إبحث عن موضوع

قصة الجاكيت الاسود

تفتكر ممكن تقابل الأشباح او الشياطين فين؟!... في البيوت المهجورة، في المقابر، في الأماكن الفاضية او الخَربة!

كل ده جايز وممكن جدًا إنه يحصل، لكن اللي مش جايز ومن الصعب إنه يحصل، هو اللي حصل معايا.. انا ببساطة كده طلعلي شبح من اخر حاجة كنت اتوقع انه يطلعلي منها، طب الشبح ده شبح مين وطلعلي منين وازاي، وانا مين اصلًا.. لما ابدأ احكيلكوا حكايتي وتقروها، هتعرفوا كل حاجة...
اسمي سيد عبد السلام

سني ٣٦ سنة

مهنتي هي محاسب في أحدى الشركات الكبيرة، ومش معنى ان انا محاسب في شركة كبيرة، ان عيشتي بقى مرتاحة ومرتبي كويس، لا والله ده بالعكس.. انا باخد مرتب اول عن أخر كده تلات تلاف جنيه في الشهر!

ايه مستغرب مش كده، والله انا كمان مستغرب زيي زيك بالظبط، لكن هنعمل ايه، هي دي الحياة وهي دي الشغلانة المستقرة الوحيدة اللي قدرت الاقيها، اصل في بلدنا في حكمة كده بتقول ان ماحدش بيشتغل بشهادته، وان حصل وحد اشتغل بيها يعني زي حالاتي كده، ف غالبًا مرتبه بيكون ضعيف، لكن في النهاية هنقول ايه.. اهي ماشية والحمد لله على كل حال، ماشية وانا ومراتي وولادي الاتنين عايشين بالمرتب ده على قدنا اه، لكننا الحمد لله عايشين وراضيين، وانا والله على ما اقدر بعمل اللي عليا، يعني.. بدخل جمعية هنا، على سلفة من هناك، واهو الحمد لله الحياة بتمشي وبتتقضى زي ما بتتقضى، ولو هتسأل نفسك وتقول، ليه الراجل ده مابيشتغلش شغلانة تانية جنب شغلانتوا عشان يحسن دخله، ف انا هقولك ان انا يا سيدي ببساطة كده بشتغل حوالي ١٢ ساعة في اليوم، يعني يادوب.. بصحى الساعة ٧ الصبح، وبتحرك من بيتي اللي في منطقة شعبية من مناطق القاهرة، وعقبال ما بنزل واركب الميكروباص عشان اروح لمقر شغلي، الساعة بتبقى ٩.. وده بقى معاد شغلي بالظبط، معاد الشغلي اللي بيبتدي من ٩ الصبح وبينتهي على ٦ المغرب، وعشان كده عقبال ما بتحرك من مقر الشركة اللي بشتغل فيها، واروح اركب وبعد كده اروح بيتي، بتكون الساعة تقريبًا بقت ٨ بالليل، وساعتها بقى بروح البيت وانا مقتول، ويادوبك باخد لي دش سخن، واقعد اتغدى مع مراتي والولاد، وبعد كده بدخل انام زي القتيل، عشان اصحى تاني يوم الصبح اروح الشغل، وخد على كده بقى طول الاسبوع، على طول بَدور في دايرة مافيش منها مخرج غير يوم الجمعة اللي هو اجازتي، وفي اليوم ده بقى، يأما باخد مراتي وولادي ونروح عند اهلي، يأما باخدهم وبنروح عند بيت حمايا اللي بالمناسبة يعني كان بيشتغل في الجيش قبل ما يطلع معاش، والشهادة لله يعني هو راجل طيب، يوم ما اتقدمت لبنته وطلبتها للجواز، ماشترطتش عليا بقى لا شبكة بكذا ولا مهر بكذا، هو قال لي انه بيشتري راجل وان كل اللي يهمه اخلاقي وحبي لبنته، وكان شايف بكده اني لو على خُلق وبحبها، هقدر ان انا احافظ عليها، وموضوع الماديات ده بقى ماكنش بيهتم بيه لأنه راجل مقتدر ماديًا، وبصراحة برضه اوقات كتير كان بيساعدنا وبيسلفني فلوس عشان اقدر امشي بيها حياتي، وبالرغم من أن انا بردله الفلوس دي تاني بالعافية طبعًا لأنه مابيبقاش راضي ياخدهم مني، إلا إنه أوقات كتير كان بيدي لولادي فلوس من ورايا، ولما كنت بروح له واقول له كده مايصحش، كان بيشخط فيا ويقول لي ان مش انا اللي هعرفه اللي يصح واللي مايصحش، وكان بيقول لي كمان انه بيدي الفلوس دي لبنته ولأحفاده..

بصراحة حمايا راجل طيب وربى بنته احسن تربية، وعشان هي متربية كويس وطالعة من بيت كله أصول، ف دايمًا كنت بلاقيها معايا وواقفة جنبي على الحلوة قبل المرة، دايمًا بتبقى واقفة في ضهري وعمرها ما اشتكت حتى لو الظروف جاية عليا زي الفترة اللي بداءِت فيها الحكاية اللي هحكيهالك دي، والفترة اللي انا هحكي عليها دي بقى كانت فترة دخول مدارس، يعني كراريس لولادي ولبس مدرسة ومصاريف مالهاش اول من أخر، بس انا المشكلة الكبيرة اللي كانت بتواجهني وقتها بقى مش فلوس دخول المدارس.. انا الحمد لله يعني كنت شايل قرشين على جنب كده كنت قابضهم من جمعية داخلها بمبلغ صغير من مرتبي، وبالقرشين دول قدرت اغطي مصاريف مدارس ولادي على قد ما اقدر، لكن زي ما قولتلك برضه.. ان المشكلة مش مشكلة مصاريف دخول المدارس اللي قدرت اتصرف فيها، انا مشكلتي الكبيرة هي إننا في الوقت ده كنا داخلين على فصل الشتا، وبصراحة كده يعني.. انا ومراتي وولادي ماكنش عندنا لبس شتوي جديد نقضي بيه الشتا اللي كانت داخلة علينا ببرودتها ومطرها..

وقتها كنت هتجنن؛ حرفيًا كنت بكلم نفسي وانا في الشغل او مثلًا قبل ما انام، مابقتش عارف اتصرف ازاي ولا اجيب منين مبلغ كويس اقدر اشتري بيه هدوم شتوية ليا ولعيلتي، مابقتش عارف اروح لمين ولا اطلب سلفة من مين، حمايا اللي بقيت مُحرج منه ومن افضاله عليا، ولا ابويا يا عيني اللي مكفي مصاريف امي واخواتي البنات بالعافية!

