إبحث عن موضوع

الحارس و الخانه

الحارس والخانه
_من الليلة دي أوعى تفكر تهوب ناحية مقابر عيلة الحوراني
دي الجملة اللي فاجئني بيها عم إسماعيل حارس المقابر,, أول ما رجعنا السكن بتاعنا اللي على طرف الجبّانة الغربي,,
الغريب إن إحنا كنا لسه راجعين من دفنة الحج إبراهيم الحوراني بعد صلاة العشا,, وقبل ما نقعد على الكنبة بتاعتي اللي في الصالة أو حتى نمسح عرقنا لقيته مسك كتفي وبص في عينيا بحزم وفاجأني بالجملة دي,, وكان واضح عليه القلق والخوف,,
أنا عايش مع عم إسماعيل دا بقالي اتناشر سنة,, من وأنا عندي 8 سنين لا بروح مدارس ولا بخرج من المقابر الا للشديد القوي,, وعمره ما نهاني عن اللف وسط المقابر أو تقليم الصبّار ولّا البرشومي اللي بيعلى في وسطها
وأحيانا كان يبعتني أعس في الليل عشان لو في عيال مداريين وبيضربوا وسط المقابر,, ولّا في حد جاي يدفن عمل أو سحر
عشان كده كنت مستغرب من طلبه الغريب دا خاصة إن الحج إبراهيم الحوراني الله يرحمه مات بعد ما كسر التمانين سنة وعمري ما سمعت عنه حاجه وحشه,, ومقابر عيلته في وسط المقابر وبمر عليها في الروحة والرجعة
ساعتها ماعترضتش بس تاني يوم وإحنا بنفطر سألته عن السبب فقال لي إن إبراهيم دا كان مسحور وماينفعش إني أهوب ناحية تربته لمدة أربعين يوم وإلا هتمس 
لكن الغريب إن بعد كام ليله قمت من النوم في نص الليل ماكانش عم إسماعيل في الاوضه بتاعته فطلعت بصيت قدام السكن مالقيتوش بردو فوقفت ورا الشباك الموارب اللي فوق كنبتي  أنتظره, وبعد ما كنت قربت أزهق بعد نص ساعة أو أكتر من وقفتي لمحته بجلابيته السمرة وتلفيعته البني على نور العمود اللي على طرف المقابر الشرقي وهو جاي من ناحية البلد وداخل ناحية مقابر الحوراني وفي ايدة كيسه سمرة
كان كل ما يبعد عن العمود ويتوغل جوا المقابر طول خياله يزيد لغاية ما أختفي هو وخياله هناك وسط المقابر عند شجرة الجازورين اللي واقفة زي المارد قرب مقابر الحوراني
ففضلت منتظر ورا الشباك لغاية ما لمحت طيفه جاي ناحية السكن بتاعنا بعد ما قضى ييجي خمس دقايق عند مقابر الحوراني فاترميت على كنبتي تاني وعملت نفسي نايم
فلما دخل قفل الباب وراه ولقا الشباك بتاعي موارب فقفله وقعد على طرف كنبتي وهو بينهج وبيتمتم بصوت واطي_يا ساتر,, يا ساتر
ففتحت عينيا بالراحة كان ساعتها ماسك إزازة مياة وبيرفعها على بوقو لكن كانت إيده بتترعش رعشه غريبه
هو أه راجل كبير في السن وفي رعشة على طول في إيده لكن الرعشة المرة دي كانت شديدة وكأنه شاف عفريت
وبعد ما اتمالك نفسه راح دخل أوضته
وفي الليالي اللي بعدها بقيت أقلق كل ليلة في نفس الميعاد ويتكرر نفس الموقف وفي الوقت دا كان بطّل يطلب مني إني أروح أعس في الليل,, ولو خرجت في النهار زي عادتي عشان أروح أزور القبر اللي فيه أبويا وأمي وأخويا يزيد أو أخد لفه في المقابر,, كنت أحس أنه مراقبني من بعيد وأنا كان الفضول كل يوم يزيد جوايا
لغاية ما في ليلة قررت لأول مره إني أعصي أمره وأروح أشوف إيه سر المقبرة دي,, وأيه سر مرواحه هناك كل ليلة وأستنيت لما خرج في الليل ورحت ناحية المقبرة
المقابر عامة نوعين, نوع مفرد بيبقى عبارة عن لحد خشب في حفرة تحت الأرض بعد ما نحط الأمانه فيه ونهوّي أربطة الكفن من عند الراس والرجلين,, بنغطية بألواح الخشب ونهيل فوقه الرمل وتاني يوم ممكن نبني بانية أرتفاعها عشرين سنتي فوقه,, أما النوع التاني فبتكون مقابر مبنية جاهزة وسقفيتها مصبوبة خرسانه,, إرتفاعها حوالي متر أو متر ونص تقريبا وبتكون على مساحه مثلا عشرة متر طول وأتنين ونص متر عرض وبتبقى متقسمه من جوه بجدران طوب لخانات أو مدافن كل مدفن لية طاقه أو فتحه اللي بندخل منها الأمانه من غير ولا حفر ولا لحد خشب وبعد كده نسدد الطاقه بالطوب,, فتلاقي مقابر خمس طاقات وفي عشرة وفي بتبقى مبنية ب طاقة واحدة
مقابر الحوراني كانت من المقابر العالية المبنية وكان فيها عشر طاقات تلاته منهم فاضيين ولسه ماتشغلوش والسبعه التانيين إتشغلوا والحج إبراهيم كان في الطاقة السابعة آخر طاقة مسكونه وجمبها التلاته الفاضيين
