إبحث عن موضوع

انصياع الوهم

-الي ميعرفش يدافع عن شرفه مابيعرفش يقدم أي خطوة في حياته وعلشان كده يادكتور أنا متأكد من أنك مش هتعرف تجيب شرفك الي راح!
                                          ***                                      
قبل الكلام دا بثلاث أيام..

دايمًا المناطق الشعبية بيقودها شخص.. الشخص دا بالعربي كده هو الي بيكون متحكم في كل صغيرة وكبيرة جوه المنطقة، وطبعًا المسبب في أنه يعمل كده هي بلطجته ونفوذه، (حامد الضبع) نفوذه وبلطجته مكنتش بتقف على حد ولا كانت ليه  حدوده بتوقفه عند حد معين.

كان ساكن في منطقة حامد الدكتور (رشدي) وهو في الحقيقة دكتور نفسي وشغال فترة الصبح في أحد المستشفيات الخاصة بالطب النفسي، حالته المادية مش قد كده؛ ودا يمكن بسبب عجزه عن أنه يفتح عيادة يلقط بيها رزقه، رشدي صاحب الأربعين سنة الي يدوب أتجوز من سنتين ولسه ربنا مأنعمش عليهم بالخلفة، وفي الحقيقة دي كانت حاجة مسببة لهدى زوجته حالة من الأكتئباب، لأن مفيش أم مش نفسها أنها تشوف حتة منها بتكبر قصاد عنيها.

الروتين اليومي لرشدي كان محفوظ؛ فقبل ما يخرج ويروح للمستشفى كان لازم يشرب قهوته الي من صعب جدًا يستغنى عنها، وفي الوقت دا وفي أثناء تحضيره للقهوة -الي بيعملها على السبرتاية- كانت هدى قاعدة مع رشدي:
-رشدي.. بقولك ايه ما نمشي من المنطقة دي ونروح نسكن في أي حتة تانية غير هنا.
-ليه؟
-ليه؟! أنتَ مِش شايف الحالة الي احنا عايشين فيها يارشدي.. مش كفاية القرف الي احنا شايفينه من الي اسمه حامد دا.
-هدى.. بقولك ايه خرجيني من دماغك.

ألتزمت هدى بالسكوت وشرب رشدي قهوته ونزل من البيت..
نزول رشدي من البيت معناه نزوله لعرين الأسد برجله! فبيكون دايمًا حامد في أستقباله.. على قهوته، وفي أثناء ما رشدي ماشي في الحارة وقفه حامد الي قاعد على قهوته، وقال له:
-بقولك يادكتور هو مش أنتَ برضوا شغال في مستشفى بتاعة المجانين؟
-اه.. شغال أنا في مستشفى المجانين.
-حلو آوي يعني أنتوا عندكم الترامادول وكل الممنوعات دي صح؟
-ايوة الحجات دي بتتصرف بروشتة وبنديها للعيانين بجرع معينة.
خرج حامد سيجارة وولعها بعد قال:
-طيب بص يادوك أنا والرجالة مش لاقين الصنف اليومين دول فبشطارتك كده تجيب لنا أي حاجة من الي عندكم.. حلو الكلام؟
-ايه الي بتقوله دا يامعلم أنا مستحيل أعمل كده.. دا فيها سجني!
واضح إن حامد اتعصب ودليل دا رميه للسيجارة بعنف هو وبيقول:
-ياجدع أنتَ لو معملتش الي بقولك عليه؛ تقول يارحمن يارحيم على نفسك وعلى المدام الي فوق!
يمكن دا المعنى الحرفي لكلمة قهر الرجال:
-يامعلم إزاي بس أعمل كده؟!
-تتصرف ياحبيبي ولو مجتش الحاجة في أقل من يومين؛ مراتك هتكون وليمة ليا!
-خلاص يامعلم هتصرف لك.
-طاب طريق السلامة أنتَ بقى ياجدو.
                                           ***                                   
طبعًا رشدي عمره ماهيخاطر ويعمل الي قاله عليه حامد، وعلشان كده حامد الضبع بدأ في تنفيذ خطته، وبعد تلت أيام وقتها كان الوقت الليل فبديهي رشدي هو وهدى نايمين.

صوت الخبط على الباب لمدة دقائق كان فاكره رشدي جاي من أحلامه، بس بعد ما فتح عينه وأكتشف إن الصوت حقيقي ومصدره باب شقته فخرج من الاوضة وراح على باب الشقة.. بعد ما فتحه رشدي؛ أتفاجئ بحامد ورجالته واقفين وراء الباب!
-خير يامعلم فيه حاجة؟
بص حامد لرشدي وللأتنين الي معاه وقال:
-في حاجة واحدة بس؟! دا في حجات ولازم يتجاب حقها بالأيد! يلا يارجالة.
وكأن أدى الأمر لثيران هايجة فبعد ما قال جملته الأخيرة دي؛ دخل حامد والأتنين الي معاه.. بكل بجاحة بيدخل حامد أوضة النوم! والأتنين الي معاه بيكتفوه رشدى بعد ما قعدوه على كرسي، كل دا كان تجهيزًا عشان ينفرد بوليمته..
                                       ***                                   
بلا شك الي بيعمله حامد في الوقت دا لا يمت للعرف البشري بشيء.. عدت نص ساعة من ألتهام حامد لوليمته بس كان واضح أنه حابب يكسر نفس رشدي بزيادة.. ودا علشان خلى الثيران الي معاه تغتصب وليمته! مرًة تانية بدون أي رحمة، كل الي بيحصل دا كان شاهد عليه رشدي بصمته! لأنهم سدوى بوقه بقماشة علشان ما يخرجش أي صوت منه.. قرب حامد من رشدي -المنزوع منه كل حاجة- علشان يقول:
-الي ميعرفش يدافع عن شرفه مابيعرفش يقدم أي خطوة في حياته وعلشان كده يادكتور أنا متأكد من أنك مش هتعرف تجيب شرفك الي راح!
لو حصلك نفس الموقف دا هتعمل أيه؟ السؤال صعب الأجابة عليه بس يمكن لرشدي أجابة عليه.
                                       ***                                   
بعد سنتين من الي حصل..

