مفتاح سليمان🔑
لو سألتك تحب تعيش في أمريكا؛ أكيد هتوافق بدون ذرة تردد، بس خليني أقولك إن عيشتي في أمريكا كانت لعنة، و بسببها أنا دلوقتي على فاصل بيني وبين جهنم خطوة، خطوة واحدة وهكون من آكلي رؤوس الزقوم!
**.
تقريبًا كل الي أعرفه عن مصر الأهرامات والمعلومات السطحية الي أي حد لو بحث عنها عـ النت هيلاقيها، اه زورتها قبل كده مرتين، تلاتة، بس دا ماينفيش أني لا أفقه عنها شيء..
أنا أتولدت في أمريكا وجنسيتي كمان أمريكية، بطبيعة إن أبوية وأمي مُّقيمين فيها.
أي حد ممكن يحسدني العيشة دي، وهو حد اصلًا يزعل أنه يعيش في العالم الأول من الكوكب؟
بس زي ما كل حاجة ليها مميزاتها برضوا ليها عيوبها..
***.
أنا أسمى هاني إبراهيم، وزي ما عرفتوا الجزء الحلو.. أكيد تحبوا تعرفوا الجانب المظلم من العيشة في أمريكا..
الحقيقية أنا وحيد أبوية وأمي، ويمكن دي بالنسبة لي كانت حاجة سيئة جدًا، و دا لأن معظم الوقت بكون في البيت، وبالتالي الوحدة بتكون مرافقة ليا، بس دا مكنش تعبير تفصيلي.. علشان قرائتي للكتب معظم الوقت كانت هي ونيسي دا غير سارة..
عادة القرائة فعليًا أكتسبتها من والدي الي كان شغال في واحدة من الشركات الكبيرة في ولاية "نيو مكسيكو"
أمي مختفية من أكتر ٦ شهور.. محدش عارف راحت فين؟ هل أتختفت؟ اتقتلت؟ معرفش.
الموضوع بيتحقق فيه من وقتها ومفيش أي جديد.. كأن الأرض أتشقت وبلعتها، دا حتى الشرطة حققت مع أبويا لشكهم أنه خطفها أو قتلها، وبرضوا مفيش أي دليل على اختفائها..
الصدمة كانت قوية جدًا عليا، ومفيش غيرها هي الي دايمًا بتوقف جبمبي وبتساندني في المواقف الصعبة؛ سارة.. عايشة في نفس الحي بتاعي، الصدفة كانت هى سبب معرفتنا ببعض.. فكانت في نفس المدرسة الثانوية الي أنا فيها، أنجذبت ليها جدًا خصوصًا بعد ما عِرفت إن أصولها من مصر، هي مش بتتكلم مصرى زيي، لكن واضح إن الجينات المصرية إتعرفت على بعض بسهولة..
مش محتاج أرغي كتير وأقولك إن سارة بقت بمكانة مراتي! علاقتنا أكيد مسموح بيها في أمريكا..بس مكنش مسموح أنها تتعرف لأبويا لإن دمه المصري بلا شك هيرفص الي بيني وبينها، وبسبب دا بنتظر خروجه للشغل علشان كل الي نفسك فيه يحصل بيني وبينها، خليك مكاني وقولي هتعمل أيه؟
أمك اختفت فجأة، أبوك كل أهتمامه الشغل ولما يرجع ينزل البدوم بحجة تنظيفه، بس الي مجنني أنه من وقت ما أمي اختفت وهو كل حاجة فيه.. تصرفاته بقى عصبي، كلامه قل، بقت الفلوس الي بيدهاني هي كلامه، الخمرة بقت الراعي لحياته، سبب التغير دا أيه؟ معرفش بس أكيد إن في سر كبير، خصوصًا إن باب البدروم كان بيقفله علطول بعد ما بيخرج منه على وش الفجر..
مكنش فارق معايا الصراحة كل الهبل دا.. لأن فلوسي واصلة بدون أنقطاع، وكمان سارة مالية خانة شهوتي فمكنتش بحاجة أني أشغل بالي خالص بالتفهات دي..
طبعًا الكلام دا قبل ما المصيبة الي عرفتها، واللي بسببها عِرفت مفتاح سليمان!
