إبحث عن موضوع

قصة السيد

(تلك القصة التي ستقرأها الأن.. هي قصة حقيقية كُتبت كما رواها بطلها، ولك الحق عزيزي القاريء في التصديق من عدمه..) 
أسمي محمد خلف المعداوي 
حاليًا راجل متزوج ومقيم في القاهرة.. اصلي من بلد ريفية في صعيد مصر، والدي من زمان اتجوز امي من البلد، وخدها وعاش في القاهرة لأن شغله كمدرس خلاه يضطر يسيب البلد ويجي يعيش هنا..
المهم إن حكايتي حصلت وقت ما كان عندي تقريبًا كده ١٢ سنة؛ في الوقت ده.. ابويا كان متعود ياخدني انا وامي واخواتي الاتنين الاصغر مني، ونروح كل اسبوعين كده نقضي الأجازة في بيت جدي المعداوي.. بيت جدي اللي كان بيت كبير بتعيش فيه عيلة ابويا كلها تقريبًا، سواء عمامي الاتنين او عمتي اللي متجوزة وبرضه عايشة في نفس البيت، ومن عند زياراتنا المتكررة لبيت جدي بتبدي الحكاية تدخل في الجد..
جدي لما كنا بنروح له البيت، كنا بنلاقيه دايمًا قاعد في الاستراحة اللي في الدور الأرضي؛ كان تملي متعود يقعد فيها ويشرب كوباية الشاي جنب (سيد)...
ولو هتسألني مين سيد... ف انا هقولك إنه كلب بلدي لونه أسود غطيس، جدي لقاه مرمي جنب الترعة وهو صغير.. كان جسمه متعور وتقريبًا كده كان بيطلع في الروح، لكن جدي لما لقاه.. صَعب عليه اوي وخده وراح بيه الاستراحة، حماه وأكله وبدأ يراعيه لحد ما الكلب تعافى وقدر يقف على رجله، ومن يومها وهو بقى أقرب صاحب لِه...
تقريبًا مابقاش بيفارقه، لا وهو قاعد في استراحة البيت، ولا وهو بيراعي الأرض اللي بتملكها عيلتنا.. 
كل اللي حكيتهولك ده كان عادي وبيحصل؛ بس اللي مش عادي بقى، هو إن الكلب ده كان فيه طبع غريب اوي.. وهو إن أي حد من عمامي او ولادهم وبناتهم، اي حد كان بس بيفكر يقرب منه، كان بيفضل يهوهو عليه وكأنه هيهاجمه!
وعلى الجانب التاني بقى، ف الكلب ده كان مستحيل يهاجم جدي او ستي او محمد ابن خلف، ايووة.. الكلب كان بيحبني اوي، وماكنش بيقعد جنب حد ساكت إلا انا، لدرجة إن اخواتي وولاد وبنات عمي، كانوا بيخافوا يدخلوا الاستراحة طول ما سيد فيها، لكن انا بقى كنت بفضل قاعد جنبه وجنب جدي بالساعات، ما هو أصل سيد كان بيحبني اوي لأني كنت تملي بأكله وافضل العب معاه، وفي الحقيقة انا ماعرفش ايه السبب اللي كان مخليه مابيرتاحش لحد غيري في العيلة، يمكن عشان جدي كان بيحبني اوي!.. او مثلًا عشان انا مابخفش منه وشايفه إنه كلب لطيف لأن جدي بيحبه!
في الحقيقة ماكنتش اعرف ولا كنت لاقي تفسير، لكن الحاجة الوحيدة اللي كنت عارفها ومتأكد منها كويس اوي، هي إن انا كل ما كنت بتروح البلد، كنت لازم افضل قاعد جنب سيد وجدي في الاستراحة طول النهار...
