إبحث عن موضوع

دافن الاعمال

أنا اتولد في الترب.. وعيشت طول حياتي مع الراجل اللي رباني في الترب.. ولما كبرت وهو مات بقيت أنا مكانه في الترب دي.. اتربيت ان الميت ليه حرمته وان لينا حدود مش من حقنا نتخطاها.. لكني كنت كاره حياتي.. كاره عيشة الفقر اللي أنا فيها.. كاننفسي يبقى ليا بيت بره الترب.. وخصوصًا لما اتجوزت وخلفت.. كان نفسي أعلم ولادي ويبقوا أحسن مني.. كنت مصدق ان من حقي أحلم وأحقق الحلم ده بأي شكل.. وباي وسيلة.. ومن الباب ده دخل حياتي.. سبب عذابي دنيا وأخره.. الشيطان.. لو في تقصيد بشري للشيطان.. فهو الراجل ده.. كان ساحر مشهور وكبير جدًا وقتها.. ليه أتباع في كل حتة.. ساحر حقيقي مش دجال.. شغلني معاه.. ووعدني اني هأكل معاه الشهد.. هشتغل معاه ايه؟
الترب يابني مكان خصب جدا لأي حاجة محتاج يعملها الساحر.. ادفن أعمال.. أسرق جثث.. أحيانًا كان بيجيب ستات عايزين يحملوا ويدخلهم القبور.. أو هو نفسه ينزل القبور ويبات فيها بالايام.. مكنتش بسأل كتير.. كنت بنفذ وبس..
وفي المقابل كنت باخد قدام كل حاجة بعملها مبلغ كويس.. في يوم اطلب مني اني أدفن عمل جوه بوق الميت الجديد اللي ادفن امبارح.. حاجة عادية بعملها بشكل أسبوعي تقريبًا.. بس المرة دي بالذات كان الوضع مختلف.. لاني طلبت من الساحر فلوس زيادة  عن كل مرة.. ولما سالني ليه؟..
قلتله: ان ابني بيموت ومحتاج أدوية.. وأنا مش حيلتي حاجة..
ممكن تسالني هو انت ليه مخلتش الساحر ده يعالج لك ابنك؟
يمكن علشان رغم كل ده أنا مبثقش في الساحر ده والحجات اللي بيعملها.. أو علشان مش عايز ابني يتعالج بالطريقة دي.. كان نفسي يطلع أحسن مني هو وأخوه..
المهم ان الساحر ده معترضش.. ووافق.. طبعا مأنا الخادم المخلص بتاعه..
خد العمل من الساحر .. وطلعت على القبر اللي فيه الجثة الجديدة.. وفتحته.. ونزلت وفي ايدي لمبة الجاز.. درجة اتنين تلاتة.. بقيت تحت.. الجثة جوه الكفن مرمية قدامي.. خايف؟.. تفتكر واحد زاي ممكن يخاف.. أنا عشت وسط الميتين أكتر من الأحياء..
حطيت اللمبة الجاز على الأرض.. وقرفصت جنب الكفن وبدأت أفك الكفن بهدوء من على وش الميت.. لحد ما ظهرلي الوش أخيرًا..
كان شكله غريب.. ميت عادي جدًا.. ومتكفن وفي قطن في فتحة مناخيرة وودنه.. لكن شكله مكنش شكل ميت.. زاي ما يكون شخص حي عادي بس نايم..  مفكرتش في التفاصيل دي كتير.. أنا بدأت أحاول أفتح بوق الميت ده علشان احط جوه العمل.. في الطبيعي بيبقى في محاولات كتير علشان اقدر أفتح بق الجثة لانه بيبقى متخشب.. لكن المرة دي البق فتح معايا بسهولة.. بشكل قلقني أنا شخصيًا..
حطيت العمل بسرعة جوه بوق الميت وغطيت  وش الجثة بالكفن تاني.. وشيلت اللمبة الجاز.. ورحت ناحية سلم القبر علشان أطلع.. لكن الصوت ده ثبتني في مكاني.
(صوت شخص بيتألم)
جسمي كله اترعش.. ومبقتش قادر أتحرك.. الصوت جاي من ورايا.. من ناحية الجثة.. ده حي.. الميت لسه حي..
