إبحث عن موضوع

مشوهة الزير

فاكر زمان لما كنت صغير، في مرة صحيت على صوت صويت وصريخ..
كان صوت الجيران اللي ساكنين في الشقة اللي قصادنا، كل اللي في البيت صحيوا، والجيران اللي في البيوت اللي حوالينا اتلموا، الكل اتجمع عشان يشوف في ايه!

بصينا لقينا الشقة بتولع، والنار طالعة من الشبابيك و الباب مقفول و مش راضي يتفتح... الجيران اتصلوا بالمطافي وشباب المنطقة حاولوا يكسروا باب الشقة عشان يدخلوا ينقذوا اللي جواها، لكن للأسف الوقت فات لأنهم لما قدروا يفتحوا الباب ودخلوا كان كل اللي جوا صوتهم قل لحد ما اتكتم، للأسف ماتوا كلهم محروقين.

البيت بتاعنا كان في حَيّ من أحياء القاهرة، بيت من دور واحد فيه شقتين، انا و امي كنا ساكنين في الشقة اللي ع اليمين لوحدنا من بعد موت ابويا، وجيراننا اللي ماتوا كانوا عيلة مكونة من أب و أم و ٣ أطفال و كانوا ساكنين في الشقة اللي قصادنا على طول، وكان في البيت زي بدروم صغير كده في الدور الأرضي، وده كان كله كراكيب تخصنا احنا و تخص جيراننا اللي ماتوا محروقين الله يرحمهم.

مفيش حد مزعلش واتصدم لما عرف إنهم ماتوا، أسرة كاملة بعيالهم يموتوا محروقين في بيتهم، أكيد كانت حاجة تزعل، الموضوع كان صدمة خصوصًا بالنسبة لنا احنا اللي ساكنين معاهم في بيت واحد.

المطافي جت وطفوا الحريقة، وبعدها الشرطة جت وبدأت تحقق في الموضوع عشان تتأكد إنها مش حادث مُدبر، بس لما الشرطة حققت أكتشفت إن سبب الحريق مجهول.. و بعد تحقيقات كتير و تقارير المعمل الجنائي و الطب الشرعي قالوا إنه إهمال منهم تسبب في تسرب غاز أدى لحريق الشقة و ده عشان يقفلوا القضية و فعلًا الموضوع اتقفل على كدة.

بعد ما الجثث اندفنت و القضية اتقفلت حاجات بسيطة جدًا اللي فضلت سليمة والنار ماحرقتهاش من عفش العيلة اللي كانت عايشة في الشقة، العفش ده معظمه أترمى في القمامة إلا زير ماية لقيته قصاد البيت و ماترماش مع العفش اللي صاحب البيت خرجه و رماه، الزير ده أنا فاكره كويس، أمي كانت جايباه هدية لجيراننا الله يرحمهم قبل ما يحصل الحريق، الزير كان سليم وماكنش عليه غُبارة واحدة من أثر الحريق، وقتها قولت لأمي عليه، لقيتها راحت وشالته من قصاد البيت، كنت فاكر إنها هتاخده و تحطه في الشقة عندنا بما إن هو بتاعنا في الأساس، بس اتفاجأت لما لقيتها راحت بيه ناحية البدروم ورمته فيه، ولما سألتها ليه عملت كدة قالت إنه مش بتاعنا!

من ساعة الحادثة اللي حصلت دي وفي حاجات غريبة بتحصل، ساعات كنت بصحى من النوم على صوت صريخ، وبعد كدة الصوت ده يختفي مرة واحدة، في الأول كنت بخاف، لكن مع مرور الوقت اتعودت، وبقى الموضوع عادي بالنسبة لي.

عدت السنين لحد ما بقى عندي ٢٢ سنة، نفس صوت الصريخ بصحى عليه و مافيش حاجة اتغيرت رغم مرور السنين، لكن كان في حاجات جديدة بدأت تحصل، لما كنت بقعد في الدور الأرضي ساعات و انا بشرب كوباية شاي و سيجارة و بسمع الراديو بالليل زي ما اتعودت كنت بحس إن في حد معايا مع اني متأكد إن انا بكون لوحدي، كنت بشوف بنت بتظهرلي من الشباك، ولما كنت بروح أشوفها كانت بتختفي أو زي ما تكون بتتبخر و كأنها ماكانتش موجودة من الأساس.

