إبحث عن موضوع

فيله


فــــيــــّــــــلة
............

أنا من هؤلاء الذين مغرمون بالسفر ، فمنذ أن كنت صغيرة كنت مغرمة بالتنقل ..
و قد تيسر لي تحقيق شغفي بالسفر و الإنتقال بسبب أن عائلتي ميسورة الحال و قد راّي أبي أن في مواكبة ذلك الشغف تنمية لمهاراتي و فوائد كثيرة لي و للعائلة !
، فقد زرت قبل بلوغي السابعة عشر لندن و باريس و دخلت متحف " اللوفر " أكثر من مرة .. و قمت برحلات إلي جنوب أفريقيا و زرت ثقافات مختلفة في الهند و الصين و اليابان أيضاً .. فكنت اؤمن بما قاله " أنيس منصور" في كتابة -حول العالم في 200 يوم - و الذي أهداني أياه أبي بعد انتهائي من المرحلة الابتدائية ..و هو أن " الجنة في التنقل لا في البقاء حيث أنت" ..
و لكن شغفي الحقيقي كان في زيارة أماكن الحضارة الفرعونية ، فكنت اّشعر أن موطني الأصلي هناك .. و كانت أمي تقول " ده طبيعي عشان ديه بلدك " .. أما أبي فكان سعيداً برحلاتنا و الثقافات الجديدة التي نراها .. و لكن بداخلي كنت اؤمن أن شغفي بالتنقل وراءه أمر أكبر من ذلك .. فدعوني أقص لكم الأمر منذ البداية و احكموا انتم !
أسمي هو "سارة" الأبنة الأُولي بالعائلة و لدي أخت تصغرني بعام واحد فقط تُدعي "سما" .. بدأت اشعر بالرغبة في الانتقال مُنذ أكملت السادسة من عمري فقلت لأبي يومها " عاوزة اروح بيتي .. عاوزة اشوف الاّثار " .. تعجبت أمي مما أقول و لكن أبي فسر ذلك بشغف للتنقل و أني سمعت عن الاّثار من الروضة أو التلفاز ..
، فقرر أبي يومها أن يصحبنا برحلة إلي الأهرامات و الاّثار المحيطة بمنطقة الجيزة و صقارة .. و لكن الغريب بالأمر أني بمجرد ما دلفت إلي أحد المقابر .. شعرت أني كنت هُنا من قبل .. كأني كنت موجودة وقت تشيديها .. فوقفت أمام احدي البرديات لفترة طويلة فجذبني أبي و قال " تلك الحروف الهيلوغريفية انها مثل الحروف التي تدرسيها في الروضة و لكن تلك حروف مصر القديمة " ، قلت لأبي بثقة .. " نعم يا أبي أنا أعلم .. ثم اشرت إلي بردية مرسوم عليها تابوت في الأرض أمامه كاهن يرتدي قناع ذئب اسود .. و تحت تلك الرسوم بعض النقوشات ..و قلت لأبي تلك بردية تتحدث عن كاهن اكتشف خيانة زوجته مع شاب .. فقام بصنع تمثال من الشمع و انتظر حتي نزل الشاب المسبح فقام بإلقاء التمساح في المسبح و قرأ تعويذة فتحول التمساح الشمعي إلي حقيقي و فتك بالعشيق "
نظر لي أبي نظرة ذهول .. ثم سألني بحدة " جيبتي منين الكلام ده يا بنت "
فقالت أمي لتتدارك الموقف .. " اكيد سمعت الكلام ده في فيلم و لا حاجة " .. و لكني قلت لأبي " لا يا بابا ..انا قريت المكتوب ، مش انت قلت ديه لغة أنا قريتها .. "
، قاطعني ضحك أبي و أمي فاعتقدوا انه خيال الأطفال .. و لكن حقاً كانت تلك اللغة سهلة بالنسبة لي .. لا أعرف كيف و كان عمري فقط ست سنوات .. و لكن كنت أعرفها عن ظهر قلب .. في حين أن البعض كان يقضي عمره في دراستها ليفك بعض طلاسمها و لا يستطيع .. و لكن بعض الأشياء تحت سماء ذلك الكوكب بغير ذا تبرير!
