عفريت هنداوي
حكايات جدتي
(عفريت هنداوي)
وقتها سرحت كده في الحكاية اللي سمعتها، لحد ما جدتي فوقتني من سرحاني وقالت..
-تحب تسمع حكاية تانية يا واد؟!
لما قالتلي كده مسكت الورقة والقلم وقولتلها..
-طبعًا احب.. احكي يا ست الكل.. احكي.
ابتدت جدتي تحكي وتقول...
الحاجة سعاد لقوها ميتة في بيتها، عينيها كانت مبرقة للسقف وبوقها كان مفتوح عالأخر وكأنها شافت شيطان قبل ما تموت، بس لو عايز تعرف هي شافت ايه، ركز في الحكاية اللي هحكيهالك دي وانت هتعرف كويس هي شافت ايه، او بمعنى اصح.. هي شافت مين..
عم هنداوي.. عم هنداوي كان رجل صاحب محلات فضة معروف، كان متجوز وعايش هو ومراته وعياله في بيت من دورين زي كل بيوت زمان.. المهم ان الرجل ده بقى فجأة كده، قفل محل الفضة بتاعه واحواله اتبدلت، بقى ليل ونهار بيتخانق مع مراته وولاده اللي كان سنهم بيتراوح من ١٥ سنة ل ٢٥ سنة في الوقت ده.. وفي الوقت ده برضه الناس بدأت تسأل وتستغرب من تصرفات الرجل العاقل اللي كل الناس كانت بتشهدله بالطيبة والرزانة، لكن اللي كان قريب منه ومن عيلته.. كان هيعرف كويس سبب تغيره المفاجيء ده ايه، الرجل يا ابني احواله اتبدلت من ساعة ما أدمن المخدرات.. او بالتحديد يعني، من ساعة ما أدمن الأفيون اللي بسببه باع اللي وراه واللي قدامه، ومابقاش ينزل يفتح محله لأن حالته الصحية اتدهورت، ولما ده حصل ولاده سابوا مدارسهم ونزلوا يشتغلوا هم وامهم عشان يعرفوا يصرفوا على نفسهم وعلى ابوهم اللي بقى بياخد منهم الفلوس اللي بيشتغلوا بيها ويروح يشتري بيها أفيون، وده طبعًا خلى المشاكل بينهم زادت.. وتقريبًا بقوا كل يوم بيتخانقوا خناقة صوتها بيجيب لاخر المنطقة، بس شهادة لله.. الست مراته ماسابتهوش في الحالة دي من غير ما تعمل حاجة؛ الست خدته هي وابنها الكبير وودته لمستشفى بتعالج المدمنين، قعد قيها كام شهر وبعد كده خرج كويس، بس للأسف.. الرجل عقبال ما خف واتعافى من اللي كان بيتعاطاه، كانت كل حاجة راحت، البضاعة اللي في المحل كانت راحت، والمحل نفسه كان راح.. لأن موضوع علاجه ده خلى مراته تبيع اللي وراها واللي قدامها، ولأن وضع عيلته وقتها كان عالحديدة زي ما بيقولوا، فالرجل صابه الحزن ومابقاش قادر يعيش وهو عالة على مراته وعياله، وعشان كده قرر ينزل يشتغل اي شغلانة.. لكنه ماكنش قادر يشتغل بسبب صحته اللي كانت اتدهورت بشكل كبير حتى بعد ما خف من الادمان.. وبسبب كل اللي حكيتهولك ده؛ الرجل رجع ياخد افيون تاني، ورجع مدمن تاني واكتر من الأول كمان.. بس برضه مراته مايأستش وخدته وراحت بيه المستشفى تاني، بس المرة دي بقى الرجل قدر يهرب من المستشفى ورجع عالبيت، ولما رجع المرة دي يا ابني كانت حالته تصعب على الكافر.. بقى عامل زي الدراويش وماكنش واعي لأي حاجة هو بيعملها، لدرجة انه ماكنش بيعرف يتكلم كلمتين على بعض، وكمان كان بيتبول على نفسه زي الاطفال الصغيرين، وقتها الست مراته فضلت ترعاه هي وولاده لحد ما بدأ يتعافى ويقف على رجليه من تاني، بس لأنه كان انسان مدمن.. والمخدرات بتخلي البني أدم مش واعي ولا بيتعلم من غلطاته ولا حتى بيشوف نفسه وصل لأيه بسبب اللي بيتعطاه، ف الرجل نسي كل اللي حصل ورجع ياخد افيون من تاني.. لكن المرة دي بقى الموضوع بقى اخطر لأنه كان بيضرب مراته وعياله عشان ياخد منهم فلوس يروح