إبحث عن موضوع

يوم مرعب

أنا قضيت ليلة كاملة في قبر "الأبيض المقدس"، كانت ليلة سودة، ليلة كشفتلي سر خطير عن قريتنا مكنتش أتخيله نهائي، ده طبعًا بخلاف البلاوي الزارقة اللي شوفتها داخل القبر بليل لحد قَبل الفجر بلحظات بسيطة، بلاوي خلت قلبي بيدق بمجرد ما النور يطفي، وخليتني بشوف الملاعين ليل نهار وفي كل الأوقات.

عمركم سألتم نفسكم، لما بيحصل سيول ومطرة، والمقابر بتغرق، والمياه بتغطي كل حاجة، حالة الجثث والعظام بتاعت الموتى بيحصل فيها إيه ؟، تعالوا أقولكم، تفاصيل الحكاية بدأت لما حصلت سيول والطقس مكنش مستقر في شهر فبراير اللي فات، والشوارع غرقت، جالنا بلاغ في الشركة اللي أنا شغال فيها، إن مقابر قريتي اللي اسمها ...... غرقت، ومحتاجين عمال متخصصين في التعامل مع مشاكل السيول، والمجاري، فروحت هناك أنا و5 عمال معايا، وكان في مهندس مشرف علينا، وبدأنا نشيل المياه من المقابر، وكنا كلنا مضايقين جدًا، لأن قبر "الأبيض المقدس" غرق كله،

 مين ده ؟ ده واحد كان عايش في قريتنا من حوالي 100 سنة، كان بيحل كل المشاكل، والخلافات، وبيشفي المرضى، وبيعالج الستات ويخليهم يحملوا، تسألوني كان شيخ ؟ ولا كان دجال ؟ ولا كان راجل عادي، حقيقي مش عارف، بس الراجل ده القرية كلها بتحبه، والعيلتين الكبار اللي مسيطرين على القرية دايمًا بيتخانقوا بسببه، وكل عيلة عايزه تبقى مسئولة عن حماية قبره، لدرجة إن من سنتين حصلت خناقة بينهم، مات فيها أكتر من 50 واحد، علشان عيلة منهم كانت عايزه تحمي قبره، وتاخده من العيلة الثانية. وربنا يسترها لأن غرق القبر بتاعه، مش معناه غير الخراب.

المهم فضلنا شغالين لحد ما الليل جيه، وجالنا تعليمات إننا نكمل شغل لحد الصبح، وقبل ما نخلص بلحظات بسيطة، روحت لقبر "الأبيض المقدس"، وقعدت جنبه أريح، وكنت حزين عليه، وفجأة شوفت واحد ماسك عصاية لونها أبيض، ولابس جلابية، وبيجري من جنبي، بصيت عليه، وقمت من مكاني بحذر، وقربت من الراجل ده، لاقيته بيبتسم، وبعدها نزل لقبر "الأبيض المقدس" فنزلت وراه، وحقيقي مش عارف عملت كده ليه ؟، 

وفجأة لاقيت نفسي تحت الأرض وجوه القبر، طلعت من جيبي كشاف كبير بيكون معانا، وقوي جدًا، وقَبل ما أنور، شوفت في الضلمة العصاية البيضة بتلف حواليا، وكان في صوت ضربات قلب سريعة، وحد بيتكلم بهدوء في ودني، وإيد بتتحط على رقبتي من ورا، وشميت ريحة حلوة، كانت زي ريحة الورد، ولما نورت الكشاف، شوفت الراجل اللي ظهرلي، كان واقف في وشي بالظبط، وعينيه كانت بيضاء، وشعر راسه كان أسود، وفي دم نازل من راسه، 
فضلت واقف خايف ومش عارف اتصرف، 

لحد ما الشخص ده بعد عني ووقف في أخر القبر، ولما بصيت حواليا، لاقيت نفسي في غرفة واسعة جدًا، وليها أربع حيطان، وفي نصها كان في بواقي عظام بشرية، وعلى الحيطان بتاعت القبر كان في علامات دائرية بالدم، ومكتوب جواها حروف وأرقام بشكل تدريجي من الصغير للكبير، فجأة الشخص اللي ظهرلي اختفى، وبقيت واقف لوحدي في القبر، رجعت خطوات لورا، وندهت بحس عالي على زمايلي أكتر من مرة، لكن محدش سمعني، حاولت أخرج من القبر، لكن كل حاجة كانت مقفولة، كأني اتحبست جوه الأرض...