، ظلت تلك الواقعة في رأسي حتي تجاوزت المرحلة الابتدائية ، فكنت لا أعلم هل ذلك كان خيال أطفال حقاً أم ما حدث كان حقيقي .. فبحثت علي شبكات الإنترنت عن بردية تحمل نفس المعني .. فوجدت أن هنالك بردية حقاً عن تلك الواقعة عن كاهن ينتقم من عشيق زوجته .. ومنذ ذلك اليوم و أنا أعلم ان هناك شيء يعبث معي .. شيء أكبر من قدرة عقلي علي التفسير .. فحملت ذلك السر في صدري و لم أخبر به أحداً .. فلن يصدقني أهلي علي اّية حال .. حتي أختي " سما " فكانت كأي فتاة في بداية فترة المراهقة لن يتحمل عقلها ما ساقصه عليها .. و ظل أبي يعتقد أني مُولعة بالسفر .. فلم يكن يدري أني مولعة بالتنقل للاّماكن الفرعونية .. كأن شعور خفي يدفعني لأن اخطو خطواتي لتلك الأماكن .. كأني هائمة علي وجهي .. و لا اتحكم فيما أفعل ..!
، و اتذكر ايضاً بعد انتهائي من المرحلة الإعدادية .. قرر أبي أن نسافر إلي لندن لقضاء العطلة .. فطلبت من أبي أن نزور الاّثار المصرية هناك .. ففي كل دولة العديد من الاّثار المصرية الحقيقية المسروقة و المُهداة و المقلدة أيضاُ .. فضحك أبي و قال نحن هنا لنري ثقافات جديدة و أنتي مازلتي تبحثين عما تركناه ورائنا .. غضبت من أبي غضباً شديداً .. فكيف لا يعلم أن حضارتنا تحمل اسرار و ألغاز و تطور و بالرغم مما وصل إليه عالمنا الحديث من تطور لم يستطع أن يتوصل إلي ربع أسرار تلك الحضارة ..فشرحت لأبي أن بناء المقابر علي هيئة أهرامات لم تكن مصادفة .. فالبذور تحت الشكل الهرمي تنمو بمعدل أكبر ثلاثة أضعاف .. و اللحم و البيض يتحنط داخله و لا يتعفن .. لا اّدري من اين كانت تلك المعلومات تجري علي لساني فأنا لم اقرأها من قبل و لكنها كانت تجري من عقلي إلي لساني .. أما أبي فبدا عليه الأسف و قام بتعويضي عما قاله بتخصيص يوم كامل من رحلتنا لزيارة الاّثار الفرعونية هنا.. و اثناء تنقلنا في ذلك اليوم بين الاّثار الفرعونية .. قام أبي و سما بالتصور -سيلفي- مع احدي المسلات الموجودة هُناك
و طلب مني أبي الإنضام لهم و لكن بمجرد ما اقتربت من تلك المسلة ، شعرت بغضب و ثورة عارمة لا اّدري كيف انتابتني .. فقلت لأبي تلك المسلة مُقلدة ليست أصلية .. حتي النقوش عليها لم يهتموا بتقليدها بشكل صحيح .. فأصبحت بغير ذا معني!
فسألني أبي كيف عرفت أنها مُقلدة ..و ضحكت سما و قالت .. يمكن تكون اتعلمت هيروغيليفي من ورانا .. فقلت لهم رأيتها منقوش عليها ..صنع في لندن
و لكن ذلك لم يكن صحيح ، فلا اّدري كيف عرفت أن تلك المسلة مُقلدة ..
و في العام الذي تلي ذلك ، قرر أبي أن تلك العطلة ستكون بفرنسا .. و علي الرغم من انها كانت المرة الأولي التي ازور فيها فرنسا .. لكن لا اّدري كيف قدتهم إلي متحف اللوفر كأني مُرشد سياحي اّنذاك .. و قضيت اليوم بأكمله اشاهد الاّثار هناك !
، مر عامان و انا ابحث كثيراً عبر الكتب و الانترنت عن تفسير لما يحدث معي فلم أجد .. و ها أنا الاّن بصدد انهاء المرحلة الثانوية ، و بالرغم من أني تحصلت علي مجموع كبير ، لكني قررت أن أدخل كلية الأداب قسم الاّثار .. و بالرغم من اعتراض أمي إلا أن أبي دعمني و قال انه شغفي مُنذ الصغر ..