يشتري بيها الزفت اللي بياخده ده، ولما كانوا بيمنعوا عنه الفلوس او بيمنعوه من انه يخرج من البيت، كان بيضربهم بكل قوة لدرجة انه في مرة صاب بنت من بناته في راسها.. ومع مرور الوقت، الرجل ابتدى يضعف وابتدى الأفيون يخليه مش شايف قصاده حرفيًا، وعشان كده يا ابني في مرة وهو بيضرب مراته، وقع من على السلم اللي بيوصل من الدور الاول للبيت للدور الارضي، ومع وقعته من عالسلم دي.. ابتدى يصرخ ويتشنج بشكل غريب، ساعتها طبعًا ولاده ومراته جريوا عليه، وللأسف لقوا راسه بتنزف بسبب جرح كبير اتجرحه فيها بسبب الواقعة، مراته وعياله اول ما شافوا اللي حصل له ده، شالوه وطلعوه أوضة نومه وجابلوه دكتور، بس الدكتور اللي جه وكشف عليه وحط له غيار عالجرح، قال لهم انه مش هيعيش كتير لانه بيخرف وشكله كده اصلًا عيان وجسمه ضعيف، ف مش هيقدر يقاوم الخبطة اللي اتخبطها على السلالم، ونصحهم كمان انهم ياخدوه ويودوه المستشفى ويعملوا له اشعة عشان يطمنوا على حالة جمجمته، طبعًا انت متوقع انهم سمعوا كلام الدكتور وودوا الرجل المستشفى صح؟!
لو انت متوقع كده.. ف خليني اقولك ان توقعك ده غلط يا ابني، ولاد الراجل ومراته كانوا زهقوا منه وسابوه في الأوضة وسط صراخه واهاته اللي ماكانتش بتسكت لحد ما مات، ايوه يا ابني سابوه لحد ما مات ماتستغربش.. ما هي القسية والقرف اللي شافوهم معاه، خلوهم يكرهوه ويتمنوا موته، وبالفعل ده اللي حصل.. الرجل مات واندفن وولاده كل واحد فيهم راح في سكة.. منهم اللي اتجوزت وعاشت في بيت بعيد عن امها، ومنهم اللي اتجوزت وسافرت برة مصر خالص، ومنهم اللي سافر اشتغل في الخليج، اما الابن الاكبر بقى.. ف ده سابهم ومشي وماحدش عرف هو راح فين.. يعني من الأخر وزي ما بنقول بالبلدي كده، الواد طفش بعد ما ابوه مات واخواته سابوا البيت.. البيت اللي بقى فاضي على الست وعاشت فيه لوحدها، بس من يوم ما البيت فضي عالست والحاجات الغريبة ابتدت تحصل.. الجيران كانوا بيسمعوا صوت صرخات جوزها خارجة بالليل من الدور الأول، وكتير الناس كانوا بيصحوا على صوت صراخ الست اللي كانت بتقول أن عفريت جوزها بيطلعلها بالليل وبيفضل يضربها لأنها سابته مرمي لحد ما مات، وطبعًا اللي سمع الحكاية دي من ولادها قال انها بتخرف وانها اتجننت من اللي شافته مع ابوهم.. وماكلفوش حتى خاطرهم انهم يروحوا يزوروها او يطمنوا عليها، سابوها لوحدها في البيت لحد ما الأيام مرت، وفي يوم بالليل، الناس سمعوا صوت صرخات الست اللي فضلت مستمرة من حوالي الساعة ٢ بالليل لحد قبل الفجر بحاجات بسيطة، وطبعًا الناس حاولت تطلعلها البيت او تشوف مالها.. لكنهم بصراحة كده خافوا، خافوا وقالوا انهم مالهمش دعوة بيها لا يتلبسوا ولا يجيلهم مس، لكن اللي اتشجع منهم قال انه هيبقى يطمن على الست دي بس لما النهار يطلع.. ولما النهار طلع وشوية من الجيران راحوا يطمنوا عليها لقوها مابتفتحش باب البيت لما بيخبطوا، وقتها الناس قلقت وجمعوا ناس اكتر وقدروا بالكترة انهم يكسروا الباب ويخشوا البيت، واول ما دخلوا البيت.. لقوا الست يا ابني ميتة في الحوش بتاع الدور الارضي.. كانت ميتة وشكلها كان يرعب، الست كانت مبرقة لحاجة في السقف وبوقها كان مفتوح عالأخر، ووشها كان عليه علامات فزع خلت اللي واقفين كلهم اترعبوا، بس عارف بقى الغريب في الموضوع بجد كان ايه!
