إبحث عن موضوع

سفاح كرموز

غريب جدًا إنك تقدر تشوف حاجات عدى عليها زمن، كإن عقارب الساعة بتلف بالسالب، بتمشي ثواني وسعات بس بالعكس، بتجري شهور وسنين لورا، تروح لمكان كان منور حياة وتشوفه قبل ما يطفيه الموت بلحظات، توصل عند لحظة معينة، والزمن يعد من جديد، والحدث يحصل زي ما حصل أول مرة، وكأن المُخرج قرر يعيد المشهد من تاني، تشوف الصدمة الي اترسمت على وشوش ناس قبل ما يروحوا عالم غريب وجديد عليهم، صدمتك متفرقش كتير عن صدمتهم على فكرة، بتحس أن الخطر حواليك ف كل مكان، ساعتها مش هتبقى عارف السبيل للنجاه من المكان دا، مش فاهم حاجة صح؟ 

تعالى أفهمك.

نبدأ من 
أسكندرية
تحديدًا يوم..
٢٩/١٠/٢٠١٩ 

الموضوع كله كان صدفة، تقدروا تقولوا صدفة مُميتة، مش شيقة قد ما هى مرعبة، كنا على بُعد خطوات من الموت، أنت لو كنت مكاني كنت هتفكر مليون مرة قبل ما تاخد قرار أقل وصف له أنه قرار غبي.

أنا أسمي محمد، صحبي سيد قرر فجأة أنه يقضى الهالوين بشكل مختلف عن كل سنه، يومها قالي...
- بصراحة يا محمد أنا مش مصدق كل التخاريف اللي بتتقال على الهالوين دي، وبصراحة برضه أنا عايز أخلي كل الناس تعرف إن الكلام الي بيتقال دا كله كدب، الناس بتلغي عقلها وبتمشي ورا كلام مش منطقي، عشان كده قررت اني هعمل حاجة مختلفة السنه دي، أنت أكيد عارف البيت اللي في الشارع الي بعدنا، البيت ده مناسب جدًا إننا ندخله ونقضي فيه ليلة الهالوين، أنا سامع عنه حكايات كتير وتحذيرات منه أكتر، بس كل ده خلاني متمسك اني ادخله وأشوف بنفسي.

رديت عليه و قولتله:

- أنت دماغك ساحت من كتر قصص الرعب اللي بتسمعها، بقولك ايه انت مش هتروح في حته احنا مش عايزين حاجة تحصل لا قدر الله.
رد عليا و قال:

- ماتبقاش جبان كده، هو ايه اللي هيحصل يعني، يا سيدي لو شوفنا حاجه هنستعيذ بالله وخلاص.

رديت عليه..

- إنت شكلك اتجننت خلاص و بتخرف.

رد عليا:

- اه أنا فعلا اتجننت، هاا هتيجي معايا ولا أروح لوحدي؟!

رديت عليه و قولتله:

- ماهو أنا مش هسيبك لوحدك، الله يخربيتك، أنت شكلك هتودينا في داهية، ربنا يستر...

******

٢٩ أكتوبر ١٩٥٠

في فيلا سعيد أفندي بالأسكندرية...

- سمعت يا سعيد أفندي اللي بيحصل في البلد؟

- للأسف سمعت، أنا حقيقي مُستاء ومش عارف الولد السفاح دا البوليس مش قادر يقبض عليه لحد دلوقتي ازاي ؟!

- سمعت يا أفندي عن آخر الضحايا، بيقولوا إنه مابيقتلش غير ستات بس.

- تعرف لو الكلام ده صح يبقي احنا كدا في الأمان يا عباس أفندي ها ها ها.

_الوضع حاليًا مش مستقر يا باشا، وبصراحة أنا مرعوب علي نفسي وعلى أهل بيتي، ما انت عارف أني ساكن جنب منطقة كرموز.

- ماتقلقش يا باشا، إن شاء الله خير والبوليس هيقبض عليه قريب.

- أتمنى يا سعيد أفندي، أتمنى.

********

٣١/١٠/٢٠١٩
الأسكندرية..
الساعة ٩ مساءًا. 