فضلت افكر لمدة ايام اتصرف ازاي، لحد ما في يوم دخل عليا المكتب مديري في الشغل، كان مُبتسم على غير عادته، بص لي وبص لعُمر زميلي اللي قاعد معايا في نفس المكتب وقال لنا..

(جهزوا نفسكوا يا شباب.. عندنا جرد الأيام اللي جاية دي، هنجمع حسابات وهنراجع فواتير كده تخص مبيعات ومشتريات الشركة، وفي مقابل الشغل الزيادة اللي هتشتغلوه، ولأن شركتنا هتكمل عشر سنين على انشاءها، ف صاحب الشركة قرر صرف مكافأة شهرين لكل المحاسبين اللي هيشتغلوا على الجرد ده.. بالتوفيق يا شباب، واعملوا حسابكوا انكوا في الايام اللي جاية دي ولمدة اربع ايام، هتشتغلوا ٣ساعات فوق ساعات شغلكوا)

كلامه ده بالنسبة لي كان زي النجدة.. مش مهم، مش مهم اشتغل ٣ ساعات زيادة ولا حتى ٨ كمان، المهم ان انا هاخد مكافأة شهرين.. يعني ٦ الاف جنيه، هقدر بيهم اجيب لبس الشتا ليا ولعيالي من غير ما استلف ولا اتحوج لحد، وبالفعل يا صديقي.. الدنيا مشيت وعملنا الجرد واستلمت المكافأة، بس يوم ما خدنا الفلوس ووقت ما كنت فرحان اوي، قعد اتكلمت مع عُمر زميلي في المكتب وقولتله...

-الا قولي ياض يا عُمر.. ماتعرفش محل هدوم كده تكون بضاعته كويسة وسعره على قد الأيد؟!

ضحك عُمر وبص لي وهو بيهزر هزاره المعتاد..

-جرى ايه يا ابو السييد، انت ناوي تشتري هدوم جديدة ولا ايه، انت عايز تتشيك وتروق على نفسك.. اممم شكلك شايف جوازة جديدة، ياه يا سيد ياه.. وانا اللي فاكرك الزوج المُخلص اللي..

قاطعته وهو بيتكلم لما قولتله...

-يا جدع انت بس بقى، انت بتقول ايه يا ابني، جواز ايه ونيلة ايه، هو الواحد ملاحق على الأولانية لما هيروح يتجوز واحدة تانية، وبعدين يا عم انا بحب مراتي وعمري ما ابص لغيرها، انا بسألك عن محل هدوم عشان عايز اشتري لبس شتوي لمراتي ولعيالي، وزي ما انت عارف يعني ان اللبس الشتوي اسعاره نار، وانا بصراحة ماعرفش محلات بتبيع حاجة نضيفة بسعر رخيص ولا مراتي كمان تعرف، وزي ما انت شايف اهو.. انا كل اللي احتكم عليهم ال ٦ الاف جنيه دول، وحقيقي مش عارف هجيب بيهم ازاي لبس تقيل ليا وللولاد وللمدام!

وقتها رد عليا عُمر بكل ثقة كده وقال لي..

-انت بتجيب هدومك منين؟!

رديت عليه..

-يعني.. من محلات هدوم عندنا في المنطقة، هم اه اسعارهم نار، بس حاجتهم نضيفة بصراحة.

رد عليا عُمر وهو بيتعدل في قعدته كده وبيحط رجل على رجل..

-طب ما تجرب محلات البالة.. حاجتهم نضيفة ومستوردة وكمان على قد الإيد، دول يا جدع بيبيعوا الهدوم بالكيلو مش بالقطعة.

وقتها بصيت له باستغراب كده..

-بالكيلو!.. بالكيلو ازاي يعني، هي بطاطس!

ضحك عُمر ضحكته المعتادة وبعد كده قال لي..

-يا عم بطاطس ايه الله يخربعقلك، دي محلات بتبقى جايبة هدوم مستوردة، بس الهدوم دي بقى بتبقى مستعملة استعمال خفيف اوي، بينضفوها ويكووها ويروقوا عليها كده، وبعدين بيبعتوها للدول اللي زي حالاتنا كده بسعر رخيص، انا اعرف محل بتاع واحد معرفة، بيبيع هدوم شتوي بالنظام اللي بقولك عليه ده.

وقتها مسكت الورقة والقلم وقولتله..

-طب اديني عنوانه وقول لي هو بيبقى فاتح لحد الساعة كام.

رد عليا عُمر..

-بيفضل فاتح لحد الساعة واحدة بعد نص الليل، ولو ع العنوان ف سهلة، اكتب عندك يا سيدي...

خدت العنوان من عُمر وكتبته في ورقة وبعد كده خلصنا كلامنا وكل واحد فينا رَوح على بيته، يومها كان يوم خميس، يعني كان صابح اجازة من الشغل، وعشان كده بعد ما خلصت كلامي مع عُمر وروحت البيت واتغديت، خدت بعضي ونزلت من غير ما أَعرف مراتي المكان الحقيقي اللي انا رايحه، كنت بصراحة كده عايز اعملهالها مفاجأة، خصوصًا بقى إنها ماتعرفش بموضوع المكافأة ده، المهم نزلت من البيت وقولت لمراتي ان انا نازل اقعد على القهوة شوية، بس في الحقيقة انا ماقعدتش على القهوة، انا نزلت عشان اروح للمحل اللي عُمر اداني عنوانه، بس قبل ما اروح له لفيت شوية وقولت اشوف اسعار اللبس عاملة ازاي، وكانت الصدمة بالنسبة لي لما عجبني چاكيت في محل ما، وقفت اتفرج عليه من بعيد كده ف عجبني شكله ولفت نظري، وعشان كده خدت بعضي ودخلت المحل عشان اسأل على سعره، واول ما دخلت.. صاحب المحل استقبلني استقبال الفاتحين بسبب يعني حالة الركود وقلة البيع والشرا وكده...

-اهلًا اهلًا.. اتفضل يا أستاذ، اؤمر؟!

رديت عليه على استحياء..

-الأمر لله.. كنت عاوز اعرف بس سعر الچاكيت الرجالي ده كام؟!

رد عليا وهو بيروح ناحية فاترينة المحل..

-الاسود ولا الكحلي؟!

رديت عليه وانا بشاور على الچاكيت اللي لفت نظري..

-لا ده.. الاسود.

بص لي صاحب المحل وقال لي..

-والله يا أستاذ انا ببيعه بألف و٦٠٠.. بس عشانك انت وعشان بصراحة كده السوق النايم، ف انا هحسبهولك بالف و ٤٠٠.. واكتر من كده مش هقدر انزل لك مليم كمان والا هخسر فيه.

