إبحث عن موضوع

إنكار حياة (كامله)

إنكار حياة
ممكن تحس إنك فقدت تشبثك بالحياة, بل إن الحياة ذاتها أصبحت عبء تقيل على صدرك, الألوان كلها باهته, الطرق كلها مسدودة, , لكن في عز انهيارك واكتئابك تحصل حاجة تفتح لعينيك طاقة نور وتحسسك ببصيص أمل, والحاجة دي كانت نزيلة جديدة في المصحة النفسية اللي أنا بتعالج فيها بقالي أكتر من شهر, أول ما شفتها في حديقة المصحة من شباك غرفتي, حسيت ب ألفه غريبة , حسيت إني أعرفها من زمان, كانت لابسه فستان أسود وعاقده شعرها وبتتكلم في تليفونها, كانت عينيها فيها لمحة حزن, وكل وقت والتاني بتمسح طرف عينيها بصوابعها, وأصعب دمعة اللي تنزل من غير مناهدة وعويل, اللي تنساب في الخفا
وعلى الرغم من هالة الحزن دي إلا إن جمالها كان مميز, جمال مُلهم, لو شاعر ممكن قصاد عينيها يقول أجمل قصايده, ولو عازف ممكن تنساب أيده بلحن فريد, ولو رسام ممكن يرسم أحلى ابتسامة, فتابعتها من بعيد لأيام, على الرغم إني من يوم ما وصلت هنا وأنا قافل على نفسي ومابخرجش من غرفتي,,
رحت قعدت على مقعد قريب من المكان اللي دايما كانت تقف فيه, ولما شفتها من قرب حسيت بالألفة أكتر, كان إحساس غير طبيعي وغير مبرر وغير منطقي, لكن كنت حابب إحساسي دا, وفي نفس الوقت لما كانت تبص ناحيتي وتيجي عينيها في عينيا كنت أتلبخ وابص في الأرض, لغاية ما قررت إني أتحرك لما عرفت إني هخرج قريب, وفي اليوم التالي أخدت ورده ورحت ناحيتها ومديت أيدي بالوردة ليها
فابتسمت وقالت_الوردة دي ليا أنا؟؟
فقلت لها...دي الابتسامة رقم تلاته
فعقدت حاجبيها وقالت_مش فاهمه
فابتسمت لها...أصل انتي عندك تلات ابتسامات, أتنين منهم ما بيظهرش فيهم سنانك وساعتها وشك بيكون بيضاوي زي ما هو, أما التالته بتبقى أوسع وبيظهر فيها سنانك وساعتها وشك بيخد شكل قلب بغمازتين
ساعتها ضحكت فقلت لها...أما الضحكة دي, فأول مرة أشوفها
أخدت الوردة مني وقعدنا سوى وبعد شوية مقدمات عن الجو والمكان سألتها...أنتي جيتي هنا ليه؟
_شوية صدمات ورا بعضها أصل أنا مابعرفش أحكم على الناس, أو تقدر تقول كده إني مبقدرش أفسر ردود أفعال الناس حواليا, مبقدرش أقرا انعكاس مشاعرهم, مابترجمش الكلام اللي ما بين السطور, بس بصورة مرضية شوية
هزيت راسي بمعنى تفهمي لكلامها وقلت.... وممكن حد يقول لك كلمة لا يلقي لها بال, تقعدي تفكري فيها ليالي, لغاية ما توصلي بتفكيرك أن الشخص ده مضطهدك وكارهك, ويبقى زي وسواس
وفي نفس الوقت ممكن واحد يضحك عليكي بكلمتين تحسي ان ماحدش خايف على مصلحتك في الدنيا قده
ساعتها استغربت وقالت لي_عرفت منين؟
قلت لها...أنا كمان عندي نفس المشكلة, وعندي كمان بصورة مرضية جدا وكنت بتعالج منها زمان, لكن الحقيقة إني مش جاي المرة دي عشان كده,
فقالت لي باستغراب_أمال جاي عشان إيه؟؟
....أنا جاي عشان الشخص اللي كان مخليني مواصل حياتي طبيعي وبيعالجني من مشاكلي النفسية دي فقدته, فبتعالج من صدمة نفسية مصحوبة أحيانا بنوبات تشنج وحالة اكتئاب حادة نتيجة موته في حادثة سيارة كنا سوى فيها
ساعتها بصت للأرض بأسف وقالت لي_حبيبه؟؟
هزيت راسي بالنفي وقلت لها...لا, كان صديقي, بس ماكنش مجرد صديق كان أخ وسند وضهر وفي نفس الوقت معالج نفسي,
ساعتها ابتسمت لها وأنا عينيا كلها حزن وكملت كلامي... كنت دايما أرجع له وهو يفسر لي أي موقف, يقول لي أنت هنا إتصرفت صح, وهنا كنت غلط, وهنا المفروض تعمل كذا وفلان دا بيحبك والتاني دا لا, من الآخر كان هو الضابط لإيقاع نفسيتي الهشه, فلما مات حسيت بفرااغ رهيب, حسيت إني مش هقدر أواصل من غيره, حسيت أني تايه في صحرا ضلمه