لما جيت رايح ناحية المقبرة ماكنتش منور كشاف ولا أي حاجة كنت بتحرك بخفه وسط المقابر على النور الخافت للعمدان الموجوده على أطراف الجبانة لغاية ما وصلت قرب شجرة الجازوين  فاتداريت ساعتها ورا نبتة صبار عالية بحيث أبقى كاشف طاقات مقبرة الحوراني وأشوف عم إسماعيل بييجي هنا يعمل إيه
كان يومها الريح شديد وشجرة الجازورين اللي شبه المارد فروعها بتتمايل زي أخطبوط ضخم غضبان,,
وشواهد القبور لما تلمحها وأنت نايم عالرمله كأنها أشباح بتحرس المقابر ومع حركة اللمبات العتيقة اللي متعلقة في عواميد النور كانت خيالات الشواهد بتتهز يمين وشمال زي السكارى
ساعتها كان في تعلب بيقرب ناحية مقابر الحوراني من الناحية الشرقية,, ماكانش شايفني ولا شاممني وإلا كان هرب,,
لكن مجرد ما وصل عند مقابر الحوراني لقيته لف جسمه بفزع وهرب وهو مسعور,, كأنه بيهرب من الموت
الغريب إني لما قعدت وركزت على الطاقات حسيت إن الطاقه الفاضيه اللي جمب طاقة الحج إبراهيم الله يرحمه فيها نور خافت أوي جاي من جواها ولولا إننا في سواد الليل ماكانش ظهر
ففركت عينيا وأنا بكدب نفسي ورجعت أبص تاني
كان فعلا في نور جاي من جواها
وقبل ما الظنون تلعب في دماغي كان عم إسماعيل خياله بيقرب وسط القبور لغاية ما وصل عند الطاقة الفاضيه ودخل جواها وساعتها النور جواها زاد على الرغم من إني واثق إن عم إسماعيل ماكانش معاه كشاف وسايب تليفونه في الأوضه ,,
وساعتها لقيته بيمد إيده بالكيس الأسمر ناحية إيد بتتمد من الجدار الفاصل مابين الخانة اللي مدفون فيها الحج إبراهيم الحوراني و الخانة الفاضية اللي دخلها عم اسماعيل
وماكانتش إيد الحج إبراهيم الله يرحمه دي كانت إيد سوده
ساعتها جريت وسط المقابر لغاية ما وصلت السكن بتاعنا,, وأنا موطي جسمي عشان عم إسماعيل مايلمحنيش,, ورحت مددت على الكنبه كأني ماقمتش من نومي
وبعد عشر دقايق لقيته حصلني
وهو جسمه بيرتعش وبينهج زي كل مرة يروح عند المقبرة دي,,
لكن ساعتها كان الفضول بدأ ينهشني أكتر, بس مارضيتش أسأله عن حاجه ولا أبين له إني شفت حاجة,,
لأني نويت أعرف بنفسي كل اللي بيحصل من ورا ضهري
وفي الليلة اللي بعدها ما نمتش خالص وأول ما خرج ناحية البلد رحت جري ناحية المقبرة وأول ما قربت منها بدأت أتسحب بالراحة لغاية ما وصلت عندها ومديت راسي في الخانة الفاضية اللي جمب خانة الحج إبراهيم فلقيت إن في بصيص نور جاي من ناحية الجدار الفاصل بين الخانة اللي مدفون فيها الحج إبراهيم والخانة اللي راسي فيها,, كأن في فتحه معموله في الجدار دا ومتداريه من جوا مقبرة الحج إبراهيم بقماشة سودة
فطلعت راسي من الخانة الفاضية ورحت فضلت أدور وسط صفوف الطوب اللي مسددين بيها طاقة الحج إبراهيم نفسه لغاية ما لقيت فرجه صغيره جدا بين الطوب فبصيت منها لقيت جوا المقبرة كيان قاعد عند راس الأمانة,, والأمانه كفنها مكشوف من عند الراس لغاية الوسط كان شعر الجثه اتنحل,, والجلد من عند منطقة البطن والصدر بدأ يتساقط والجزء الباقي اللي لسه ماتساقطش كان لونه أخضر والبطن والوش منفوخين والدود سارح فيهم والعينين بارزه,, بس الغريب إن كان في حته في منطقة الكتف زي ما تكون منهوشة أو مقطوعة من قبل التحلل,,
كان ضهر الكيان دا ليا فماكنتش شايف وشه وكان جسمه كله متغطي بعباية سودة حتى دراعاته وكفوفه متغطيه بجوانتيات جلد أسود وزارع ست شمعات في أركان المقبرة
ومتعلق على جدار المقبرة اللي قدامه ورقة عتيقة منقوشة بطلاسم وحروف من لغه ماعرفهاش وفي وسطها رسمه لكائن منتصب على قدمين لكن ليه ديل نازل لمستوى أقدامه,, ومكان إيديه جناحين وملامح وشه مشوهه لكن فوق جبهته قرنين
وجمبها متعلق قطعة جلد حيوان مكتوب عليها
سألج نذور العهد السفلي بثبات الأربعين ليلة,, فأنهش من لحم الميتة,, حتى إذا ما انتهت الخلوة,, جززت من القربان الرقبة,,
فأتم بحضرتكم عهد القربة....