مَر العام الأول بالجامعة ، و قد كنت الأُولي علي دفعتي .. فلم أكن بحاجة إلي الاستذكار فلا اّدري كيف كانت كل تلك المعلومات مُسجلة برأسي .. و كنت أعرف كيف أفرق بين المغلوط منها و الصحيح .. كأني كُنت معهم في عصرهم ..!
، اصبحت الاّن في عامي الثاني بالجامعة ،و قررت الكلية أن تقوم برحلة إلي جزيرة فيلة بأسوان .. منها دراسة و منها ترفيه .. و علي الرغم من البلاد الكثيرة التي زُرتها لم أكن زرت أسوان من قبل .. فلا اّدري لما كلما قررنا زيارتها يحدث شيء يمنعنا .. كما أن شيئاً بداخلي في كل مرة كان يخبرني أن اّوان زيارتها لم يحن بعد ..و عندما طرحت الأمر علي أهلي اعترضت أمي بشدة كونها أول مرة سأسافر و اقضي العديد من الأيام خارج المنزل وحدي .. و لكن شيء ما بداخلي كان يدفعني للذهاب هناك و أمام ذلك الشعور قمت بالإصرار علي الذهاب .. فوافق أبي و أمي علي مضض و لكن بشرط ان تذهب سما معي .. فسافرنا أنا و سما مع جروب الكلية و بعد وصولنا أسوان .. اتجهنا لنركب المراكب النيلية لكي نتجه إلي الجزيرة .. و تركتنا المركب عند قاعة " نيختنبو " .. فنزلنا من المركب لنتنقل بين تجار التحف و المشغولات النوبية .. حتي وصلنا إلي الفندق الذي سنقيم فيه .. و لكن كان ذلك الفندق مختلف كثيرا عن الفنادق بالقاهرة .. فكان عبارة عن فيلا كبيرة ..و لكن ليست من تلك الفيلات الحديثة و انما مبنية علي الطريقة النوبية ، فكانت عبارة عن مبني من ثلات طوابق .. في كل طابق اربعة غرف و حمام في نهاية الممر .. و كان المبني باللون الأبيض مليء بالرسومات النوبية ذات الألوان الذاهية الجميلة .. أما البهو فهو عبارة عن صالون من القماش الوردي المبهج يحيط به الكثير من الزرع و في المنتصف قطعة اثاث تحمل تلفاز حديث .. أما في الجهة الاّخري من البهو فيوجد بها منضدة سفرة كبيرة يحيط بها اثني عشر مقعد .. يوضع عليها الأوبن بوفيه في وقت الفطار و الغداء .. أما أمام المبني فيوجد حديقة صغيرة بها بعض الأشجار التي تحمل اجمل ألوان الورود من الوردي الداكن و الأحمر فيصنع امتزاج الألوان احساس كبير بالراحة و الصفاء .. و أما الطابق الأول احتل غرفه الشباب في جروب الكلية .. و الطابق الثاني كان من نصيب الفتيات .. و الطابق الاّخير للأساتذة و المشرفين ..أما سطح المبني فكان عالماً اّخراً فكان بجانب كل سور "دكة " مفروش عليها بعض المفروشات النوبية زاهية الألوان و بمجرد أن تجلس عليها تري علي امتداد نهر النيل و المراكب ذات الاّشرعة البيضاء تُبحر بين أحضانه ، فيأخذك جمال المنظر إلي عالم اّخر .. قضينا نصف اليوم الأول في افراغ الحقائب و الراحة من السفر و تقسيم الغرف فكان من نصيبي أنا و سما الغرفة بنهاية ممر الطابق الثاني بجوار الحمام .. و كانت غرفة بسيطة مكونة من سريرين بينهم قطعة اثاث مثل المكتب الصغير ..