لما صاحب المحل قال لي كده، بقيت واقف مبلم، يا نهار اسوح.. الچاكيت بس بالف وشوية، اومال لبس مراتي ولبس عيالي وبقية لبسي انا هيبقوا بكام!

فوقني من سرحاني صاحب المحل لما قال لي بصوته الغليظ..

-ها يا اوساذ.. هتشتري ولا انت جاي تتفرج وتفاصل وتتعبني معاك؟!

رديت عليه وانا مُحرج كده، او بمعنى اصح وانا بحاول اخرج نفسي من الموقف بشياكة..

-لا لا والله انا جاي اشتري، بس انا هلف لفة كده وارجعلك.

قولتله كده وخرجت من المحل وانا حاطط وشي في الارض، ومن ورايا كنت سامعه بيقول..

(زباين اخر زمن.. حاجة تقرف وتجيب الهم..)

كملت مشي وانا بضحك على كلامه، بصراحة الله يكون في عونه، اكيد هو كمان عنده مسؤوليات وايجار بيت ومحل ومصاريف زوجة واولاد، وبسبب قلة البيع والركود اللي حاصلين، اكيد حالته المادية مش مظبوطة، بس في الوقت ده بقى ماكنش قدامي غير حل واحد..

طلعت الورقة اللي كنت كاتب فيها العنوان من جيبي وخدت بعضي وطلعت على المحل اللي عُمر قال لي عليه؛ كان مش محل بالمعنى الحرفي، هو مكان كده عامل زي المخزن.. مليان هدوم محطوطة على الأرض، وقصاد البضاعة اللي كانت محطوطة على الأرض دي، كان في مكتب قاعد عليه شاب وقصاده كان قاعد شاب تاني، دخلت عليهم وقولتلهم..

-سلامو عليكوا.. ده محل البراني للبالة.

رد عليا الشاب اللي كان قاعد على كرسي المكتب وهو بيقوم يقف..

-اه يا استاذ.. احنا هنا مخزن البالة، اؤمر؟!

رديت عليه وانا بقرب منه..

-انا كنت عاوز اشتري هدوم ليا يعني ولولادي الصغيرين وكمان لمراتي وكده، ولما سألت واحد صاحبي بيشتغل معايا في الشركة اللي انا بشتغل فيها، وصف لي المحل بتاعكوا وقال لي ان عندكوا حاجات نضيفة باسعار مهاودة.

رد عليا الشاب ده وقال لي..

-اه طبعًا عندنا، نقي حضرتك اللي انت عاوزه ولما نيجي نوزنه مش هنختلف..

كمل كلامه وقال للشاب اللي قاعد معاه..

-قوم يا رضا مع الاستاذ وشوف هو عايز ايه..

قام الشاب معايا وبدأ يفرجني على الهدوم الموجودة، بصراحة كانت هدوم كويسة، هي أينعم شكلها مش نفس شكل الجديدة، لكنها والله كانت زي الفل، بس وانا بتفرج ومن وسط الهدوم الرجالي اللي كانت قصادي، لفت نظري چاكيت اسود شكله اجمل من شكل الچاكيت اللي انا شوفته في المحل اللي كنت فيه، وعشان كده مسكت الچاكيت وقولت للشاب اللي كان واقف جنبي..

-بكام ده يا أستاذ رضا؟!

خد الچاكيت من ايدي وقال لي وهو بيروح ناحية ركن من اركان المحل..

-تعالى نوزنه ونشوف هيطلع بكام.

هزيتله راسي بالموافقة ومشيت وراه، بس الغريبة بقى انه لما حط الچاكيت على الميزان، لقيته بيبص لي وهو بيقول..

-٤٢٥.. ولو هتشتري كميات تانية، استاذ حسن صاحب المحل هيعمل لك خصم.

اول ما قال لي كده طرت من الفرحة، معقول الچاكيت التقيل ده ب ٤٢٥ بس.. ده الچاكيت التاني كان تمنه اكتر اضعاف!

وبسبب رخص سعر اللبس، ف انا نَقيت طقم ليا وطقمين لولادي اللي بالمناسبة يعني واحد فيهم في رابعة ابتدائي والتاني في التانية ابتدائي، وكمان نقيت طقم جميل ومحترم جدًا لمراتي، ولما سألته عن اللبس الحريمي ده بيجي منين، ف قال لي انه بيجي من برة برضه، ما هو في دول اوروبية كتير بتصنع لبس حريمي واسع عشان يتناسب مع المسلمين اللي عايشين فيها..

المهم ان انا في الاخر وزنت الهدوم كلها وجه وقت الحساب، وساعتها بقى اتفاجأت ان الحساب كله ٤٨٠٠ جنيه، والاجمل من الحساب بقى، هو ان صاحب المحل عمل لي خصم وشال لي ٣٠٠ جنيه، يعني من الاخر كده، انا دفعت ٤٥٠٠ جنيه في لبس شتوي محترم ليا ولمراتي وللأولاد..

خدت اللبس وخرجت من المحل وانا طاير من الفرحة، واللي زود فرحتي اكتر واكتر بقى هي السعادة اللي اترسمت على وش مراتي وولادي لما شافوا اللبس اللي انا جايبه، بس للحظة كده وقفت مراتي قصادي وقالتلي..

-جرى ايه يا سيد.. انت جيبت الهدوم دي كلها منين، رد عليا يا سيد وقول لي الفلوس اللي جيبت بيها الهدوم دي كلها جيبتها منين.. اللبس الشتوي اسعاره مولعة، اوعى يا سيد تكون سرقت ولا تاجرت في المخدرات!

لما قالتلي كده فضلت اضحك وانا بقول لها..

-الله يخربعقلك.. اسرق ايه ومخدرات ايه اللي هتاجر فيها بس، كل الحكاية يا ستي ان انا خدت مكافأة من الشركة شهرين عشان الجرد اللي كنت بسهر اخلصه الايام اللي فاتت، وبال ٦ الاف جنيه اللي خدتهم دول.. قولت اشتريلنا هدوم شتوي بدل الهدوم القديمة اللي عندنا، ولاجل حظي الكويس بقى ان عُمر صاحبي طلع يعرف محل بيبيع هدوم بالة، يعني هدوم مستوردة ومستعملة استعمال خفيف كده بس شكلها جديد، واتفاجأت بالاسعار والله لما روحت المحل.. دول بيبيعوا الهدوم بالكيلو وانا اشتريت كل ده ب ٤٥٠٠ جنيه بس، لكن انا بس خايف لا حد يشوف الهدوم عليكي او عليا او على الولاد، ويقول انهم مش هدوم جديدة او..

قاطعتني مراتي وانا بتكلم لما قالتلي..

