إبحث عن موضوع

رواية اشواق الحلقة 30

الثلاثين

بدأت تشعر بالدوار وتتباطئ خطواتها رغماً عنها . لازال الغضب يقودها لكن يبدو أن جسدها بدأ يفقد قدرته على الاستجابة ، أنفاسها ثائرة تؤلم صدرها بصداها ، عينيها غائمة لم تعد ترى الطريق بوضوح ، ورغم ذلك تستمر في التقدم .

وصلت للمعمل لتدخل بخطوات منهكة . أشار أحد العاملين ل وفاء : الست اشواق جت .
التفتت وفاء ناحية الباب لتهرول فزعا من شحوب اشواق الواضح : مالك يا اشواق؟
تغاضت اشواق عن الإجابة وتساءلت : عادل فين ؟
وفاء : عادل اهو قدامك . مالك يا اشواق؟

نظرت اشواق أرضا لترى صغيرها ممسكا بكف وفاء ليتخلى عنه ويقترب منها : ماما ...

ولم تتمكن من السيطرة على الظلام الذى يغلف الدنيا حولها لتستسلم وهى تغمض عينيها وتترك جسدها يعلن عن ضعفه وتسقط أرضا فاقدة الوعي .

شهقت وفاء بفزع بينما بدأ الصغير يضرب بقدميه وسرعان ما ارتمى فوق جسدها المسجى  يناديها فعقله الصغير لا يستوعب ما يحدث .

تجمهر العاملين حول اشواق واسرعت إحدى الفتيات بجلب الماء لتبدأ وفاء محاولة إفاقة شقيقتها .

_______________

دخل حسن من الباب ليجد التجمهر وأشواق الساقطة أرضا لينهر الشباب المتجمهرين : انت بتعمل ايه انت وهو ؟ اخفو من وشى .
انفض الشباب وبقيت وفاء تضم رأس اشواق لصدرها بفزع . جلس حسن بجوارها ليقول بحزم : انت اتجننتى يا وفاء ؟؟ سايبة اختك الرجالة تتفرج عليها ؟

لم تجب وفاء بل ضمت الصغير الذى ينادى أمه وهى تنظر ل حسن بفزع ، تنهد بضيق فهى ليست بحالة تسمح له بعتابها ، ضرب وجنة اشواق ضربات خفيفة بلا استجابة .
رفع كفه وتحسس جبينها ليقول : لازم ننقلها الوحدة بس على الله نلاقى دكتور هناك .
رفع رأسه ونظر لإحدى الفتيات : نادى عم حسنين أنا شايف عربيته برة .

اسرعت الفتاة تنفذ بلا مناقشة بينما حمل هو اشواق واتجه للخارج تتبعه وفاء العاجزة تماما عن التحكم في عادل الذى لا يكف عن البكاء والنداء على والدته .

___________

دخل ثلاثتهم للمنزل ليقول عهدى بإرهاق : خلااااص مش قادر .
تضحك هالة : انت تعبت يبقى أنا الكسبانة .
جلس فوق الأريكة : اتفضلى اتشرطى يا ست الكسبانة .

تجلس بجواره بجهة وتجلس فطيمة بالجهة الأخرى . رفع ذراعه بتلقائية وأحاط كتفها لتقول هالة : أنا عاوزة باربى .

ابتسم عهدى فهذا مطلب يسهل تحقيقه ، لكنه حاليا بحاجة ماسة إلى الراحة بعد هذه الجولة فى أنحاء المدينة والتى استنفدت طيلة النهار .
كم يصبو لقرب زوجته ودفء ذراعيها الذى لم يرتو منه بعد ، لكن سعادتها وهى ترى صغيرتها سعيدة تهدأ من عنفوان أشواقه .

