إبحث عن موضوع

وحيد (الجزء الثاني و الاخير)

وحيد
الجزء الثاني و الأخير

( بنتي بقالها فترة بتشتكي من جوزها ، و كانت بتحس انه مجنون . بيكلم ناس مش موجودة بيشوف حاجات مش موجودة برضه و كان بيزعق معاها انها مبتشوفش الحاجات دي معاه )
( عفاريت يعني ولا حاجات ايه )
( مش عارفة يا ابني ، بس كان بيقولها حاجات زي هالة سودة بتظهر فوق دماغها و كلام كده غريب . )
( هو كان بيتعاطي حاجة مخدرات مثلا ، او كان عنده مرض نفسي ؟ )
( اللي اعرفه لا ، بس ده مكنش بيدخن اصلا . بس ممكن يكون اتجنن او جراله حاجة . بنتي ربنا يرجعهالي بالسلامة كانت بتقولي ان اخر كام شهر كان بيفضل قاعد في الاوضة و يقفل علي نفسه و كانت بتسمعه بيكلم حد ، حتي هي شكت انه بيخونها لانه كان بيدخل الاوضة و هو زعلان و مهموم و بيخرج منها مبسوط و يرجع طبيعي تاني )
( تعرفي حاجة عن اهله يا حاجة ؟ )
( اللي عرفناه منه انه مقطوع من شجرة ، ابوه و امه ماتوا و هو صغير و اتربي عند عمه لحد ما مات هو كمان )
كان الحوار السابق بيني و بين والدة زوجته المتغيبة و نحن في طريقنا الي شقته ، لنبحث عن أي دليل يقودنا إليها .
كانت الشقة من الداخل متواضعة و بها لمسة أنثوية واضحة ، لا يوجد شئ غريب بها او اي أثار لمعركة أو لجريمة تمت بها ، و وحيد جالس علي كرسي في صالة المنزل و توتره لم يقل بل يزداد .
ازددت حيرة لم اعلم هل اكمل في تعاطفي معه أم أبدأ بالشك فيه ؟
جمعت بعض المعلومات عنه من اصدقائه ( الذين يعرفوه ) في العمل و من جيرانه ( نفس حال زملاؤه ايضا ) و لكن لا يوجد هناك اي شئ يثير الريبة و لو من بعيد ، شخص أقل من العادي في كل شئ .
لو أردنا الدقة هنا هو شخص روتيني ممل لأقصي درجة ، معظم زملائه في العمل لم يسمعوا به في الاصل ، حتي جيران عمارته لم يعرفه احد غير اثنين منهم بلاضافة للبواب ، مع ان هذه الشقة التي ورثها عن عمه بعد وفاته ، فلقد عاش بها فوق ما يقارب الخمسة عشرة عاما .

ما الطريقة التي سأتبعها مع ذلك الرجل ؟
فلنبدأ برصد الحقائق أمامنا حتي نستطيع الحكم بشكل صحيح :
الرجل وحيد كأسمه فعلا ، انطوائي ، منعزل تما عن كل شئ غير عمله ،  ليس له اصدقاء ، ليس له اقارب ( غير زوجته المختفية بالطبع ) فهي تقريبا الوحيدة التي تعرف بوجوده علي قيد الحياة .
و اهل زوجته أناس طبيعين بالنسبة له ، و طيبين بالفعل .
و لكن هل هذا ينفي عنه تهمة ؟ كونه انسانا وحيدا بهذا الشكل يضر اول شخص يؤنس وحدته و يبدلها .
لقد قرأت من قبل في إحدي كتب علم النفس عن امكانية ارتكاب شخص منبوذ او مكروه لجريمة مثلا او فعله شئ غير طبيعي حتي يلفت انتباه الناس إليه .

شئ معقد فعلا و غير سهل التعامل معه ان تجد نفسك وحيدا في هذه الدنيا ، أن تجبر علي الوحدة ولا تجد وسيلة للخروج منها .
تحاول الاندماج مرات عديدة و لكنك تفشل في كل مرة ، كأن الناس تختار من يريد ان يتواجد بينهم و يلفظوا الباقي ، او كأنه فرض عليك هذا الامر ولا تجد منه خلاصا ابدا .
كم من مضايقات تلقيت منذ الطفولة حتي و انا بجانب بمن في نفس موضعي و نفس قدري و لكني كنت مختلف دوما عنهم ، هم من وجدوا هذا الاختلاف او اعتقد انهم هم من وضعوه في الاساس .
( اه اه اه اه اه ) صوت صراخ وألم .