-او ايه يا سيد بس، المهم ان الهدوم حلوة وعجبانا وكمان هتأدي الغرض وهتدفينا.. مش مهم كلام الناس، وبعدين مستعملة فين بس، انا افتكرتهم جداد اصلًا.. لكن صحيح سيبك بقى من ده كله، انت توشكر على المفاجأة الجميلة دي وعلى كل حاجة يعني، بس تعالى هنا وقول لي.. فين بقية ال ٦ الاف جنيه؟!

ضحكت وانا بطلع لها بقية الفلوس وبقول لها..

-اهم يا ستي.. خدي الباقي اهو.

خدت مراتي الفلوس، وكملنا اليوم عادي لحد ما دخلت نمت، وتاني يوم الصبح صحيت من النوم فطرت انا وهي والولاد، وبعد كده نزلت صليت الجمعة، ولما رجعت خدتهم وروحنا عند اهلي لأن دي الجمعة المخصصة ليهم، قضينا اليوم هناك، كان يوم لطيف وجميل جدًا لحد ما روحنا البيت، بس انا بقى لما روحت وغيرت هدومي، وقلعت الطقم الجديد اللي كنت لابسه ولبست هدوم البيت، دخلت انام عشان اقدر اصحى للشغل من بدري كالعادة يعني، لكني اول ما حطيت راسي عالمخدة سمعت فجأة صوت خبط!

فتحت عيني بصعوبة عشان اتفاجيء بأن انا مش في بيتي، انا لقيت نفسي واقف في مكان شكله غريب ومليان ناس وانابيب، انا واقف في مكان اشبه بمستودع الانابيب، والمستودع ده كان مليان ناس، تقريبًا دول العمال اللي بيشتغلوا فيه، كانوا رجالة كتير بيشيلوا الانابيب وبيحطوها في عربيات برة المستودع، لكن من شكلهم كان باين إنهم مش مصريين، واللي لفت نظري وسط اللغة الغريبة اللي كانوا بيتكلموا بيها، شخص واحد كان واضح اوي بالنسبة لي، وكأني وانا جوة الحلم، كان في حاجة بتوجه نظري وبتخليني ابص عليه او اركز معاه اوي، اللي لفت نظري اكتر للراجل ده هو لبسه، ده لابس چاكيت شبه الچاكيت اللي انا اشتريته، لا لا مش شبهه.. ده هو هو نفس الچاكيت بالظبط!

مابقتش فاهم حاجة ولا عارف انا بحلم الحلم ده ليه، لحد ما فجأة الرجالة دول ابتدوا يختفوا واحد ورا التاني وماتبقاش غير اتنين، واحد منهم كان الراجل اللي لابس الچاكيت، وقفوا هم الاتنين يتكلموا مع بعض بلغة غريبة، ماكانتش عربي ولا انجليزي، دي كانت تركي!

وبالرغم من انهم كانوا بيتكلموا تركي، إلا إني كنت قادر افهمهم كويس، وده اللي عرفته لما لقيت الشخص اللي لابس الچاكيت بيتكلم مع اللي واقف قصاده بنفس اللغة، لكني كنت قادر افهمه وعرفت انه بيقول له..

(كان يوم مُتعب.. انا لازم اروح لفاطيما لأن زمانها قلقانة عليا، انت عارف صعوبة الطريق من هنا للبيت عاملة ازاي)

رد عليه الراجل اللي كان واقف قصاده وقال له..

(يلا بينا نقفل المستودع، واتمنى يا مسعود ان سلاحك يكون معاك، وياريت مايكونش في جيبك شيء له قيمة كبيرة)

رد عليه وهو بيخرج من المستودع..

(ماتقلقش يا صديقي، انا عامل حسابي وواخد احتياطاتي كويس اوي..)

قفلوا هم الاتنين المستودع وطفوا النور، وانا كنت واقف في مكاني ومش عارف اتحرك، هم ماكنوش شايفيني وكأني شفاف مثلًا، بس اول ما النور انطفى وانا جوة المستودع، حسيت ان انا قادر اتحرك.. فضلت اتمشي واخبط هنا وهنا في وسط الضلمة اللي حواليا، لحد ما فجأة راسي خبطت في حاجة، اول ما اتخبطت.. غمضت عيني لثواني كده وبعدين فتحتها تاني... 

يتبع

محمد_شعبان
محمد_جويلي
الچاكيت_الأسود

الچاكيت الأسود
(٢)

قفلوا هم الاتنين المستودع وطفوا النور، وانا كنت واقف في مكاني ومش عارف اتحرك، هم ماكنوش شايفيني وكأني شفاف مثلًا، بس اول ما النور انطفى وانا جوة المستودع، حسيت ان انا قادر اتحرك.. فضلت اتمشي واخبط هنا وهنا في وسط الضلمة اللي حواليا، لحد ما فجأة راسي خبطت في حاجة، اول ما اتخبطت.. غمضت عيني لثواني كده وبعدين فتحتها تاني، واول ما فتحت لقيت نفسي نايم على سريري في اوضة نومي، ماكنش في اي حاجة غريبة ولا كان في أي أثر للحلم، ده انا حتى وقت ما صحيت من النوم، ماكنتش حاسس ان انا تعبان او ان انا يعني مانمتش كويس، ده بالعكس، انا كنت قايم فايق وفي احسن حال، وطمنني اكتر صوت أذان الفجر اللي لما سمعته.. قومت اتوضيت وغيرت هدومي ونزلت المسجد عشان اصليه جماعة، وبالفعل نزلت صليت ووقت ما كنت راجع عالبيت، حسيت ان الجو ساقعة اوي، ف حطيت ايدي في جيب داخلي من جيوب الچاكيت، بس وانا حاطط ايدي في الجيب وبحركها بسرعة عشان تدفى، حسيت ان في حاجة في الجيب، دي ورقة.. ورقة ماعرفش جت ازاي ولا جت منين وانا اصلًا اول مرة استعمل الجيب ده او احط ايدي فيه من ساعة ما اشتريت الچاكيت، المهم.. طلعت الورقة دي عشان اشوف هي فيها ايه، لكني لما طلعتها اتصدمت!

دي مش ورقة، دي صورة!

صورة فيها نفس الشخص اللي شوفته في الحلم وهو لابس نفس الچاكيت، وجنبه في الصورة كانت واقفة واحدة ست شايلة طفل صغير، التلاتة كانوا سعداء اوي، لكن وانا ببص على الصورة في ذهول، في حاجة جوايا قالتلي اقلبها كده وشوف ايه اللي مكتوب في ضهرها، وهنا بقى كانت الصدمة التانية لما لقيت تلات اسامي مكتوبين بالتركي، انا عرفت اقراهم بسبب انهم كانوا أسماء سهلة، واللي صدمني اكتر واكتر بقى ان الاسامي التلاتة كانوا كالأتي..