و في مقابل الأسِره دولاب صغير .. أما النصف الاّخر من اليوم فدلفنا إلي البهو و جلسنا جميعاً إلي المائدة نتناول الطعام .. التي أعدته بعض السيدات العاملات بالفندق و يمكثن بملحق بالفندق .. ثم استعددنا لمقابلة مستر " هانري روبرت " انه عالم اّثار متعدد الجنسيات و هو المسئول عن تدريبنا هنا في جزيرة فيلة .. و لا اّدري لما لم اشعر بارتياح له ابداً فكان رجل كبير في العمر .. فقد تجاوز العقد السادس ..و له بشرة بيضاء و شعر أبيض ..و كان قصير القامة و بدين قليلاُ .. و كان الجميع مُلتف حوله حتي الاساتذة للترحيب به .. أما انا فكنت اقف خلفهم فشيء ما يمنعني من الاقتراب كأنه ينوي أن يسرق لي روحي .. و لكنه لمحني من خلف ذلك الحشد و رمقني بنظرة غريبة .. و طلب مني الاقتراب .. و أمام زملائي و الاساتذة .. لم استطع ان ارفض ..و طلب منا أن نقسم انفسنا إلي مجموعات كل مجموعة تحتوي علي اثنين فقط .. و سيكون هو المُشرف علينا .. فكنت أفكر أن تكون سما شريكة لي .. و قبل أن انطق نظر لي مستر هانري و قال .. لا يجوز أن يكون شخص من خارج الجروب شريكاً لكم .. اقشعر بدني فشعرت كما لو كان يقرأ افكاري .. ثم اشار لي و قال " انتي ايتها الخجولة ستكوني شريكة لي " .. اثار ذلك حقد و غيرة بعض الزملاء أما أنا فكنت في عالمي الخاص .. فقلبي لم يكن مطمئن لذلك الرجل أبداً ..و لا اّدري ما اصابني في المساء فكنت في حالة اعياء شديدة اول مرة أمر بها .. كان عندي صداع شديد لم ادري كيف نمت .. وطيلة الليل هاجمني كابوس مزعج .. فرأيت نفسي ارتدي زياً فرعونياً و اركض في الجزيرة و لكن لم تكن بتلك الهيئة .. كانت مختلفة و لم تكن تلك المعابد معظمها وُجد بعد .. فكنت اركض كما لو كنت ابحث عن شيء .. و في الصباح استيقظت مرهقة كما لو كنت اركض حقاُ .. و بمجرد ان استيقظت وجدت سما تضحك بشدة فسألتها ما بك ؟! .. قالت لي " إيه الايلاينر إللي انتي حطاه ده ، فرعون رجع من جديد و لا إيه ؟! " .. نظرت إلي المراّة بسرعة .. فوجدت نفسي اضع نفس الايلاينر الذي كنت اضعه في الحلم .. فلا اّدري كيف حدث ذلك و لكن لم يكن هناك وقت للتعجب .. فكان مستر هانري ينتظرني انا و الجروب لنبدء في التدريب ..غسلت وجهي و استعددت للنزول و بمجرد أن نزلت وجدت الجروب بأكمله.. فهناك من قسمه مستر هانري ليصور المعابد و هناك من جعله يترجم بعض النقوش علي الجدران .. و هناك من جعله لكتابة تقرير عن الرحلة ..و كنت اشعر انها مهام بسيطة لا تستحق عناء السفر .. و انه يحاول التفرغ لشيء اكبر .. و في تلك اللحظة نظر لي و قال دعِ لهم تلك المهام البسيطة و دعينا نتفرغ لمهمتنا الأساسية .. لم ارد عليه فكنت خائفة منه جدا .. الاّن لم يعد لدي شك انه يقرأ الأفكار.. نظر لي و ابتسم ثم قال .. اتدركين لما سميت تلك الجزيرة " فيـلة " و ما قصتها ..و لم ينتظرني كي اجيب فقال ..
، تعود تسميتها «فيلة» أو «فيلاي» إلى اللغة اليونانية والتي تعني " الحبيبة" ..
