مش عارف حاجة.. بس كل الي اعرفه إن الي بيتكلم في بلدنا .. بيموت..
.
..
*تمت*

أتمنى تكون القصة عجبتكم،
.
#فلتصمتوا

هناك تعليق واحد:

  1. بسيطه و ممتعه وجميله وعلي فكره تنفع فكره لفيلم سينمائي شكرا لموقعكم الممتع الشيق استمرررررووووا

    ردحذف