(ماسوت.. يعني مسعود بالعربي، وفاطيما.. ودي ليها نفس المعنى او جايز تكون فاطمة، والاسم التالت كان كادر.. ودي ترجمتها قدر)

طب مسعود وعرفنا انه الراجل صاحب الچاكيت، وفاطيما دي عرفت انها مراته بسبب الحلم، طب مين قدر ده بقى، جايز يكون ابنهم، طب انا بشوف ده كله ليه، انا مش فاهم حاجة ولا لاقي تفسير للحلم العجيب اللي شوفته ده، وبعدين الحلم ماكنش فيه اي حاجة مؤذية تخليني اقلق، بس لا.. انا لازم اقلق، هو عادي يعني ان انا احلم حلم لصاحب الچاكيت اللي انا لابسه ولسه شاريه؟!

ماخدتش ايام عشان اعرف اجابة السؤال ده، لأني عرفتها في نفس اليوم بالليل، وده لأني بعد ما رجعت من صلاة الفجر.. فضلت قاعد شوية كده وانا ماسك الصورة، ولما الساعة جت ٧ الصبح... قومت خدت دش سخن وغيرت هدوم البيت لهدوم الخروج، اللي طبعًا كان منهم الچاكيت، وبعد كده فطرت انا ومراتي والولاد وخدت بعضي وروحت وصلتهم لمدرستهم اللي قريبة من البيت، وبعدين روحت ركبت وطلعت عالشغل، كنت طول النهار مش فايق ومش مركز، واللي كان مخليني محتار بقى، هو ان عُمر زميلي، كان تعبان يومها وماجاش الشغل، وده معناه ان انا مش هلاقي حد احكيله على اللي حصل معايا، وطبعًا مش هروح احكي لمراتي عشان ماقلقهاش، ف عشان كده فضلت ساكت طول اليوم وشغلت تفكيري بالشغل لحد ما خلصت الشيفت بتاعي ورَوحت، بس اول ما روحت واتعشيت وقبل حتى ما اقعد اتكلم مع مراتي كالعادة، حسيت فجأة كده ان راسي تقيلة وحسيت ان انا مصدع، وكان الحل الوحيد للحالة اللي انا كنت فيها هو النوم، دخلت اوضة النوم وحطيت راسي عالمخدة واتدفيت كويس وبدأت اروح في النوم، لكني فجأة صحيت على اصوات ناس بتزعق وكأنهم بيتخانقوا، فتحت عيني بصعوبة بسبب الصداع اللي كنت حاسس بيه، وساعتها لقيت نفسي جوة حلم تاني، بس المرة دي بقى كنت واقف في مكان ضلمة ومقطوع، لكن نور القمر وانوار عمدان النور الخافتة اللي حوالين المكان، كانت مخلياني شايف بوضوح كل حاجة، انا كان قصادي الشخص اللي اسمه مسعود ده وهو لابس نفس الچاكيت، وقصاده كانوا واقفين ٣ رجالة شكلهم يخض، كانوا بيتكلموا معاه بصوت عالي وكأنهم بيتخانقوا، وبالرغم يعني من انهم برضه كانوا بيتكلموا باللغة التركية، الا اني برضه كنت قادر افهم كلامهم، وبالتحديد يعني قدرت افهم كلام واحد من التلاتة لما قال لمسعود..

(بما انك قوي ومش هامك المشي من الطريق ده بالليل، بالرغم من انك عارف اننا موجودين.. ف اسمح لي بقى اطلع بنفسي كل اللي معاك)

وقتها رد عليه مسعود وهو بيزقه..

(ما هو مافيش طريق تاني امشي منه غير الطريق ده، انا راجع من شغلي ورايح بيتي ومابأذيش حد.. سيبني أمشي)

لما مسعود قال كده، اتدخل واحد تاني من التلاتة ومسكه من هدومه وقال له بصوت عالي وبعصبية..

(طلع الفلوس الللي معاك وإلا هننهي عمرك دلوقتي..)

في الوقت اللي قال فيه الكلام ده، كانوا الاتنين التانين، طلعوا من جيوبهم حاجة كده شبه السكاكين، لا لا دي مش سكاكين، دي اسلحة بيضا صغيرة، او زي ما بنقول كده بالمصري (مطوة)...

كان كل واحد منهم ماسك واحدة، لكن مسعود ماهموش وكمل في شجاعته للأخر وقال لهم وهو بيطلع مسدس من ضهره..

(مش هتاخدوا مني اي حاجة.. اللي هيقرب مني هضربه بالرصاص)

وقتها التلاتة فضلوا يضحكوا ويبصوا لبعض لحد ما فجأة وبدون اي مقدمات، ابتدوا هم التلاتة يطعنوه بكل قوة في بطنه، وقع مسعود على الارض وهو بيصرخ، وقبل ما التلاتة يقربوا منه عشان ياخدوا اللي في جيوبه، مسك مسعود المسدس اللي كان في ايده وتبت عليه بكل قوة وضرب منه طلقتين خرجوا من المسدس بعشوائية، واحدة من الرصاصتين دول دخلت في رِجل واحد من التلاتة، والتانية ماجتش في حد، وقتها صوت الرصاص خلاهم خافوا او جت لهم رهبة، والرهبة دي زادت لما شافوا صاحبهم وهو واقع على الارض وبيصرخ بسبب الرصاصة اللي خدها في رجله، وعشان كده شالوه الاتنين اللي كانوا واقفين على رجليهم وطلعوا يجروا بيه.. هربوا التلاتة من المكان وماتبقاش غير مسعود اللي فضل واقع على الارض وهو بينزف، كان بيصرخ بصوت عالي عشان اي حد يجي ينقذه.. لكن للأسف، المكان كان فاضي والشارع ماكنش حد ماشي فيه، دي حتى البيوت اللي قريبة من المكان، كانت ابعد ما يكون عن ان اي حد جواهم يسمع صوته ويجي يلحقه، لكن وسط صرخات مسعود ويآسه، فجأة ظهرت عربية شرطة كان من الواضح كده انها بتمر عادي في الشوارع، ومن حسن حظه انها عدت في المكان ده دلوقتي، طبعًا عربية الشرطة وقفت والظباط اللي فيها نزلوا منها وراحوا ناحية مسعود، واول ما شافوه غرقان في دمه، جريوا على العربية وكان واضح انهم بيكلموا الاسعاف عشان تيجي تاخد مسعود.. مسعود اللي كان واضح وباين قصادي جدًا إنه خلاص بيطلع في الروح، فضل المشهد على الحال ده شوية، لحد ما جت عربية الاسعاف وشالت مسعود وبدأت تتحرك هي وعربية الشرطة، لكن فجأة كده ومع تحرك العربيتين، حسيت براسي بتتقل وحسيت بصداع رهيب خلاني غمضت او رمشت بعيني، وساعتها المشهد كله اختلف من حواليا، انا لقيت نفسي واقف في مستشفى ومسعود كان نايم على سرير قصادي، الدكاترة كانوا ملمومين حواليه، وكان واضح عليهم القلق والخوف، قلعوا مسعود هدومه ورموها كلها في باسكت للقمامة، وابتدوا يفحصوا الجراح اللي في بطن مسعود، لحد ما دخلت واحدة ست من باب الأوضة اللي كنت واقف فيها.. وقصادي المنظر اللي قولتهولك ده، كانت نفس الست اللي في الصورة.. هي فاطيما مرات مسعود، اول ما دخلت مسكت ايده وقالتله بخوف وبقلق وهي بتبكي..

