إبحث عن موضوع

💕قصه💕

"برجاء الانتباه، على السادة رُكّاب قطار رقم 946 سُرعة التوجه لرصيف رقم 3، القطار سيتحرك بعد عشر دقائق فقط"

بصّيت في ساعتي وأنا قاعد في صالة الانتظار في المحطة، وبعدين بصّيت على شاشة العرض اللي كان مكتوب عليها أرقام القطارات وأوقات تحركها، ووجهتها، القطر بتاعي كان أول قطر في القايمة، فاضله عشر دقايق بالظبط عشان يتحرك، وقت كافي جدًا يخليني أولّع سيجارتي الأخيرة، التدخين في القطر ممنوع للأسف، عرفت ده متأخر جدًا، وأنا جاي إسكندرية من يومين كُنت جاي في القطر برضو، وقتها ولّعت سيجارة في الممر اللي بين العربيات والمُحصّل قفشني، ودفّعني غرامة 50 جنيه، حلفتله إنّي مكُنتش أعرف، لقيته بينصحني إنّي أشرب سيجارة قبل ما أركب القطر على طول، وقالي إن هو نفسه بيعمل كده، وأديني باخُد بنصيحته، طلّعت علبة سجايري الميريت، سحبت منها سيجارة وحطّيتها بين شفايفي، وولّعتها، سحبت نَفَس عميق وسبته يتخلل شُعبي الهوائية، وبعدين طلّعته، اترسمت قُدّامي سحابة دُخان خلّت الرؤية مش واضحة قُدّامي، استنّيت لحد ما الدُخان ابتدا يروح، وبعدين شُفتها، شُفتها وهيّ جايّة من بعيد، بنت جميلة، لبسها شيك، شعرها قصير نسبيًا وعيونها يشبهوا لعيون الغزال، كانت بتجُر وراها شنطة سفر كبيرة، وبإيدها التانية كانت ماسكة موبايلها وبتبُصّله بتوتر، وقفِت للحظة وبصّت حواليها، وبعدين اتجهت ناحية شباك التذاكر، فضلت متابعها بنظراتي وأنا بسحب دُخان سيجارتي، لحد ما لقيتها بتستلم التذكرة، بتبُص على موبايلها بقلق مرة تانية، وبتتحرك ناحية الكراسي، ناحيتي، عملت نفسي مُنشغل بالسيجارة اللي ف إيدي، عيني كانت على السيجارة بس كُنت لامحها وهيّ بتتحرك وبتلف حواليا، عيني كانت على السيجارة بس كُنت مركّز معاها هيّ، لحد ما لقيتها بتتجه ناحية صف الكراسي اللي ورايا، عيني مبقتش قادرة تلمحها خلاص، اضطريت ألف جسمي بزاوية قايمة وبصّيت عليها، لقيتها قعدت على أول كُرسي في الصف اللي ورايا، باين عليها الارتباك، وبتبعت حاجة على موبايلها، مكانتش شايفاني ولا واخدة بالها منّي، ففضلت باصصلها وأنا بسحب نَفَس تاني من سيجارتي، شفايفي اتلسعت فجأة، وأدركت إن السيجارة خلصت، بصّيت في ساعتي واكتشفت إن فاضل خمس دقايق بس والقطر بتاعي يتحرك، كان لازم أقوم عشان ألحقه،  طفيت السيجارة في طفّاية السجاير اللي جنبي، قُمت وعدلت هدومي، وبعدين مسكت شنطتي وجرّيتها ورايا وأنا بتحرك ناحية السلم، وناحيتها، فضلت باصصلها في عينيها وأنا بقرّب منها لحد ما كان خلاص بيني وبينها أقل من خمسة متر، فجأة لقيتها بترفع راسها عشان تبُصّلي، رُحت باعِد عيني عنها ف نفس اللحظة عشان متقابلش عينيها، وعدّيت من جنبها وكأنّي مكُنتش بتابعها طول الوقت ده، وصلت للسلم الكهربا، وقفت على أول سلمة وبصّتلها مرة تانية وأنا بنزل لتحت، كانت لسّه قاعدة ف مكانها ومدياني ضهرها، وماسكة موبايلها، فضلت باصصلها لحد ما اختفت من قُدّام عينيا وأنا بنزل لتحت، كان إحساسي وقتها زيّ إحساسي ف كُل مرة أشوف فيها بنت جميلة ف مكان وتعجبني، ماذا لو، ماذا لو اتقابلنا تاني؟! وماذا لو كان متقدّرلنا حياة مع بعض؟! مش مُجرد لحظات ونظرات بنخطفها وخلاص..
.
.
.
.
ركبت القطر، عربية رقم سبعة، مقعد رقم 22، جنب الشبّاك، وأنا جاي إسكندرية مقعدتش جنب الشبّاك، قعدت في الكُرسي اللي جنب الممر، وكانت قعدة سخيفة الحقيقة، كان كُل شوية حد يخبطني وأنا نايم ويشيل السمّاعة من ودني، ومكُنتش عارف أسند بدماغي على حاجة زيّ إزاز الشبّاك مثلًا، دلوقتي الوضع اختلف، أنا اللي قاعد جنب الشبّاك، بصّيت عالكُرسي اللي جنبي وأنا ببتسم بسُخرية وبتخيّل المسكين اللي هيُقعد جنبي وهيعاني طول الرحلة، وبعدين سرحت للحظة في فكرة إن ياترى مين اللي هيُقعد جنبي أصلًا؟! في رحلة الذهاب قعد جنبي راجل هادي ورزين جدًا، بس كان كُل شوية بيتكلم في الموبايل، مع واحدة، فهمت إنّه رايح إسكندرية في معاد غرامي، ومع إنّه كان راجل أربعيني إلا إنّه كان مُتحمس وفرحان وكأنّه لسّه صُغير، وبيحب جديد، اتمنّيت أكون مكانه للحظة، وقلبي يدُق بشغف زيّ قلبه وقتها، ابتسمت وأنا بفتكره، وحاولت أتخيل الشخص اللي هيُقعد جنبي النهارده، أو.... هتُقعد!