وأنا بنده على زمايلي، لاقيت إيد بتشدني من ظهري، وبتوقعني على الأرض، وبعدها شوفت كف أسود ضربني على "بؤي" جامد، وحركتي اتشلت، وشوفت الشخص الغريب ظهر من العدم، ووقف قدام الحيطة الأمامية بتاعت المكان، ورسم بإيده مربع، وبعدها دخل جواه، ثواني وبدأت أشوف مشاهد غريبة، شوفت قريتنا بس كانت في زمن قديم، الناس لابسة حاجات مختلفة عن دلوقتي، والستات كانت مهتمة بالحلقان الطويلة الضخمة، الرؤية اختلفت قدامي، وشوفت بيت من دور واحد، والدنيا كانت ليل، والبيت كان واقف عليه من بره أربع رجالة، وفي طابور كبير من رجالة وستات واقفين وساكتين، وكل شوية في ست بتدخل للبيت حزينة، 

وبعدها بتطلع مبسوطة وبتزغرط، وبعد لحظات لاقيت نفسي دخلت البيت، وشوفت نفس ملامح الراجل اللي شوفته من شوية وشدني للقبر، كان قاعد على كنبة في أوضة واسعة، وحواليه أضواء الشموع، ولاقيت واحدة ست بتدخل عليه، وقعدت جنبه، وقالتله إنها مش بتخلف، فحط إيده على راسها، واتكلم بحاجات مش مفهومة، وبعدها قوم الست، وخلاها تمسك صنية مدورة كان فيها تراب أحمر، وجواها عظام بشرية من حجمها عرفت إنها لطفل صغير،

 وبعد كده، حط راس الست دي في حوض، ودلق عليها زيت، شميت ريحته، كانت ريحة ورد، وبعدها وقف الست وخلاها ترفع إيديها لفوق، وبعد لحظات بسيطة، الست خرجت من عنده وفضلت تزغرط، وبعدها دخلتله أم ومعاها طفل صغير كان مشلول، والأم طلبت منه يعالجه، فقالها أخرجي بره، وجاب الولد، وحطه قدامه، وطلع سكينة كبيرة، و.... دبح الولد لحد ما فصل راسه عن جسمه، ومسح الدم بتاعه من الأرض بقماشة كبيرة، ونده على أمه، ولما جت، قالها:

-حاولت معاه، بس مقدرتش أقف قدام عرش الجن، للأسف خطفوه مني تحت الأرض، بس أنا مش هسيبهم وهرجعه. 
الست فضلت متنحة وخرجت ساكتة من الأوضة، والراجل كمل شغله، ودخلتله أم ثانية، ومعاها بنتها، وقالتله إن بنتها تعبانة، وعلى طول مريضة، فقالها أخرجي، ولما الست خرجت، الراجل ضحك للبنت بشكل خبيث، وقدملها حاجة حلوة، وبعدها طلع سكينة صغيرة، ومسك إيديها، وقطع صباع منها، وبعدها خد الصباع وحطه في نار كان مولعها بشوية حطب ناحية اليمين، وبدأ يقرأ عليها كلام مش مفهوم، وبعدها ربط صباع البنت بقماشة، وخرجت لأمها، ومحدش علق ولا اتكلم. 