(ماتخافش يا مسعود... ماتخافش.. انت هتقوم عشاني وعشان قدر بنتك)

لكن الدكاترة طلبوا منها انها تخرج.. ف خرجت، وبعد ما خرجت قالوا لبعض انه لازم يتنقل لأوضة العمليات بسرعة لأن حالته خطيرة، وبالفعل شالوه وخرجوا بيه من الأوضة، وبعد خروجهم دخل عامل وخد الباسكت اللي كان جواه هدوم مسعود وخرج هو كمان، ومع خروجه ابتدا المشهد يتغير، انا لقيت نفسي واقف في اوضة مختلفة وقصادي كان مسعود وهو نايم على سرير وجسمه متوصل بأسلاك أجهزة وخراطيم، وقصاد سريره كان في لوح آزاز بيفصل الأوضة عن العالم الخارجي، ومن خلال الآزاز الشفاف.. قدرت اشوف فاطيما وهي شايلة بنتها وواقفة بتعيط وهي بتبص على مسعود، ووسط ده كله فوقني من اللحظة الصعبة دي اصوات صفرات الأجهزة اللي متوصلة بجسم مسعود، عشان باب الأوضة يتفتح ويدخلوا منه دكاترة وممرضات، عملوا لمسعود صدمات كهربية لأن من الواضح كده ان قلبه كان وقف، بس للأسف.. الصدمات ماجابتش نتيجة والأجهزة فضلت مستمرة في التصفير لحد ما الدكاترة والممرضين بصوا لبعض وبعد كده بصوا في الأرض....

(سيد.. سييييد... قوم يا سيد هتتأخر عالشغل)

المشهد اتغير من حواليا لما سمعت صوت مراتي وهي بتقول لي كده، رجعت لأوضتي تاني وساعتها اكتشفت ان اللي شوفته ده كله كان حلم برضه.. حلم.. لكنه حلم طويل وصعب اوي اوي، فَوقت نفسي من الحلم الغريب اللي شوفته ده وحاولت اخبي على مراتي ومابينش ان انا شوفت حلم ولا اي حاجة عشان ماخوفهاش، قومت من على السرير وغيرت هدومي وشربت فنجان قهوة في السريع كده ونزلت ولادي لمدرستهم وبعد كده روحت عالشغل، طبعًا انا كنت لابس نفس الچاكيت، لبسته عشان ماحسسش مراتي ان في حاجة غلط، وكمان لبسته عشان لما اشوف عُمر احكيله على اللي حصل معايا، بس للأسف.. عُمر يومها برضه ماجاش، وده لأني عرفت من المدير انه لسه في اجازة بسبب دور البرد القوي اللي عنده، وعرفت كمان انه هيجي تاني يوم بأذن الله، فضلت يومها قاعد طول النهار وانا ببص في الصورة ودماغي مشغولة، كنت ببص لشكل مسعود في الصورة وبقول له وكأنه قدامي..

(جرى ايه يا عم.. لو الچاكيت ده كان بتاعك، ومن بعد اللي حصل لك ده وهو اترمى.. واللي لقاه نضفه وباعه عشان في الأخر يتصدر من تركيا ويجيلي، انت بقى بتوريني اللي حصل لك في احلامي ليه.. الله يرحمك، ويارب مراتك اللي شكلها ست على قد حالها دي، تكون قدرت تتصرف وتربي بنتك من بعدك.. اييه.. انت حكايتك ايه بالظبط ولا عاوز توصل لي ايه بالأحلام دي...)

فضلت طول اليوم قاعد في مكتبي، يأما بشتغل يأما بكلم الصورة لحد ما اليوم خلص، وبعد ما ورديتي خلصت، خدت بعضي ومشيت من الشركة، ركبت الميكروباص اللي بيوصلني من عند باب الشركة لحد الشارع اللي انا ساكن في اخره، نزلت من الميكروباص وفضلت ماشي في الشارع لحد ما وقتها جت لي فكرة لما لقيت قصادي صندوق قمامة، ايوة.. انا قلعت الچاكيت وروحت بيه ناحية الصندوق، انا خلاص تعبت من الاحلام ومن مسعود ومن كل حاجة، وبعدين هو انا ناقص عفاريت، مش كفاية الغُلب اللي انا شايفه في حياتي، انا هاخلص منه خالص وهريح نفسي.. قلعت الچاكيت وكنت لسه هرميه، لكني فجأة وقفت لما جالي احساس بأن انا افتش فيه، واهو يمكن الاقي حاجة تدلني عن سبب الاحلام اللي بشوفها دي، مسكت الچاكيت كويس وفضلت اقلب فيه، الچاكيت كان مبطن ومنفوخ، هو ده موديله، بس لما ضغطت على بعض الأماكن فيه، بدأت احس بحاجة بتطلع صوت زي الخرفشة كده!

وقتها خدت الچاكيت وروحت بيه على البيت، قلعت هدومي واتصرفت عادي جدًا عشان مراتي ماتعرفش ولا تحس بأي حاجة.. لاني زي ما قولتلك كنت مخبي عليها عشان ماقلقهاش، وبعد ما كلت وقعدت مع ولادي شوية، قولت لمراتي ان انا هدخل اوضتي عشان عايز ارتاح شوية وياريت ماحدش يدخل عليا، وفعلًا.. دخلت الأوضة وقفلت الباب على نفسي ومسكت الچاكيت وحطيته قصادي على السرير، وبعد كده روحت جيبت مقص وقطعت ناحية المكان اللي حسيت بأن جواه حاجة غريبة ماعرفش هي ايه، لكني لما قطعت الچاكيت عرفت ايه اللي جواه، الچاكيت كان جواه فلوس محطوطة جوة اكياس وكأن في شخص مخبيهم، او شخص ايه بقى، ده اكيد مسعود هو اللي كان شايل الفلوس دي جواه لأن من الواضح كده انها فلوس مش مصرية، دي دولارات!

