إبحث عن موضوع

المصير المحتوم

عمرك قتلت قبل كده؟ 
مش حيوانات او حشرات ، أقصد بشر، قضيت على حياة إنسان زيه زيك. 
قبل ما تحرك راسك بالنفي إسمع حكايتي للأخر .

قبل شهر من النهاردة حصلتلي أغرب حاجة ممكن تحصل في حياة أي إنسان.
أنا محامي، اسمي يوسف، ماسك قضية كبيرة بتتكرر كتير، ابن الذوات اللي بيسوق عربيته بتهور وبيدوس بيها الغلابة وبعد ما يتحبس أهله يقلبوا الدنيا علشان يخرجوه، بس أنا مش هعمل زي غيري وهنصر الحق مهما حصل، عرضوا عليا رشوة، هددوني وكملت طريقي زي ما أنا ، خلاص القضية بتتقفل بعد ما ربنا عترني على ابن الحلال اللي رفض يبيع الحق بكنوز الدنيا، بعد ما شهود كتير غيروا أقوالهم في آخر لحظة وقالوا (معرفش - مخابرش – مشوفتش).

كنت في طريقي لأستاذ مصطفى الشاهد الأخير علشان أتأكد أنه لسه ما باعش القضية زي اللي قبله  .

- " يا استاذ مصطفى مش لاقي شارع سليمان جوهر ده.
طب استنى خليك معايا هسأل أي حد في الشارع "
حطيت التليفون في جيبي ولفيت ورايا علشان أسأل عن الشارع، لقيت شاب كان واضح أنه مستعجل واترددت إني اوقفه واسأله بس هعمل أيه مفيش وقت. 

- لو سمحت يا أستاذ ، متعرفش فين شارع سليمان جوهر؟
الشاب وهو مرتبك وكلامه بيسابق بعضه علشان يخرج : أه أه ، شمال،  في يمين،  تاني تقاطع.

- هو حضرتك مستعجل ، أنا معطلك عن حاجة؟ 
الشاب : أه ، الأتوبيس بس هيفوتني. 

اعتذر ومشي ناحية الأتوبيس لكن ملحقوش، رجعلي تاني وكمل وصف، شكرته وبعد ما خلصنا كلام كان جه الاتوبيس التاني وركبه.
يادوب لفيت علشان أمشي حسب الوصف سمعت صوت اصطدام وتكسير، الناس بتجري على حاجة ورايا، ايوة، الاتوبيس اللي ركبه الشاب اتقلب !

طلعلنا الجثث منه وغطيناهم، قولت جثث لإن كل اللي كانوا في الاتوبيس ماتوا بما فيها عاصم، الشاب اللي اتسببت في قتله عرفت اسمه من البطاقة.

اتصلنا بأهالي المتوفيين والأسعاف وصلت والشرطة، كملت مشواري اللي كان طريقه مختلف تمامًا عن وصف عاصم الله يرحمه، كنت شبه غايب عن الوعي، بتكلم مع أستاذ مصطفى وأنا دماغي في الحادثة والإنسان البريء اللي قتلته. 
خلصت مع الشاهد وروحت علشان أستعد لمعركة بكرة، جلسة النطق بالحكم .

شهادة مصطفى قصاد ألف شهادة مكنتش كافية، الفلوس في زمننا ده هي كل حاجة، روحت وأنا مكسور، عيني في الارض،  معرفتش أجيب حق اللي مات لا وزودت عدد الميتين واحد، بعد حرب مع ضميري قدرت أنام .

ضلمة محاوطاني من كل إتجاه، همس بيقرب من ودني ويبعد، بالتدريج بيظهر نور بسيط علشان يكشفلي وجود كائنات تخليني اتمنى لو ترجع الضلمة تاني، كائنات عددها مهول، مش باينلهم ملامح، مجرد أطياف، لكن تكوين أجسادهم بيأكد عدم كونهم من البشر، بيبدأوا يتحركوا ويعملوا ممر بينهم، كان جاي من بعيد ، صوت بكاءه بيقرب اكتر مع خطواته ، كلماته مكنتش واضحة لكنها بتوضح بالتدريج "هاخد حقي، أنت السبب ".

كان حلم، صحيت ونبضات قلبي أعلى من طبول الحرب، استغفرت ربنا وحاولت أقوم أشرب، لكني لقيته في وشي، هو هو، نفس الطيف الباكي، وبيكرر نفس الكلام، ولكنه المرادي مكنش طيف، كان عاصم!.

فقدت الوعي لفترة مش قادر احدد مدتها ولإني وحيد فوقت لوحدي وملقتش أي حاجة غريبة عن المعتاد.
الموضوع إتكرر بشكل مريب ، عاصم بقى دايم الزيارة ومبيكونش لوحده !.