فجأة، لقيتها داخلة من باب العربية في نفس اللحظة اللي القطر كان بيتحرّك فيها، بشعرها القُصيّر وعيون الغزال، كانت بتاخُد أنفاسها بصعوبة وهيّ بتبُص حواليها بتوتر، قلبي دق لمّا شُفتها، دقّة شغف! والمرادي مقدرتش أبعد عيني عنها وأنا شايفها بتتحرك ناحيتي، وبتبُص على أرقام الكراسي، معقول الأقدارتكون رحيمة بيّا للدرجة اللي تخليّنا نركب سوا في نفس القطر، وفي نفس العربية؟! ياترى مُمكن كمان يكون مكانها جنبي؟! فضلت أتابعها لحد ما وصلت عندي وبصّت على رقم الكُرسي، وبعدين بصّتلي، عيوننا اتقابلوا لأول مرة، قلبي دق تاني، واستغربت من دقّته، كتمت أنفاسي وأنا مستنّي أعرف هتُقعد جنبي ولا لأ، وفجأة، لقيتها بتعدّيني، ومكملة مشي في الممر، تنّحت للحظة، وبعدين اتنهدت بسُخرية وبصّيت من الشبّاك، مش فاهم كُنت مستنّي إيه يعني، الأحلام الزيادة اللي أنا عايش فيها دي هتودّيني في داهية، هزّيت راسي بحسرة، وبعدين لقيت نفسي بلِف غصب عنّي وببُص عليها، لقيتها بتُقعد على كُرسي بعدي بتلات كراسي، جنب الشبّاك، لفّيت راسي بسُرعة عشان متشوفنيش، ونزلت في الكُرسي بتاعي لتحت، وبعدين طلّعت سمّاعاتي ولبستها، وقبل ما أشغّل الأغاني في موبايلي سمعت صوت من ورايا بيقول:

-"لو سمحتي، الكُرسي ده بتاعي"

فضولي خلاني أبُص ورايا غصب عنّي، بصّيت ولقيت راجل كبير واقف قُدّام الكُرسي اللي هيّ قاعدة عليه، وماسك تذكرته ف إيده وبيبُصّلها باستغراب، فجأة لقيتها بتقوم وهيّ مكسوفة وبتهزّ دماغها باعتذار، قعد مكانها وهيّ فضلت واقفة في الممر وبتبُص على الكراسي حواليها، لحد ما لقيتها بتلف راسها ناحيتي فجأة وبتبُصّلي، خبّيت نفسي في الكُرسي بسُرعة، وحطّيت السمّاعات وبصّيت من الشبّاك، في اللحظة اللي شُفت فيها انعكاس صورتها على الإزاز وهي بتحُط شنطتها في الرف فوق جنب شنطتي، وبتُقعد جنبي وهيّ بتتنهد بعدم ارتياح، اتثبت مكاني للحظة، وبعدين لفيت راسي وبصّتلها، كانت أقرب ما يكون ليّا وقتها، جميلة، كانت فعلًا جميلة، انتبهِت إنّي ببُصّلها بفضول وبصّتلي وهيّ ضامّة حواجبها، حسّيت إنّها متضايقة من نظرتي، كانت هتقول حاجة بس أنا اتكلمت وقُلت أول حاجة جت على بالي وقتها:

-"تحبي تُقعدي جنب الشبّاك؟!"

سكتت وملامحها ابتدت تتغيّر، ف كمّلت وقُلت:

-"لو تحبي أنا.... أنا معنديش مانع"

بصّتلي للحظة، وبعدين لقيت ابتسامتها بتترسم على شفايفها بالراحة، هزّت راسها عشان تعلن عن موافقتها وتعبّر عن شُكرها ف نفس الوقت، ف ابتسمتلها أنا كمان وقُمتلها، وبدّلنا أماكننا، كُنت شايف إنّها بادرة كويسة منّي، يمكن بعدها أقدر أعرّفها بنفسي ونتكلم مع بعض، فضلت أرتب كلامي، حاولت أفكّر مُمكن أقول إيه، كُنت مُرتبك ومتوتر، وكُنت خايف لا تفهمني غلط، بس في النهاية لقيت نفسي ببُص ناحيتها وبستعد عشان أتكلم، في نفس اللحظة اللي عيني لمحت فيها رسالة بتبعتها لحد على موبايلها:

"إنت فين؟! مبترُدّش ليه؟! أنا هوصل بعد ساعة ونُص، اوعى أوصل وألاقيك مش موجود، وحشتني"