لا يمكنه أن يتخيل أن يحرمها صغيرتها لأجل متعته . ومن قال أنه لا يتمتع !! 
إنه يتمتع فى كل لحظة سعادة تعيشها هى ، سعادتها هى متعته الخاصة .
هى أيضا تشعر بالاجهاد لذا لم تمانع ذراعه الذى قربها منه ليرتاح رأسها بتلقائية فوق كتفه .

ظلت الصغيرة تثرثر حول تلك اللعبة التى عليه شراءها وكم كان سعيدا لشعورها بالاريحية وهى تطلب منه دميتها .

رفع كفه يمنعها من الاسترسال : خلاص يا لولو هاخدك تنقى العروسة اللى على كيفك . بس بكرة . النهاردة بجد مش قادر .
عقدت ساعديها لتقول بلهجة آمرة : بكرة .. يبقى تجيب لي ايس كريم كمان
ضحك عهدى: والله داخلة على طمع .عينى ليكى حبيبتي .
نظر ل فطيمة المسترخية فوق كتفه : حبيبتي تعبتى ؟ 
ابتسمت : احلى تعب تعبته فى حياتى .
قبل جبينها وعاد بنظره ل هالة : لولو ادخلى حبيبتي غيرى هدومك على ما الاكل يجى . اوعى تنامى .

قبلته وامها وانطلقت بحماس لتمد فطيمة ذراعها وتضمه بإمتنان لسعادتهم جميعا .
تلفت حوله بريبة مضحكة وهو يقول: عندى حلم عاوز احكى لك عليه .
ضحكت فطيمة: احلام تانى !!!
قطب جبينه بلوم : تانى ايه هو احنا لسه بدأنا ؟
نهضت بنشاط مبتعدة : أجل الحلم بقا بعد الاكل 
ليسرع لاحقا بها معترضا: لا فى حاجات ماينفعش فيها تأجيل .

___________

خرجت الطبيبة من حجرة الكشف فى تلك الوحدة الطبية البسيطة ، اسرع لها حسن وفطيمة لتقول : عندها هبوط حاد . اكيد مابتاكلش كويس .
حسن : تحبى نعمل تحاليل نطمن ؟

ابتسمت الطبيبة فقلما تقابل شخصا واعيا فى تلك البلدة الصغيرة : يكون افضل . بس هى دلوقتي محتاجة محلول وشوية أدوية علشان تفوق وتقدر تروح 
أشارت بيديها للمكان بحرج : وطبعا الحاجات دي مش موجودة هنا .

خطت اسماء ما تحتاجه بورقة وقدمتها ل حسن الذى توجه للخارج فورا . هناك صيدلية وحيدة بالقرية . يتمنى أن يجد بها ما يحتاجه .وأثناء توجهه هاتف نعمان ليخبره ما حدث بإختصار ويطلب منه التوجه للوحدة بسرعة .

***

كانوا على حالهم منذ غادر حسن وتأخر فى العودة . 
هز مرعى رأسه بأسف : شكلها مش عاوزة ترجع الدار .

نظرت له بدور بحزن بينما نظر نعمان وأسماء بأسف فهو لازال يبحث عن طريقة لإلقاء اللوم على اشواق .
لحظات ودق هاتفه ليجيب فورا ، أنهى مكالمته القصيرة ليقول بحدة : اسماء انا رايح الوحدة . أشواق وقعت من طولها وحسن نقلها الوحدة.
انتفضت بدور بفزع : بنتى . خدنى معاك يابنى الله يكرمك .
أشار لها برأسه لتهرول للخارج ويتبعها بينما ظل مرعى على حاله . نظرت له اسماء بأسف : لسه عندك تهم تانية ؟؟
نظر لها نظرة خاوية لتقول : طول عمرنا بنتباها بيك وبحنيتك علينا . مكناش نعرف انك قاسى اوى كدة وممكن تدبح واحدة فينا 

واندفعت للخارج نحو غرفة شقيقاتها .

_____________

استقرت حالة اشواق وافاقت من اغماءها لكن رفضت رؤية بدور ليقف الجميع بالباب وتصر الطبيبة أن تنهى اشواق الأدوية قبل السماح بمغادرتها .

