إبحث عن موضوع

رواية اميرتي الحلقة الثانية

الثانى 
مر يومان على حديث باسل مع والدته ،يذهب للجامعة بإنتظام بينما لاحظت أميرة صمته المبالغ فيه وشروده المستمر حتى أنه لا يجاريها فى مناقشاتها ،كما أنه أصبح يعتذر منها ويتواجد بصحبة زملاءه وكم اشعرها هذا بالوحدة فهى لا صديقات لها .
منذ إلتحق كليهما بالجامعة وهما يترافقان دائما لذا كانت علاقة أميرة بالفتيات مجرد زمالة وباسل هو رفيقها الوحيد.
عادت للمنزل لتجد أريج تذاكر فهما تتقاسمان نفس الغرفة.دخلت أميرة بصمت لتجلس على فراشها ،لم تعتاد الفتاتان تبادل الاسرار أو النصائح ف أريج تحظى باهتمام امها لذا هى مخبأ أسرارها أما أميرة فتحتفظ بكل ما لها لنفسها فقط .
تمددت على الفراش دون أن تبدل ملابسها تفكر ترى ما سبب تغيره المفاجئ ،لقد تبدل تماما .
اخذتها أفكارها لعدة أسباب فقد يكون مل رفقتها فهما لا يتحدثان سوى بالدراسة،وربما يكون على علاقة بإحداهن وهنا دق قلبها بعنف خوفا من فقدان حب مراهقتها وشبابها ..بل حب عمرها كله ..مهلا ربما هو فقط يمر بأزمة أو ضيق لما لا تخطو هى الخطوة الأولى وتسأله عما به ...لقد رأت الحب بعينيه دائما ..لما لا تقترب قليلا !!! خطوة واحدة لن تتخلى عن إلتزامها فقط ستسأله عما به ..
ارتاحت لهذه الفكرة وقررت أن تتحدث إليه في الغد .
*********************
عاد باسل للمنزل ليجد والدته ككل يوم تجلس على نفس المقعد وتتابع مواقع التواصل الإجتماعي جلس بالقرب منها منكس الرأس صامتا لبرهة ثم قال: أمى لقد اقتنعت برأيك
نظرت له بإنتصار فهذا ما توقعته تماما ف باسل لم يخرج يوما عن الطريق الذى يرسمه له والديه مدت كفها تربت على كفه بحنان مبالغ فيه: هذا هو صغيرى الذى سيظل الأفضل دائما ،وسيحصل ايضا على الأفضل دائما.
نظر لها بإبتسامة باهتة لتقول: إعلم بنى انى ابحث عن سعادتك . فحياتك مع فتاة مثالية مثل أريج ستظل فى تقدم وازدهار وستتوليان معا المشفى الذى يتشارك فيه والديكما بل وستتوسعان ايضا .
هز رأسه موافقا على حديث أمه : أعلم أمى انت دائما تختارين لى الأفضل .وانت محقة أريج مميزة فعلا يتمنى شباب الجامعة كلهم أن تهتم بأحدهم لكنها لا تفعل .
قبلت خده كطفل صغير: سأتحدث الى والدك الليلة وستتم خطبتكما فى أسرع وقت.
هز رأسه ونهض متوجها لغرفته بصمت
******************
وصلت مبكرة وها هى تقف تنتظر ظهوره ولم يطل انتظارها فسرعان ما ظهر باسل بخطواته الثابتة تقدمت نحوه تحاول أن تخفى لهفتها : مرحبا باسل لما تأخرت ؟
نظر لساعته برتابة : بل انت مبكرة أميرة أمامنا نصف ساعة قبل بدء المحاضرة .
اخفضت رأسها بخجل: نعم حضرت مبكرة اليوم ...فى الحقيقة اردت التحدث معك أولا
دق قلبه بعنف وتمنى ألا تكون قد قررت أن تعترف بما يراه بعينيها ..فهذا توقيت خاطئ تماما بينما دق قلبها هى حماسا ربما يكون هذا الحديث حافز له ليفصح عما تراه بنظراته .
حمحم باسل وهو ينظر لها نظرات جامدة لتقول: انت على غير عادتك منذ يومين.. واردت أن أتأكد انك بخير .
تنهد براحة وهو يقول: انا بخير لا تقلقى بشأنى .
نظرت له بحب : لشأن من على أن اقلق ؟؟ انت رفيقى الوحيد .
نظر لها بشفقة نعم هو رفيقها الوحيد..بل هو لم يسمح لها بأى علاقات منذ إلتحاقهما بالجامعة وهو ملتصق بها أصبح له اصدقاء وهى أصبح لها هو فقط .
نفض الحزن عن قلبه وهو يقول: أتعلمين لقد قررت أن ارتبط وستتم الخطبة قريبا.