كمان لما بكون قاعد في شقتنا بليل لوحدي كنت بسمع صوت خبط على الباب، ولما أقوم أفتح ماكنتش بلاقي حد و الموضوع ده في الفترة الأخيرة اتكرر كتير أوي، كان بيرعبني أكتر من إنه يستفزني لأن زي ما قلت لكم مفيش حد بقى ساكن في البيت غيرنا، يعني ماحدش هيلحق يخبط ويجري برة و انا مش هشوفه لما افتح!

فضلت على الحال ده كتير لحد ما في يوم كنت راجع من الشغل ولما دخلت الأوضة بتاعتي لقيت في كلام مكتوب على المرايا بحبر أسود، بصيت للكلام و انا مبرق و انا بقراه...
(الزير القديم... جواه السر... جواه حل للغز... أمك هي السبب)

أنا مش فاهم حاجة، قعدت فترة بحاول أستوعب، بصيت لجملة (الزير القديم) وقتها جه ف بالي الزير اياه اللي كان في بيت الجيران و امي حطيته في البدروم، أول ما افتكرته نزلت جري للبدروم، دورت على الزير لحد ما لقيته ولما لقيته بصيت جواه لقيت مرسوم عليه من جوة نجوم و دواير و مربعات بحبر أحمر... يا نهار اسود و منيل ده سحر!!!

لما شوفت الرسومات و عرفت ماهيتها بقيت مصدوم ومش فاهم أي حاجة، مين ده اللي هيعمل عمل على زير وليه؟!
وف عز تفكيري سمعت صوت باب البدروم بيترزع، بعدها الكهربا اتقطعت و بقيت مش شايف أي حاجة..
نورت كشاف الموبايل بتاعي ولسة ببص قدامي لقيت واحدة وشها محروق وشكلها مرعب مبرقة لي.