المهم إن في مرة، خدنا ابويا كالمعتاد وروحنا زيارة للبلد، يومها أول ما وصلت لبيت جدي، دخلت الاستراحة اللي كان قاعد فيها جدي وجنبه سيد.. اول ما شافني قام وخدني بالحضن كعادته يعني، لكن الغريب يومها.. هو إن سيد هو كمان.. قام من المكان اللي كان نايم فيه، وقرب مني وفضل يلعب معايا، وكأنه بيقول لي إن انا وحشته زي ما وحشت جدي بالظبط.. وبعد السلامات وكل الحاجات المعتادة دي، قعدت جنب سيد وجدي جه قعد جنبنا، فضل يبص لنا احنا الاتنين ويبتسم وهو سرحان، لكني قطعت سرحانه لما قولتله...
-ايه يا جدو.. بتبص لنا كده ليه؟!
حط جدي إيده على سيد، ومسك إيدي اللي كنت بمشيها عليه وقال لي بحنيته اللي اتعودت عليها...
-عارف سيد بيحبك ليه يا واد يا محمد؟!
-ليه يا جدو...؟
-لأنك من جواك طاهر.. أبيض، ماتعرفش لا الغش ولا الملاوعة، حافظ على نضافة قلبك يا ابني وماتخافش إلا من اللي خلقك، وقتها بس.. كل الخلق هيحترموك وهيحبوك.
كلام جدي كان صعب عليا، ماقدرتش افهمه لأني كنت لسه عيل صغير..
المهم إن بعد ما الزيارة خلصت وروحنا بيتنا، بعدها بحوالي أربع أيام، او بالتحديد يعني في يوم تلات بعد ما رجعت من المدرسة، خدت بالي يومها إن ابويا كان قاعد حزين اوي، ماتكلمش معايا ولا مع اخواتي في أي حاجة، هو كل اللي قالهولنا كلمتين...
(قوموا عشان امكوا تلبسكوا.. هنروح البلد النهاردة!)
مافهمتش وقتها ليه هنروح البلد واحنا مش في أجازة، ده مش طبع ابويا ولا عوايده، وكمان إن ابويا رجع بدري من الشغل، دي كانت حاجة غريبة اوي بالنسبة لي، لكنها في الحقيقة مافضلتش حاجة غريبة لوقت طويل، وده لأننا ببساطة لما روحنا البلد يومها ودخلنا أوضة المضيفة، اكتشفت إن جدي مش موجود فيها!
الأوضة ماكنش فيها غير ولاد وبنات عمامي، والكلب اللي كان نايم في ركن لوحده كده بعيد عنهم، وهمَ كانوا خايفين يقربوا منه كعادتهم، بس الحاجة اللي لفتت نظري اوي وخلتني قربت من سيد، هي إنه كان قاعد ساكت.. ماكنش بيلعب ولا بيتحرك من مكانه، ده حتى ماكنش بيهوهو على عيال عمي زي ما متعود!
ف قربت منه وبدأت امشي إيدي عليه بكل هدوء، كان ساكت.. ماكنش بيتحرك، حسيت إن نفسه تقيل او تقدر تقول كده إنه كان بيتشحتف باللغة البني أدمين!
خوفت عليه، وقربت منه اكتر، وساعتها اتصدمت لما لقيت عينيه بتدمع!
طبطبت عليه وبدأت العب معاه، لكن فجأة كده الزمن وقف وكل حاجة مابقاش ليها طعم، لما عمتي صرخت من أوضة جدي وقالت بصوت عالي...
(يا حبيبي يا اباااه... يا اباااااه)
ايوة.. جدي يومها مات، تعب فجأة، ف عمامي اتصلوا بابويا وخلوه يجيلهم، بس عقبال ما وصلنا، كان جدي اتوفى!
دفنة وعزا ولبس أسود، ناس داخلة وناس خارجة من البيت، ابويا كان بيبكي قصادي وكأن حاجة كبيرة اوي اتاخدت منه، ماكنتش فاهم حاجة من اللي بتدور حواليا، بس احساسي وقتها كان بيقول لي إن انا خلاص كده مش هشوف جدي تاني.. وفي النهاية احساسي طلع في محله وماشوفتوش لحد النهاردة..