مرت عشرة أيام من البحث و التحريات و لكن لا جديد ، أين ذهبت ؟ ماذا حدث ؟ لم أعرف و لم اجد لهذا السؤال إجابة .
تتبعت هاتف زوجته و لكن لا تظهر له اشارة علي الاجهزة عندنا و اخر مكان كان الهاتف متواجد به هو في الشقة . لا توجد ايضا اية مكالمات غريبة تم استقبالها او الاتصال بها من علي هاتفها .
و اكثر ما يغيظني الان ليس قلة المعلومات و الحيرة التي اقع بها  بل هو اختفاء وحيد ايضا
منذ يومين و انا احاول الاتصال به و هاتفه مغلق ايضا . أين ذهب هو الأخر ؟

لم اواجه وحيد بعد بإتهام الأم له بإختفاء ابنتها ، كان الحديث الذي يدور بيننا عن أشياء عادية .
ربما أشفقت علي وحدته و أردت أن اجعله صديق لي ، ربما أردت أن يشعر بالارتياح معي حتي لا يستطيع الكذب علي عندما اواجهه بشئ ما . لا اعلم ايضا
و لكني بدأت الشعوربالارتياح معه ، حسنا هو ارتياح و شفقة ممزوجين ببعضهما بنسب مختلفة
و الغريب أن علاقاتي الاجتماعية بدأت تتقطع منذ قابلت ذلك الرجل ، بدأت ما يشبه العزلة المصغرة ، اجلس في البيت مفكرا في قضيته و في حياته ايضا . و إلي أين يكون ذهب اليومين الفائتين ؟ تري ماذا حدث له !
** جاءت رسالة علي هاتفي تخبرني بعودة هاتف وحيد للعمل ، هببت من علي الكرسي ممسكا بالهاتف و ضاغطا علي زر الاتصال ، حتي جاء الرد :

( انت فين يا ابني انت ؟ )
( كنت تعبان شوية .. في جديد ؟ )
( تعبان مالك ؟ و كنت قافل تليفونك ليه ؟ )
( شوية تعب بسيط ، بس بقيت احسن ... كنت عاوز اج... )
( طب انت فين دلوقتي ؟ )
( في البيت )
( طب انا هجيلك )
** طرقت الباب و عندما فتح لي كانت ملامحه متغيرة بعض الشئ عما رأيته من قبل ، كانت قسمات وجهه هادئة عكس السابق و ابتسم لي و هو يستقبلني !!
جلست و أنا غير مرتاح لما وجدته من تغيير ، فبدأت أشك فيه .

( أنا عارف إنك شاكك فيا ، و حماتي هي اللي زرعت جواك الشك ده و بتقول عليا كمان إني مجنون ..... عايز تسمع حاجة مجنونة فعلا ؟ حماتي هي اللي خطفتها او بعدتها عني )

** كل هذا و أنا استمع في ذهول لما يقوله .

( كنت بحاول اوريها المتعة الحقيقية فين ، بس هي معرفش خافت ولا حبت الحياة المملة اللي هي عايشاها . و لما حكت لامها خوفتها مني و بعدتها عني )
( أنا مش فاهم حاجة ، و متعة ايه اللي انت بتتكلم عنها ؟ )
** دعاني للقيام معه و التوجه الي غرفة نومه و اغلق بابها علينا ، ثم قال مبتسما ( هنا هنعرف نتكلم علي راحتنا ) و جلس علي طرف السرير و دعاني للجلوس علي كرسي بجانبه ففعلت .
كنت قد دخلت هذه الغرفة من قبل ، و كانت عادية في المرة الاولي . أما هذه المرة فشعرت بشعور غريب و انا ادخلها ، لم افسر ماهيته بعد رهبة ، استغراب ، فضول .