وفي جنب الغرفة كان في مجمرة صغيره بتطلع دخان
ساعتها ماكنتش قادر أكمل بص على المقبرة من فجاعة المنظر قدامي,, وبعدين كنت خايف عم إسماعيل ييجي في أي وقت فرجعت على السكن جري
وفضلت أنتظر عم إسماعيل من ورا الشباك الموارب عشان يعيد الكره اللي بيقوم بيها كل ليله
وأول ما ظهر طيفه عملت نفسي نايم
كنت استنتجت من ربط اللي شفته في القبر مع الحكاوي اللي كنت بسمعها إن اللي في المقبرة دا ساحر بيعمل عهود سحر سفلي وهيفضل أربعين ليلة في المقبرة بعدها يدبح قربان حيوان ولا حاجة,, وكنت مفكر وقتها إن استنتاجي دا سليم,,
لكن ماكنتش عارف أعمل إيه مع عم إسماعيل اللي تاواني معاه بقالي إتناشر سنة من يوم الحادثة اللي حصلت لي أنا وأبويا وامي واخويا يزيد لما وقتها أهل البلد إتبرع أكتر من واحد أنه يكفلني من بعد ما مات التلاته اللي ليا في الدنيا,, لكن كل ما كنت أروح عند حد ماكملش يوم ويفتكروني هربت لغاية ما ييجوا يلاقوني هنا قاعد أو نايم جمب قبر أبويا وأمي وأخويا
أنا مش فاكر كانوا اللي بيكفلوني بيعاملوني حلو ولا وحش,, كل اللي فاكره إني ماكنتش عايز أروح أي مكان بعيد عن التلاته دول,, وآخر ما أهل البلد زهقوا بقوا يسيبوني عند قبرهم لغاية ما جالي عم إسماعيل وقال لي مادام مافيش فايده فيك يبقى تيجي تقعد معايا ورزقي ورزقك على الله
ومن يومها وأنا معاه وعمري ما اتعرضت لموقف زي اللي أنا فيه دا بحكم شغلنا اللي أغلب تعاملنا فيه مع الأموات
كنت بفكر أواجهة لكن ساعتها ممكن أخسره وأخسر قعدتي في المقابر جمب أهلي,, وكنت بفكر أبلغ أهل الميت,, وخايف في نفس الوقت أروح معاه في الرجلين
أفكار بتروح وتيجي في دماغي وليالي بتفوت وأنا سلبي مش قادر أخد قرار على الرغم من إني كنت كل ليلة بفضل صاحي لغاية ما عم إسماعيل يوصل,,,
لغاية ما عدى أربعة وتلاتين يوم تقريبا ووقتها عم إسماعيل لما كان بيرجع من عند المقبرة في التلات ليالي الأخيرة كان بيدخل يتحمم,, وكنت ألاقي في هدومه الصبح بقايا رمل كأنه كان بيحفر,,
وقتها قررت أروح اطل كمان طله على الساحر ومقبرته
فانتظرت لليلة اللي بعدها الليلة الخمسة وتلاتين لأن عم إسماعيل ماكانش بيفارقني طول النهار ومجرد ما خرج ناحية البلد في الليل رحت ناحية المقبرة بخفه وحذر
واللي رعبني إني لقيت الخانة التامنه محفور فيها حفرة تقضي دفن راجل,, فبصيت من الفرجه فلقيت الساحر دا وشه ناحيتي وكان وشه هو الحاجة الوحيدة اللي ظاهرة في جسمة إذا ما استثنينا الكمامة اللي مغطية نص الوش,, أما راسه وباقي جسمه فمتغطي بالكامل بلبس من جلد أسود عامل زي طقم الغواصين وفوقهم عباية سودة نازلة من راسه على ضهره ومفتوحة من قدام
,, واللي ظاهر من الوش دا كان أبيض زي الموتى وأختفى منه الشحم وبرزت عظامه,, وعينيه جاحظه ودقنه طويله
أما الجثه فكان سرى فيها التحلل لغاية ما أنكشف كتير من اللحم وظهرت العظام
ساعتها اللي ثار الريبة في قلبي إن المقابر العالية دي مابنحفرش فيها,, إحنا بندخل الأمانة من الفتحة ولا الطاقة وبنسدد عليها من بره وخلاص
ومعنى إن في حفرة محفورة هنا في الخانة التامنة إنهم ناويين يدفنوا حد في الحفرة دي ويردموا عليه ومن بعدها تفضل الخانة التامنة دي فاضية قدام عينين الناس