بصّيت قُدّامي فجأة، وحسّيت بخيبة أمل كبيرة جدًا، ابتسمت بسُخرية مرة تانية، وفُقت من الحلم اللي كُنت عايشه على الواقع المرير، أكيد يعني، بنت جميلة زيّ دي أكيد مش هتسافر لوحدها ف وقت متأخر زيّ ده من غير ما يكون حد مستنيها، حد زي.... حبيبها مثلًا! لقيتها بتبُصّلي في نفس اللحظة اللي حطّيت فيها السمّاعات في وداني، نزلت في الكُرسي، وغمّضت عينيا، حاولت أنام، حاولت أبعد تفكيري عنها، وعن فكرة إنّها مُمكن تكون لسّه بصّالي وأنا مغمّض عينيا، حاولت أغرق في النوم لحد ما فجأة لقيت حد بيخبطني وهو معدّي من جنبي، وبيوقّع السمّاعة، اتنهدت بعصبية، وحاولت أسيطر على أعصابي الوقت اللي باقي من الرحلة..
.
.
.
.
اتعمّدت أنزل من القطر متأخر عشان مشوفهاش مرة تانية، كُنت تعبان ومتضايق ومزاجي مش متظبّط، معرفش ليه، معقولة تكون البنت دي أثّرت عليّا بالشكل ده؟! معرفتش إجابة السؤال ده إلا لمّا طلعت برّه المحطّة خالص، واتحركت ناحية جراج المحطة اللي كُنت راكن عربيتي فيه، عشان ألاقيها واقفة جنب الجراج وشنطتها جنبها، وبتترعش من البرد، كانت ماسكة موبايلها في إيدها وبتبُصّله وهيّ بتُنفخ الهوا الساقع، قلبي وجعني عليها للحظة، عدّيت من جنبها ومعرفش خدِت بالها منّي ولا لأ، وفضلت مكمّل ناحية الجراج، فجأة لقيت نفسي بقُف غصب عنّي، وبلف ورايا وببُصلها، كان بيني وبينها مسافة معقولة، كافية إنّي أتابعها من غير ما تحس بخطر من ناحيتي، وفي نفس الوقت أبقى متطمّن عليها، كُنت متضايق جدًا من فكرة إنّها واقفة لوحدها في وقت متأخر زيّ ده وفي الجو الصعب ده، وكُنت مستغرب هيّ إزّاي قابلة على نفسها تكون مع حد مُمكن يتأخر عليها كده؟! أو ميرُدّش عليها في رسالة، هيّ مش شايفة نفسها؟! مش مقدّرة قيمتها؟! ياترى الحُب مُمكن يخلينا نقبل حاجات مش المفروض إننا نقبلها؟! معرفش! أصلي عُمري ما حبّيت، يمكن.... يمكن لحد اللحظة دي!

عدّى نُص ساعة من وقتها، قعدِت على شنطتها من كُتر التعب، وكانت بتتابعني كُل لحظة والتانية بعينيها، معرفش كانت بتفكر ف إيه وقتها، إن أنا شخص شهم، أو إن أنا قاتل مُتسلسل وعايز أقتلها أو أعمل فيها حاجة، معرفش كُنت مطمّنها ولا مخوّفها، بس الأكيد إنّي مكانش ينفع أسيبها وأمشي، حسّيت إنّي مقدرش أعمل كده، بالعكس، حسّيت إن واجبي إنّي أروح أتكلم معاها وأقنعها إنّي أوصلها ف طريقي عشان متتأخرش أكتر من كده، وعشان البرد اللي بتترعش بسببه ده، فكرت أعمل كده، في نفس اللحظة اللي كانت بصّالي فيها بثبات وكأنّها.... وكأنّها مستنياني أجي أقولها كده فعلًا، حسّيت إنّها مُمكن تكون فقدت الأمل فيه، أكيد مش هتفضل مستنياه طول الليل يعني، يمكن عشان كده أنا موجود دلوقتي، يمكن عشان كده القدر جمّعنا، عشان أنقذها من ظُلمة الليل وبرودة الجو، اتشجّعت للمرة التانية، وابتديت أتحرّك ناحيتها، خطوة ورا التانية، حسّيت إنّها مش ممانعة قُربي، قلبي فضل يدُق بشغف، في نفس اللحظة اللي سمعت فيها صوت عربية جاية ورايا وبتتحرك بسًرعة، اتخضّيت ووسّعتلها، عدّت من جنبي بسُرعة ووقفت قُدّامها بالظبط، ونزل منها شاب وسيم مفتول العضلات، ابتسملها وهو بيتحرك ناحيتها وبيفرد دراعاته، عشان ألاقيها بتتنهد بارتياح، وبتترمي في حُضنه..