انت لو في مكاني هتعمل ايه؟
في ناس ممكن تقع من طولها.. وناس تصرخ.. وناس تانية هتروح تجري تجيب حد يطلع معاها الراجل ده ونحاول نسعفه..
لكن لو عملت كده.. ممكن أتكشف.. كمان الساحر ساعتها مش هيديني حاجة.. ومش هقدر أجيب العلاج لابني.. قلتلك أنا شخص ملعون.. مبقاش يفرق معايا حاجة.. أنا جريت علشان أخرج من القبر وفي لحظة بقيت بره القبر.. وقفلت الباب على الراجل ده (صوت رزع باب حجر)
وسيبته يطلع في الروح جوه القبر لوحده.. كنت سامع صوت انينه.. لكن مهمنيش.. الهم اني اخد فلوسي وبس.
وفعلاً تم الموضوع زاي مأنا عايز والساحر اداني فلوسي.. وجبت العلاج لابني..
لكن اللي حصلي بعد كده كانت أسود أيام حياتي..

كنت بحلم كل يوم بالميت ده.. بشوفه وهو في الكفن ومفتح عينه.. ويقعد ينادي عليا ويقلي: حرام عليك.. سبتني اموت ليه.. حرام عليك..
كل يوم نفس الحلم.. وفي مرة صحيت وفتحت عيني.. لقيته في وشي.. وبيخنقني.. حاولت أستنجت بمراتي باي حد.. مفيش فايدة.. لحد ما صحيت واكتشفت انه كابوس.. لكن بعد فترة قصيرة الاحلام دي وقفت.. وكان أخر كابوس حلمت بيه قلي فيه:
- ربنا مش هيسيبك.. ربنا هيأخدلي حقي منك في الدنيا والأخرة..
دي كانت أخر مرة أشوفه فيها.. بعدها ابني الكبير اللي كان عيان.. مات.
فعلا ربنا انتقم مني.. كان كابوس.. حسيت ان وجودي ملهوش لازمة.. وان ربنا بيديني انذار علشان أرجعله وأربي ابني اللي باقي بالحلال.. كان أول حاجة قررتها بعد ما خلصت دفنة ابني.. اني أروح للساحر وأطلب منه انه يسيبني في حالي.. كنت عايز أسيب الشغل معاه..
ولما رحت وقلتله كده.. ظهر على وشه غضب ربنا وقلي:
- اللي بيمشي في السكة دي.. مينفعش يسيبها.. انت خدامي.. عبد عندي.. مش من حقك تعمل غير اللي أنا أقوله.
رديت عليه بصوت عالي وكانت أول مرة أكلمه بالجرئ دي.
- لأ من حقي.. أنا حر في حياتي ومصيري وانت متقدرش تجبرني على حاجة وانت عارف ده كويس.
لقيته ساعتها بصيلي وملامحه اتبدلت فجأة للهدوء وهو بيضحك وقلي:
- تصدق انت معاك حق.. أنا فعلا مقدرش أجبرك على حاجة انت مش عايزها.. امشي يا سيد.. بس خليك فاكر انك هترجعلي تاني.
كلامه خوفني.. بس عملت نفسي متماسك ومش هاممني كلامه.. ومشيت وسيبته..
لكن مكنتش متخيل هو هينتقم مني إزاي
في يوم بليل قاعد انا ومراتي في الاوضة بتاعتنا في المقابر.. ولحظت ان الواد ابني التاني مش ظاهر.. سألت امه عليه.. قالتلي انه كان بيلعب قدمها من شوية وفجأة اختفى.. خرجت جري أدور عليه وسط المقابر.. لحسن يتةه أو حد يئذيه.. فضلت أنادي.. وأنادي.. لحد ما سمعت صوت كلب
(صوت كلب بيزمجر)
مشيت وراء صوت الكلب ده.. علشان أشوف حاجة مش قادر اوصفها.. شيء كان كفيل انه يقضي على حياتي وقتها..
شفت ابني الصغير مرمي على الأرض جنب باب قبر.. جسمه مليان جروح وعض.. وفي كلب اسود ضخم جدًا.. حجمة مش طبيعي.. واقف جنبه.. وبيطلع صوت يرعب.. وبيبصلي.