ومعنى كده إن القربان مش هيكون حيوان زي ما كنت فاكر دا القربان هيكون بني آدم
وبدأت الأفكار تتصارع في دماغي خاصة إن عم إسماعيل في الأيام الأخيرة كانت نظراته ليا وإحنا بنتكلم متغيرة
فعلى غير العادة بقاله أيام كان بيكلمني وهو بيتحاشى إن عينيه تيجي في عينيا
تقريبا مانمتش طول الليل وانا الأفكار بتتصارع في دماغي وتاني ليلة اللي كانت الليلة ستة وتلاتين إنتظرت خروجه ناحية البلد,,وقلبت الأوضة بتاعته عشان أشوف عم إسماعيل مشارك مع الناس دي في الشعوذة لأي درجة عشان إتفاجىء وأنا بدور في صندوق هدومة بخمس رزم فلوس فئة ميتين جنية
كانوا مية ألف جنية تقريبا,, ساعتها بدأت الصورة تكتمل في دماغي
عم إسماعيل رضخ للناس دي,, ماهو أكيد الساحر دا مش لوحده,, في مقابل المبلغ اللي عمره ما هيعرف يطوله لو عاش طول عمره يجهز مقابر ويراعيها ويتراضى من ذويها
بس إزاي يرضى أنهم يدبحوا قربان ومين هيكون القربان
ساعتها كانت دماغي بتلف وبتدور وبتيجي ومضة في دماغي لنظرات عم إسماعيل المتغيرة ناحيتي اللي بيتحاشى فيها إنه يبص في عينيا,, في الوقت دا كنت بدأت أحس بالغدر,,
بدأت أحس إن أنا القربان في مقابل المية ألف جنية والله أعلم بعد ما يخلص ممكن يخد كام واهو أنا ماليش أهل وماحدش هيسأل عليا وهيقول أختفى وماظهرش زي ما كان بيختفي زمان,,
فساعتها قررت الهرب وقبل ما ألملم هدومي
كان عم إسماعيل عالباب
_إيه اللي مصحيك يا يوسف؟؟
=مافيش,, دا انا صحيت عشان أدخل الحمام فمالقيتكش,, فقلت أنتظرك,, أمال أنت كنت فين يا عم إسماعيل؟؟
_دا أنا صحيت من النوم فطليت طله على المقابر فلمحت خيال بيتحرك قلت اروح أشوف يمكن يكون عيل مش مظبوط ولا حاجة
=دي عيال عايزة الحرق
ساعتها ابتسمت له ومددت على كنبتي,, ماعرفش في الليلة دي أنا كنت نمت ولا لا,, خاصة إن الليلة اللي قبلها بردو ماكنتش نمت تقريبا,, بس اللي فاكره إني كنت منتظر أسمع شخير عم إسماعيل عشان أقوم أهرب لأني كنت محتاج ابعد أطول مسافة ممكنة قبل ما يحس بيا خوفا من الناس اللي وراه,, لكن الحقيقة إن تقريبا أنا اللي ماقدرتش أقاوم الارهاق ورحت في النوم واللي أكد لي إني نمت إني شفت أمي الله يرحمها داخله عليا من باب السكن لغاية ما وصلت عند كنبتي اللي في الصالة وجات حطت إيدها على راسي ووطت دماغها لغاية ما بقت شفايفها عند ودني وهمست وقالت_إهرب يا يوسف
ساعتها اتنفضت من نومي عشان ألاقي عم إسماعيل موضب فطارنا على غير العادة وكوبايتين الشاي على طرف الصينية فقعدت على الفطار وبدأت أكل من اللي بياكل منه
كنت قلقان من توضيبه الفطار على غير العادة ومن الشاي التقيل اللي عاملهولنا
وبعد ما خلصنا فطار لقيته بيناولني كوباية الشاي بتاعتي فقلت له_والله ماليش مزاج للشاي ياعم إسماعيل
=يعني هتكسف إيدي يا يوسف
_ماعاش اللي يكسفك يا عم إسماعيل,, بس
=مابسش يا يوسف,,
ساعتها خفت لو ما أخدتش الشاي يتأكد إني حسيت بحاجه وأنا ماعدتش عارف مين اللي معاه ولا مين اللي وراه وفي نفس الوقت مش عايز أشرب الشاي وحاسس إن فيه سحر ولا عمل ولا حتى مخدر,, فأخدت منه كوباية الشاي ورحت راميها في وشه وكسرت القله اللي في الأوضه على دماغه 