زمايلي لاحظوا السواد تحت عيني وعدم التركيز، وده كان طبيعي من اللي بشوفه،  فكرت في الانتحار أكتر من مرة بس كده أنا بهرب من ذنب بذنب أكبر، حكيت لأقرب اصاحبي كل حاجة بالتفصيل ورشحلي دكتور نفسي كويس وفعلًا روحت.
بعد ما حكيت للدكتور وكان بيسمعلي بكل إهتمام ، كتبلي على شوية أدوية.

قاطعته وهو بيكتب : يا دكتور أنا مش محتاج أدوية أنا عايز حل 
الدكتور : لا يا سيدي محتاج أدوية وبعدين متستعجلش ، الحل في ٱخر الروشتة، تفتكر يا يوسف لو كنت سألت حد غير عاصم كان فضل عايش؟ 
رديت بتردد : أه، قصدي لا .

طالما محتار في الرد يبقى سيبني اجاوب 
لو مكنتش عطلت عاصم كان غيرك هيعطله ، كان ممكن يلحق الأتوبيس الأول وفي نفس المعاد يموت لوحده! 
- أيوة بس أنا كنت سبب 
الدكتور: ما كلنا أسباب يا يوسف ، مين فينا مش سبب لحاجة بتحصل كل يوم ، وربك هو مُسبب الاسباب ، تفتكر لو كان الاتوبيس الأول هو اللي اتقلب ساعتها كنت هتقول إنك انقذت حياته بعطلتك ليه؟ 
- أكيد لا ، دي تدابير ربنا.

الدكتور : ما أنت حلو أهو يا عم يوسف، الأدوية دي مجرد مهدئات، كل أحلامك وتهيٱتك دي سببها تأنيبك لنفسك ، أما يا سيدي الحل إنك تزور أهل عاصم وتودهم ، ده هيخفف عنك كتير .
مشيت من عنده وأنا حالي متغير تمامًا ، وفعلًا حاولت افتكر عنوان البطاقة وروحت سألت على عاصم، نفور الناس مني كان مريب، الناس البسيطة الباشوشة كان تعابير وشها بتتغير لغضب مع سماع اسمه، والأخير قالي " يقطعه ويقطع سيرته ، إحنا مش كنا ارتاحنا من الإسم النجس ده ".

حاولت أفهمه أني معرفوش وأني جاي لأهله، أعتذر ووصفلي البيت وقال " سامحني يا بيه اصل عاصم ده الله لا يساحمه كان عيل بايظ ومجرم ، كل الحتة مسلمتش من شره ، بلطجة وممنوعات وقرف ، إنما أهله ناس غلابة مش ذنبهم إن خلفتهم وسخة " 
سيبته وروحت بيت عاصم وأنا حاسس إني سبب في تخليص الناس من شره ، أهله فعلا كانوا ناس كويسين رحبوا بيا لما قولتلهم أني صاحبه رغم استغرابهم إن ازاي عاصم يعرف حد كويس وإن كل صحبته فاسدة، دخلوني أوضته ، وكانت المفاجأة إني لاقيت صورتي وصورة استاذ مصطفى الشاهد الأخير في القضية ، لقيتهم على ترابيزة في اوضة عاصم ، وجنبهم كارت "ميموري" !
خدته بخفة يد من غير ما أهله ياخدوا بالهم وسيبتلهم مبلغ بسيط وجريت على بيتي وكلي فضول أفهم، أنا صورتي وصورة مصطفى بتعمل إيه مع عاصم!.

شغلت الكارت اللي لقيت عليه مكالمات متسجلة ، بين عاصم وبين .. أبو القاتل!.

القضية اللي اتقفلت ببراءة القاتل، بعد ما سمعت المكالمات عرفت إن عاصم قاتل مأجور ، كان واخد مبلغ علشان يقتل مصطفى، ويقتلني ، لكن واضح إنه استغرب لما شافني في نفس منطقة يوسف وده يفسر ربكته الغريبة واستعجاله إنه يمشي من قدامي.
قدمت الكارت للنيابة والقضية اتفتحت تاني وبتفتيش بيت عاصم لقوا الصور وشهود كتير أكدت مقابلات بين الباشا وعاصم، المرادي ملحقوش يعملوا حاجة، مكانوش بيحاربوا الغلابة، كان بيحاربوا القدر، القدر اللي خلاني اتسبب في موت شخص قبل ساعات من قتله ليا، القدر اللي خلى القضية تتفتح تاني وتهد كل خطتهم، القدر اللي مفيش هروب منه، القدر المحتوم.


ليست هناك تعليقات