إبحث عن موضوع

قصة الاشارة

احنا كبشر أه مابنقدرش نشوف المستقبل ولا نعرف أيه اللي هيحصل فيه، بس ربنا عز وجل اوقات كده بيدينا إشارات عشان نخلي بالنا ونبعد عن أي حاجة غلط بنعملها، ومع الوقت بقى لما المصيبة بتحصل بسبب الحاجة الغلط دي، ساعتها بنقول ياريت كُنا خدنا بالنا من الإشارة اللي ربنا بعتها لنا واحنا تجاهلناها... 
حكايتي بتبتدي من يوم ما كلمتني أختي في التليفون..
-الو.. ايوة يا سهام؟!
-ايوة يا محمود، ازيك.. معلش، ممكن تيجيلي البيت؟!
-اجيلك ازاي دلوقتي وانا طالع على العيادة، هو في حاجة كبيرة يعني؟!... محتاجة فلوس او...
-لا يا محمود مش محتاجة فلوس، انا مستورة والحمد لله، بس حسن مغلبني، أحواله مش مظبوطة بقالها كام يوم كده، وانت عارف إنك في مقام ابوه من بعد ما عربي جوزي الله يرحمه ما مات.
خدت نفس عميق وانا سايق عربيتي ورديت على سهام بجدية وبحزم..
-عارف عارف.. حسن يعتبر أبني الكبير، ماتقلقيش، انا هتصل بيه وهخليه يجيلي العيادة لأن النهاردة عندي عيانين كتير.
سكتت سهام لثواني كده، بعدهم قالتلي بيآس..
-ماشي يا محمود، بس وحياة عيالك ما تنسى تكلمه يا أخي.
-حاضر يا سهام حاضر.. سلام.
قفلت مع أختي وكملت سواقة لحد ما وصلت للعيادة بتاعتي، اه.. ما انا طبيب بشري، الصبح بشتغل في الرعاية المركزة.. في واحدة من المستشفيات الحكومية الكبيرة، وبالليل بشتغل في عيادتي، المهم إني اول ما وصلت العيادة لقيتها زحمة كالعادة، ف دخلت وبدأت اكشف على العيانين لحد ما فجأة لقيت البنت اللي بتشتغل معايا كمنظمة مواعيد دخلت عليا من غير استئذان.. ودي مش من عوايدها، بس لما دخلت فجأة كده، كان وشها أصفر ومخضوضة اوي وهي بتقول لي..
-دكتور محمود.. انا أسفة، بس في واحد برة شكله يخوف اوي وبيقول إنه عايز حضرتك وألا..
قومت وقفت وانا ببصلها باستغراب..
-وألا أيه انا مش فاهم، مش قولتلك ماحدش يدخل عليا طول ما انا معايا كشف.. وبعدين شكله يخوف ازاي يعني؟!
بلعت البنت ريقها وهي بتقول لي بتوتر..
-انا متأسفة والله يا دكتور، بس الولد اللي برة ده وشه مليان علامات وواقف بيتطوح كده وبيقول إن اسمه (عاطف سرنجة).. وكمان بيقول إنه عاوز حضرتك ضروري!
اول ما البنت قالتلي الأسم، ارتبكت وقولتلها وانا بقعد مكاني تاني..
-طيب طيب.. اخرجي انتي وقوليله إنه هيدخل، وبعد ما اخلص الكشف اللي معايا ابقي دخليه، ده واحد كده والدته محتاجة علاج غالي للقلب وانا بديهوله ببلاش لأنه محتاج.
بصت لي البنت باستغراب وخرجت.. خرجت وانا كملت كشف على الحالة اللي معايا، وبعد ما خلصت دخل عليا عاطف اللي كان بيتطوح كعادته..
-مساء الفل ادكترة.
قومت بسرعة قفلت باب الأوضة، ورجعت قعدت على مكتبي من تاني وانا بقوله بعصبية وبصوت واطي عشان ماحدش من العيانين اللي برة يسمعوني..
-انت ايه اللي جابك هنا يا غبي، انا مش قولتلك ١٠٠ مرة.. إنك لما تعوزني تبقى تتصل بيا وانا هقابلك في حتة ماحدش يشوفنا فيها؟
بص لي من فوق لتحت وببجاحته المعتادة قال لي..