فالأسطورة التي يعرفها الجميع و التي مشهورة عندكم في روايات ألف ليلة و ليله هي أنه كان لأحد الوزراء ابنة تدعى «زهرة الورد»، غاية في الجمال والحُسن أحبها أحد حراس القصر واسمه «انس الوجود»، أحبت فيه الفتاه الأخلاق النبيلة التي لم تجدها في أبناء الملوك والأمراء، ولما علم والدها هاله الأمر ووجد أن العلاقة غير متكافئة، فبعث بابنتة «زهرة الورد» إلى جزيرة بعيدة، وحبسها هناك، وأحاطها بمجموعة من التماسيح الكبيرة، حتي لا يقترب منها أنس الوجود ..و كانت تلك الجزيرة هي " فيلة " .. ..وأخذ «انس الوجود» يجوب البلاد بحثًا عن حبيبته «زهرة الورد»، وكان يعطف على الحيوانات التي يقابلها، فاسُتأنست له الوحوش حتى وصل إلى الجزء الشرقي من الجزيرة، وظل الفتى يواصل الغناء ويحكى حكايته حتى آنست له التماسيح، وحمله تمساح كبيرعلى ظهره واتى به إلى شاطىء الجزيرة، وما كان من الوزير إلا أن يرضخ في النهاية، ويزوجه من ابنته «زهرة الورد»، إذ وجد فيه إنسان يتسم بالأخلاق العالية والنبل والشهامة .. ثم قال مستر هانري و هو يخرج شيئاُ من حقيبته ..و لكن تلك لم تكن الحقيقة فأنس الوجود لم يستطيع أن يدخل الجزيرة عن طريق كسب تعاطف التماسيح ..
فسألته " فكيف إذاً دخل الجزيرة ؟! " .. اعطاني بردية قديمة يظهر فيها صورة لأمرأة فرعونية تركض .. اقشعر بدني و انا اّراها فكانت تشبهني إلي حد كبير .. و كانت نفسها المرأة من حلم أمس .. فنظر لي هانري و ابتسم ابتسامة مخيفة .. الاّن ادركت انه يريد مني شيء و لذلك السبب اختارني معه .. و لكني لا اّدري ما هو حتي الاّن ..قطع تفكيري مستر هانري و هو يقول " تلك البردية تدل علي أن انس الوجود استخدم قلادة سحرية تجعل له سيطرة علي الحيوانات و الانصياع لأمره .. و ذلك ما مكنه من دخول الجزيرة .. و تلك القلادة مدفونة في مكان ما هنا .. و لم يستطع أحد و لا حتي أنا الوصول إليها .. و تلك هي مهمتنا " .. ضحكت بشدة و قلت له شيئاً لم يتوصل إليه أي باحث كيف لنا أن نجده .. فامسك بيدي و قال " طالما أنتي معي سأجده " .. شعرت بالخوف من ذلك الرجل فأفلت يدي منه و ركضت بإتجاه الفندق ..و في تلك الليلة كنت أفكر في الحلم الغريب الذي مر بي .. و أن من رأيتها كانت زهرة الورد و كانت تركض في منفاها ..و لكن ما علاقتي بها .. ؟! .. انتابني نفس الإعياء و الصداع من ليلة أمس و نمت أيضاُ و لم ادر ما حل بي تلك الليلة.. فرأيت نفسي في غرفة مع مستري هانري و لكن كان اصغر من هيئته تلك بعشرين عاماً ..و كان ينزل بنفس الفندق .. فوجدته يضع بجانب البردية التي رأيتها بردية اّخري لم اراها من قبل .. نص البردية يقول ان تمثال الازدواج ساعد انس الوجود في قراءة الأفكار و السيطرة علي الوزير والد زهرة الورد .. و في نهاية البردية نص يقول أن بإمتلاك القلادة التي تسخر الحيوانات مع التمثال الذي يسيطر علي البشر .. يستطيع صاحبها امتلاك خزائن الأرض و السيطرة علي العالم .. و أن التمثال موجود داخل مقبرة أنس الوجود ..أما الفلادة فأهداها أنس لزهرة و دُفنت في الجزيرة و لا يستطيع أحد أن يجدها .. غير فتاة من نسلها .. أو شخص يذبح تلك الفتاة و يقدم دمائها قربان للجن الحارس علي القلادة ..ثم رأيت في نفس الحلم مستر هانري يغادر الفندق في الليل و يذهب نحو المعابد و قام بنبش قبر " انس الوجود " و قام بسرقة تمثال من الذهب لشخصين متقابلين و ملتصقين من عند الرأس .. ففهمت ان ذلك التمثال الذي يمكنه من قراءة الأفكار .. ثم رأيت زهرة الورد تقف مثل طيف تحاول أن تمنعه و لكنها لا تستطيع .. ثم لا اّدري كيف وجدت نفسي داخل منزلنا بالقاهرة انه يوم ولادتي .. أنا أفهم الاّن أنني وُلدت في اليوم الذي نبش فيه هانري المقبرة .. و رأيت طيف زهرة الورد يحملني .. يبدو أنني من نسل زهرة الورد ..و اعطتني ذلك اليوم قدراتها لتجهزني لمعركتي التي يبدو أنها حانت .. الاّن ادركت كيف كنت ادرك اللغة الهيلوغريفية و الاّشياء التي كنت أعرفها ..