بصيت للفلوس باستغراب وانا مش عارف اتصرف ازاي، فضلت قاعد على السرير وانا بفكر هعمل ايه لحد ما حسيت ان مراتي بتحاول تفتح الباب، وقتها حطيت الفلوس مكانها جوة الچاكيت بسرعة وروحت شيلته في الدولاب وبعدين فتحت باب الأوضة، دخلت مراتي وبصت لي باستغراب..

-كنت قافل الباب ليه.. انت بتكلم واحدة يا سيد من ورايا؟!

لما قالتلي كده اتعصبت عليها وقولتلها ان كل كلامها ده تخاريف، وفي النهاية توهت الموضوع وقلبته خناقة عشان ننام وفعلًا نمنا، بس ليلتها بقى لما نمت ماحلمتش بحاجة، انا سمعت بس، وانا نايم سمعت صوت مسعود وهو بيقول لي..

(دَور على فاطيما.. هي وقدر محتاجين للي جوة الچاكيت)

قومت من النوم مفزوع بعد ما سمعت الجملتين دول، وفضلت صاحي لحد تاني يوم، ومع طلوع النهار عملت اللي بعمله كل يون الصبح... وفي النهاية روحت للشركة، بس في اليوم ده بقى عُمر كان موجود، اول ما شوفته ما صدقت لقيته، وقعدت حكيت له على كل اللي حصل معايا في الايام اللي فاتت، وبعد ما خلصت كلامي لقيته بيقولي..

-انت مكبر الموضوع كده ليه، ما تريح دماغك وتضرب على الفلوس يا عم، ويا دار ما دخلك شر.

لما قال لي كده رديت عليه وقولتله بعصبية..

-يا اخي انت شيطان، الله اعلم فاطيما وبنتها ظروفهم عاملة ازاي من غير الفلوس دي، انا عاوز اوصل لهم بأي تمن عشان اوصل لهم الفلوس، المبلغ كبير مش قليل، هو اينعم اوراق نقدية قليلة، لكنه بالتقريب كده بيساوي حوالي ١٠ الاف دولار!

برق لي عُمر وبعد كده قال..

-انت مجنون يا ابني.. ما تاخدهم واخلص، خدهم وارمي الچاكيت ومعاه ام الصورة دي، يا أخي ريح دماغك و..

قاطعته..

-لا مش هعمل كده انا.. انا عاوز اوصل لهم بأي طريقة، انشالله لو هروح السفارة التركية واسأل عليهم عن طريق الصورة، يا أخي ده انا وانت مجربين الزنقة بتاعت اخر كل شهر.. اتقي الله يا عُمر وفكر لي في حل اقدر اوصل بيه لفاطيما.

وقتها رد عليا عُمر..

-يا عم مش مستاهلة لا سفارة ولا سين وجيم، احنا نعمل سكانر للصورة ونبحث بيها على الانترنت، ولو لقينا حساب فيس او اي ايميل او حتى تويتر موجود عليه صورة لحد من الاتنين، ف ساعتها بقى هنقدر نتواصل مع صاحب الحساب ومنه نوصل لفاطيما.

لما عُمر قال لي كده، رديت عليه وقولتله..

-بس انا.. انا مابفهمش في السوشيل ميديا ولا ليا فيها، ما انت عارف.. انا راجل عملي وبتاع ارقام.

خد عُمر مني الصورة وحطها جوة الطابعة الديچيتال اللي بنشتغل بيها وهو بيقول لي..

-انت مالكش.. انا ليا، انا هجيبلك آرارهم حالًاااا.

بعد ما عُمر قال لي كده، وحط الصورة جوة الطابعة، قعد على الكمبيوتر وبعد شوية نده عليا وقال لي..

-تعالى يا عم سيد، جيبتلك اكونت الست من على الفيس بوك اهو.

لما قال لي كده بصيت له وانا مبرق وفاتح بوقي، خدت كام ثانية كده وانا مذهول، وبعدهم قولتله..

-انت عملت كده ازاي ياض يا ابن اللذينة!!

رد عليا وهو بيضحك وبيشاور ناحية شاشة الكمبيوتر..

-ولا حاجة يا عم، عملت سكان للصورة وخدتها على الكمبيوتر، ودخلت على الفيس بوك وحطيتها في بوست، والفيس بوك بقى فيه ميزة بقى، وهي انه بيعمل اشارة لحساب كل واحد وشه طالع في الصورة اللي انت بترفعها، ف لما رفعت الصورة.. جالي حسابين، حساب بأسم الراجل اللي اسمه مسعود.. وده ميت بالمناسبة، وحساب تاني بصورة الست اللي هي فاطيما.

-طب بقولك ايه، خش لها كده واكتبلها عن اللي حصل، بس ماتقولهاش اننا لقينا فلوس، قول لها ان احنا لقينا حاجة ثمينة جوة الچاكيت وحاول تعرف منها ايه هي الحاجة اللي كانت مع جوزها يوم ما اتقتل.

وفعلًا نفذ عُمر كلامي وبعت لها، كتب الرسالة بالعربي وترجمها بالتركي عن طريق برنامج ترجمة وبعتهالها، ولحسن الحظ انها ردت بعد دقايق على الرسالة برسالة، كانت طبعًا باللغة التركية، ف خدها عُمر وترجمها من التركي للعربي، وكان محتواها كالآتي..

(الچاكيت اللي انت بعتت لي مواصفاته ده كان بيمتلكه مسعود جوزي يوم ما اتقتل على ايدين قُطاع طرق وهو راجع من شغله، الچاكيت كان جايبه جديد، وحقيقي ماكنتش اعرف هو اشتراه ليه قبل الحادثة بيوم، بس لما انت حكيت لي اللي حصل معاك انا عرفت.. مسعود كان راهن المحل بتاعه بمبلغ ١٠ الاف دولار، وده لأن والده كان محتاج للفلوس دي جدًا، وعشان كده رهن المحل واشتغل في مستودع لأنابيب الغاز، والظاهر من كلامك ان مسعود قدر يجمع الفلوس دي من شخص ما من غير ما اعرف، عشان يديها للراجل اللي راهن المحل، وعشان يحافظ عليها وهو مروح من قُطاع الطرق اللي بيبقوا موجودين في طريقه وهو راجع من الشغل، ف اشترى الچاكيت ده عشان يخبي فيه الفلوس.. وهم قتلوه وهو فاتح الچاكيت ف ماتقطعش وجالك سليم، ارجوك.. انا وقدر بنتي محتاجين للفلوس دي جدًا عشان نسدد رهن المحل ونرجعه يشتغل من تاني، انا حاليًا بشتغل في الأعمال اليدوية وحالتي المادية صعبة جدًا من بعد ما مسعود مات.. ارجوك حاول ترجع لنا الفلوس دي باقصى سرعة وبأي طريقة)

لما قريت الرسالة بقيت مش مصدق اللي انا شايفه، معقول.. معقول يكون ده حقيقي، ده لو سيناريو فيلم مش هيتكتب بالدقة دي!