فات ٣ أيام واحنا قاعدين في البلد، بعدهم ابويا خدني انا واخواتي وامي وقال إننا هنرجع على القاهرة عشان شغله، بس في اليوم ده وبعد ما نزلنا من البيت، فجأة لقيت الكلب سيد، خرج من الاستراحة وجه ناحيتي، فضل نايم تحت رجلي وكأنه مش عايزني أمشي!... بس للأسف.. ماكنش ينفع اقعد عشان مدرستي وارتباطات ابويا وشغله، ف وقتها ستي جت خدته من جنبي ودخلته أوضة الاستراحة وقفلت عليه، أما انا بقى.. ف انا روحت لشقتنا اللي في القاهرة، بس يومها اول ما دخلت أوضتي ونمت، حلمت بحلم غريب اوي....
حلمت إن انا قاعد في الاستراحة مع جدي، وبيننا احنا الاتنين كان سيد نايم، بص لي جدي وابتسم ومد إيده ناحيتي بلقمة عيش، خدتها منه، مافهمتش دي بتاعت ايه، لكنه بص لسيد وابتسم وشاور لي عليه، في إشارة معناها إن انا اديله لقمة العيش دي، وعشان كده مديت إيدي وحاولت أديهاله، لكنه ماكنش بيتحرك، الكلب كان نايم وهو ساكت بشكل غريب!
ولحد هنا الحلم انتهى، انتهى وانا بحاول اصحي سيد عشان اخليه ياكل، ومن يومها وانا ماشوفتوش تاني هو كمان، وده لأن اللي عرفته بعد كده، إن جدتي يوم ما مشينا، حطت أكل لسيد في الاستراحة وفضلت قفلاها عليه طول اليوم لأنه كان بينبح بشكل مستمر، وفضل ينبح لحد ما سكت قبل الفجر تقريبًا، ف ستي لما صحيت الصبح استغربت ودخلت تبص عليه، لكنها للأسف لقته ميت!
الكلب مات بعد وفاة جدي بكام يوم، وعشان كده اهلي ربطوا بين وفاة جدي وموت الكلب، لكن اللي حصل بعد كده أثبت للكل إن سيد ماماتش بسبب زعله على جدي..
ما هو ابن عمي الكبير، بعد موت الكلب بأسبوع، حصلت له حادثة والجرار الزراعي فرم رجليه، ف بقى جليس على كرسي بعجل لحد النهاردة، وبعد الحادثة اللي حصلتله دي، عمي قال لستي ولبقية العيلة بالنص كده..
(اللي حصل في احمد ابني ده انا السبب فيه، ربنا بيردهالي عشان رميت سم لسيد.. انا اللي موتت الكلب ليلتها، افتكرت انه اتسعر من بعد ما ابويا مات لأنه كان بيهوهو طول اليوم.. ربنا يسامحني بقى، ويارب ابويا هو كمان يسامحني...)
ومرت الأيام وانا كبرت، كبرت اه.. لكني لحد النهاردة لسه بحلم ب جدي وبسيد اللي تقريبًا كده مش بيفارقوني، وكل ما يوحشوني.. لازم يزوروني في المنام، مانكرش إني بصحى فرحان لأني بحس إن جدي لسه موجود معايا، بس الحاجة اللي مزعلاني اوي بصراحة، هي إن احمد ابن عمي.. لسه لحد النهاردة قاعد على كرسي بعجل بسبب إن رجليه الاتنين اتبتروا.. مش عارف هل ده له علاقة بأن ابوه حط سم لسيد ولا لأ، وفي الحقيقة مش عارف هل دي صدفة ولا ايه بالظبط..  انتوا رأي حضراتكم ايه؟!.. هل هي صدفة واللي حصل لاحمد ده كان كده كده هيحصل له، ولا ده عقاب من ربنا على اللي ابوه عمله!
تمت
محمد_شعبان
السيد

ليست هناك تعليقات