فضلت واقف متسمّر في مكاني للحظة، وأنا براقب حُضنهم، وبعدين بصّيت في الأرض، ولفّيت واتحركت ناحية بوّابة الجراج، وقفت جنب البوّابة، وتابعتها وهيّ لسّه ف حُضنه، قلبي وجعني ومقدرتش أحدد ليه، معقول، معقول أكون حبّيتها؟! بصّتلها للمرة الأخيرة في اللحظة اللي سابت حُضنه فيها وبصّت ناحيتي، عشان تلاقيني بنسحب بهدوء قبل ما عيني تيجي ف عينها، وبدخُل جوّه الجراج عشان أروح لعربيتي، مكُنتش قادر أفهم، ليه إحساسي من ناحيتها كان قوي كده؟! ليه الأقدار جمّعتنا أكتر من مرة وف كُل مرة كُنّا بنبعد! ونرجع نقرّب! وليه كان متقدرلنا إننا نتقابل واحنا.... واحنا مش هنكمّل!
معرفش، حقيقي معرفش، بس الأكيد إن القدر لعب لعبة حلوة جدًا الليلادي، معايا ومعاها، وأكيد كان يُقصد بلعبته دي حاجة..
يمكن مفهمتهاش دلوقتي..
يمكن عُمري ما هفهمها..
ويمكن القدر يجمّعنا تاني، ووقتها، يمكن احنا الاتنين نفهم..!
يمكن!

***************************************

-"إيه يا حبيبتي مالك؟! بتبُصّي على إيه؟!"
-"خدت بالك من الشاب اللي كان واقف عند بوّابة الجراج وإنت جاي بعربيتك؟!"
-"لأ، ماله يعني؟!"
-"كان قاعد جنبي في القطر وأنا راجعة، حسّيته شخص ذوق جدًا ومُحترم، تعرف؟! ده فضل واقف هناك لحد ما إنت جيت عشان يتطمن إنّي كويسة، حسّيت إنّه كان فاضله لحظة وييجي يعرض عليا إنّه يوصلني"
-"يا سلام على الشهامة، طب خلاص بقى، لمّا نرجع البيت نحكي لماما على شهامته وجدعنته، يمكن ترضى تجوزهولِك"
-"لا يا أخويا أنا مش هتجوز إلا لمّا أفرح بيك إنت الأول"
-"لا ماهو واضح، إنتي مش شايفة نفسِك ولا إيه؟! ده شقلب حالك خالص"

بصّيت لـ"أحمد" أخويا وبعدين بصّيت لبوابة الجراج مرة تانية، ورجعت بتفكيري للحظة الأولى اللي شُفته فيها وهو بيولّع سيجارته في صالة الانتظار، لمّا بعدت عيني في نفس اللحظة اللي كان هيبُصلي فيها عشان متقابلش عينيه، وافتكرت لمّا قعدت على الكُرسي ف صالة الانتظار وعدّى من جنبي، وحاولت أبُصّله، بس هو مكانش شايفني، كان باصص ف حتّة تانية خالص، متخيلتيش أبدًا إن حظّي مُمكن يبقى حلو لدرجة إننا نبقى طالعين نفس الرحلة مع بعض، وف نفس العربية، وإن الكُرسي بتاعي يبقى جنبه، اتخضّيت لمّا شُفته، قلبي دق بشغف، استغربت نفسي جدًا! ولقيتني في رد فعل غريب منّي بتحرّك بعيد عنّه، قعدت ف كُرسي تاني من كُتر ما كُنت مُتوترة منّه، لحد ما لقيت صاحب الكُرسي جاي بيقوّمني، ف قُلت مبدّهاش بقى، هقعد جنبه وهحاول على قد ما أقدر أبيّنله إنّي مش مُهتمة، عملت كده فعلًا وقعدت جنبه، حسّيته بيبُصّلي، اتكسفت وبصّتله وكُنت هرميله دبشتين من بتوعي كرد فعل دفاعي منّي، في اللحظة اللي لقيته بيقولي فيها بمُنتهى اللُطف إنّي مُمكن أقعد جنب الشبّاك لو حابّة، حسّيتها بادرة لطيفة منّه، ف ابتسمت وهزّيت راسي، وبدّلنا أماكننا، كُنت مستنية منه إنّه يبدأ كلام، بس هو طوّل ف سكوته، قُلت يمكن مُحرج، وبعدين فكرت ف إنّه خلاص خد الخطوة الأولى، المفروض أنا بقى أخُد الخطوة التانية وأبدأ كلام معاه، فضلت أرتب كلامي، حاولت أفكّر مُمكن أقول إيه، كُنت مُرتبكة ومتوترة، وكُنت خايفة لا يفهمني غلط، بس في النهاية قررت إنّي أتكلم، طلّعت موبايلي الأول وبعت رسالة لـ"أحمد" أخويا عشان ميتأخرش عليّا، وبعدين لفّيت دماغي وبصّيت عليه، لقيته بيحُط السمّاعات ف ودانه، وبيغمّض عينيه، وبيودّي وشّه الناحية التانية، أحبطت، واتكسفت، واتضايقت جدًا وأنا شايفاه نايم وبيتجاهلني، اتنهدت بعصبية، وحاولت أسيطر على أعصابي الوقت اللي باقي من الرحلة..