ثم بدأ في حكايته :

_____
( انا ( وحيد ) فهذا إسمي و صفتي أيضا ، ألم تسمع من قبل بأن لكل شخص نصيب من إسمه
أستطيع أن أخبرك بأن هذه النظرية حقيقية بنسبة مائة في المائة .
فلقد أصبحت هذه لعنتي و ليس بنصيبي ، فأنا قد أمتلكت كل الوحدة في العالم و أصبحت لي وحدي .
نشأت في دار للأيتام ، فلم أعرف لي اهلا بالمعني المتعارف عليه عند الناس ، لم أعرف هذا المعني و لم أختبره إلا عندما قابلت زوجتي . فعرفت المعني الحقيقي للأهل و الدفئ .
قضيت سنواتي في الدار وحيدا أيضا كان هناك العديد من الأطفال من حولي ، و لكني لم أستطع الأندماج مع أيا منهم . فأختليت بنفسي و تقوقعت عليها و وجدت سعادتي هناك .
ذلك الشعور بأنك منبوذ و لا أحد يريدك لهو شعور يمزق القلب ، لا أحد يريدك ابتداء من والديك اللذان أحضرانك إلي هذه الحياة ، لا لتعيش فيها طفولتك و من ثم شبابك و تنعم بذلك الدفئ الأسري ، و لكن لتتعذب في كل الفترات . ماذا اقترفت بحقكم لألقي هذا المصير ؟ لماذا لم تقتلوني إذا في بادئ الأمر إن كنت سأشكل عليكم هذا العبئ الثقيل ؟
سألت نفسي الكثير من هذه الأسئلة و لكني لم أجد لها إجابة . و لكني في خلوتي وجدت شيئا يسليني عن هذه الأسئلة و إجاباتها .
ربما لم أنعم بشئ يعوضني عما أنا فيه و لكنه كان هناك طوال الوقت و لم أرعه انتباها .
الخيال ......
هو كل ما أملك . لا يوجد عندي أهل و لكن هناك يحيا أوفاهم و أحسنهم معشرا ، لا يوجد لدي أصدقاء في الدار و لكن علي سريري يمكث العديد من الأصدقاء ينتظرون قدومي ليحكي كلا منا للأخرين عما حدث في يومهم .
أنا لست مجنونا ، إنهم موجودون حقا . كانوا مجرد تخيلات في بادئ الأمر و لكنهم جاؤوا للحياة و اصبحوا حقيقين لا أعلم كيف . ربما هي تلك الرغبة الملحة في وجودهم ، ربما كانوا وحيدين أيضا في حياواتهم و تقابلنا في منطقة ما و سط غابة الخيالات ، لا أعلم أيضا ولا يهم .
المهم حقا هو وجودهم الان .

حاولت كثيرا أن أشرك زوجتي معي في هذا الامر ، و لكنها أبت بل إنها خافت مني و نعتني بالجنون .
عن أي جنون تتحدث هي ، كل ما هنا جميل و ممتع .
أما الجنون فلا يقبع إلا في خارج هذه الغرفة وسط هؤلاء المهرجين ، الذين لا يكفون عن قطع خلواتنا و التطفل عليها ، و الصراخ في وجهنا ليلا نهارا ، بل و تمادوا كثيرا و اصبحوا يعذبونا بالكهرباء .
الا تنظر إلي ملابسهم ، ينقصهم قبعة بيضاء و يصبحوا مثل الطهاة . من المجنون ؟
نحن أم هم !؟
ما رأيك فيما سمعت مني و ما رأيت بعينك ؟
اقدموا يا أصدقائي هذا هو صديقي الجديد الضابط بدر ، لا تخشونه . هو ليس هنا ليقبض علي احد ، هو فقط يزورني )
** نظرت حولي الغرفة اصبحت ممتلئة بالناس ، من اين جائوا لا اعلم حقا .
اذا هو ليس بمجنون ، فهولاء الناس موجودن حقا .
بدأت ابتسم لهم محاولا جعلهم يشعرون بالأمان ، فبادلوني الابتسام .

( صدقتني دلوقتي )
( صدقتك ، انا من اول ما شفتك و انا متعاطف معاك و مش مصدق انك ممكن تأذي مراتك او اي حد عموما ، تقبل اسفي و تقبلوا كلكوا اسفي و ياريت لو نبقي اصحاب فعلا )
** ابتسم لي و هو سعيد و نظرت حولي فوجدت اصدقائي الجدد يبتسمون ايضا ، حتي قطعنا صوت مزعج .
( يالا يا يا وحيد عشان ميعاد الجلسة بتاعتك )

تمت ………………
في انتظار آرائكم 🌷🌷🌷🌷🌷🌷

ليست هناك تعليقات