إبحث عن موضوع

قهر المرض

-أنتَ مريض بالسكر.. فوف الأكل دا مينفعش تأكله، وللأسف بقيت كمان عبئ عليا أنتَ وبنتك إلي من لحظة ولادتها وهي شايلة معاها مرضك!
                                       ***                                  
       
تقريبًا مفيش يوم  بيعدي إلا وكان لازم على بسمة أنها تفكرني بمرضي وعجزي!
مفيش شك إن الي بيجيله المرض دا بيكون متأكد من أنه مش هيروح منه! ببساطة مرض السكر أو (السكري) عامل زي الطاعون أول ما هيتمكن من البني آدم؛ صعب جدًا أنه يتم شفائه.

المرضى منه بيكونوا أنواع؛ فيه الي بيقتصر على إن المريض ياخد أدوية ويحافظ على أكله وصحته، وفيه النوع الأخطر -والي بالمناسبة أنا منهم- النوع الأول من مرض السكري؛ الي فيه المريض لازم ياخد حقنة الأنسولين بشكل يومي، ودا سببه خلل في البنكرياس الي من شأنه بيخلي عملية إفراز الآنسولين صعبة جدًا، والبديل بيكون حقن الأنسولين، إلى أنا باخده بشكل أساسي في أوقات معينة يعني قبل الأكل.. قبل النوم كده يعني.

مس محتاج أقول لكم عن كمية الخنقة الي عايش فيها من لحظة ولادتي.. اه أنا مولود بالمرض زي بنتي فريدة للأسف، يمكن الي طور المرض أنيّ كنت بعشق حاجة أسمها أكل، ومين فينا بيكره الأكل يعني، لكن لمَّا تكون مجبور على أكل محدد ومينفعش تخرج عنه، دا غير كمية المرات الكتير جدًا الي بتروح فيها الحمام أثناء نومك أو في العادي، وطبعًا عطشك وجفاف ريقك الي ملزمينك طول الوقت.. لحظتها حرفيًا هتتمنى الموت! لأنه أكيد هيكون أهون وأحسن بكتير من الذل والقرف الي هتعيشه باقي حياتك.. للأسف أنا ورثت الداء دا من أبوية وللأسف برضوا أنا نقلته لبنتي الي عندها خمس سنين.
   ***                                    

عجز الأب هو أصعب شعور ممكن أي حد يحس بيه، لمَّا بنتك الي عندها خمس سنين تقيضها بأكل معين ولازم متخرجش عنه يبقى دا فعلًا عجز الاب.. يمكن بسمة مراتي مش حاسه بده أطلاقًا ودا سببه إن هي معندهاش السكر فبالتالي مش هتقدر كمية التعب الي بشوفه وبواجه في حياتي.
مش هكلمك عن معاناتي أكتر من كده.. لأن وقت المعاناة دا هيروح قريب وقريب آوي كمان!
                                       ***                                       
-غريب.. أصحى.. يلا الفطار جاهز.

طبعًا طالما بسمة جهزت الفطار بدري وصحتني؛ يبقى دا معناه إنها رايحة لبيت أهلها تقضي اليوم هناك.. رديت عليها وقلت لها:
-ماشي يابسمة.. جهزي الحقنة.
قومت من علي السرير، خدت الحقنة، خدت الشاور بتاعي.. تقريبًا الكلام دا كل يوم  بعمله بشكل روتيني، مفيش جديد يعني.

قعدت أنا وفريدة وبسمة على سفرة الفطار.. مفيش داعي إني أقول لك إني مش طايق الأكل، كل حاجة ملهاش طعم.. ملهاش حتى ريحة، بأكل بس عشان أسد بطني، مش أكتر ولا أقل، كل ما عيني بتيجي على فريدة بحس بَهّم كبير.. هم مش هيحس بيه غير الي عنده نفس البلاء دا، قطعت الصمت دا بسمة وقالت:
-بقولك ياغريب أنا رايحة النهارده عند بابا، متنساش تاخد الحقنة وتدي فريدة دواها تمام؟
-متقلقيش يابسمة.
                                        ***                                    
بعد ما مشت بسمة بساعتين كنت بدأت في تنفيذ الخطة!
خطة ايه؟ الخطة الي بفكر فيها من لحظة ما أدركت مرضي وعرفت إن لازم أخلص من القرف الي عايشه بقراري أنا.. يمكن أكون أتأخرت كتير علشان أعمل الي هحيصل، بس أربعين سنة كويسن أوي علي الحال دا.. آسف يابسمة أنا مقدر كل الي بتعمليه فيا، الصورة مش واضحة بالنسبة ليا بس أنا مقدر تعاملك معايا بطريقة حقيرة ودا علشان دبستك في واحد قدراته على قده! في كل حاجة، آسف أنيّ خبيت عليكي مرضي من البداية، بس مش مشكلة بعد الي هعمله تقدري بعد أربعين يوم تتصرفي في حياتك زي ما أنتِ عايزة.. خلاص يابسمة المرض مش هيتورث لحد تاني!
                                      ***                                
على السفرة جهزت كل حاجة كنت ممنوع منها! حقيقي دي أكتر نهاية أتمنتها رغم التعاسة الي جوى تفاصيلها.. لمَّا شافت فريدة الي بعمله أتفاجئت وقالت:
-بابا هي الحجات دي ها نأكلها احنا؟
-طبعًا ياحبيبتي لو نفسك في حاجة تانية قوليلي.
-طيب يابابا مش الحجات دي ممنوعة عننا؟
-من النهارده مفيش ممنوعة يافريدك كليّ كل حاجة وأي حاجة.. عارفة ليه؟
-ليه يابابا؟
-عشان أنا وأنتِ خفينا وكنت عاملها مفاجأة لبنتي حبيبتي.
                                     ***                                 
                              
السعادة الي شفتها بارزة على فريدة مستحيل إنها تتوصف، صعب جدًا توصف اللحظة دي؛ أنك تعيش أخر لحظة في حياتك أنتَ ومبسوط ومع حتة منك، حاجة تخلي العقل  يعجز عن أنه يتخيلها حتى.

بعد ما كلت كل حاجة تشتهيها بطنك؛ كان الموت بدأ يخرج منجله لحصد روحي و روح بنتي فريدة!

يمكن مش دي النهاية الي أنتَ أتخيلتها، بس أنا كانت لازم الدايرة توقف، وقهر المرض يوقف في ذُل بني آدمين ممكن أكون أنا وبنتي السبب في مرضهم.
ملعونة الحياه الي تذل حد في أبسط حقوقه.
دي كانت رسالتي الي كتبتها لبسمة.
إمضاء:
مريض بالسكر ترك الحياه في أسعد لحظة أتمناها من سنين

ليست هناك تعليقات