ووقفت بعدها عن الكلام لما حسيت بغصة وإني ممكن أدمع فلمحتها بتلف وشها الناحية التانية وبتمسح نفس الدمعة من على طرف عينيها,
فخرجت من الحوار الحزين ده بأننا أتكلمنا في شغلها وحياتها وأصحابها, لغاية ما وصلت ممرضة غلسه وقالت لنا...لايقين على بعض أوي على فكرة, بس وقت التنزه خلص ولازم تطلعوا غرفكم, فابتسمنا لبعض وقمنا, ولمدة تلات أيام بعدها كنا بنتقابل ونتكلم في حديقة المصحة,
وخرجنا أنا وهي تقريبا في نفس اليوم, وبدأنا نتقابل بره المستشفى وبدأت علاقتنا تزيد يوم بعد يوم, كنت بحس أني عارف عنها حاجات هي ماحكيتهاش وهي عارفه عني حاجات أنا ماقلتهاش, وكنا نخرج سوى ونحكي عن المواقف الغريبه اللي بتحصلنا مع الناس, ونخد رأي بعض فيها, كانت تقريبا مواقف متعاده ومتكررة عندي وعندها,  لكن أجمل حاجة إن احنا كنا فاهمين بعض جدا لأننا بنعاني من نفس المشكلة, كانت حياة شفافة جدا وواضحة جدا وكنت خلاص مش متخيل حياتي من غيرها, كنت حبيتها
لغاية لما كنا سوى في مره في كافيه وهي راحت تظبط الميك أب بتاعها فمسكت تليفونها بتلقائية وماكنش عليه رمز حماية وقعدت أقلب في الصور لغاية ما برقت عينيا وأنا مذهول لما شفت صورة خليتني حسيت فجأة بتشوش في رؤيتي, لدرجة إني ماعدتش شايف الصورة وحسيت بصداع رهيب في دماغي,  وبعدها بدأت أحس إن جسمي بدأ يبرد وينتفض ويتشنج,, وفوقت وأنا في المصحة,
....وأنا في المصحة ما كنتش فاكر ابدا شكل الصورة اللي شفتها, يمكن عشان تشوش رؤيتي بعدها خلاني ماركزتش كويس, بل إني بدأ عقلي يقنعني إن الصورة اللي شفتها ما كنش فيها حاجة غريبة أصلا, وإن النوبة اللي حصلت لي, حصلت فجأة من غير أسباب
حتى الدكتور وهو بيسألني-- إيه اللي حصل قبل النوبة دي ما ترجع لك؟؟
... قلت له مش فاكر
--أممم,, بص هي ممكن ترجع من غير أسباب وعقلك يهيئ لك أنك شفت حاجه
...فاقتنعت بكلامه جدا لأني كنت محتاج من جوايا إني أقتنع بيه, أنا ماعدتش أقدر أستغنى عن ندا اللي كانت بتجيلي كل يوم طوال الأسبوع اللي أنا كنت فيه في المصحة,,
بعد ماخرجت من المصحة كنت ناسي إيه اللي حصل أصلا خلاني دخلتها,, كنت بفكر في حاجة واحدة بس وهي إني أصارح ندا بحبي,, كان كل خوفي ساعتها أن يكون عقلي هو اللي مهيأ لي أنها بتحبني, وأكون شايف الأمور غلط كعادتي
, لغاية ما كنا في يوم قاعدين في الكافيه, وقاعدة قصادي وسرحان في نظرة عينيها, لقيتني فجأة بمد أيدي وبمسك أيديها وقلت لها...بحبك
ساعتها ابتسمت إبتسامة واسعة وقالت لي_وأنا كمان بحبك
وأتفقنا بعدها أني هروح عشان أخطبها وبالفعل رحت لأهلي اللي كانوا مرحبين جدا بالخطوة دي, من قبل ما أحكي لهم اي تفاصيل, وفي اليوم اللي حددناه للخطوبة أخدت والدي ووالدتي, ورحنا لبيتهم اللي كانت وصفته ليا في التليفون, لكن الغريب إن لما وصلنا عند البيت حسيت إني عارفه أو جيت هنا قبل كده, نفس الألفة, لكن كنت بقول دا من فرحتي بالخطوبة, فطلعت بيتهم وأنا الاحساس جوايا عمال يزيد, حتى لما شفت أبوها وامها حسيت أني شفتهم قبل كده, لكن كنت بنفض عن راسي كل الافكار دي, لغاية ما قعدنا كلنا في الصالون, ولقيتهم جايبين لنا دبلتين, ومكتوب عليهم أسمائنا كمان, وأنا كنت فاكر أن دي مجرد جلسة تعارف, هي الناس دي مستعجلة كدة ليه, المهم تماشيت معاهم ولبسنا الدبل وندا جات قعدت جمبي وبتبتسم لي وتقول...ها, إفتكرت حاجة؟؟
بصيت لها بإستغراب_حاجة زي إيه؟
ساعتها ابتسامتها إختفت وطلعت تليفونها وقالت لي_بص يا خالد يا حبيبي, أنت لازم تعرف أن أحمد خلاص مات وهو دلوقتي عند ربنا ولا يجوز عليه سوى الدعاء ولو أنت زعلان عليه, فأنا زعلانه عليه أكتر منك