اتفزعت، ومع الخضة رجعت لورا خطوتين، اتكعبلت في حاجة، وقعت على الأرض والموبايل وقع من ايدي، وقتها مابقتش شايف قدامي لحد ما فجأة حسيت بخبطة قوية على راسي بعدها غيبت عن الوعي، بعد مدة معرفش قد أيه فتحت عيني لقيت نفسي في البدروم بس كنت قاعد على كرسي و متربط من أيدي و رجلي بحبل، و قصادي كانت نفس البنت اللي شوفتها.... ماكانتش عفريت ولا حاجة، هي كانت بنت عادية بس وشها محروق، كانت واقفة بتبصلي و هي بتضحك و ف أيدها كانت ماسكة ولاعة، وقتها شميت ريحة غريبة... دي ريحة جاز!!!
حاولت افك نفسي لكني ماعرفتش ولا حتى عرفت اصرخ لأن بوقي كان عليه لصق، بصيتلها و انا مش فاهم حاجة لحد ما هي قربت مني و قالت...
- أه انت صح... دي ريحة جاز، ماتقلقش انا غرقتك و غرقتها بعد ما اديتلها مخدر و غرقت معظم البيت عشان ماتاخدوش وقت في الموت.
وقتها حاولت افك نفسي لكنها قالتلي...
- هشششش... اهدى عشان احكيلك انا بعمل كده ليه.
وقتها هديت و بصيت لها بترقب ف بدأت تحكي هي و قالت...
- كنت صغيرة وقتها زي ما انت كنت صغير بس انا فاكرة كل حاجة... فاكرة امك لما كانت بتتكلم مع ابويا و بتقوله إن من بعد موت ابوك و هي ماحبتش حد زي ما حبته، فاكرة لما قالتله إنها موافقة تبقى زوجة تانية ولو حتى في السر و فاكرة كمان لما ابويا قالها إنه مابيحبش حد في الدنيا قد مراته و ولاده، هم كانوا فاكرين إن انا نايمة و ان ماحدش سامعهم لما أمي كانت مش موجودة في البيت يومها لكن انا كنت صاحية و واقفة ورا باب أوضتي و سمعت كل حاجة و فاكراها لحد النهاردة زي ما انا فاكرة الزير اللي امك اديتهولنا هدية و من بعدها طلعت منه نار ولعت فيا انا و امي و ابويا و اخواتي، فاكرة كويس شكل النار و فاكرة كمان شكل الرسومات اللي كانت جوة الزير، و فاكرة برضه المستشفى و أهلي اللي ماتوا... أهلي اللي ماكنش لهم حد ياخدني يربيني بعد موتهم و بعد ما عيشت من الحادثة، وقتها خدتني ممرضة من المستشفى اللي كنت فيها ربتني... ربتني لأنها ماكانتش بتخلف هي ولا جوزها لحد ما كبرت بس عمري ما نسيت أي حاجة و كنت متأكدة إني في يوم هنتقم منك و من امك اللي كانت بتحب ابويا و كانت عاوزاه يتجوزها و لما رفض أمك عملتلنا عمل على زير اديته لامي كهدية، الزير اللي كان سبب في موت أهلي و كان سبب كمان في أن انا اتشوهت، أمك هتموت و انت كمان هتموت و لو هتقولي و انت ذنبك أيه هقولك و اخواتي و أمي كان ذنبهم أيه...!
قالت كده و راحت ناحية الزير رفعته من عالأرض و بعد كده سابته تاني عشان ينزل يتكسر، كسرت البنت الزير و بعد كده راحت ناحية باب البدروم و مسكت الولاعة و ولعتها و رمتها ناحيتي و هي بتضحك و بعد كده خرجت من البدروم، و مع خروجها بدأت النار تاكل كل حاجة حواليا لحد ما وصلتلي و بعد كده فقدت الوعي و لما فوقت لقيت نفسي هنا في المستشفى و انت قصادي...
وقتها بصيت للمريض أدم عزيز و قولتله...
- يعني انت يا ابني تقصد أن بيتك اتحرق بفعل فاعل؟!
وقتها بلع ريقه و قال...
- أه هي اللي حرقته... انا جسمي كله بيوجعني و حاسس إن انا هموت... اااه.
قال كلامه ده و للأسف مات، مات أدم زي ما ماتت والدته... مات بعد حملني أمانة المفروض كنت احكيها لرجالة البوليس و ابلغ لكن انا ماعملتش كده، أه مابلغتش لأني ممرض غلبان جت للمستشفى اللي انا بشتغل فيها حالة حروق و قبل ما تموت حكيتلي حكايتها اللي انا شايف إنها حكاية عادلة و منطقية لو هي حكاية صحيحة، أنا عارف إنه مالوش ذنب لكن برضه الأسرة اللي ماتت من سنين بسبب أمه هم كمان مالهمش ذنب و عشان كده سكتت، بس عشان اتأكد من صدق الحكاية روحت عند البيت و سألت الناس اللي ساكنة حواليه و اتأكدت إن معظم كلام أدم مظبوط، اتأكدت أن فعلا الشقة اللي قصاد شقته اتحرقت من سنين و لسه مقفولة لحد النهاردة و ده طبعًا بعد ما شقة أدم الله يرحمه هو و أمه اتقفلت لأنهم هم كمان ماتوا زي ما نفس العيلة دي ماتت... بس برضه دلوقتي انا محتار و مش عارف اعمل أيه لكن في النهاية انا مش هبلغ، ماهو برضه هبلغ و اقول أيه... انا لا عارف البنت ولا عارف الممرضة اللي ربتها... أو زي ما تقولوا أنا عارف بس برضه مش هبلغ و عارفين مش هبلغ ليه؟!
أنا مش هبلغ لأني عارف أن البنت اللي انا و مراتي بنربيها هي اللي عملت كده و عشان كده مش هبلغ، أنا الممرض جوز الممرضة اللي خدت البنت ربتها، أنا اللي ربيت البنت و حسيت بمعاناتها و اعتبرتها بنتي لأني مابخلفش.... أنا عارف ان هي اللي عملت كده و ان هي اللي رتبت لكل حاجة لما كانت بتخرج من البيت بالليل و عشان كده سكتت لأن اللي عملتها ده حقها أو تقدروا تقولوا سكتت لأني خوفت لا تعمل فيا زي ما عملت في أدم و أمه.... أمه اللي كانت السبب في كل المصايب دي لما ادت لجارتها زير معمول جواه عمل و خرج منه جن كان سبب في موت أسرة بأكملها محروقين إلا البنت اللي انا بربيها... بنتي اللي لسه لحد النهاردة عايشة لكنها مشوهة بسبب الزير...
تمت

محمد_شعبان

ليست هناك تعليقات