و في الأيام التي تلت تلك كنت اتجنب مستر هانري ، فكنت خائفة جدا منه فالاّن أنا أعلم مقصده فهو يريد أن يضحي بي ، لتقديم دمائي كقربان إلي الجان الذي يحرس القلادة !
، فيجب أن أجد تلك القلادة قبل أن يجدها هو .. فتعللت أني مريضة لكي اتجنب مقابلته .. وحين حل وقت الغداء و نزل الجميع إلي البهو حتي مستر هانري و اختي سما ، كانت الفرصة سانحة للتسلل إلي حجرة مستر هانري و من حسن حظي أن في ذلك الفندق لم يكن هناك مفاتيح للأبواب .. فكل غرفة بها ترباس خاص يغلق من الداخل حينما تكون موجود داخلها.. لذلك فإن السرقات هنا كثيرة و متاحة .. لا اّدري عن ماذا كنت ابحث و لكن شيء ما يدفعني لإقتحام غرفته .. و بمجرد دخولي فتشت كل ركن بالغرفة حتي وجدت البردية التي رأيتها بحلمي ليلة أمس ..و لكن لفت نظري شيئاُ يلمع بين كومة من الثياب فوجدت انه تمثال الازدواج .. الذي يساعد علي قراءة الافكار .. فحملت البرديات و التمثال و هربت سريعا من الغرفة .. عاد مستر هانري للغرفة و بدا عليه أنه جن جنونه .. و لم يستطع أن يبلغ عن سرقة شيء لأنه بذلك يتهم نفسه انه لص اّثار ..و لم يكن بحاجة لتمثال الازدواج ليعرف انه انا .. ففي اليوم التالي بدا عليه انه ينظر لي بحقد و شر للدرجة التي سأله الاساتذة عن سر تلك النظرات .. فقال عني أني مهملة و مقصرة في التدريب معه .. أما عني أنا فبعد حصولي علي ذلك التمثال انقلبت حياتي .. فإن قراءة الأفكار جحيم لا يطاق .. فلم أكن أريد أن اعرف ان اختي تغار مني و تكره أبي لأنه يدللني أمام الجميع و يفتخر بتفوقي .. و لم أكن أريد أن أعرف أن المشرف هنا يتغزل بواحدة من الطلبة .. أما مستر هانري فلم استطع ابدأ أن اقرأ افكاره .. فيبدو أنه درب نفسه طيلة السنوات الماضية لكي يسيطر علي افكاره .. فيبدو أنه كان يعلم ان ذلك التمثال سيأتي يوماً و سيسلب منه و أن من سلبه سيقتص منه .. و في الليالي التي تلت تلك كان يهاجمني كابوس يتكرر بأن مستر هانري يركض ورائي في الليل و هو يحمل سكيناً ضخماً و تنقذني منه مظلة تكتب .. كنت في كل مرة استيقظ من ذلك الحُلم اتعجب .. فكيف لمظلة من الجماد أن تكتب ، حتي ذلك اليوم الذي جمع الاساتذة جميع الفرق لمشاهدة اثر مهم في الجزيرة .. فوصلنا عند ذلك الاّثر و صعقت عندما رأيته فكان عبارة عن مظلة كبيرة منقوش عليها كتابة بالهيلوغريفية و لكن مفرغة فبإنعكاس الضوء عليها تظهر الكتابة في الانعكاس علي الارض .. فالاّن فهمت معني المظلة التي تكتب .. و لكني جلست تحت ظلها و دورت حولها و لم يحدث أي شيء .. فعدت للفندق و جلست حتي حل المساء أفكر .. حتي اكتشفت ان الحلم التي تظهر فيه المظلة كان في المساء و من المؤكد ان تلك اشارة .. فانتظرت