بهت لونها وجن قلبها الذى اخذ يدق بعنف قبل أن تتباطئ دقاته لتقترب من التوقف : ماذا !! ترتبط ؟؟
اسرع يكمل قتلها بلا رحمة: انت تعرفينها سأخطب أريج شقيقتك الصغرى .
ذبحها ..نعم ذبحها بكل قسوة ..بكل جبروت ..بكل أنانية.
لم تجب بحرف بل سارت لتتخطاه دون أن تنظر إليه حتى ،فلو ظلت أمامه دقيقة أخرى لفقدت وعيها ..لم تتوجه للمحاضرة .. سارت بلا هدى ..فقط تبتعد عنه.
نظر فى إثرها بشفقه وقلبه يتألم يرجوه أن يلحق بها... أن يضمها لصدره .. أن يخبرها انها هى فقط مالكة دقاته ..هى فقط معذبته ومنجاته ...لكن بالطبع لم يستمع لقلبه بل استمع لعقله ..لوالدته ...نظر نحو الأفضل ...نعم سيحصل على الأفضل ،لذا اتجه بخطوات ثابتة نحو المحاضرة وكأنه لم يذبحها بسكين بارد .
سارت أميرة وعقلها مشتت ...أحقا ما سمعت!!! هل اخبرها باسل للتو أنه سيتقدم لخطبة أريج !! أريج شقيقتها الصغرى!!! أريج الأجمل.. أريج الأذكى .. أريج الأفضل... أريج ستتزوج باسل .
غادرت الجامعة وتوجهت للمنزل وعقلها يكاد يجن وقلبها فقد صوابه محطم باك ..تشعر بغصة. بالاختناق. لكن الغصة لا تنبلع والاختناق لا يزول..حتى عينيها ليس بهما دموعا لتخرج ما بقلبها من ألم .
******************
عاد باسل للمنزل فى نهاية اليوم وهو يظن أنه أحسن صنعا لتعلم منه أولا،فهى ستعلم بكل الأحوال..لقد تخلص من تعذيب الضمير...ستتعامل مع الأمر بحكمة كما فعل هو تماما.
ما إن عاد حتى بشرته والدته أن والده وافق على الارتباط وستكون الزيارة الأولى بنهاية هذا الأسبوع وستحدد الخطبة فى نفس اليوم.
ابتسم باسل وشكر امه قبل أن يتوجه لغرفته .
***********
لم تغادر غرفتها طيلة اليوم،ولم يشعر أحد بعدم حضورها بالجامعة هذا اليوم، بل لم يشعر أحد بوجودها بالمنزل من الأساس.
فقد عادت أريج من الجامعة لتحظى ببعض الراحة وها هي والدتها قد دعتها للتحدث بغرفتها حين وجدت أميرة بالغرفة لتتصنع الأخيرة النوم .
غادرت أريج منذ لحظات لتنهض أميرة عن الفراش فحلقها شديد الجفاف . توجهت للمطبخ لتمر بغرفة والديها لتستمع لصياح أريج بلا تعمد : حقا أمى باسل طلبنى للزواج؟؟
تسمرت قدمى أميرة بالأرض وامها تقول ضاحكة : حقا صعيرتى الجميلة ..وقد وافق والدك ايضا . إنه مناسب لك تماما وسيساعدك لتحقيق حلم العائلة.
أطلقت أريج صرخة حماسية ليعلو صوت امها : لكن إياك واخبار أحد قبل زيارتهم بنهاية هذا الأسبوع
يظهر الحماس بصوت أريج : لن اخبر أحد امى أتعلمين ستموت الفتيات غيظا .
أطلقت ضحكة عالية : سأخبر أميرة فقط .
لتأتى الطعنة الأخيرة لقلب أميرة وامها تصيح : إياك أن تفعلى ..ستعلم بنهاية الأسبوع
لم تتمكن من الإستماع للمزيد لتعود فورا لغرفتها تبكى وتخفى وجهها بوسادتها كالعادة،لما تكرهها امها بهذه الطريقة؟؟ أليست إبنتها مثل أريج ؟؟
تكرهها لأنها أقل جمالا؟؟ وما ذنبها بهذا !!
تكرهها لأنها أقل ذكاءا ؟؟ كان عليها تشجيعها فهى مجتهدة وتسعى لتحقيق حلم والديها
نعم .هى تسعى لتحقيق حلمهم هم ،لم تفكر يوما بما تريد هى ..بل سارت على الطريق الذى رسموه لها تتبع أحلامهم ، وماذا جنت بالمقابل .
لم تجنى إلا الألم ، التحقير من شأنها دائما .لابد أن يتوقف كل هذا .