داخل أحد مستشفيات العلاج النفسي والعصبي؛ كان متواجد رشدي بس الفرق هنا أنه كان نزيل فيها! مش دكتور بيعالج الناس الموجودة أنما هو الي كان بيتعالج!
وفي وقت فسحة المرضى كان قاعد رشدي منطوي مع نفسه مش بيعمل أي حاجة غير شروده في اللا شيء..
عارف لما تشوف بئر مياه في وسط الصحراء شعورك وقتها مستحيل يتوصف دا بالظبط الي حصل مع رشدي لمَّا شاف حامد!
طبعًا سلط كل تركيزه عليه وكان جواه مليون حاجة عايزة تتحرك علشان تنتقم.. لكنه قرر الأنفراد بيه في فرصة مناسبة!
                                           ***                                   
المدة الي قضاها رشدي في المستشفى خلته عارف كل تفصيلة فيها، وعلشان كده هو دلوقتي جوه مخزن في المستشفى ومعاه حامد!
الأنتقام وجبة لازم تتقدم طازجة!
رشدي كان مربط حامد على تربيزة -كانت موجودة في المخزن- مفيش شك إن السيطرة لوحدها متعة لكن الأنتقام متعته أجدر بكتير من السيطرة.
أتكلم أخيرًا رشدي وقال:
-القدر جمعنا من تاني ياحامد.. تصدق أنا مكنتش حاسب لليوم دا بس أنا قلت الأرتجال هو الحل في المواقف دي، عارف ياحامد أنا دخلت ليه مستشفى المجانين بعد ما كنت دكتور فيها؟
بنبرة أستهزاء سمعها الأخير، قال حامد:
-ليه يادوك؟
-كان معاك حق جدًا لما قلت الي ميعرفش يدافع عن شرفه مابيعرفش يقدم أي خطوة في حياته.. بس أنتَ كنت غلطان.. أنا دخلت مستشفى لأني قتلت مراتي! واعتبروني مجنون ميعرفوش أني مقدرش أعيش وأنا شايف مراتي شرفها ضاع قدام عيني والي خد شرفها مش هقدر اعمل له حاجة.
قاطعه حامد هو وبيقول:
-أنتَ محظوظ أنك قابلتني.. أنا جيتي علشان مأتسجنش بسبب تهمة ضربي لمراتي.. الصدفة كانت المرًة دي في ملعبك.. بس في حاجة أنتَ مش قادر تستوعبها..
-والي هي؟
-أنك مش دكتور ولا حاجة زي ما أنتَ متوهم!

-ههه وأنتَ عايزني أصدق الكلام دا صح؟! مش كفاية أنك سبب في كل الي حصل.. أغتصابك لمراتي قصاد عيني! وكل دا علشان رفضي لطلبك الحقير..

-الحقيقة يارشدي أنك مش دكتور.. وكل الي حصل دا كان وهم! أنا لا أغتصبت مراتك ولا جيت ناحيتها.. أنا اه بلطجي المنطقة مقولناش حاجة.. بس آخر واحد كنت أقدر أني أجي جمبه هو أنتَ، عارف ليه؟ علشان أنتَ أخوية للأسف وكل الي حصل بسبب أنك متخيل لحجات مش بتحصل غير في دماغك أنتَ وبس!

-مستحيل أصدق كلامك ياحامد أنتَ بتخدعني علشان ماخلصش عليك.. أنتَ كداب وحق شرف مراتي هيتجاب دلوقتي.

-للأسف يارشدي دي الحقيقة.. أنا أبوك صحينا في يوم على صراخ مراتك ولمَّا لعندك لقيناك قتلها! طبعًا احنا حاولنا نتستر عليك بس للأسف معرفناش وكل الي قدرنا عليه أننا ندخلك مستشفى المجانين.
في اللحظة دي كان رشدي ماسك سكينة في أيده وواضح أنه مش ناوي على خير ابدًا:
-لو حلفت على المياه وجمدت برضوا مش هصدقك، وشرق مراتي الي راح هيتجاب دلوقتي!
بعد ما قال كده رشدي؛ غرس السكينة في بطن أخوه حامد وطعنه كذا مرًة في أماكن مختلفة لحد ما لفظ أخر أنفاسه.
فجأة خرج رشدي من سباته وقال:
-كده أنا جبت شرفك ياهدى وأنتِ في الحقيقة وحشتيني آوي ومعتش قادر خلاص.. أنا جيلك ياحبيبتي!

وبدون أي مقدمات كان رشدي طعن نفسه! علشان يريح نفسه من أوهامه في الحياه وبشوف الحقيقة ولحظتها أكيد هيتمنى الرجوع للحياة لكن مش هيلاقي غير الخذلان في مواجهته.
(تمت)

ليست هناك تعليقات