-يا عم وانا هعملك ايه يعني، ما انت قافل موبايلك وانا دايخ عليك بقالي يومين، يا راجل ده انا قولت إنك خدت الفلوس ونفضتلي.
لما قال لي كده رديت عليه بصوت واطي..
-وطي صوووتك، نفضتلك ايه بس، كان عندنا قلق في المستشفى امبارح وماعرفتش اخرج بالحاجة، والنهاردة جيبتها وكنت هتصل بيك بعد ما اخلص العيادة، وبعدين هو انا عمري خلفت معاك في أي معاد؟
هرش في راسه بغباء..
-شهادة لله.. لأ، بس انا مستعجل يا دكترة، الشباب دماغهم بتزن ولا مؤاخذة، ما هو بصراحة كده دماغ الموروفين بتخلي الشاب من دول مابيعرفش يصلب طوله إلا لما ياخد الجرعة.
بعد ما قال لي كده، مديت إيدي في الشنطة اللي كانت معايا وطلعتله أمبولين موروفين مُركز كنت جايبهم معايا من المستشفى، ولو هتقول لي خرجتهم ازاي، ف انا هقولك إن المسؤول عن مخزن او صيدلية الرعاية، بياخد حسنته مني وبيكتب إن الأمبولات دي خرجت لعيانين انا بعالجهم، في حين إن انا بستبدلهم وبدي العيان أي مُسكن قوي بدل الموروفين، ف المهم انا خرجت الأمبولين واديتهم لعاطف وانا بقول له بحذر..
-امسك..
خدهم مني وحطهم في جيبه وهو بيقول لي..
-من يد ما نعدمها يا دكترة، استأذن انا بقى عشان لسه هخففهم وهحطهم في سرنجات وموال كبير كده، بس ماتنساش، كمان كام يوم هتصل بيك عشان هحتاج زيهم.
بصيت له وابتسمت بخبث..
-ماشي يا عم، بس ماتنساش، الفلوس قبل التسليم.
ضحك وهو بيهزلي راسه..
-فل يا دوك.. تؤمرنيش بخدمة.
-لا يا سيدي، بالسلامة.
خرج عاطف تاجر المخدرات اللي بياخد مني الموروفين وبيخففه بمحلول وبيحطه في سرنجات وبيبيعه للمدمنين اللي شبهه كده، وانا بصراحة يعني مابيهمنيش اوي لا هو ولا اللي بياخدوا المورفين، اه.. ما دول عيال سرنجاتية وشمامين مالهمش لازمة، انا كل اللي يهمني هي الفلوس اللي باخدها منه مع كل جرعة موروفين بديهاله..
المهم إن يومها بعد ما عاطف مشي، كملت انا كشف على العيانين اللي كانوا كتير اوي لدرجة إن انا خلصت شغل في العيادة على الساعة ١١ ونص بالليل، وبعد ما خلصت شغل.. ركبت عربيتي ورَوحت البيت وانا حرفيًا مش شايف من التعب لأني بصحى بدري كل يوم عشان اروح المستشفى، ف أول ما رَوحت ماعملتش أي حاجة، ولا أكلت ولا غيرت هدومي، انا دخلت أوضتي بعد ما سلمت على مراتي وعيالي بسرعة، ودخلت نمت..
حطيت راسي على المخدة وبدأت اروح في النوم لحد ما صحيت على صوت خبط أطباق، فتحت عيني بالراحة.. لقيت نفسي قاعد على السُفرة اللي موجودة في صالة شقتي، وقصادي كانوا قاعدين عيالي وهم بيبصوا لي وبيضحكوا، وقتها انا اترعبت لما لقيت الأطباق اللي قصادهم مليانة طين!
واللي رعبني أكتر بقى إنهم كانوا بياكلوا من الطين ده وهم عمالين يضحكوا وعينيهم كانت عمالة تدمع!