واللي ماعملتش حسابه إني ساعة ما جيت أخرج من الباب كان في تلاته واقفين جمب توكتوك في الناحية الشرقية للمقابر اللي كان بييجي من ناحيتها عم إسماعيل كل ليلة,, وأول ما شافوني خارج من الباب لوحدي لقيتهم جايين جري ناحيتي  فجريت أنا في إتجاه الناحية القبلية للمقابر عشان هناك غيطان الجوافة والمانجة والرمان وبعد منها الترعة,,
كنت بجري والتلاته بيجروا ورايا
لكن أكتر ما كان مرعب في الموضوع إن ولاد الحج إبراهيم الحوراني الاتنين اللي شفتهم يوم الدفنة ومعاهم واحد غريب هم اللي كانوا بيطاردوني
ففضلت أجري بعزم ما فيا لغاية ما وصلت الغيطان اللي في أيام الشتا بتكون فاضية لأن ماعليهاش طرح
وفي وسط الغيطان وانا بجري كان كل شويه يخبط في راسي ولا في كتفي فرع شجره أو أتكعبل في جذر شجرة بارز لغاية ما وصلت الترعة اللي حاداها,,
وساعتها قفزت فيها فكانت مايتها في علو رقبتي أو تقريبا واصله لبوقي لكن عديت للناحية التانية وكملت جري في الغيطان اللي على البر التاني ساعة ما ظهروا ورايا
لكن ما قفزوش,, يمكن عشان كانوا أقصر مني ويمكن مابيعرفوش يعوموا
المهم إنهم وقفوا وكانوا بيدوروا على أي معبر في حين كنت بكمل جري وبعد ما قطعت في الغيطان اللي في البر التاني مسافه مارضيتش أكمل لآخرها عشان يمكن يكون حد تبعهم منتظرني هناك على الطريق اللي على حدها فغيرت إتجاهي وبدأت أجري بمحاذاة الترعة من جوة الغيطان بدل ماكنت بجري عمودي عليها لغاية ما وصلت المنطقة البور المورودة اللي موجودة على ضفتين الترعة بين بلدنا والبلد اللي بعدنا لكن ما بطلتش جري إلا لما دخلت المنطقة  دي وأنا مش حاسس بنفسي,, ومجرد ما دخلتها وأتاكدت إني نجيت وقفت وإرتكزت بايديا على ركبتيني وأنا صدري بيطلع وينزل كأني بطلّع في الروح فلقيتني مش صالب طولي فاترميت على الأرض على ضهري ولما لقطت نفسي بدأت أبص على المنطقة اللي أهالي البلدين هاجرينها حتى ما بيعدوش من على الطريق اللي على الترعه اللي مارر في المنطقة دي
واللي أعرفه إن كان عليها نزاع قديم بين عيلة من بلدنا وعيلة من البلد اللي بعدنا وقامت فيها خناقة مات فيها خمس رجالة ومن وقتها النزاع ماتحلش والارض إتهجرت وطلع عليها الحكايات إنها مورودة وسكنها الجن والأشباح
لما أتأملتها بعد ما وقفت لقيتها كئيبة ومخيفة فعلا حتى بالنهار ومنتشر فيها نبات شكله غريب إرتفاعه حوالي متر وعامل شبة كورة كبيرة من فروع كتير رفيعة طالعه كلها من جدر واحد لكل نبته ومتعلق في الفروع دي ورق جاف وصغير أصغر من عقلة الصباع والنباتات دي مرصوصة جمب بعضها في صفوف  مش منتظمة ومغطية المنطقة كلها,, كانوا بيقولوا عليها الروثة
فحسيت إن المنطقة دي ممكن تكون مليانة تعابين وزواحف من كل شكل ولون فمشيت بحذر ناحية الترعة اللي قاسمة المنطقة دي نصين ومجرد ما وصلت نزلت على حرفها ورويت عطشي من مايتها وبعد كده قعدت على الحرف
وعلى قد ما كنت بحمد ربنا على نجاتي على قد ماكنت حاسس إني حياتي انتهت أو ماليش حياة
انا برا المقابر ميت وجوا المقابر حي
أنا ماعرفش حاجة عن الدنيا والناس
حتى أهل البلد فاكرني درويش
وفي نفس الوقت لو روحت بلغت الشرطة إحتمال يقبضوا عليا أنا
خاصة إن إسماعيل ممكن يكون راح بلغ إني سرقته مثلا وهربت.. ولو مابلغش,, أنا مش محسوب مواطن في الدولة أصلا,, لا معايا بطاقة ولا خدمت جيش عشان أبلغ,, أنا فعلا درويش