***.
كعادة كل يوم بعد ما أبويا طَلع على الشغل؛ سارة جاتت، وطلبنا بيتزا، وبالفعل الدليفري جه، وأستلمناها منه، جهزنا السفرة، وبدأنا ناكل..
كلام سارة سارة ليا قطع الصمت الي ساد الأجواء علشان تقرل:
-هاني هو باب البدروم مقفول ليه؟
بصيت لها والحقيقة مكنتش عارف أقول أيه عشان ماتعبتش نفسي ودورت على السبب:
-مشتغلتش نفسي بالأجابة ياسارة..
بتلقائية قالت:
-طيب ما نشوف فيها أيه، مش يمكن يكون جواها كنز!
مقدرتش أمسك نفسي لحظتها وضحكت قوي علشان أقول:
-كنز! كتز أيه بس يا سارة؟!
قامت فجأة من على كرسيها وقالت لي:
-مليش دعوة.. أنا عايز أشوف الي جوه البدروم دا..
كنت بعشق فيها كل حاجة حتى لما تتعصب، قومت أنا كمان وقربت منها، فـ همست في ودنها، وقولت لها:
-مبقدرش أقول لك لأ.. ناكل بقى وننزل للكنز تمام؟
بصوت واطي.. بين طياتها مشاعر تزلزل أي حد؛ قالت:
Ok-
***.
فعلًا بعد ما أكلنا؛ بدأت أكسر في باب البدروم، كنت شامم ريحة وحشة قوي، معرفش مصدرها أيه، بس زي ما يكون في ميت تحت!
مركزتش وكملت في الي بعمله.. لحد ما أخيرًا القفل الباب أتكسر..
عمرك دخلت قبر؟ طيب مات لك حيوان قبل كده؟ من غير ما تعرف.. بلاش شميت قبل كده ريحة قطط؟ ميتة في الشوارع..
أقذر ريحة شمتها ويمكن هي الأعفن من بين الروائح الي شمتهم في حياتي.. دا لأني الريحة كانت حرفيًا ريحة تحلل جثة!
خرجت برة الشقة أنا و سارة من بشاعة وقذارة الريحة..
دقايق عدت ودخلت أنا وهي، والريحة لسه موجودة بس بدرجة أقل من المرة الأولى، بخطوات بطيئة؛ نزلت أنا وسارة البدروم، وكنت ماسك ايديها، والخوف حرفيًا أتلبسنا احنا الأتنتين، فـ كانت كل خطوة مؤدية للبدروم بمثابة نزولك لدرجات الجحيم برجلك..
العتمة هيمنت على المكان.. فـ بالتالي شغلت كشاف موبايلي.. ولقيت الي عمري ما كنت أتخيل أني أشوفه في حياتي..
جثة لواحدة ست متعلقة في السقف بواسطة علقات أتثبتت في سقف البدروم، مفيش حاجة دارت عورتها، مفيش أي أحترام حتى لحرمة الميت، فكانت بالظبط، كأنها ذبيحة مِتعلقة، حقيقي المنظر؛ مشاعره أكيد مش هتوصل لحد غير الي شافوه مباشرًة..
صرخت سارة أول ما شافت الجثة عكسي أنا الي أتمالكت أعصابي - بصعوبة طبعًا- بس دا علشان وشها كان مألوف عليا، التجاعيد والتضاريس دي أنا عارفها، العيون المبحلقة فينا -بفزع- كانت مش غريبة أطلاقًا عليا، لكن الي خلاني متردد أني أجزم في إن دي أمي؛ هو ليه لونها أصفر كده؟ وكإن دمها أتشفت منها!
سارة همست، بصوت ملئه الخوف:
-هاني أرجوك خرجنا من هنا قبل ما يجي والدك..
بلعت ريقي بصعوبة وقلت لها:
-ثواني ياسارة..
وجهت الكشاف على باقي المكان.. مستكشفه، فـ لقيت ترابيزة كان موجود فوقها رأس لخنزير.. عينيه أتفرغت أو أتشالت، وكان ظاهر بوضوح الدود، الي كانت الرأس وجببته..
على طرف الترابيزة كان محطوط كتاب.. جذبني الحقيقية شكله الغريب وقررت اخده أشوفه فوق..
اتحركت خطوتين للوراء، وسارة تقريبًا فقدت حاسة النطق..
فجأة ظهر ظل لشخص واقف قصاد باب البدروم، وبصوت أنا عارفه كويس قال:
-كان هيجي الوقت الي تحصلها و أهو جه!