كنت وقتها بحاول اتكلم معاهم او اقول لهم ماتاكلوش، لكني ماكنتش بقدر، انا جوة الحلم ماكنتش قادر اتحكم في تصرفاتي، انا بس كنت بشوف نفسي وانا باخد من طبق كبير مليان طين قصادي وبحط لهم عشان ياكلوا، حاولت امنع نفسي لكني ماقدرتش، والحاجة اللي ترعب بقى أكتر من كل اللي حكيته ده، هو حسن ابن اختي اللي لقيته قاعد على الكرسي اللي جنبي، كانت عينيه بيضا وشفايفه زرقا، بص لي وضحك وقال لي بصوت مهزوز وكأنه بيعيط..
(حط لي يا خالو.. حط لي.. بس مش من الطبق ده، انا عاوز من الطبق اللي هناك)
بصيت على الطبق اللي كان بيشاور عليه، الطبق كان على يميني وكان مليان سرنجات فاضية واضح إنها مُخلفات او حد مستخدمها قبل كده!
حاولت اقاوم نفسي او اقول له لأ، بس غصب عني لقيتني بقوم وبمد إيدي وباخد الطبق وبحطه قدامه، وفي لحظة اول ما الطبق بقى قدامه، ابتدا حسن ياكل منه بنهم شديد جدًا وهو بيبص لي وبيبتسم بنفس شكله اللي يخوف، واللي خلى خوفي من شكله زاد.. هي الجروح والدم اللي ظهروا جوة فمه لأنه كان بياكل السرنجات وبيمضغها..
حاولت اتكلم او امنعه، لكني برضه ماعرفتش، وساعتها مابقاش قدامي أي حل غير إن انا اصرخ.. فضلت اصرخ واصرخ بصوت عالي لحد ما مراتي صحتني، قومت من النوم وانا متضايق ومخنوق اوي من الكابوس اللي انا شوفته، بس قبل ما اتكلم واحكي لمراتي على أي حاجة من اللي شوفتها في الحلم، قومت بسرعة من على السرير ولبست هدومي لأن الوقت كان اتأخر، وبعد كده فطرت فطار خفيف، وخدت موبايلي اللي نسيته مقفول من بالليل وروحت على المستشفى، استلمت الشغل كالعادة لحد ما في وسط اليوم فتحت الموبايل وسيبته في أوضة الدكاترة، بس وانا بلف على الحالات في الرعاية، جه دكتور زميلي وهو في إيده موبايلي..
-تليفونك كان في الأوضة يا دكتور محمود، كان عمال يرن كتير اوي ف قولت اجيبهولك لا يكون في مشكلة ولا حاجة.
مسكت التليفون ورديت على أختي سهام اللي كانت بتتصل بيا..
(الو.. الحقني يا محمود، انزل لي الطواريء بسرعة، انا عندك في المستشفى، حسن ابني بيمووت...)
قفلت معاها بعد ما سمعت منها الكلا ده، ونزلت جري على قسم الطواريء اللي لقيتها فيه وهي واقفة بتعيط، وقصادها كان في دكتور بيحاول ينعش حسن اللي كان بنفس المنظر اللي شوفته عليه في الحلم، عينيه كانت بيضا تمامًا وشفايفه كانت زرقا!
وفي ثواني.. سكت حسن وبص الدكتور لسهام وقال لها بحزن..
(البقاء لله يا مدام...)
انهارت سهام وبدأت تصرخ بهستيريا، اما انا بقى، ف انا من ذهولي.. جريت على حسن وفضلت اخبط على صدره عشان يقوم، بس خلاص.. حسن كان راح، لكن اللي لفت نظري هو الكلام اللي سمعت سهام اختي بتقوله في وسط ما كانت بتصرخ على ابنها..
(منه لله.. منه لله الواد اللي اتصاحب عليه، منك لله يا عاطف يا وش المصايب، تلاقيه هو اللي اداله الحقنة اللي لقيتها جنبه دي)
ومع سماعي للكلام ده، خدت بالي من أثار إبر في دراعات حسن، وقتها قربت من سهام وحاولت اسألها ايه اللي حصل له، ف ردت عليا وهي مُنهارة طبعًا..
