إبحث عن موضوع

طبيب استقبال الجزء الثاني و الاخير

طبيب_استقبال
الجزء_الثاني

     من الناحية الأخرى تصيح و الدموع تقطع صوتها تقطيعا: أغثني يا دكتور محمد، أنس في حالة خطرة و طبيب الاستقبال لا يدري ماذا يصنع.
بملابس النوم قفزت من على الدَّرَج إلى سيارتي الصغيرة تحت البيت، مفاتيح السيارة، رجعت لأجلبها و عدت، وجدت أنها مفاتيح الشقة، مرة أخرى ركضت ذاهبًا و آيبًا و شغلت المحرك الذي كاد يتجمد، و وصلت إلى المستشفى بعد أن كدت أموت مرارًا مسرعًا إليها، كنت قد اتصلت بزميل لي حوالي ثلاث مرات و لم يجب، عاود الاتصال عندما كنت قد اقتحمت المستشفى بسيارتي، أخبرته أن يأتيني فورًا..
كان أنس يحتاج إلى الدم، فصيلته اتضح أنها الفصيلة النادرة، أجل، يا لحظِّه!
لكنّه لم يكن الوحيد صاحب الفصيلة (AB-) هنا
أنا صاحب الفصيلة المماثلة، أنا لن أحتمل و لكنني سأعيش على الأرجع إذا تبرعت، تعال يا خالد، أنا سأتبرع له.
خالد الطبيب زميلي، هل أنت متأكد؟ ستموت إذا فعلتها، أنت ذو عضلات لكنك مرهق و لم تتناول شيئًا بالطبع، ألم تفق من نومك للتو.
- افعل ما طلبته منك، فلننقذ الفتى، خذ كل ما تحتاج إليه.
بدأت عملية سحب الدم و لكنني لم أتابعها حتى النهاية، بعد الكيلو الأول فقدت وعيي، أفقت بعد يوم كامل و أكثر تحت إشراف صديقي خالد في المستشفى، والدتي لو علمت بذلك لأفسدت عمرتها و عمرة والدي و لاستقلّا أول طائرة تأتي من مكة.
خالد: أتعلم؟ لولا أن أقضي عليك، لأوسعتك ضربًا الآن، أخبرتك ألّا تجازف، كدت أفقدك.
- ماذا حصل؟
أين أنا، و عم تتحدث؟
أخبرني خالد بما حصل بدءًا من مكالمتنا في تلك الليلة، و أنا أنظر و أتعجب!
أين هو الآن؟ أنَس، أين هو؟
خالد- بنبرة حزينة-: اتضح أنه مصب بسرطان الدم في مرحلته المبكرة.
لقد اعتقدت ذلك منذ البداية، لكنني لم أحب أن أصرح به قبل التأكد
تابع يقول: قد تم نقله إلى مستشفى السرطان و سيخضع للعلاج الكيميائي هناك، حظه جيد، قد وجدوا له سريرًا، أنت يجب أن تستريح لمدة أسبوعين على الأقل، حالتك خطيرة، سأنقلك إلى شقتي.
- لا لا، سأعتني  بنفسي جيدًا لا تقلق.
لم أستطع إقناعه، و أقمت في شقته أسبوعًا كاملًا يرعاني و لا يسمح لي بالحركة، بعد عشرة أيام قررت أن أتحرك من خمولي.
من المنيا، اتخذت قطارًا إلى القاهرة، لم أسمح لخالد أن يصحبني.
في مستشفى السرطان، عرضت لموظف السجلات بطاقتي و سألته عن مكان غرفة الفتى: أنس عادل عبد الرؤوف.
يحتاج مصابو الأمراض الصادمة الدعم النفسي أكثر من العلاج، دخلت إلى غرفته و قد تقوقع على سريره الأبيض، و زاد جسده نحولًا و قد بدأ شعره يهجر رأسه كما توقعت، دخلت و اقتربت منه ببطء، وضعت يدي على كتفه، لم يلتفت، خلعت قبعتي الشمسية و وضعتها على رأسه، و قلت: هل تقبلها مني؟
هنا التفت غير مصدق أنه سمع صوت ذلك الطبيب من المنيا، تهلل وجهه الشاحب الذي اصفر، و قال لي: هل أنت هنا من أجلي؟ ثم بدأ يلاحظ أنني قد أزلت شعر رأسي حتى أنني كالأصلع، و قال: لماذا حلقت شعرك البني الجميل؟ كان طويلًا و جميلًا!
- الجمال في القلب يا أنس يا أخي، ليس الشعر مهمًا، قد تخلصت منه، و بالطبع أنا هنا من أجلك، كيف أنت؟
عادت إليه تعابير وجهه الحزينة، و اتكأ و قال: أنا قد فشلت في الالتحاق بكلية الطب.
نظرت إليه و قلت، و من قال هذا، فقط تغلب على ذلك الإعياء و سأقوم أنا بنفسي بتجهيز ملفك لكلية الطب.
دخلت أمه الغرفة، لتذهل عندما تراني، و كأنني فعلت شيئًا خارقًا، ما الأمر! طبيب يعور مريضه و حسب.
أخذت تدعو لي بغير انقطاع و الدموع تنهمر من عينيها..
تحدثت قليلًا بعد معهما، و سعدت أم الفتى ببهجة ابنها ثانيةً.
تغلب أنس على سرطان الدم خلال بضع شهور من العلاج، كان في المراحل المبكرة و قد انتشله الأطباء.
خاض تحدي الثانوية العامة للمرة الثانية، و لكن تحت إشرافي أنا هذه المرة.
و بالفعل قمت بتجهيز ملف أنس ليلتحق بكلية طب المنيا.
أنس الآن يوشك أن يرأس قسم علاج سرطان الدم في المستشفى التي عُولج فيها بالقاهرة، و لا يزال يزورني بانتظام، أنا عميد كلية المنيا اليوم، و لا أحبه أن يناديني بغير (أخي)
هل لو أنني انصرفت في تلك الليلة و تصرفت كموظفي الحكومة -عندما تأخر زميلي و لم يحضر ليتسلم نوبته في الاستقبال- كان أنس ليصير إلى ما هو عليه الآن؟
ــــــــــ
✍️ محمد_حماده

ليست هناك تعليقات