لمّا نزلت من القطر كُنت فاكرة إنّي خلاص كده، مش هشوفه تاني، كُنت واقفة مستنية "أحمد" أخويا قُريّب من الجراج زيّ ما قالي، وكُنت خايفة من وقوفي لوحدي، وبترعش من كُتر البرد، عشان ألاقيه فجأة جاي من بعيد، وبيعدّي من جنبي، معرفش خد باله منّي ولا لأ، لقيته بيتحرّك ناحية بوّابة الجراج، فضلت أدعي من قلبي إنّه يفضل وميمشيش، وفجأة، لقيته وقف مكانه، ولف وبصّلي، عملت نفسي مش واخدة بالي عشان ميحسّش إنّي بتابعه، وبقيت كُل لحظة والتانية أبُص عليه وهو واقف مكانه، فرحت، فرحت جدًا، وحسّيت بالأمان، فضل واقف في مكانه نُص ساعة كاملة، كُنت مستنياه ييجي هو ويتكلم، يسألني عن اسمي، واقفة لوحدي ليه، كُنت هقوله وقتها إنّي مستنية أخويا وإنّه زمانه جاي، يمكن كمان كُنّا هنتبادل أرقام موبايلاتنا، ونتكلم شوية، استنيته يعمل كده جدًا، لحد ما لقيته بيتحرك ناحيتي فعلًا، خطوة ورا التانية، لُغة جسمي وملامح وشّي كانت بتقول إنّي مُتقبلة قُربه، وعايزاه ييجي، حاولت أبتسمله، في اللحظة اللي لقيت فيها عربية "أحمد" بتعدّي من جنبه بسُرعة، وبتركن جنبي بالظبط، "أحمد" نزل من العربية بابتسامته اللي بعشقها، كان بقالي أكتر من شهرين مشوفتوش، ف محستش بنفسي غير وأنا رامية نفسي في حُضنه وبقوله "وحشتني"، فضلت حاضناه فترة وأنا سامعة كلمات الترحيب طالعة منّه، وبعدين فجأة افتكرت الـ..... الشاب اللي كان قاعد جنبي في القطر، سبت "أحمد" وبصّيت ناحية بوّابة الجراج، ولمحته وهو بينزل منها وبيختفي في الضلمة، وقتها أدركت إنّي ضيّعته من إيدي خلاص، أكيد فهم إن "أحمد" جوزي أو حبيبي، ف قرر ينسحب، اتضايقت، وقلبي وجعني للحظة ومقدرتش أحدد ليه، معقول، معقول أكون حبّيته؟! بصّيت لبوّابة الجراج مرة تانية، مكُنتش قادرة أفهم، ليه إحساسي من ناحيته كان قوي كده؟! ليه الأقدار جمّعتنا أكتر من مرة وف كُل مرة كُنّا بنبعد! ونرجع نقرّب! وليه كان متقدرلنا إننا نقرّب واحنا.... واحنا مش هنكمّل!
معرفش، حقيقي معرفش، بس الأكيد إن القدر لعب لعبة حلوة جدًا الليلادي، معايا ومعاه، وأكيد كان يُقصد بلعبته دي حاجة..
يمكن مفهمتهاش دلوقتي..
يمكن عُمري ما هفهمها..
ويمكن القدر يجمعنا تاني، ووقتها، يمكن احنا الاتنين نفهم..!
يمكن!

