إبحث عن موضوع

قصة العائدون

خسرت كُل فلوسي وشَرِكاتي على وشك الأفلاس، خسرت السُلطة، خسرت الجاه، خسرت النفُوذ، خسرت كُل حاجة، كُنت بعمل كُل حاجة أنا عايزها وتاجرت في سلاح ومُخدرات حتى القتل، قتلت أقرب ناس ليا، حياتي كانت عبارة عن أني بحقق أي حاجة أنا عاوزها، لكن شاء القدر أني أعيش وحيد بدون أسرة لأني عقيم وما بخلفش، ودي أكتر حاجة تعبتني، بعت الفِيلا والعَربية وفكرت في مكان أخد فيه شقة على قدي وأستقر شوية عشان أقدر أفكر هَعمل أية في اللي جاي.

جيه في بالي اسم منطقة ومش عارف ليه المنطقة دي بالذات اللي اسمها معلق معايا بس مش مُهم، مافكرتش كتير، بالفعل روحت وولاد الحلال دلونيِّ على حد عارض شقته للبيع، روحت له وفي نفس اليوم كُنت ماضي العَقد واشتريت الشقة بعَفشها، الشقة كانت في الدور التاني، طلعت ومعايا شنطة هدومي، فتحت باب الشقة ودخلت، شكلها مُنظم و شيك وبصراحة ماكنتش مِحتاجة  لأي تَنضيف أو تَرتيب، دَخلت أوضة النوم رَصيت هدومي في الدولاب ونمت لأني مانمتش بقاليِّ يومين.

عدى يومين، كُل حاجة تمام و الوَضع شِبه مُستقر، بعد ما صحيت من النوم حسيت بجوع شديد، لبست وقولت هَنزل أجيب أي حاجة آكُلها من تحت، فتحت الباب لقيت طفل واقف عند باب الشقة اللي قُدامي، حسيت بحاجة مش طبيعية قُدام الطفل ده شعور غريب عُمري ما حسيته قَبل كدة بصل ليِّ بمُنتهى البراءة وقال ليِّ:

-أزيك يا بابا شُوفت أنا كبرت أزاي.

ابتسمت وبصيت له باستغراب:
-أنا مش بابا يا حبيبي أنا عمو اللي ساكن جديد هنا.

-طيب ماينفعش تُدخل تلعب مَعايا شوية.

-مرة تانية هبقى ألعب معاك، يلا سلام.

-مع السلامة.

طول اليوم و أنا بفكر في الجُملة اللي قالها الطفل ده، أكيد طفل وخياله واسع مش أكتر، لسة رايح للسرير عشان أنام سمعت صوت تكسير وخَبط ودوشة، الصوت تحديدًا جاي من الشقة اللي قُدامي، فتحت الباب بحذر عشان أشوف فيه أية بس للأسف ماشوفت حاجة لأن الباب كان مَقفول لكني سمعت، سمعت صوت واحدة بتعيط كأنها بستعطف حد:

-"أبوس أيديكوا، أنا مش هعمل حاجة، أرحموني حتى عشان خاطر عيالي، لا لا لاااااااااااااااا".

ساعتها الخوف تملك مني تمامًا قفلت الباب بسرعة ودخلت على الأوضة، فتحت النور لقيت بنت، بنت في نفس سن الطفل اللي شوفته الصبح وكانت إلى حدٍ ما شبهه، بصت ليِّ وقالت:

-مش هتجيلنا بقى يا بابا أنت واحشتنا أوي.

بَلعت ريقي بصعوبة وحاولت أرد بس ماقدرتش، حَسيت أنها اتضايقت من ده وبدأت ملامحها و صوتها يتغيروا، بشرتها أسودت، عنيها كُلها بقت بيضاء:

-هَتيجيلنا بنفسك، هَتيجي ليا أنا وماما.

بمجرد ما خلصت الجملة ظَهر وراها واحدة ست، جسمها لونه مابين الأخضر والأصفر،عنيها جاحظة لبرا، ووشها متآكل أو بمعنى أدق مُتحلل شدت البنت بعنف من دراعها و النور قطع لمُدة دقيقة وأول ما رجع كُل حاجة اختفت معاه، رجعت للسرير و أنا مقرر أن دي هَتكون أخر ليلة ليّا في الشقة هِنا، فضلت أفكر في كُل اللي بيحصل لحد ما أخيرًا نمت.