دق هاتف اشواق ليخرجه نعمان من جيبه : أنا نسيت اديه لأشواق .
نظر للشاشة ليرى اسم الحاج حماد فلا يرى بأس من إجابة الاتصال . تعجب حماد من رد نعمان وتساءل فورا عن أشواق ليخبره نعمان أنها ليست بخير .
ويعده بتوصيل البضاعة فى الغد .

***

أنهى حماد المكالمة ليرفع عينيه إلى اسعد الذى اتكأ بذراعيه فوق المكتب ويهمس بغضب : اكيد عملوا فيها حاجة .. ابوها ماكانش طايقنى امبارح 
حماد : يابنى دى بنتهم عمرهم ما يأذوها .
ليبتسم اسعد ابتسامة مريرة : ماتصدقش كل اللى تشوفه عينك يا حج . حاجات كتير مستخبية ورا الصورة اللى بنشوفها .

اعتدل واقفا ليتجه للخارج وهو يخرج هاتفه ويتصل ب نعمان .
أتاه صوت نعمان الخفيض ليعلم أنه ليس بمفرده فيقول برجاء : خلينى اسمع صوتها يا نعمان بالله عليك .

***

نبرة الرجاء بصوته آلمت قلب نعمان ليقول هامسا : بلاش يا اسعد هتجيب لها الغم .
ليرجوه اسعد مرة أخرى: هسمع صوتها بس واقفل مش هتكلم . بالله عليك يا نعمان قلبى بيتقطع .
تنهد نعمان وهو يتجه للغرفة لتوقفه بدور : فى ايه يا نعمان ؟
لم يتوقف وطرق الباب قائلا : اسماء بتطمن على اختها .
دخل من الباب ليمد يده بالهاتف . تناولته لتقول بوهن : ايوه يا اسماء .
لكنها لم تسمع إجابة سوى انفاس ثائرة قبل أن ينقطع الاتصال .
نظرت ل نعمان : مين اللي كان بيتكلم ؟

رفع عينيه ليرى الألم الذى سمعه منذ لحظات عبر صوت اسعد مرتسما بوضوح على وجه اشواق . 
لم يكن ليزيدها عذابا فقال بصوت خفيض : اسعد 

اغمضت عينيها ليغادر نعمان . سمعت إغلاق باب الغرفة لتسمح لدموعها أن تعبر عن تمزق قلبها وهى تشعر بعجزه عن الاقتراب منها في أشد حاجتها إليه .

___________

استقرت اشواق بعد عدة ساعات بالمنزل تحيط بها شقيقاتها بحب ويتعلق عادل برقبتها خوفا من مجهول لا يدركه عقله .
دخلت وفاء تحمل الطعام لتنظر لها بحدة : قولت لك مش هاكل .
هناء : علشان خاطرنا يا اشواق . طب علشان خاطر عادل . يهون عليك ينام من غير عشا؟؟
صمتت اشواق وهى تنظر لصغيرها : عم حسنين زمانه جاى هيجيب لنا زبادى من المعمل .

تنهدت هناء فلا أمل أن تعدل اشواق عن رأيها . هى تراها محقة . لو انها تعرضت من والديها لكل هذا لما دخلت هذا المنزل مرة أخرى .

_________

مرت الساعات وانقضى الليل وفى الصباح التالى هاتف اسعد نعمان يطلب زيارة مرعى مرة أخرى فقد اقتنع بعد وخزات الألم والعجز بالأمس ألا يكف عن المحاولة . 

سيحارب على الجبهتين وسينتصر يوما ما . مهما كان الألم الذى سيجتازه لكنه يوما ما سيحصل عليها.

هى تعانى مثله .لقد تقفى أثرها جيدا وعلم معاناتها مع كامل منذ بدايتها . لم يكن الأمر صعبا ليتحقق منه .