الرؤية اختلفت قدامي، وكل حاجة اختفت، ورجعت تاني للقبر، والكشاف بتاعي لاقيته فصل، وشوفت العصاية البيضاء عمالة تلف حواليا بسرعة شديدة، وسمعت صوت حد بيتكلم في ودني من تاني، بس لساني كان واجعني ومش قادر أحركه، وفجأة لاقيت مياه شديدة بتنزل من السقف، والقبر كله غرق واتملا، وأيقنت إن خلاص حياتي انتهت وهغرق،

 لحد ما لاقيت السقف بيتحفر فيه، وزمايلي بيطلعوني من القبر، حاولت أتكلم، أو أقول أي حاجة، بس لساني كان عاجز من وقت ما الراجل الشيطاني ده ضربني عليه، وزمايلي قعدوني على جنب واطمنوا عليا وطلبولي الإسعاف، وأنا قاعد سمعت زميل ليا بيقول لواحد تاني:

-عيلة أبو ربيع لمين بعضهم، ومجهزين أسلحتهم، وناويين على الغدر لعيلة أبو فرج، وكل ده بسبب إن قبر "الأبيض المقدس" غرق، وعيلة أبو فرج معرفتش تحافظ عليه، هتحصل مجزرة، ومحدش هيقدر عليهم.
لما سمعته عيني برقت، وفضلت أصرخ وأزعق لكن لساني فضل عاجز، كنت عايز أقولهم إن شوفت تاريخ "الأبيض المقدس"، كنت عايز أقولهم إنه سفاح، كان بيقتل وبيعذب الأطفال بس مقدرتش، 

ولكن قررت إن لازم أنقذ الموقف بأي شكل، فاستجمعت قوتي، وخدت بعضي، وروحت لبيت عيلة "أبو ربيع" لاقيتهم لمين الرجالة والأسلحة وبيجروا ناحية بين عيلة أبو فرج، حاولت أتكلم معاهم لكن محدش سمعني منهم خالص، فجريت على بيتي القريب منهم، وجبت ورقة وقلم وكتبت اللي شوفته على أمل إن أنقذ الموقف، ونزلتلهم تاني، بس وقتها كنت اتأخرت والعركة قامت بينهم، ومات فيها ناس كتير، وأنا اتصبت في دراعي ورجلي برصاصتين، ودخلت المستشفى وقعدت فيها يومين وخرجت...

لساني بدأ يتعافى شوية، وبقيت بتكلم، وبعد القصة دي ما حصلت، كنت ماشي داير بحكي اللي شوفته في قبر "الأبيض المقدس" لكن محدش صدقني، واتهموني بالجنون، وكانوا شايفني بغلط، كأني بغلط في ملك الأرض، وفي ناس ضربتني، وناس طردتني، وناس قاطعتني، وحصلي مشاكل كبيرة، وصلت إن مراتي سابت البيت ومشيت، وأمي مبقتش تسأل عليا، وقالتلي مش هعرفك تاني إلا لما تبطل تتكلم عن سيدك "الأبيض المقدس"... ده طبعًا بجانب إن كنت بشوف "الأبيض المقدس" في بيتي كل يوم، ليل، ونهار، ومبقتش بقدر أنام لوحدي في الشقة، 

ولا بقدر أنام في الظلام نهائي.... لحد ما في يوم قررت أنهي العذاب إلي أنا فيه، فجمعت مجموعة رجالة من القرية كانوا مضايقين من قصة "الأبيض" ومصدقين كل حاجة قولتهالهم، وروحنا للمقابر بليل، ومكنش عيلها حراسة، بسبب الخناقة الكبيرة اللي حصلت بين العيلتين ومات فيها كتير، فتحنا باب المقابر، وروحنا لقبر "الأبيض" ودلقنا عليه جاز وحرقناه، وكسرنا المدخل بتاعه، وخدنا بعضنا وهربنا بسرعة قبل ما حد يجي.... وعلشان القرية كانت حزينة على الرجالة اللي قتلت بعضها، محدش سأل في القبر واتحرق بالكامل، ولكن المشكلة الحقيقية، إن من وقتها، الأبيض مبيسبنيش، لا أنا ولا الرجالة اللي اشتركت معايا، وكل فترة في حد .....، في حد بيموت، أو بيعجز، أو بتحصله حادثة، أو بيجيله مرض غريب، ليه ؟ حصل إيه ؟ مش عارف....
يوم_مرعب
سامي ميشيل

ليست هناك تعليقات