أنا قاعد في تُربة مَكسورة وفي3 جُثث قُدامي على الأرض، بعمل أية ؟!، أنا كُنت باكل من لحم الجُثث دي باستمتاع، لوهلة فُوقت ورجعت لورا بسرعة عشان ألاقي مكان أهرب منه، مالحقتش أعمل كدا لأن الجثث التلاتة قاموا وهاجموني، فضلو يهاجموا فيها بطريقة وَحشية وغالبًا كانوا بيحاولوا ياكلوني، فضلت أقاوم فيهم لحد ما صحيت.

بصيت في ساعة التليفون لقيتها 3 ونص الفجر، قُومت غَيرت هدومي وخَدت مفاتيحي عشان أنزل أقعد في أي حتة لحد الصبح مايطلع، فتحت باب الشقة ولسة هَنزل سمعت نفس الجملة جاية من الشقة:

-"أبوس أيديكوا، أنا مش هعمل حاجة، أرحموني حتى عشان خاطر عيالي، لا لا لاااااااااااااااا".

صوت الصريخ علي أكتر، حسيت أن حل كُل الألغاز هيبقى في الشقة دي، أحساس غريب بس مُتأكد أنه هيبقى في مَحله، خَبّط على الباب محدش رد، الباب كان شكله قديم ومر عليه زمن، كتف واحد مني كان كفيل أنه يكسره، نورت كشاف التليفون و دخلت الشقة بهدوء، التراب مغطي كُل حاجة في البيت كأن محدش دخل هنا من سنين، سمعت صوت خربشة جاي من ورايا، بصيت لقيتها الست الغريبة اللي ظَهرت عندي في الأوضة جريت ناحية أوضة من الأوض، استجمعت قوتي الكافية وحاولت أتظاهر بالجرأة و دَخلت وراها، لقيتها واقفة نحية السرير وبتفتح درج الـ(الكومود)، بصت ليِّ بصة مافهمتش معناها وجِريت ناحيتي، بمُنتهى العُنف زَقتنيِّ وكَمِلتْ جري ناحية باب الشقة.

قومت من على الأرض وأنا ماسك دماغي من أثر الخبطة وروحت للـ(كومود) عشان أشوف فيه أية، لقيت ورقة قديمة أوي مَكتوبة بخط أيد و عليها إمضاء، ده نص الورقة اللي كان مَكتوب بالظبط:

-يمكن ماعنديش وقت كافي عشان أكتب كُل اللي حصل، لكن لازم أكتب، أنا اكتشفت فساد حاتم جوزي في شَرِكاته واكتشفت أوراق كَفيلة أنها توديه السِجن ده غير تجارته في الممنوعات، خدت هدومي وحاجتي من غير ما يعرف وشُوفت ليِّ شقة أقعد فيها لوحدي بعيد عن عالم الفساد و الأجرام اللي هو عايش فيه ده، اللي مخليني قلقانة أني سمعت من كام يوم أنه هيبعت ناس يقتلوني لأنه خايف أفضحه أو أبلغ عنه.

 بس يا ترى لو عرف أني حامل في توأم هيعمل كدا ؟
لو حد وصل للورقة دي يحاول مشكورًا يوصلها له..
إمضاء/ هناء محمد مصطفى

أنا دلوقتي عرفت لية كُل ده بيحصل، عرفت ليه اسم المنطقة دي جه في دماغي لمّا حبيت أدور على شقة، عرفت ليه الطفل و البنت ظهروا ليِّ، ماكُنتش مُتخيل أن عقاب ربنا والقدر شديد أوي كدا، عرفت أنا ليه كُنت باكل من الجُثث في الحلم، لأني باختصار أكلت لحمي، حاتم ده يبقى أنا وهناء مراتي اللي بعت اتنين من رجالتي على العنوان ده عشان يقتلوها من ست سنين.

سمعت صوت حاجة ورايا ، سَلط ضوء الموبايل بسرعة لقيت الطفل اللي شُفته قبل كدا واقف ورايا بهيئة بشعة زي ما يكون مُتحلل، شكله كان مُرعب فعلا، مَد أيده ناحيتي وبيديني سكينة وبصوت أجش قال ليِّ:

-هاتجيلنا ولا أجيب ماما و أخواتي وناخدك أحنا....؟؟

محمد عبد القادر

ليست هناك تعليقات