وقتها قولت لعُمر انه يكتب لها رسالة معناها ان انا هرجع لها الفلوس عن طريق حسابها البنكي، بس ياريت توافق تسيب لي الچاكيت كذكرى يعني على الصدفة الغريبة اللي حصلت دي، وفعلًا كتب لها عُمر الرسالة وبعد ما بعتهالها بص لي وهو بيضرب كف بكف..

-يا ابني انت يأما طيب لدرجة السذاجة، يأما مجنون، حد يفرط في ١٠ الاف دولار في زماننا ده.

لما قال لي كده عينيا دمعت وانا برد عليه وبقول له..

-ما انت لو في موقفي كنت هتقدر، انا من كام يوم روحت اشتريت لعيالي هدوم مستعملة عشان يتدفوا، نفس الظروف ونفس الحوجة، المحتاج بيحس بالمحتاج اللي زيه حتى لو اختلفت البلاد والظروف، واكيد ظهور مسعود ليا في الحلم، وان ربنا خلاني اشوف اللي شوفته ده، عشان يختبرني ويشوف انا هتصرف ازاي.. انا مش هسقط في الاختبار يا عُمر حتى لو هاكل مِش انا وعيالي.

وانا بتكلم معاه ردت علينا فاطيما برسالة شكر وفي نهايتها رقم حساب بنكي وموافقة بأن انا احتفظ بالچاكيت بالرغم من انه غالي عليها، وفعلًا روحت في نفس اليوم حولت الفلوس للحساب من حسابي الشخصي، استأذنت من الشغل ساعة حولت فيها الفلوس ورجعت تاني، يومها كنت مرتاح اوي، وروحت بيتي وانا مرتاح، حكيت لمراتي على كل حاجة، في الأول ماصدقتش، ولما بدأت تصدق اتضايقت جدًا واتعصبت عليا وقالتلي ان انا اتصرفت غلط لأننا محتاجين للفلوس دي اكتر من اي حد، بس بعد شوية وبعد ما حكت لحمايا عالموضوع وقال لها ان تصرفي ده كان هو التصرف الصح، مراتي هَديِت والموضوع عدى على خير.. وفاتت سنة وشهرين بالظبط بعد الموضوع ما عدى وانا مابشوفش اي احلام تتعلق بمسعود، وكأنه كان بيجيلي في الأحلام عشان يخليني ابعت الفلوس لمراته، لكن في الحقيقة انا وضعي المادي بقى سيء اوي اوي، وده ببساطة لأن الشركة اللي انا شغال فيها فلست وقفلت، وانا من الأخر كده بقيت شِبه عاطل، وبسبب كده بقيت بشتغل شغلانات حرة بجيب بيها يادوب مصاريف اكلي وشربي انا وعيالي، لحد ما من شهرين بالظبط اتفاجأت برسالة على موبايلي، الرسالة كانت بتقول ان تم تحويل مبلغ ١٠ الاف دولار لحسابي من حساب فاطيما!

ماكنتش فاهم حاجة ولا لاقي تفسير لحد ما لقيت عُمر بيتصل بيا وبيقول لي ان فاطيما بعتت له رسالة على الفيس بتقول له فيها انها ممتنة جدًا للي عملته معاها، وبتقول له كمان ان المبلغ اللي بعتته على حسابي ده، كان هو السبب في انهم فكوا رهن المحل ورجع اشتغل من تاني والحمد لله ربنا كرمها هي وبنتها اخر كرم، وبما إني ساعدتهم ورجعتلهم المبلغ، ف هي قالت ان اول ما يبقى معاها ١٠ الاف دولار زيادة عن احتياجاتها هي وبنتها، هتبعتهملي كرد للجميل، لما عُمر صاحبي قرالي الرسالة، غصب عني دمعت، لكني تمالكت نفسي وطلبت من عُمر انه يطلب منها عنوانها عشان عايز ابعت لها الچاكيت، وفعلًا بعتت العنوان وانا بعتت لها الچاكيت اللي فضلت محافظ عليه، بس انا لما بعتت الچاكيت بعتت معاه رسالة كتبت فيها باللغة العربية..

(قدر، ياريت تترجمي الرسالة دي من العربي للتركي، او ياريت تتعلمي عربي عشان تعرفي تقري كل كلمة فيها بأحساسك.. الچاكيت ده هو السبب في كل حاجة، انا سيد صاحب والدك بالرغم من ان انا عمري ما شوفته، لكن في الحقيقة احنا اصحاب جدًا بالرغم من اننا عمرنا ما اتقابلنا في الحقيقة، وبالرغم كمان من اننا من بلدين مختلفين، بس اللي جمعنا في الأحلام هو اسمك.. القدر يا قدر، القدر اللي خلى ظروف ابوكي وظروفي متشابهة نوعًا ما، هو برضه اللي خلاني اروح اشتري هدوم مستعملة عشان الاقي الفلوس واشوف مسعود في الحلم وابعتلكوا الفلوس اللي بيها حياتكوا اتعدلت.. ادعيلي وانتي بتقري الرسالة دي سواء كنت عايش او ميت، وادعي لابوكي بالرحمة، ابوكي مات دون ماله.. وزي ما قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ف هو شهيد.. ابوكي التاني.. سيد المصري)

وبعد ما بعتت الرسالة والچاكيت، خدت الفلوس وفتحت بيهم مشروع والحمد لله ربنا كرمني وكمان اتوظفت في شركة محترمة، حقيقي مش عارف كل اللي حصل في خلال سنة وكام شهر ده حصل ازاي، الموضوع كله بدأ بصدفة وانتهى بقدر.. قدر خلاني سبب في اسعاد اسرة وانقاذ مستقبل بنت صغيرة هي وامها الأرملة من الضياع، القدر هو الشيء الوحيد اللي ممكن يخلي الصدف والكوارث تحصل مع بعض عشان في الأخر ينتهوا بشيء من العدل والأنصاف، وانا صدفتي وقدري كانوا بيتلخصوا في كلمتين.. الچاكيت والبنت قدر...

تمت

محمد_شعبان
محمد_جويلي
الچاكيت_الأسود

ليست هناك تعليقات