أتقدم أبويا ناحيتي، وعيونه كانت بتشع غضب وشر، السكينة الي كان ماكسها مخدتش بالي منها، إلا لما رفع أيده اليمين، في محاولة منه لغرسها فيا، و قبل ما يعمل كده؛ كنت أتفديته، ومسكت أيده اليمين، مستحيل دا يكون أبويا.. دي مش صحة واحد قَرب على العقد السادس من عمره.. دا ولا كأنه شاب عنده عشرين سنة!
خرجت سارة من المأزق دا بصعوبة، ولا زال الصمت مرافقها لكن عيونها كانت بتشرح كل حاجة لسانها مقدرش أنه يقولها..
مفيش ضربة واحدة أثرت فيه.. دا أكيد مش أبويا ولا دا بني آدم أصلًا.. دا لابُد أنه شيطان على هيئة بشرية!
في وسط محاولاتي أنه ماينتزعش حياتي؛ فجأة أتشنج وعيونه أبيضت كليًا وبدأت قوته تتهاوى، وبالفعل أدحرج من سلالم البدروم.. ليرتكز بمحل أعماله النجسة..
واضح إن ضربة سارة له بالسكينة في ضهره كانت كفيلة أنها تفقده روحه، الي أكيد مكانها أتحجز من دلوقتي في دروك الجحيم..
الكتاب طبعًا وقع مني نتيجة الي حصل، وبكشاف موبايلي الي معرفش أزاي لحد دلوقتي شغال، المهم وَجِهت ضوئه على المكان ولقيته جمب جثة أبويا!
حقيقي اللحظة الخوف والتردد نهشوني.. أنا متيقن أنه فارق الحياة لكن برضوا خايف أقرب، أخدت نفس عميق، وقربت، وببطئ مديت أيدي ناحية الكتاب، وخدته، نظراته المرعبة دي إن دلت على شيء فأكيد هَدِل أنه مش شايف المحجوب عن الأعين، الي لو أنسي شاف الي بيشوفه أبويا دلوقتي لـ أكيد هيكون مصيره نفس المصير الأغبر!
حَركت رجلي ناحية السلالم، وعيني مش متحركة من على جثته، حاسس أنه روحه هاتترد له وينتقم من الي مَوته..
خرجت برة البيت، تارك ورائي ملاذ الشياطين.. هعمل أيه؟ ههرب؟ أسلم نفسي للشرطة؟ وأعيش باقي حياتي بين قضبانه؟
ولا أشُق طريقي أنا وسارة؟هاربين من أيادي الأنس والجن، هل الكتاب الي خده هيفدني ولا لعنته هاتصبني؟!
أسئلة.. أسئلة، و الأجوبة مش عارف الاقي ليها دليل.. بس الأكيد أني هكمل الطريق لنهايته بدون ما أبُص للماضي..
الفضول كائن عجيب قادر أنه يخليك ترمي نفسك في النار لمجرد أنك تحِس بالنار.. فهل الفضول هيجبرني أني أتصفح طيات الكتاب؟! الي بين أيديا ولا اللا مبالاة هتسيطر عليا؟
***
بعد مرور ثلاثة أشهر
"مفتاح سليمان.. هو شيء مش مادي، أنما هو بواقع الأمر حاجة كده زي الهبة.. بيهديها لك نفر من الشياطين.. بعد ما تتم خطوات كتير أهمهم؛ تقديم الدم!"
بالأخص الدم الآدمي، وزي ما ذُكر في الكتاب إن الشخص علشان ياخد المفتاح، وبيه هيضمن خلوده وثراءه في الدُنيا؛ لا بُد له أنه يقتل من غير ذرة رحمة.. لمُّسن، أو لشاب، أو لست، أو حتى لطفل، ومن هنا بدأت رحلتي في سفك الدماء..
بعد ما هربنا أنا وسارة، قرأت في محتويات الكتاب، قبل ما تعرف حاجة عنه، فلازم تعرف إني أنا وهي أتشردنا، وكان لازم إن ده يحصل لأن حتى الفلوس القليلة الي معانا لو حجزنا بيها في فندق، فـ هيتقبض علينا، وبسبب دا؛ الشارع كان مأوانا، وعلشان كده أتمسكت بالكتاب وقولت يمكن يكون طوق نجاتي..