والادهى إنهم ممكن بعد هروبي يكونوا ردموا الحفرة وسددوا الفتحة اللي بين الخانتين,, وليلة تقديم القربان يرجعوا يحفروها
وساعتها أنا اللي مش هخرج من الحبس
ولو فكرت أرجع البلد وأروح أبلغ أهلها
فلو قدرت اوصل مثلا لأهل البلد قبل ما رجالة الساحر وعم اسماعيل يمسكوني فأول قرار هيخدوا أهل البلد إنهم يبلغوا أهل الميت
اللي أنا مش عارف هل هم مع الساحر وخلاص ولا مدفوعلهم زي إسماعيل,, وهل عارفين إن جثة أبوهم إتاكل منها ولا فاكرين الساحر بيقضي عهود في القبر والسلام
وساعتها بردو أنا اللي هكون كبش الفدا خاصة لما أهل البلد يروحوا عند القبر ومايلاقوش أي حاجة من اللي حكيت فيه,, واهل الميت يمسكوا في رقبتي أنا بعد ما يرفضوا انتهاك حرمة ميتهم
في كل الحالات أنا خسران إلا في حالة واحدة,, إني أكمل هروبي ومابصش ورايا وساعتها هخسر قبر أبويا وأمي وأخويا
وأخسر حياتي اللي عرفتها
وتفلت رقبتي وتقع رقبة تانية غيري تكون قربان
كنت وقتها سارح في أفكاري وكان بدأ الغروب يتسحب ويغزل خيوطه الدهبية على الأفق وكنت أستقريت على إني أبيت هنا لبكرة على ما أشوف هعمل إيه خاصة إن المكان هنا أمان وماحدش هيفكر يقرب ناحيته ولا حد هيتخيل إني لجأت للحتة اللي أهل البلاد عارفين إنها ساكنها الجن,, وأقصى ما يمكن يتخيلوه إني مريت فيها 
فخلعت كام نبته على قد جسمي وولعت جذوة نار بالحجر عشان أبعد عن نفسي التعابين والهوام وحطيت جمبي عصايه غليظة كنت لقيتها على حرف الترعه
وفضلت قاعد جمب النار وبردد في أي ذكر أو قرآن أنا حافظه
لكن في الوقت دا بدأت أحس اني مش لوحدي في المكان خاصة لما لمحت على ضوء القمر نبات في وسط المنطقة بيتطاول لغاية ما بقى في طول الشجر ورجع بعدها إتقلص تاني 
بعدها شفت خيال وقف من عند النبات وبدأ يمشي ناحيتي وأول ما ندهت وقولت.. مين هناك؟؟
وقف في مكانه لثواني وبعدها أختفي
وقتها سمعت حد بيقول_أنا اللي هناك
الصوت كان جاي من جنبي بالظبط فبصيت ناحية الصوت لقيت شاب شكله مش غريب عليا وكأني شفته قبل كدا
=أنت مين
_ما أنت عارف
ساعتها كانت كل حته فيا بترتعش وأنا بقول_سلاما قولا من رب رحيم
=وعليكم السلام ورحمة الله
ماكنتش عارف أقول إيه غير إني عمال أردد في الذكر من جديد
لما قال لي=ماتقلقش أنا مش جاي أأذيك,, وانت اللي ناديت فقلت ألبيك, مش أنت حارس المقابر بردو
ساعتها كنت بتلفت حواليا وأنا الدم هربان من عروقي وقلت_أيوه أنا حارس المقابر
=طيب يا حارس,, خليك عارف إن العبرة مش في نجاتك وإزهاق نفس مكان نفسك,, أنت كده قاتل زيك زيهم
_طب اعمل إيه؟؟
=أنا ماعرفش الغيب عشان أفتيك,, بس لازم تبرء نفسك من الدم اللي هيتهدر وإلا هتفضل طول العمر قاتل,, وبعدين أديك شفت اللي ممكن يحصل في المقابر في غيابك,, ما بالك قبر أبوك وأمك وأخوك اللي مش هيكون ليهم صاحب من بعدك 
ساعتها إنتفضت من نومي وأنا بنهج فلقيت الفجر شقشق فقعدت أقول لنفسي بصوت واضح_دا حديث نفس,, دا حديث نفس,, مافيش جن بيظهر لبني آدمين
ساعتها لقيت حركة وسط النباتات لغاية ما ظهر كلب أسود ضخم في راسه علامه فعرفته
الكلب دا أنا اللي عامله العلامة دي في راسه,,
أنا اللي خبطته من سنتين أو أكتر يوم ما لقيته في وسط المقابر وكنت خايف يكون جاي ينهش في الجثث