عايز اجري على ابني وفي نفس الوقت خايف من الكلب ده.. اتجرئت وقربت خطوة.. التانية.. ومن غير اي انذار.. لقيته نط على وشي
(صوت مرعب يخض)
غمض عيني وأنا مفزوع.. مستني أحس بأنياب الكلب ده بتنهش في لحمي.. لكن.. مفيش.. فتحت عيني ببطئ لقيت الكلب ده اختفى..
جريت على ابني بسرعة.. وزاي ما ممكن تكون توقعت.. كان مات.
الساحر انتقم فعلًا.. وزاي ما قال حصل.. أنا فعلا رجعتله.. بس رجعت علشان انتقم..
كان لازم انتقامي يكون محكم.. متصرفتش بتهور وممسكتش السكينة وجريت عليه.. أنا رجعتله راكع علشان يرجع يسامحني ويثق فيا.. استنيت بالأيام في خدمته.. كنت بعمل كل اللي يطلبه مني.. مستني الوقت المناسب.. لحدما حصل اللي كنت مستنيه.. طلب مني اني أنزله قبر لسه مدفون فيه ميت جديد.. وأقفل عليه..
بس المرة دي نزلت معاه بحجة اني عايز أجيب حاجة كنت نسيها جوه.. أنا فعلا سايب حاجة جوه القبر ده علشان مابنش كداب.. ولقيته مرحب جدًا.. مفيش أي رفض عكس ما توقعت.. أول ما نزلنا تحت.. رحت أنا ناحية الحاجة اللي كنت سايبها تحت دي.. وشيلتها من على الأرض.. كانت سكينة.. انتهزت فرصة انه كان بيفك كفن الميت علشان يبص على الجثة.. وجيت من وراءه.. وغرزت السكينة في ضهره.. اتهز جسمه وحسيت انه هيقع.. لكنه مصرخش.. ضربة.. والتانية.. والتالتة.. وهو ثابت.. هنا بدأت أحس بالرعب.. وخصوصًا لما رأسه لفت 180 درجة وبصيت ناحيتي.. سبت السكينة في ضهره ووقعت على الاأرض من الفزع.. فقام وهو رأسه على الوضع ده.. وبدأ يمشي بضهره ويقرب ناحيتي..
وأنا أقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. انت ايه بالظبط.. انت مخلوق من ايه؟
كان باصصلي وهو وشه في ضهره بنفس الهيئة المرعبة دي وضحك وقالي بصوت مختلف عن صوته:..
- غبي يابن آدم.. غبي.. فأكر انك ممكن تخدعني.. فاكر انك ممكن تخدع الشيطان!!(صرخة).. أنا خدعت آدم نفسه.. والنهاردة واحد من أسسفل نسله فاكر انه هيخدعني.. فاكر انك هتجرني لنهايتي؟.. انت هتموت.. وكل جنسك هيموتوا.. لكن أنا هفضل حي.. لإني خالد.. لإني عظيم.. مش حتة طين هي اللي هتوقفني..
فضل يقرب مني وأنا واقع على الأرض ومشلول من الرعب.. ولقيته بيكمل:
- أنا اللي رعيتك.. أنا السبب في إنك عشت على وش الدنيا دي.. مش هموتك ياسيد.. هسيبك تموت هنا ببطئ من الجوع والعطش والضلمة والخوف.. علشان تحس بابن ادم اللي زيك.. اللي سيبته يدفن حي علشان الفلوس.
حطني في كفن وربطني وسابني في القبر.. ليالي كتير حاولت أصرخ لكن محدش كان بيسمعني..شفن أهوال في الأيام.. مهما حاولت أحكيلك مش هقدر أوصف.. أنا ادفنت حي.. ومن ساعتها وأنا هنا.
خلص سيد حكايته.. وأنا كل ده قاعد جنبه وسط المقابر بسمعه..
الحكاية كانت غريبة جدًا.. كنت قاعد بسمعه وانا مكتوم الأنفاس.. مش عارف أنطق.. مش عارف أزعق فيه ولا أهون عليه.. وفي حين أنا بفكر في القصة انتبهت لحاجة.. إزاي ادفن حي وبيكلمني؟!
بصيت ناحيته علشان أسأله طلع إزاي حي ملقتهوش!
اختفى.

ليست هناك تعليقات