(انا كلمتك يا محمود واستنجدت بيك عشان تقعد معاه، حسن في الفترة الأخيرة اتغير اوي.. اتغير من وقت ما بقى له صاحب إسمه عاطف، الولد ده انا شوفته واقف معاه مرة في الشارع، وقولتله يا حسن ابعد عنه.. ده شكله كويس، بس ماسمعش كلامي يا محمود.. ماسمعش كلامي، وأخرتها، امبارح مالقتش الحلق الدهب بتاعي، ولما سألت حسن عليه، قال لي ماعرفش هو فين.. مع إنه كان في الحمام، ولما شكيت فيه واتخانقت معاه، زعق فيا وسابني ونزل من البيت، وساعتها انا اتصلت بيك، وانت قولت إنك هتكلمه والظاهر إنك ماكلمتوش، لأنه لما رجع بالليل قفل على نفسه باب الأوضة زي عوايده، وانا كنت نايمة.. ولما صحيت الصبح وخبطت عليه ولقيته مابيفتحش وسمعت صوته بيآن جوة الأوضة، فضلت اصرخ ولميت الجيران لحد ما كسروا الباب، ولما دخلنا عليه لقيناه معري دراعه ونايم على السرير، وجنبه على الأرض كان في سرنجة.. ابني كان مدمن يا محمود.. ابني كان مدمن ومات بسبب السم اللي كان بياخده)
بعد ما عرفت من اختي كل حاجة، جريت على بيتها قبل البوليس ومسكت موبايل حسن، بصيت في سجل المكالمات وطبعًا لقيت رقم عاطف.. او زي ما كان مسجله، عاطف سرنجة.. ايوة هو عاطف اللي انا بتعامل معاه، ساعتها ماحستش بنفسي إلا وانا بتصل بالبوليس وببلغ عنه وعن نفسي.. ايوة، انا بلغت عن عاطف وعن نفسي وكمان عن عامل مخزن الأدوية، قبل ما عاطف يتمسك ويقول إن انا اللي كنت ببيع له الموروفين..
طب والوضع الحالي ايه؟!
انا دلوقتي مسجون ومراتي طلبت مني الطلاق، وطبعًا اختي ماجتليش غير زيارة لمرة واحدة بس، مرة واحدة ماقالتش فيها أي حاجة.. هي بس بصقت في وشي وبعد كده مشيت..
انا غلطان، اه غلطان وعارف إن غلطي كبير، انا كنت بآكل عيالي من مال حرام، وعارف إني ضريت شباب كتير باللي كنت بعمله، وكل ده عشان فلوس.. مع إن ربنا حذرني ووراني في الحلم، لكني حتى بعد ما شوفت الحلم ده، لا اتصلت بحسن اللي ابوه الله يرحمه كان موصيني عليه قبل ما يموت، ولا اتهزيت وخدت وقفة مع نفسي وبلغت عن عاطف.. انا لحد ما حسن مات قدام عيني، ماكنش يهمني حاجة غير الفلوس، لكني في الأخر اهو حاولت اكفر عن ذنبي وبلغت عن عاطف وكمان بلغت على نفسي وعلى المسؤول عن مخزن الأدوية في الرعاية، بس تفتكروا بعد ما حياتي وحياة ابن اختي اليتيم ضاعت بإيدي.. هل ربنا هيسامحني على كل اللي كنت بعمله!
وهل مش هيجي مسؤول عن مخزن أدوية او صيدلية رعاية زي اللي كنت بتعامل معاه، ولا مش هيجي واحد زي عاطف سرنجة اللي بالتأكيد الشوارع مليانة بأمثاله، ولا مثلًا يعني مش هيجي دكتور زي حالاتي كده ماعندوش ضمير.. ويتسبب بقلة ضميره دي في إدمان وموت شباب كتير!
بالتأكيد هيجي، لكن اللي بتمناه من ربنا دلوقتي هم حاجتين، أولهم إن ربنا يسامحني ويغفر لي اللي عملته، وتانيهم إن كل اللي ماشي في سكة غلط وجت له إشارة سواء في حلم او في موقف، يمشي وراها ويصحي ضميرة قبل فوات الأوان...
الطبيب المسجون
محمود كمال
تمت

الإشارة

هناك تعليق واحد:

  1. قصه جميله جدا و هادفه و كلها نصائح و عبره شكرا لكم تحياتي

    ردحذف