كان بيبص لي بحقد وفي نفس الوقت بخوف خاصة لما مسكت العصاية الغليظة في إيدي ,, بس على قد ضخامته كان جسمه هزيل وواضح عليه الجوع
فحسيت بشيء من الونس لوجوده فنزلت العصاية من إيدي ومشيت ناحيته بالراحة وبدأت احسس على راسه فاستأنس بيا وأستأنست بيه,, بس بصيت في وشه وقلت له_ اوعى تفتكر إن عشان بقينا أصحاب إني هسيبك تنبش عالجثث
فهز راسه يمين وشمال زي ما يكون فاهمني
فقلت له_ولا أنت فاهم اي حاجه
كنت وقتها بدأت أفتكر الحلم وبدأ يغلي في عروقي إشتياقي للقبر اللي عيشت عمري كله أسقي الزرع حواليه واراعيه وأزور أهلي سكانه,, وافتكرت إن النهارده اليوم التمانية وتلاتين وإن القربان اللي هيتقتل هيكون بعد بكرة تقريبا وماكنتش لسه فكرت هعمل إيه لكن اللي استقريت عليه إني لازم أعمل أي حاجة
ومادام هقعد هنا لغاية ما أشوف هعمل إيه فكان لازم أعيش,, تقريبا ماكنتش أكلت حاجة من ساعة فطار إمبارح وماكانش قدامي أي حاجه ممكن أكل منها إلا الترعة وفعلا كانت المنطقة هنا عشان مابيهوبش ناحيتها لا بشر ولا صيادين كان السمك فيها يكاد يطفو على المياة فقلعت قميصي وبنطلوني ونزلت الترعة أغطّس على اجحار السمك اللي في الحشايش اللي على جنب الترعه
وشويت وأكلت أنا والكلب وفي الليل قررت أرجع عند المقابر في الوقت اللي كان بيدخل فيه عم إسماعيل بكيس الزاد الأسود عشان أشوف هل فضّوا طقوسهم خوفا من هروبي ولا مكملين وجهزوا قربان غيري ولا هيعملوا إيه
وفعلا اتسحبت من المنطقة المهجورة لمنطقة الغيطان والغريب إن الكلب كان ماشي ورايا
كنت خايف ينبح أو يعمل أي صوت بس كنت حاسس إنه مونسني ومع الوقت حسيت إنه عارف إننا بنتسحب,,
لغاية ما وصلت طرف منطقة الغيطان اللي طاله على الناحية القبلية للمقابر فوقفت أراقب لغاية ما لقيت واحد داخل بالكيس الأسمر بس ماكانش عم إسماعيل
شكلهم فعلا مش عاملين أي إعتبار لهروبي ومتاكدين إني جبان ومش هرجع تاني
ولما خلّص مهمته مشى في نفس الاتجاه اللي كان جاي منه فرجعت أنا لمكاني في المنطقة المهجورة وأنا حيرتي زادت ومش عارف إيه اللي هيحصل خاصة إني بدأت أحس أنهم ممكن يكونوا ناويين يضحوا بعم إسماعيل نفسه,,
وإلا ليه مش هو اللي بييجي بكيس الزاد زي كل يوم
كان جوايا إحساس بيقول يستاهل
وفي نفس الوقت حاسس إنه لو حتى هو اللي مات فهكون أنا كمان مسئول عن موته
وفي اليوم التسعة وتلاتين إتكرر نفس الموقف بنفس حذافيره وكنت مجهز نفسي إن في اليوم الاربعين هلاقيهم جايبين عم إسماعيل عشان يدبحوه
وكنت تقريبا استقريت إني هسيب التصرف وليد الموقف أو دا اللي كنت بضحك بيه على ضميري لغاية الليلة الأربعين وساعتها هقول بردو يستاهل
فروحنا أنا والكلب من بدري في الليلة الأربعين لأننا ماكناش عارفين طقوسهم دي هتبدأ أمتى وكانت المفاجأة إن بعد ساعتين تقريبا  لقيت عم إسماعيل جاي مع التلات رجالة وواحد فيهم شايل عيل يمكن سنّه,, اربع أو خمس سنين وتقريبا متخدر وكانوا رايحين ناحية المقبرة
ساعتها فعلا ماقدرتش أتمالك نفسي لما عرفت إن العيل دا هو اللي هيكون القربان
كان تصرف طايش ومجنون ووليد اللحظة
فضلت أتسحب وسط القبور وفي إيدي عصايتي لغاية ما بقيت في ضهرهم لكن قبل ما أضرب اول واحد فيهم كانوا حسوا بيا فاتفادى الضربة وهجم عليا واحد فيهم ووقعنا على الارض