الليلة التالية حتي يكتمل القمر ليستطيع نوره أن يعكس الكتابة .. و لكن بمجرد ما غادرت الفندق شعرت أن شخصاُ يتتبعني .. فاسرعت في خطواتي حتي شعرت ان تلك الخطوات تركض هي الاّخري.. فنظرت فوجدت أن هانري يركض خلفي و في يده شيء به نصل يلمع تحت ضوء القمر .. فركضت باتجاه المظلة و لم اكن اعلم هل سيحدث شيئاُ ينقذني تلك المرة أم سألقي حتفي عندها ..؟! ، و بمجرد وصولي عند المظلة وقفت تحتها .. فشعرت و كأن الأرض تهتز من تحت قدمي بشكل كبير و بدأت الكتابة بالإختفاء و اختفي الرمل من تحت قدمي فوجدت من تحت الرمل باب حديدي متصل به سلم يؤدي إلي نفق صغير تحت الأرض .. و حاول هانري النزول خلفي و لكن لا أعلم كيف لم يستطع و كأن شيئاُ يمنعه ..ثم رأيته يتبخر من أمام عيني ..و كان النفق ضيق بشكل لا يصدق و كدت اختنق بسبب قلة الأكسجين .. و كانت الجدران تملؤها النقوش التي تقص قصة حب أنس الوجود و زهرة الورد .. و في نور القمر اليسير الذي يتسرب إلي النفق رأيت شيئا يلمع .. فوجدت قلادة من الفيروز شديدة الجمال .. و الرسم المنقوش علي الجدار خلفها .. صورة لزهرة الورد تهدي القلاة لمولود صغير ..و بمجرد أن أخذت القلادة .. بدأت الأرض تهتز مرة اّخري .. فغادرت النفق قبل أن ينهار و تعود الأرض لوضعها الطبيعي .. ثم عدت للفندق و كنت مطمئنة قليلاً لأن هانري اختفي .. و نمت تلك الليلة من التعب و حلمت بزهرة الورد تودعني و تخبرني أن التمثال و القلادة ميراث لي من أجدادي و لي حرية التصرف بهم ..ولكن في الصباح استيقظت علي ضوضاء كبيرة فخرجت من الغرفة لأعرف ما يحدث .. فسمعت الأساتذة يتحدثون أن مستر هانري ترك رسالة بأنه سيعود إلي بلده لإستكمال أبحاثه و يعتذر عن التدريب .. لا اّدري كيف حدث ذلك فقد رأيته ليلة أمس يتبخر أمام عيني و لكن علي كل حال طالما هو بعيد فذلك شيء جيد ، وفي نفس اليوم قررت أن أعلن عن اكتشاف تمثال الازدواج و القلادة .. فوجدت أنه ليس من حقي الإحتفاظ بشيء ملك لتاريخ تلك البلد .. و لكن بالتأكيد لم اخبر أي شخص عن قصتي مع مستر هانري و جدتي زهرة الورد .. و قررت الإحتفاظ بالبرديات التي تشرح سر القلادة و التمثال .. حتي لا يسعي إليها شخص اّخر للإستفادة من قدراتها ..و بعد ذلك تم وضع القلادة مع التمثال في المتحف المصري .. و مرت عليّ بعد ذلك عدة أعوام تخرجت فيهم و بدأت العمل في هيئة الاّثار ..و لم يزرني فيهم طيف جدتي و لا أي شيء غامض .. سوي ذلك الشعور الخفي الذي انطلق بمجرد ما رأيت زميل لي في الهيئة .. و عندما قام بتعريفي بنفسه قال إن اسمه " أنس " ،و لم يمر أكثر من عام علي هذا حتي كنا بنفس الفندق نقضي شهر العسل .. في جزيرة فيلة .. موطن الحب .

ليست هناك تعليقات