إبحث عن موضوع

قصة ساعي البريد📬الجزء الرابع

ساعي_البريد
الجزء الرابع

غيرت وجهتي إلي شقته فمشيت في طريقي قليلا ثم تذكرت : كيف أدخل الشقة و أنا لا أملك لها مفتاحا ؟ بالطبع لن أكسر الباب ، أنا لا أضمن وجود شئ في الداخل أولا و ثانيا حتي لو لم أجد شيئا الأن فيجب ألا يعرف هو بأن هناك من يبحث وراءه حتي لا يأخذ حيطته .
كنت أجلس علي القهوة في اليومين التاليين بعد انتهاء ساعات عملي ، كي أحفظ تحركات أيمن و لكن لم يوفقني الحظ إلي شئ ، فأنا لم أراه يغادر بيته طيلة فترة جلوسي ، أو ربما كان يغادر قبل مجيئي و يرجع بعد ذهابي لا أعلم .
بدأت أندمج مع مناخ القهوة ، و أدخل في حوارات مع مرتاديها . حتي في إحدي المرات جائت سيرة حادثة القتل .
( بس الواد بتاع البوسطة ده شكله غلبان مش وش كده ) .
++ حاولت أن أتماسك و ألا يبدو علي وجهي أي تأثير .
( محدش عارف ممكن يكون هو اللي عملها ، لا مؤاخذة يعني ده كان راجل غريب عنها برضه و بيشوفها كل أسبوع يسلمها الجواب ، اكيد عجبته و حاول معاها لحد ما حصل اللي حصل )
( لا الواد ده مش وش كده  شكله ابن ناس ، و بعدين ده يخاف يكلمها اصلا لتقطع عيشه )
( طب ما ممكن يا رجالة البنت مكنتش كويسة برضه و كانت بتجننه شوية ف.... )
( اتقي الله يا أخي ، دي كانت ست محترمة . قافلة بابها عليها و محدش بيسمعلها صوت و بعدين دي دلوقتي ميتة ، فلا يجوز عليها الا الرحمة )
( ولا انت ايه رأيك يا استاذ مصطفي ؟ انت اكيد سمعت الحوار ده من الحاجة صح ؟ )
++ ( مصطفي ) هذا هو الاسم الذي اخبرتهم به عني و اني قريب لاحدي السكان في هذا الشارع و هذا غير حقيقي طبعا فأنا اعتدت تسليم جوابات لسيدة عجوز تعيش في عمارة علي أول الشارع و لكنها قعيدة علي كرسي متحرك لا تخرج من البيت ابدا ، فكان هذا هو الغطاء المناسب لي .
( انا سمعت من الحاجة اه ، بس من كلامها علي الراجل بتاع البوسطة ، معتقدش ان هو اللي عملها . بس من وجهة نظري يعني اللي عملها اكيد حد من سكان العمارة او الشارع عموما )
( عندك حق . لازم طبعا يكون حد من هنا ....... )
استمر النقاش طويلا و كعادة البشر عامة و المصريين بالأخص ، ( و بالبشر عامة اقصد المصريين ايضا فانا لم اري غيرهم ) ، لم تخل الجلسة من التحليلات الاستراتيجية و الفنية و تصوير للحادثة و كأنهم رأوها بأعينهم ، هذا التمثيل الدقيق كأنهم هم الذين ارتكبوا الجريمة .

ولكن هذه هي دورة حياة  الحكايات علي ألسنة الناس فمن يسمع شيئا قبل ان ينقله يجب ان يضيف رأيه و تخيل آخر خاص به ثم يمررها للذي يليه و هكذا . حتي أنهم أضافوا أشياء من المفترض أنني قلتها في التحقيقات ، و لكنك كشخص غريب تصدقهم .

و الطريف حقا أنني تقمصت دور مصطفي لدرجة أنني حسبتهم يحكوا عن شخص اخر و لكنني لم افق الإ بعدما مر علينا شخصا ما فقال أحد الجالسين :
( تصدقوا ممكن يكون أيمن ده هو اللي عملها )
++ انتبهت سريعا علي ذكر اسم ايمن و تذكرت في لحظتها لما أنا هنا من البداية .
فسألتهم بتعجب مصطنع :
( مين أيمن ده و ايه قصته ؟ )
( ايمن ده يبقي صاحب العمارة اللي هناك دي و بيقول ان اصله من الصعيد ، اشتري العمارة و زي م انت شايف كده كل يومين تلاقيه خارج و متعرفش بيروح فين ولا بيرجع امتي ، بس الراجل ده حياته مش مظبوطة )
++ ظلت نظراتي منتبهة له ثم سألت :
( مش مظبوطة بمعني ايه ؟ )
( منعرفش بالظبط بس الراجل ده طالع عليه كلام كتير ، في ناس بتقول انه ممكن يكون هربان اصلا من الصعيد عليه ثأر هناك ، و في ناس قالت انها شافته بيسهر في اماكن مشبوهة ، بس الصراحة محدش مننا هنا شاف منه حاجة وحشة او اشتكي منه .... الراجل في حاله ، و في حاله زيادة عن اللزوم كمان وده اللي مخلي الناس شاكة فيه )
استمر الكلام بعدها فترة عن أيمن و كانوا قد أجمعوا علي ثبوت التهمة عليه و زادت الحماسة بينهم  أكثر حتي إن بعضا منهم اتفق علي أن يتبعوا  أيمن هذا و يعرفوا وجهته التي يذهب إليها كل ليلة .
لست وحيدا إذا ، هناك من يشاركني في مرضي .
فلتت من لساني كلمة من فرط الحماسة فقلت لهم :
( مفكرتوش تدخلوا بيته طيب ؟؟! )
نظروا لبعضهم قليلا ثم نظروا لي و كأن مرضهم لم يبلغ تلك المرحلة المتأخرة التي وصلت إليها حالتي بعد . ثم قال أحدهم :
( تصدق صح ، ممكن نلاقي جوه البيت حاجة تربطه بالجريمة . خلاص احنا نقسم نفسنا مجموعتين : مجموعة تخش البيت و مجموعة تقعد علي القهوة تنبهنا لو رجع ، ده غير الاثنين اللي هيمشوا وراه )
قلت لهم بمكر و الابتسامة تغطي وجهي بأكمله :
( ربنا معاكوا ، بس ابقوا عرفوني عملتوا ايه )
( نعرفك !! انت هتيجي معانا يا عم مصطفي ده انت صاحب الفكرة ، انت واحد مننا خلاص )
زادت ابتسامتي حتي كادت أن تبتلع الطاولات و الكراسي المرصوصة حولي .
كل الكوارث تحتاج إلي بضعة مجانين لا يجدون شيئا يملأ وقت فراغهم و بضعة حكايات لا تعلم مدي صدقها و الكثير ... الكثير من الفضول .
و تركتهم و غادرت علي موعد الغد لنبدأ الخطة .
تتبع .....

ليست هناك تعليقات