أنا كنت تحت وهو فوقي فالكلب نط على ضهر ابن الحج ابراهيم اللي كان فوقي وعضه من رقبته في الوقت اللي كان أخوه مسك عصايتي وضرب الكلب بعزم ما فيه على ضهره فالكلب طلع يجري وهو بيصرخ من الألم
ساعتها مسكوني وكتفوني
وفضلوا ساعتها يتفاوضوا هيقتلوني أنا ولا يقتلوا العيل الصغير ولا يقتلونا إحنا الاتنين
فساعتها اتبرعت وقلت لهم_إقتلوني أنا وسيبوا الواد
أنا بطبيعة الحال عارف إني كده كده ميت فقلت مانموتش إحنا الاتنين,, لكن ساعتها إتكلم واحد فيهم وقال للي معاه = لازم الواد الصغير هو كمان يتقتل دا شافني قبل ما أخطفه وأخدره وممكن يبلغ أهله
ساعتها لقيت عم إسماعيل اللي كنت فاكره زي عمي بجد بيقول_يبقى يلا نوسع الحفرة عشان يندفنوا فيها هم الاتنين
فقلت في بالي...عمر الخسيس ما تغيره طولة العشرة ولا عمر الارض المالحة تطرح زرع مهما رويتها ماية عذبه
وساعتها رد الغريب اللي كان معاهم=طب همّوا يلا عشان الشيخ لسه هيرتل على القربان اللي هيندبح وهيخد وقت
ساعتها كانوا بيوسعوا في الحفرة وأنا ببص على قبر عيلتي وببتسم وأنا بحسب المسافة بيني وبينهم لغاية ما خلصوا التوسعة
وساعتها كانوا رايحين يخدوا الطفل الصغير عشان يدخلوه المقبرة مع الساحر لما سمعنا نباح الكلب جاي من ناحية الغيطان
فقلت في بالي_أهو هييجي يخد له ضربه ويرجع تاني
لكن الغريب إنه كان بينبح بحماس زايد
وجاي ناحيتنا جري وأول ما قرب سابوا الطفل المتخدر ووقفوا يستعدوله لكن قبل ما يوصل بكام متر وقف
وفجأة لقيت أنوار كشافات وجزاوي نار جايه من ناحية الغيطان كانوا أكتر من عشرين راجل تقريبا من أهل البلد اللي بعدنا لاني عمري ما شفت حد فيهم قبل كده,, فدخلوا زي الطوفان هرسوا عم إسماعيل والتلاته اللي معاه ضرب وطلّعوا الساحر بعد ما دليتهم على مكانه بعد ما فكوني وهرسوه ضرب هو كمان
وخدوا أبنهم حضنوه,, وكتفوا الخمسة
تقريبا مش هيسلموهم للشرطه وهيعملوا فيهم زي ما كانوا ناويين يعملوا في ابنهم أو ممكن يسلموهم بعد ما يعجزوهم,, كل الخيارات متاحه
واللي استنتجته من كلامهم إن الناس دي كانوا بيدوروا على ابنهم المخطوف من الصبح من بعد الحضانة وبعد ما داخوا السبع دوخات وفقدوا الامل أنهم يلاقوه عند حد في البلد جمدوا قلبهم وقالوا ندور في المنطقة المهجورة خاصة إن المنطقة دي منبت الاشاعات كلها عن الخطف والقتل والجن والاشباح
فلما دخلوها لقوا الكلب كان واقف على أول المنطقة من ناحية الغيطان بتاعت بلدنا وعمال يعوي بصوت عالي كأنه بينادي على كلاب من بني جنسه ييجوا ينجدوه أو يساعدوه
في البداية كانوا خايفين منه لغاية ما جرى هو عليهم وقعد يتنطط قدامهم ويشد كام واحد منهم من جلابيته
لغاية ما واحد من الرجالة ربنا هداه وفهم إن الكلب عايز يدلهم ,,
وطبيعي إن الكلب كان بيدلهم عليا أنا عشان ينجدوني لانه أكيد ماكانش يفهم ولا يوعى إن الواد الصغير دا ابنهم وبيدوروا عليه
من بعدها عرفت إن اسماعيل واللي معاه اتحبسوا مماتوش وانا عملت درويش بجد أو دقيت في الدروشة حبتين وكملت حياتي في المقابر أنا والكلب
وكتبت على باب السكن ..الخسيس ماتغيروش عشرة سنين
والأصيل يصونك ولو مقابله من يومين
تمت
بقلم عبدالفتاح عبدالعزيز

ليست هناك تعليقات