كنت مستغرب من كلامها جدا, إزاي يعني هتكون زعلانه عليه أكتر مني وهي ماتعرفوش,
فقلت لها...طيب إحنا الأتنين زعلانين عليه, لكن إيه اللي جاب سيرة أحمد دلوقتي
فمسحت دمعة من على طرف عينيها وطلعت تليفونها ووريتني عليه نفس الصورة اللي أنا كنت شفتها في الكافيه...كانت صورة ليا أنا وندا وأحمد, كنت بدأت أحس بنفس أعراض النوبة وهي بتقول لي...يا خالد أنا أخت أحمد وأنا وأنت مخطوبين من سنتين
ساعتها كانت بدأت أعراض النوبة تشتد وفقدت وعيي تاني
فوقت في المصحة كان الدكتور بس هو اللي معايا, وإتفاجئت بالدبلة في أيدي, ماكنتش فاكر الأحداث اللي حصلت قبل النوبة بردو, آخر حاجة فاكرها إن ندا جات قعدت جمبي,,
فالدكتور ابتسم وقال لي...بص يا خالد, أنت لازم تعرف دلوقتي أنك مصاب بحاله نفسية نادرة, فقدان ذاكرة جزئي,, أنت أحمد صاحبك مات خلاص الله يرحمه, أنت فاكره كذكرى جواك, إنما بتهرب بعنف من أي حاجة مادية ممكن تفكرك بيه
ساعتها ماكنتش فاهم حاجه_مش فاهم قصدك إيه يا دكتور
فقال لي...هبسطهالك, عارف أنت لما أم يموت إبنها, وتيجي تشوف صاحب أبنها الميت ده ولو بعدها بشهور أو سنين, مش بتتأثر جدا, عشان المتعلقات المادية الملموسة دي بتستثير الذكريات الذهنية جواها, زي ما واحد عزيز عليك يموت ويقع في أيدك كتاب أو تي شيرت مثلا كان ناسيه عندك فبترجع تفتكره وبتحصلك نفس الاستثارة الذهنية دي, المتعلقات المادية دي بتنشط الذكريات الذهنية في العقل فبيحصل رد فعل نفسي طبيعي اللي هو تجدد الحزن بدرجات متفاوته عند الشخص الطبيعي, لكن أنت مشكلتك أنك أصلا كان عندك خلل نفسي وأحمد وهو عايش كان بيساعدك جدا على مواجهة مخاوفك النفسية, وكان بيمثل جزء كبير جدا من إستقرارك النفسي في حياتك, كان زي جزء منك, فلما مات كانت صدمه نفسية قوية جدا ليك, من ناحيتين أنه صديقك تقريبا الوحيد ومات قدام عينيك وثانيا دا الشخص اللي أنت مقتنع نفسيا أنه من أسباب قدرتك على مواصلة حياتك, فتقريبا عقلك ماكنش قادر يتحمل الصدمة, ولا عارف يتجاوزها, فغير حالة الاكتئاب اللي دخلت فيها, عقلك قرر أنه يحاول يحميك من تكرر الصدمة أو إستثارتها, فعمل حاجة زي فقدان جزئي للذاكرة بخصوص كل شيء مادي متعلق بأحمد صاحبك, زي بيته أهله أخته, يعني انت ممكن تتعامل طبيعي مع أي حاجة مادية متعلقة بيه لأنك مش فاكر أصلا أنها تخصه, لكن بمجرد ما بتعرف أن الحاجة المادية دي تخص أحمد وتشوف صورته فيها, بيحصل عندك حاجة زي استثارة عنيفة للذكريات اللي محفورة جوه ذهنك وبتحصلك نوبة نفسية وبعد ما بتفوق بترجع تفقد الذاكرة تاني جزئيا بخصوص أي حاجة مادية متعلقة بيه
لغاية دلوقتي كنت بحاول أستوعب كلامه وبحاول أفهم المقدمة الطويلة دي عشان إيه, لما لقيته بيقول لي...أنت لازم تختار بين حاجتين, إما تتجاوز الازمة النفسية بتاعت صاحبك وتنساها, أو تنسى ندا
فقلت له_طيب وندا مالها ومال صحبي
...ندا تعبت معاك يا خالد, ندا كانت بتيجي كل يوم المصحة هنا عشان تشوفها وتشوفك وتعيشوا قصة الحب من أول وجديد يمكن الحب ده يخليك تتجاوز الازمة دي, كانت كمان بتحاول تقوم مقام أخوها في استقرارك النفسي طول الفترة اللي فاتت
ساعتها حسيت ببدايات النوبة تاني وأنا بقوله_أخوها مين
بعد سنتين ربنا رزقني أنا وندى بولد سميناه أحمد, واجمل حاجة في ندا أنها دايما بتفكرني بتاريخ وفاة أحمد صاحبي وبنروح نزور قبره سوى على الرغم من أنها ماتعرفوش ولا عمرها شافته
تمت

ليست هناك تعليقات