عِرفت من قراءتي له أنه من أخطر وأندر الكُتب الي ممكن أي شخص أنه بقتنيها، واضح إن أبوية صرف كتير جدًا علشان يعرف بس يجيب حق الكتاب.
خدت وقت كبير علشان أفهم طلاسمه ومضمونه.. لكن الي بينوي على الشر؛ الشياطين بتيسر له الموضوع، أنا الحقيقية عملت كل حاجة أطلبت مني وبزيادة كمان.. مبقاش فاضل غير خطوتين بس وأكون مَّالك الأرض بتخليدي وثرائي فيها..
الخطوة الأخيرة أني أقتل أعز شخص أعرفه.. سارة! طول الخطوات الي فاتت مكنتش بفكر إلا أني أزاي هايهون عليا أعمل دا.. دي هي الوحيدة الي وقفت جمبي وباعت أهلها علشاني.. أقوم أنا أقتلها عادي كده؟!
دي اللحظة فعلًا الي بيوقف فيها الزمن، لا بتكون عارف هتعمل أيه، ولا متأكد من الي قلبك شاكك في صحته.. هتروح لأنهي سكة؟ الي بيقولك قلبك إن الفعل دا غلط؟ ولا هتسند نفسك جمبك الشمال؟ وهدوس على أكتر حاجة كانت مخلياك تكمل؟!
***
تقريبًا الساعة عدت منتصف الليل، ومعنى دا أنه جه وقت سارة! في شارع جانبي وقفنا.. طبعًا أفكرت إني الذئب البشري الي هينقض عليها، وهي أكيد مستسلمة لكدة، لكنها مأدركتش إن حياتي هتنتهي خلال ثوانٍ..
ربضت ورائها، وقولت لها:
-آسف يا سارة!
قبل ما استوعب الي قولته؛ كنت ناحر رقبتها بالسكينة الي كانت في جيبي..
برائتها شفتها في عينها.. لكن مهمنيش، كل الي يهمني دلوقتي؛ هو حضوره علشان يسلم ليا المفتاح!
دقائق مَّرت، و كان ظهر.. أتعودت على شكله في الفترة الأخيرة، بقرونه وبطوله الي مفيش بني آدم يضاهيه.. دا غير عيونه السودة تمامًا، أتكلم بعد سجودي ليه.. فقال بصوت أكيد مايُنبَعش من بن آدم:
-أظهر ليّ ولائك.. بدمائك!
فهمت الي عايزه، فـ مسكت السكينة، ومشتها على كف أيدي الشمال، أتكَلم تاني بعد ما شاف الدم:
-المزيد من الدم، المزيد من الطاعة، تَحصُل على مُّفتاح سليمان!
بدون لحظة تردد نفذت وعملت نفس الي الحوار في أيدي اليمين...
دقائق كتير مَّرت، والدم بيسيل بغزارة من أيديا الأتنين، والشيطان دا واقف قدامي بثبات، مفيش كلمة خرجت منه، لما حسيت أني بدوخ ويفقد سيطرتي.. قولت له:
المفتاح فين؟
-أنتُم دايمًا بأديكم الأختيار، وأنا خيرتك، وكنت بكامل إرادتك؛ أنك تقرأ، أنا حذرتك -في الأول- فالأن لا تَلُم غير نفسك!
-يعني أيه؟
-أي أن المفتاح ما هو إلا تراهات ندونها لكُم حتى تجلبوا الدماء لنا..
دوخت أكتر وحسيت أني فعلًا دي النهاية! أتكلم بصعوبة:
-كل الي علمته راح طيب ليه؟ أغوتني بالدنيا ونسيتني إن الموت هو المصير..
-نفسك الأمارة بالسوء هي مَن قتلتك ولستُ أنا، الحقيقية إني ما كُنت إلا أداتك التي لم تعلم أنها ستتمرد عليك.. والآن أذهب لخالقك وقل له أن الشياطين خذلتني وخذلت والدي!
كدابين.. طول حياتهم كدابين، أبويا صدقهم، وأنا من غبائي صدقتهم بس نهايتنا كانت واحدة.. جهنم وبئس المصير!
دايمًا كانت معروفة بس احنا كنا دايمًا مُّغفلين.
(تمت)
الباحث_تحت_الأنقاض
التعليقات على الموضوع