***********************
عاد أمجد من عمله متأخرا كالعادة وربما يتعمد التأخير فمنذ صمم على حلمه وتمسك بتحقيقه وهو يعامل من والدته بشكل سئ للغاية لذا فلا داعي للتواجد بالمنزل بل يجد فى عمله ويقدم ما لديه من وقت اضافي للمساعدة بمشفى والده الخاص رغم أن ذلك لا يرضى طموح أبيه لكنه يتقبله على مضض.
كانت تعلم أن أمجد فقط من سيدعمها ،فهو الوحيد الذى يعيش نفس النزاع الذى تعيشه وإن كان أمره أقل ألما فقلبه لم يجرح بفضل أحلام أبويه .
دخل أمجد ليجد الصمت يعم المكان كالعادة يتوجه لغرفته ليجد باب شقيقتيه ينفتح وتخرج أميرة تتجه نحوه .
يبتسم لها بحنان لكن سرعان ما تزول ابتسامته حين تقترب ويرى عينيها المنتفختين من اثر البكاء يقطب جبينه ترى ماذا حدث لصغيرته ؟
فتح ذراعيه لتسرع فترتمى على صدره لتبكى وتبكى ، يسير أمجد بإتجاه غرفته وهى بين ذراعيه ينحنى نظرا لقصر قامتها فيقبل رأسها وهو يغلق الباب بهدوء : ماذا حدث عزيزتى ؟؟من أبكى أميرة عائلتنا ؟؟
يزداد بكاءها فهو الوحيد الذي يشعرها انها ذات قيمة كبيرة ليشد هو ذراعيه حولها: هششش حبيبتي كفى بكاءا ..رفقا بعينيك الجميلتين
جلس على فراشه وهى بقربه يحنى رأسه ويضمها : أخبرينى صغيرتى من أغضبك وسأقتص لك منه .بل سأجعله عبرة لمن يعتبر.
رفعت عينيها الباكيتين ليحيط وجهها بكفيه وابهاميه بكففان دموعها: أخى انا بحاجتك .
يقبل رأسها مرة أخرى: وأنا هنا لاجلك صغيرتى .
شهقت بقوة : انا لن أدرس الطب ..قررت أن انهى هذه المهزلة.لن اتبع احلام أحد ،سأتبع حلمى فقط .
رفع حاجبيه بتعجب : ألم تخبرينى سابقا انك ستفعلين أى شئ لتحقيق حلم العائلة !!!
شهقت مرة أخرى: وماذا قدمت لى العائلة انا الابنة الأقل في كل شئ .. الأقل جمالا ،الأقل ذكاءا والأقل حظا ايضا .
عادت تبكى بينما يربت على رأسها بحنان: لا تتفوهى بهذه الترهات عن نفسك
رفع رأسها لتنظر إليه : انت مميزة عزيزتى أنت مجتهدة وملتزمة وجميلة وحنونة وتملكين قلبا كقطعة الالماس الغالية .إياك أن اسمعك تتحدثين عن نفسك بهذا السوء مرة أخرى.
ابتسمت من بين دموعها وهي تهز رأسها بالموافقة على حديثه ليقول: انا لا اريدك ان تتخذى قرارات فى لحظات انفعال قد تندمين عليها فى المستقبل.هل فكرت في قرارك بشكل جيد ؟
هزت رأسها وهى تقول بحماس : لقد درست الموضوع سابقا وأجلت تنفيذه لكن عدلت افكارى على أن اسعى لحلمى ..
وما هو حلم صغيرتى ؟؟ سألها بوجه مبتسم
بادلته ابتسامته بأخرى باهتة : سأعمل فى مجال الطبخ ،سأنشئ لنفسى مشروعا خاصا . سأبدأ من العمل بالمنزل .
ضمها لصدره بحنان : أظنك محقة فانت بارعة فى ذلك .وانا ادعمك بشكل كامل .لدى مبلغ مدخر يمكنك الاستفادة به .
قبلت خده بحنان : اشكرك اخي انا اتدبر أمرى وقد اعددت سابقا المال اللازم .احتاجك فقط بجانبى .سأخبرهم قرارى فى الصباح.
تناول كفيها الرقيقين وهو يقول: انا هنا لأجلك صغيرتى سأكون حائط الصد الذى يتلقى عنك ضربات والدينا
ثنى ذراعه يستعرض عضلاته بفخر : انظرى إلتحاقى بالجيش جعل منى رجلا قويا .
عادت تقبل خده وهى تبتسم: انت اقوى رجل بنظرى أخى .
مسح على شعرها بحنان : حسنا إذهبى للنوم الآن ففى الصباح ستحتاجين لكامل طاقتك .
ضحكت اخيرا وهى تتوجه للخارج بينما نظر فى أثرها بألم وهو يتمتم : لن تتوقف أمى حتى تدمير هذه الصغيرة فقط لأنها ليست كما تمنت .