- يلا يا محمد أنا مستنيك تحت البيت.

دا كان كلام سيد ليا في التليفون، نزلت من البيت لقيته واقف، أول ما شافني ابتسم بإنتصار وقال: 
- جاهز؟

رديت و قولت..
- بقولك ايه ماتستفزنيش و ماتخلنيش أغير رأيي أنا على تكة أصلًا
ضحك وقال:

- اهدى يبني شوية، انت مكبر الموضوع كده ليه، هو احنا داخلين نحارب!

رديت و قولتله..
- بقولك ايه يلا بينا عشان نخلص ونروح بدري، بلا نحارب بلا زفت، أنا مش عارف ايه اللي خلاني اطاوعك اصلًا.

وصلنا قدام البيت، وصف البيت مش غريب، عادي يعني زي أي بيت قديم، سور متوسط الطول، وحديقة صغيرة، والبيت في نص الحديقة، فيه مشكلتين واجهونا، المشكلة الأولانيه اننا هندخل البيت ازاي، ودي مكانتش مشكلة كبيرة أوي، لأننا اكتشفنا فيما بعد أن البوابه بتاعت البيت كانت مقفولة بسبب تراكم التراب عليها، أما بالنسبة للمشكلة التانية فهي اننا عايزين ندخل من غير ما حد يشوفنا، اللي سهل علينا الدخول إن الشارع الي فيه البيت يعتبر مفيش حد بيمشي فيه خالص لأنه شارع ساكت طول الوقت.

دخلنا من البوابة، زي ما توقعت بالظبط، حديقة ميتة، البيت الدهان بتاعه وقع من عوامل الزمن، ماكانش شكله مرعب ولا حاجه زي ما الناس بتحكي عنه، مش عارف حظنا كان حلو ولا وحش الحقيقة لأننا دخلنا بسهولة جدًا من الشباك، كعادة بيت محدش بيدخله من زمان كان مليان تراب وكان مضلم، كنت عامل حسابي ف كشاف، طلعت الكشاف ونورت بيه عشان أشوف وصف البيت بشكل أوضح شويه، هو زي فيلا كدا، مكونه من دورين، الدور الاول كله صالون والتاني غالبًا للنوم، شكل البيت ده كان لباشا من بتوع زمان، اللي أكد كلامي الصور الي لاقيتها على حيطه من حيطان البيت، صورة كبيرة في النص لراجل في أول الخمسين من عمره وأعتقد إن اللى جنبه في الصورة شكلها مراته، جنبها صور صغيرة على يمين وشمال الصورة الكبيرة وكانوا لبنت في بداية العشرينات، سيد بص للمكان و قال:

- تعرف ايه يا محمد عن البيت دا ؟

قولتله بارتباك و رعب..
- لأ معرفش حاجة عنه، بس شكله بيت من أيام الملك فاروق ولا حاجة.
رد عليا و هو بيتمشى فالبيت..

- اه قصدك علشان الطربوش اللي الرجل لابسه ف الصورة، بص يا سيدي، البيت اللي احنا فيه ده دلوقتي حصل جواه جريمة قتل من......

سيد مكملش كلامه لإننا سمعنا صوت حاجة بتترزع على الأرض و الصوت كان جاي من من شباك من شبابيك البيت.

*******

٣١ أكتوبر ١٩٥٠ 
الساعة ١٠ و نص مساءًا.

- عباس، اصحى يا عباس، فيه صوت غريب جاي من الدور اللي تحت.

- نامي يا هانم، انتي أكيد بتحلمي.

- يا عباس بقولك صوت الشباك الي تحت اتفتح وصوت سعدية الشغالة بتنادي عليك.

- إيه!! ط...طط...طب أنا هنزل أشوف فيه ايه وأتطمن على بنتنا في اوضتها.

********

٢٠١٩/١٠/٣٠. 
الساعة ١٠ و نص مساءًا.