لم يشك للحظة واحدة أنها باعت نفسها لذلك الاخرق . بل كانت ضحيته . براءتها المفرطة هيأت أرضا خصبة لزرع بذور الخوف التى تتغذى عليها نفسه المريضة لينهشها بلا رحمة ولا شفقة .

كلما تعرف على حياتها أكثر ؛ كلما زاد تعلقا بها . فإمرأة فى مثل عمرها . لاقت من شخص كهذا ما لاقته اشواق . ثم أتى ولده ليتفنن فى ظلمها.. ثم بعد هذا كله تتمكن تلك البريئة الضعيفة من بناء كيان مستقل مهما كان صغيرا . فهذا يثبت كم هى صلبة وقوية وإن بدت غير ذلك .

يعشق كل تفاصيلها ويحتاج إليها بشدة ولن يتخلى عن فرصته معها.

_________

اخبر نعمان مرعى عن طلب اسعد متوقعا رفضه فما بدأ من مرعى ليلة الخطبة لا ينبأ بالخير . لكن فاجأه مرعى بقبوله تلك الزيارة .

لم تعد اشواق كسابق عهدها . تتناول الطعام وحدها وابنها ولا تأكل من طعام المنزل . بل وزاد حزن بدور حين بدأت تشترى الخبز أيضا من خارج المنزل .

مرت عدة أيام سافر حسن لعمله واستمرت وفاء بعملها بجوار اشواق التى رفضت حتى الأن التوجه للمركز ويقوم نعمان عنها بتسلم ثمن بضائعها التى بدأت تقل رغما عنها .

___________

وصل اسعد بصحبة عمه وأخيه كأنها زيارته الأولى . حتى وصوله لم يخبر أحد اشواق عن زيارته فوالديها أصبحا متخوفين من رد فعلها تجاه اى حدث .

وصلوا للمنزل وكانت بالمعمل . استقبلهم نعمان على مشارف القرية .
هاتف اشواق أثناء طريق العودة وطلب منها سرعة العودة للمنزل لأمر هام .تعجب اسعد هذه المكالمة : هى اشواق ماتعرفش أننا جايين؟
نظر لها نعمان : فى حاجات كتير حصلت انت متعرفهاش من يوم الخطوبة .
اسعد : كنت حاسس أنهم اذوها . بس ماكنتش اقدر اعمل حاجة .

وصلوا للمنزل ليقابلهم مرعى بتحفظ . بعد فترة وصلت اشواق لتجد اسماء أمام المنزل بإنتظارها : اتأخرتى ليه يا اشواق ؟
توجست اشواق من القلق البادى على شقيقتها : في ايه يا اسماء ؟
انمحت ملامح القلق ليشرق وجه اسماء : اسعد وأهله جوه . جايين يخطبوكى .

صدمت اشواق وكأنها ترفض احياء تلك الذكرى الغير محببة . وكأنها ترفض أن يخرج من المنزل مرة أخرى يحمل إهانة والدها . وكأنها ترفض أن تعيش ذلك الألم بإحساسها بفقده مجددا .

ظلت لحظات تتعامل مع صدمتها لتقول اخيرا : تانى يا اسعد !!

تعجبت اسماء حالتها واسرعت تحيطها وتسير معها للداخل : ماتخافيش نعمان بيقول ابوكى شكله هيوافق . حتى امك دخلت قعدت معاهم .يارب يا اشواق يكون من نصيبك .

تبعتها اشواق كأنها مسلوبة الإرادة . ترى فيم يفكر والدها ؟؟
أيقبل ب اسعد مقابل غفرانها ما حدث ؟؟
وهل تتمكن من غفران تخاذله ؟؟؟

ساعدتها اسماء فى تبديل ملابسها بينما جهزت هناء الضيافة لتحمل هى الصينية وتتجه إلى حيث يجلسون .