***********************
استيقظت أميرة باكرا وهى عازمة على تنفيذ قرارها فهذا هو التوقيت المثالى لإعلان قرارها قبل أن يتقدم باسل لخطبة شقيقتها بشكل رسمى فهى لم تتحمل أن تراقب حدوث ذلك عليها أن تضع حدودا بينها وبين شقيقتها قبل ذلك وبالطبع ستتكفل والدتها بذلك بمجرد إعلان قرارها .
استيقظ أمجد باكرا ايضا وهو عازم على دعم شقيقته مهما كلف الأمر.
اجتمعت الأسرة لتناول الفطور المبكر الذى طالما تتخلف عنه الفتاتين لتتفاجأ أمل بخروجها من غرفتها : ألا زلت بالمنزل ؟؟أليست لديك محاضرات باكرة ؟
أخذت أميرة نفسا عميقا وهى تنظر لوالديها قبل أن تقول: لن أذهب للجامعة.
نظر لها والدها : ولم ؟؟ هل انت بخير ؟
اخذت نفسا عميقا مرة أخرى: لنا بخير أبى لكنى قررت أن أتوقف عن دراسة الطب .
سعل والدها بقوة بينما هبت والدتها واقفة : هل فقدت عقلك ؟؟ انت بعامك الأخير؟ لقد حمدت الله على بلوغك هذة المرحلة بعقلك الغبى هذا .
قاطعها أمجد بحزم : أمى رجاءا توقفى عن نعتها بهذه الصفات أميرة مجتهدة ووصلت لهذه المرحلة بفضل ذكاءها واجتهادها لا بفضل دعواتك .
ليضرب محمدالطاولة بكفه : كفى .
نظر ل أمجد بغضب : كيف تتحدث إلى والدتك بهذه الطريقة؟؟
بادله أمجد النظرة الغاضبة: وكيف تقبل أن تتحدث عن أميرة بهذة الطريقة؟؟
رأى محمد فى نظرة ابنه غضب لم يراه من قبل،غضب يهدد بتفكيك ما عمل لأجله طيلة العمر بينما تصر أمل على موقفها وتنهره بحزم : لا دخل لك أمجد بالأمر .
ونظرت ل أميرة وقالت بحزم : ستنهين دراستك ،وستعملين بمشفى والدك كما خططت لك فهذا اقسى ما يمكنك تحقيقه .واتركى لشقيقتك الصغرى تحقيق بقية احلام العائلة
ترقرت الدموع بعينى أميرة هى تصر على وضعها في مقارنة مع شقيقتها فى كل الاحوال لتعقد ساعديها بينما ينظر لها أمجد مشجعا فتقول: لن افعل أمى ..سأعمل فى مجال الطبخ وهذا قرار نهائي.فأما انا تتقبلينى كما انا بصفتى ابنتك أو تنفرى منى كالعادة .
نظرت لأمها بتحدى : القرار لك أمى لقد اتخذت قرارى .
ابتسم أمجد لقد تمكنت صغيرته من اجتياز اول واهم خطوة فى طريق حلمها بينما بهتت امل فهى للمرة الأولى ترى أميرة بهذه القوة ،اما محمد فقد طأطأ رأسه بأسف وهو يقول: كانت امكما محقة ..حاولت أن امنحكم نفس الفرصة لكنكما لم تستحقاها
نظر لزوجته : كنت محقة عزيزتى أريج هى الابنة التى ستحقق أحلامنا
قال جملته طاعنا قلب أميرة الطعنة الأخيرة قبل أن ينهض عن الطاولة مغادرا المنزل بينما نظرت امل لها بقسوة قبل أن تقول: إذا نفذت هذا القرار لن اعتبرك ابنتى مطلقا وسيكون بقاءك بهذه العائلة مظهرا إجتماعيا ليس إلا.
لتبتسم أميرة بسخرية وهى تقول: ومتى اعتبرتنى ابنتك من الأساس امى ؟
لتنظر لها أمل بغضب وتغادر أيضا بينما ينهض أمجد ليقترب منها: احسنت صنعا صغيرتى .
مسح على رأسها بحنان : لا اريد ان ارى دموعك مطلقا ...اريد ان اشهد على تحقق حلمك
ابتسمت له ليقول: هيا تحركى لديك الكثير من العمل .
أسرعت ترتمى بين ذراعيه ليحملها فترتفع قدميها عن الأرض ويقبل وجنتيها بحنان هامسا : ألا يوجد طريقة تكسبك بضعة سنتيمترات؟؟
ضحكت وهى تضربه على صدره ليضعها أرضا ويقول محذرا : سأحاسبك حين عودتى عن انجازاتك اليومية .
وغادر ليترك شقيقته متحمسة لتحقيق حلمها .
#قسمة

ليست هناك تعليقات