-كان ايه يا ستي؟!
الغريب في الموضوع ان الناس لقوا حوالين راس الست بركة دم، وده معناه انها وقعت من عالسلم وراسها اتجرحت زي ما حصل في جوزها بالظبط قبل ما يموت، وقتها الناس خافوا يقربوا منها لا يلبسوا نفسهم مصيبة ويدخلوا في سين وجيم مالهمش اي لازمة، هم اول ما شافوا منظرها ده، بلغوا البوليس اللي جه وخد الجثة وبعد كده سلمها لولادها عشان يدفنوها بعد ما اتأكدوا انها حادثة عادية ومافيهاش شبهة جنائية، ومن بعد ما الست اندفنت والبيت اتقفل وماحدش من العيال بقي بيجي فيه، بس بالرغم من أن البيت اتقفل، إلا ان اصوات الصراخات والخبط اللي كانت بتطلع منه كل ليلة ماوقفتش.. الاصوات ليلاتي كانت بتطلع من البيت لدرجة ان الجيران اشتكوا لحد من العيال، ولما ده حصل.. العيال ولاد الرجل والست اتجمعوا وقرروا انهم يعرضوا البيت للبيع، والمضحك بقى في الموضوع انهم اول ما قالوا بيع وورث.. الاربعة كلهم اتجمعوا بقدرة قادر.. اللي كان طفشان رجع واللي كانت مسافرة جت، وكلهم اتجمعوا مع بعض وباعوا البيت لواحدة ست من برة المنطقة، الست فضلت عايشة في البيت هي وابنها ومراته اول اسبوع كويس جدًا، بس بعد الاسبوع.. ابتدوا يشتكوا من انهم بيشوفوا عفريت لرجل ولست بيطلعوا لهم في الدور الارضي بالليل، وكمان كانوا بيقولوا انهم بيسمعوا اصوات صراخات جاية من ورا حيطان البيت... وبعد اقل من شهر.. الست وابنها ومراته كانوا سابوا البيت وطفشوا بعد ما عرضوه للبيع، ورجع البيت اتقفل عشان الاصوات ترجع تخرج منه تاني بالليل، وفضل البيت على الحال ده لمدة كام شهر كده، لحد ما جه رجل غني اشتراه وهده، وبنى مكانه عمارة كبيرة، ومع مرور الوقت العمارة بقت اكبر والبيوت اللي حواليها بقت عماير والناس كترت في المنطقة وماحدش بقى لا يسمع ولا يشوف حاجة غريبة مكان ما البيت كان موجود.
بعد ما جدتي خلصت كلامها، بصيت لها بتركيز وقولتلها..
-طب وانتي تفسيرك ايه للحكاية دي يا ست الكل؟!
اتنهدت كده ورجعت راسها لورا وقالتلي..
-يا ابني هي دي الدنيا.. ازرع خير تحصد خير، الرجل قسي على ولاده، والست هي كمان قسيت عليه لما سابته بيطلع في الروح لمدة ايام، وبسبب اللي حصل ده ولادها كرهوها زي ما كرهوا ابوهم وسابوها لوحدها في البيت لحد ما ماتت... الانسان يا ابني شره اكبر من شر العفاريت، وبعدين هو العفريت ده يعني هيطلع لوحده كده، ما اكيد اي عفريت او اي جن او اي مصيبة سودة بتحصل في الدنيا، بيكون سببها البني أدم نفسه، مافيش جن يا ابني او شيطان بيأذي من نفسه كده الا لما يكون سبب الأذية بني أدم.
لما جدتي قالتلي الكلام ده، رديت عليها..
-والله معاكي حق يا ست الكل في كل كلمة قولتيها، المهم بقى ان الحكاية اللي فاتت دي بالرغم من انها جميلة وكلها عبر، الا انها حزينة ومأساوية اوي.. ما تحكيلي حكاية تانية بقى تكون سعيدة كده ومافيهاش ميتين ولا عيال بيرموا اهاليهم ولا كل النكد ده.
لما قولتلها كده ضحكت..
-طيب يا سيدي.. انا هفرفشك وهحكيلك حكاية هند الرقاصة.
اول ما قالتلي كده ضحكت وانا بقولها..
-اه.. طالما فيها رقاصة يبقى احكي.. احكي وانا هركز معاكي في كل تفاصيل الحكاية.
ضحكت انا وهي شوية وهزرنا مع بعض لحد ما ابتدت ملامحها تاخد شكل الجد وتحكيلي حكاية هند الرقاصة لما قالت..
#محمد_شعبان
#حكايات_جدتي
التعليقات على الموضوع