بصيت انا وسيد ناحية الشباك الي جاي منه الصوت، شوفنا خيال أسود داخل من الشباك الي احنا دخلنا منه، وبيلتفت حواليه، انا شعر جسمي كله وقف، يمكن الرعب كان قليل على اللي حسيت بيه، سيد كان واقف جنبي، همست له:

- سيد...س س س سيد، انت شايف اللي انا شايفه، ده باينه حرامي.

ماردش عليا، بصيتله لقيته مبرق ناحيته و جسمه بيترعش، المشكله اللي واجهتنا كانت في الكشاف اللي منور، والمشكله الأكبر أن الشيء دا بص ناحيه الكشاف وجه ناحيتنا بخطوات ثابته، بيقرب اكتر، خلاص مفيش بيننا غير خطوتين، كان في أيده سكينه، قولت خلاص احنا هنموت دلوقتي، قلبي من كتر ما بيدق كإنه كان هيطلع من مكانه، كنت هفقد الوعي خلاص، اتفزعت لما سمعت صوت واحدة جاي من أخر البيت بتقول:

-مين هنا...!

بص لي و ابتسم بخبث قبل ما ألاقيه بيجري ناحيه الصوت، بدأت اتنفس تاني، شديت سيد من أيده وقولتله:

- ايه ده، وصوت مين الي سمعناه ده..!

قالي و هو بيتنفض ف مكانه..

- م...مم...مش عارف، المفروض أن البيت مفيهوش حد.

رديت عليه بالراحة:

- يلا نمشي يا سيد من هنا بسرعة.

قطع حوارنا واحدة ست بتجري من قدامنا وسايحه في دمها، كانت بتجري ناحيه السلم الداخلي الي بيطلع لأوض النوم وهي بتنادي :

- يا سيدي..يا عباس باشا.

عدت من جنبنا و كأننا مش موجودين، بعدها لقينا الشيء الي دخل من الشباك ده بيجري وراها والسكينه في ايديه، راح ناحيتها وكتم بقها وقعد يطعن فيها بالسكينه لغاية ما وقعت على الأرض و ماقامتش تاني، وبعدها طلع على السلم، بصيت لسيد وقولت له:

- ايه الي بيحصل هنا ده يا سيد، انا مش فاهم حاجه،

رد عليا و هو لسه بيتنفض ف مكانه زي اللي بيتكهرب:

- أنا في حاجه في دماغي لو صح يبقي احنا حظنا حلو.

قولتله وانا لسا ماسك أيده بشده عشان نمشي:

- حظ مين الي حلو في اللي بنشوفه ده، وايه اللي بيحصل هنا بالظبط، يلا نمشي حالًا قبل ما نموت.

تمالك سيد نفسه و قالي:

- مش هنمشي، ومش هتموت ماتخافش.

رديت عليه بعصبية:

- وايه الي مأكدلك كده أننا مش هنموت..!

رد عليا:

- لأننا ببساطة كده احنا دلوقتي بنشوف مشهد لجريمة قتل كاملة لأربع أفراد بعد ما حصلت ب ٧٠ سنه.

اتنفضت ف مكاني و قولتله...

- ايييه!! قتل! يعني اللي بيحصل حالًا حصل من ٧٠ سنه؟ 

رد عليا بثبات:
- بالظبط، تعالى معايا بقى نطلع بسرعه عشان نلحق نتفرج قبل ما يخلص على الباقين اللي فوق.

