إبحث عن موضوع

الصرخات السبع

طبيعتي كمحامي بتخليني أشوف كل يوم حاجة غريبة وناس أغرب بس القضية ديه كانت أغرب حاجة مرت وهتمر عليا في حياتي، والكلام اللي جاي ده على لسان المتهمة:

"من الأسباب اللي خلتني أختار السرير اللي فوق واللي جنب الشباك إني أول ما بصحى بشوف الشروق و أشعة الشمس وهي بتحاول تحتل الظلام وتمحيه، بس مكنتش أعرف إن الموضوع هيكون ليه عيوب جسيمة مقابل ميزته الرائعة ديه.. 
الحاجة اللي مهم تعرفها إني طالبة جامعية قاعدة في المدينة الجامعية، مكنتش مستوعبة الفكرة ولا كنت عايزه أروح بس روحت بعد شهر من بدء الدراسة بالعافية. 
عدى أسبوع عليا في المكان ده من غير حاجة تذكر، بس زي ما كنت بشوف الشروق من على سريري كنت بشوف برضو أوضة في المستشفى اللي قدامي منورة ٢٤ ساعة وفيها سرير وحيد كئيب منزوي في ركنها اليمين، الأوضة كانت دايما فاضية وديه المفروض مستشفى، الموضوع كان غريب بس مركزتش معاه أوي. 
في أول يوم في الأسبوع الثاني سمعت صوت صفارة اللي هي بتبقى في لعب الأطفال، مش ده الغريب، الغريب إنها جاية من على سطح المستشفى اللي مفيهوش بني آدمين! 
غطيت وشي واقنعت نفسي إن ديه تهيؤات عادي، لسه هغمض عيني لقيت واحدة واقفة في الأوضة بتاعت المستشفى، كانت لابسه رداء المرضى وواقفة بصدمة غريبة، كانت واقفه وبتبص فوق ناحية السطح، بصيت ملقتش حاجة بس سمعت صوت صرخة طفل جاية من ناحيته، صرخة استغاثة وصوت الصفارة علي تاني فجأة وبعدين كل حاجة سكتت خالص، بصيت للست تاني لقيتها عماله تصرخ بس من غير صوت وبعدين وقعت على الأرض واختفت تماما، الأصوات اختفت والست كمان. 
ديه مكنتش النهاية، فضلت طول الأسبوع كل يوم أسمع صوت صرخة مختلفة، حريمي على رجالي وميكس فظيع، وصوت الصفارة فضل مستمر طول الأسبوع. 
اليوم السابع لبست وبدل ما أروح الكلية دخلت المستشفى، لأن الموضوع مرهق لأعصابي جدا حقيقي ومحتاجه أفهم في أيه. 
روحت الأوضة الأول ملقتش حاجة بعدين طلعت السطوح ملقتش حاجة خالص برضو، لسه هلف لقيت واحدة كبيرة واقفة ورايا، اتخضيت منها جدا، لقيتها بتقولي: أنتي سمعتي الأصوات برضو؟ 
هزيت رأسي بصمت، والست اتنهدت وبعدين قالتلي: سامحينا يا بنتي، بس الحزن على الضنا صعب أوي. 
- هو أيه اللي حصل يا طنط؟  
وقفت قدام منور الأسانسير وقالتلي: بنتي كانت هنا في الأوضة اللي في وش السلم، كانت تعبانة جدا، بين الحياة والموت، كانت متجوزة وعندها طفل عنده خمس سنين، جوزها كان بني آدم زبالة حرفيا، كنا مبهورين بمستواه وبأهله ومسمعناش رفضها ولا أي حاجة واتجوزته برضو واقنعناها إن الحب بيجي مع العشرة وكده، بس العشرة والحب انتحروا من شخصيته، جيه هنا في المستشفى وهي تعبانة وجاب ابنهم وقالها كده بالنص: خليه عندك أنا تعبت منه وأمي وأخواتي تعبوا منه، وياريت نخلص من الموضوع ده عشان أنا قرفت من المستشفيات.
متخيله اللي عملناه في بنتنا؟
أحنا مش من هنا أصلا وعقبال ما عرفنا اللي عمله ده وجينا كانت المصيبة الكبيرة حصلت..
هي كانت تعبانة ومش في وعيها خالص، الولد صحي من النوم بليل وكان بيلعب على السطوح هنا، كان معاه لعبة وكورة وفضل عمال يلعب على السطوح وقت طويل لغاية ما الكورة بتاعته وقعت من المنور بتاع الأسانسير، راح عشان يجيبها قام نازل وراها. 
أمه كانت صحيت تدور عليه ملقتهوش، خلت واحدة من الممرضات تدور عليه في الدور كله ومن غير أثر، انتبهت على صوت صراخه، وراحت وقفت عند الشباك مطرح ما شوفتيها، ولما عرفت اللي حصله مستحملتش وماتت بعديه بحسرتها، وجيت تاني يوم أنا وجوزي ناخد جثة بنتنا وحفيدنا.
تاني يوم جوزها جيه المستشفى ووقع نفس الوقعة، التالت أمه وبعدين أخواته الإتنين.. 
الموضوع مكنش حد لاقي ليه تفسير، ولحد دلوقتي ملهوش تفسير بس كل يوم كان بيجي حد منهم ويرمي نفسه من نفس المكان. 
وكل سنة في نفس الوقت بيحصل اللي أنتي شوفتيه وسمعتيه ده، طول الأسبوع اللي في مكانك بيسمعوا أصوات الناس اللي وقعت من هنا.
- بس أنا سمعت ست صراخات وهما خمسة هو فيه حد وقع من هنا تاني؟ 
- أبوها السنة اللي فاتت.. 
بعدين سكتت شوية وقالتلي: وأنا السابعة.  
مكنتش فهماها بس بعد ما خلصت شوفت الطفل جاي من على السلم فضلت متنحة بس هي كانت وكأنها مستنياه، فضل يلعب بالكورة وصوت الصفارة بتاع لعبته انتشر في المكان كله، بعدين الكورة بتاعته وقعت من جنبنا وهو جيه عشان يشوفها شبه ما الست حكتلي، بس هو منزلش وراها لوحده، هو أخدها معاه! 
وفي لمح البصر صراخها أختفى وسمعت صوت ارتطامها بسقف الاسانسير، صرخت جامد وفضلت واقفه مش مستوعبة اللي حصل، كنت عايز أجري من المكان ده بسرعة قبل ما حد يشوفني بس رجلي خانتني وفضلت واقفة لغاية ما الناس كلها اتجمعت حواليا. 
مش أنا اللي موتتها صدقني، هو اللي موتها، أنا مش فاهمة أيه اللي جابني هنا، أنا كنت رايحه أفهم بس أيه الأصوات اللي كنت بسمعها. 
ساعدني، الولد بيجي كل يوم يقعد معايا هنا وبلعب معاه بالكورة، وبقينا صحاب، لو مساعدتنيش أنا هخليه ينتقم منك أنت كمان، وهيبقى مصيرك زيهم!"

البنت مجنونة مفيش شك، وأتأكدت من ده وأنا واقف على سطوح المستشفى دلوقتي ببص على المنور ومفيش أي أطفال هنا. 
ضحكت ومتجه للباب حاليا عشان أنزل، فتحت الباب عشان أخرج لقيت حد سبقني وبيفتحه من برا، ملقتش حد قدامي، بس بصيت تحت شوية لقيت طفل صغير ميتعداش ركبتي معاه كورة ولعبة وداخل... 

#الصرخات_السبع 
#يمنى_جاد

ليست هناك تعليقات