************************************

*بعد ستة أشهر*

"برجاء الانتباه، على السادة رُكّاب قطار رقم 563 سُرعة التوجه لرصيف رقم 4، القطار سيتحرك بعد خمس دقائق فقط"

بصّيت في ساعتي في اللحظة اللي كُنت بشرب فيها سيجارتي الأخيرة قبل ما أركب القطر، سحبت نَفَس عميق وكتمته جُوّايا، وبعدين طلّعته، اترسمت قُدّامي سحابة دُخّان خلّت الرؤية مش واضحة أوي، بس ودني كانت لاقطة الأصوات كويس، سمعت صوت خطوات بتقرّب منّي، وحسّيت بحد بيُقعد جنبي، التفت على يميني، وقلبي دق! شُفتها! بنفس تفاصيلها، بابتسامتها، ببراءة ملامحها، بصّتلي والسعادة بتنُط من عينيها وقالتلي:

-"مساء الخير، احنا.... احنا اتقابلنا قبل كده؟!"

اتكوّنِت ف عيني دمعة بس رفضت إنّها تنزل، ابتسمتلها بشغف حقيقي وبعدين قُلت:

-"أعتقد.... أعتقد آه"
-"أنا كمان متهيألي كده"

مدّيت إيدي عشان أسلّم عليها، ف مدّت إيدها هيّ كمان، إيدي اترعشت ف إيدها للحظة، ولاحِظت إنّها مش لابسة دبلة، فجأة لقيتني بقولها:

-"معرفتش اسمِك"
-"دُنيا، اسمي دُنيا"
-"وأنا اسمي عبد الرحمن"
-"عاشت الأسامي يا عبد الرحمن"

ابتسمت، وبصّيت على شاشة العرض، وبعدين قُلتلها:

-"رايحة القاهرة برضو؟!"
-"أيوة"
-"والمرادي.... في حد هيوصلِك؟!"

ابتسمِت برقّة، وبعدين قالِت:

-"لأ، أحمد أخويا عنده شُغل النهارده، ف كُنت هطلب أوبر"
-"أخوكي؟!"
-"أيوة، أخويا"

اتنهدت بارتياح، في اللحظة اللي لقيتها بتقولي فيها بلؤم:

-"مُمكن إنت اللي توصّلني المرادي، ده لو معندكش مانع طبعًا"
-"ممم، ماشي موافق، بس بشرط"
-"شرط! شرط إيه؟!"
-"أنا اللي هقعد جنب الشبّاك المرّادي"

ضحكِت، وقلبي رقص على إيقاع ضحكتها، بصّيت على ساعتي مرة تانية، وبعدين قُلتلها إننا لازم نتحرك لو عايزين نلحق القطر، هزّت راسها واتحرّكنا ناحية السلّم، وأنا حاسس بسعادتي وسعادتها، نزلنا على السلّم الكهربا، وبصّيت على مكاننا الفاضي، لحد ما اختفى من قُدّامي واحنا بننزل لتحت، بصّتلها، لقيتها بصّالي وعلى شفايفها نفس ابتسامتها البريئة، مقدرتش أمنع نفسي وقتها، ولقيتني بمسك إيدها فجأة، هيّ اتكسفِت، بس ممانعتش، اتحركنا ناحية عربية القطر، في نفس اللحظة اللي القطر كان بيتحرك فيها، وبيبدأ رحلتنا، رحلتنا سوا، ووقتها بس فهمت قصد القدر من لعبته معانا، وقتها بس فهمت إننا كان متقدّرلنا نتقابل ونكمّل، بس احنا اللي مكُنّاش شُجعان كفاية عشان نفهم ده ساعتها، إنما دلوقتي احنا فهمنا، واتشجعنا، وقررنا نبدأ رحلتنا سوا..
-"دُنيا؟!"
-"أيوة؟!"
-"أنا.... أنا شكلي كده بحبّك!"
ونكمّلها..
لحد النهاية :')

ليست هناك تعليقات