شدني من أيدي وانا ماشي وراه ومش مستوعب برود أعصابه، ولا مصدق اللي بيحصل ده، طلعنا السلم للدور التاني اللي كان مكون من ٣ أوض، طبعًا سيد شدني ناحيه أوضة معينة، الأوضة اللي كان بابها مفتوح وكان طالع منها صوت واحدة بتحتضر، وقفنا على باب الأوضه وشوفنا المشهد التالي...
الراجل الغريب دا ماسك السكينة في أيده وبيدبح واحده نايمة على السرير، سمعنا صوت باب أوضة جنب الأوضه اللي واقفين قصادها بيفتح وطالع منها راجل كبير ماسك مسدس في ايده، الحرامي لما سمع صوته استخبى ورا الباب، الراجل الكبير دا دخل الاوضه لما شاف البنت مقتولة انهار وجري عليها، كان الحرامي جه من وراه و دبحه بالسكينة، بصيت لسيد بخوف لقيته مبتسم كإنه بيتفرج على ماتش كوره وفريقه جاب جول مثلًا !!
أنا واقف مصدوم من المجزرة الي شايفها قدامي دي، مشينا ورا الحرامي وهو بيروح ناحيه أخر اوضه، دخل لقى واحده ست كبيرة في الأربعين من عمرها تقريبًا واقفه جنب السرير و هي هي نفس الست اللي كان ف الصورة جنب الرجل اللي كان ف الصورة معاها و لسه مدبوح قدامي من شوية بعد ما الحرامي اللي دبحه دبح بنته اللي كانت ف الصور برضه، أول ما شافته اترسم على وشها رعب ما قبل الموت، جري عليها، حاولت تهرب مسكها من أيدها، لكنها اتخلصت منه وطلعت تجري، جري وراها بسرعة، نزلت على السلم ومن خضتها اتكعبلت ووقعت، نزل على السلم ببطء ولأول مرة أسمع صوته من أول ما دخل و هو بيقول:

- محدش بيهرب من قدره، وساعتك جت بس للأسف على أيدي، الحقي اتشاهدي عقبال ما انزلك.

قرب منها والسكينه ف ايده، مسكها من شعرها وبدأ يمشي السكينه على رقبتها ببطء، جسمي اتهز من صوتها وهي بتطلع في الروح، صوت حشرجه الموت، الموبايل وقع من ايدي، الحرامي ده بص ناحيه الصوت اللي احنا مصدره، ابتسم ولقيته جاي ناحيتنا، همست لسيد بصوت يكاد يكون مش مسموع وقولتله:

- سيد، الحرامي دا تقريبًا سمع الصوت وجاي ناحيتنا أنا خايف يا سيد...انا خايف.

كنت مرعوب فعلًا واللي زود رعبي اني سمعته بيقولي...

- لأ انا مش حرامي، انا سفاح، ماسمعتش عن سفاح كرموز قبل كده، حتي لو ماسمعتش عنه اديك هتتشرف بالموت على أيديه.

بصيت لسيد برعب لقيته واقع على الأرض وسايح في دمه، ايييه!! امتى دا حصل، ازااي!!! 

السفاح خلاص جاي ناحيتي، انا رجلي مش شيلاني، مش قادر حتى اصرخ، كنت مستسلم و هو بيقرب مني، و لما قرب كنت انا وقعت علي الأرض خلاص، السكينه سابها من أيده ولقيته بيخنق فيا جامد، مش قادر اتنفس، خلاص انا بموت، بصيتله و هو بيقول:

- الحق اتشاهد عشان مش هيطلع عليك نهار تاني، شوفت بقى أن أنا سفاح محترم ازاي، هسيبك تتشاهد اهوه.

ساب ايديه من حوالين رقابتي ومسك السكينه وقالي: 

-قووووم، قووووم يلا

_قوم يا محمد، قوم يابني يلا.

كنت واقع على الأرض، وسيد قدامي بيفوقني! اول ما شوفته قولتله: 
_ سيد ا.اا...انت كويس، اا..انت ممتش، السفاح مموتكش.
قالي باستهزاء:

- سفاح مين ياعم انت لحقت تنام و تحلم كمان! لا السفاح الي بتقول عليه دا قتلني وعفريتي جاي يصحيك اهو...يلا عشان ندخل النار.!!

رديت عليه و انا بتهته...

- س..سس..سفاح كرموز، دخل البيت من الشباك الي احنا دخلنا منه وقتل كل اللي فيه و...

قعد يضحك و هو بيقول..
- يا نهار مش فايت، انا معرفش أن خيالك واسع اوي كدا.

قطع كلامه صوت كسر في الشباك، دخل ظل راجل أنا عارفه كويس، سيد بصلي واترسم على وشه علامات الفزع، طلعنا جري جري من البيت واحنا بنصرخ وبنقول" سفاح كرموز رجع..سفاح كرموز رجع..." 
.......تمت.....

ليست هناك تعليقات