دخلت لتتعلق عينيه بها . تبدو حزينة منهكة .. وجهها يفتقد اشراقه .خسرت الكثير من وزنها ، أمر يسهل ملاحظته . 
لم يتمن أن يراها شاحبة هزيلة بهذا الشكل مطلقا .
ترى ما الذى اوصلها لتلك الحالة ؟؟

جلست بعد أن حيت عمه وتجاهلت والديها . جلست بركن عن الجميع .
تحدث جمال اخيرا : يا حج مرعى احنا جايين نطلب بنتك اشواق ل اسعد ابن اخويا الله يرحمه.
نظر مرعى ل اسعد بتأفف : والدتك لسه مش موافقة ؟
شعر بالحرج وهو يهز رأسه نفيا ليقول اكرم : يا عمى اسعد وأشواق مش هيعيشوا معانا . ليهم شقتهم .
مرعى : بس والدتك رافضة بنتى وهتلاقى الف طريقة تضايقها وتعكنن عليها .

نظرت له اشواق بإستخفاف . منذ متى يهتم بهذا الشكل !!!
لقد عاشت اشهر من الإذلال والتحقير مع كامل لم يسأل عنها أحدهم.. وكأنه كان يخشى مواجهة ما اقترقت يداه .
ساد الصمت لينظر اسعد لها : عادل فين ؟
تعجبت سؤاله . ففى لحظة كهذه ينبغى أن تكون لديه اهتمامات أخرى . لكنه يثبت لها مجددا أن اهتماماتها هى اولى اهتماماته .
اجابته ببساطة : مع وفاء فى المعمل .

أومأ متفهما بينما يراقبهما مرعى بحدة. موافقته ورفضه أمرا لن يغير شئ مما يحدث .
هذا الفتى لن يستسلم . وابنته أيضا 

حمحم مرعى وهو ينظر ل جمال : أنا موافق .
انقطعت الأنفاس والكل يتطلع له ليتابع : بس مش جواز . كتب كتاب لحد ما والدتك توافق .قبل كدة لأ.
تهلل وجه اسعد تبعا لتهلل قلبه ولم تتردد بدور واعلنت زغاريدها عن نبأ سعيد ليسرع اسعد مقتنصا الفرصة : موافق طبعا .

رفرفت زغاريد بدور بينما ظهرت اخيرا تلك البسمة الخجلة البريئة التى يعشقها حد الجنون .
لم تظهر أية صعوبات بعد ذلك على العكس تماما ، كان مرعى سلسا متجاوبا لا يرهق اسعد بمتطلبات وشروط مما أعاد ل اشواق ذكرى زواجها الأول .
وذكرى خطبة وفاء التى حضرتها . هذا هو والدها . حين يشعر بقرب تخلصه من احداهن يكون سلسا متفاهما .

كانت فيما مضى تظن أن ذلك رغبة منه في تمام سعادتهن .
لكنها الأن تعلم يقينا أنها طريقته للتخلص مما قد يجلبنه من سوء سمعة ومشكلات لا قبل له بها كما حدث معها تماما .

تم الاتفاق على إعلان الخطبة وعقد القران بعد اسبوع واحد . فابنته أرملة وهو لن يجازف بالمزيد من الأقاويل تنتشر حولها .

غادر اسعد اخيرا حاملا سعادته بين اضلعه وصورتها الباسمة بين رموشه .

__________

عاشت فطيمة سعادة لم تعرفها من قبل . رغم انتظام عهدى بعمله بعد الزواج بأيام قليلة ، ورغم عمله الشاق لكنه كان يجد راحته دائما تنتظره معها .
لم تعد هالة تشعر بفراغ فقدان والدها ، فقد ملء عهدى حياتها ووقتها .
ألحقها بفصل لتعلم الرسم . فكما لاحظ تحب الرسم والتلوين فقرر أن يعمل على تنمية مهاراتها .
عاد ذلك اليوم مجهدا . دخل من الباب ليقابله الصمت . تلفت حوله باحثا عنهما لكن لا أثر .
توجه لغرفة فطيمة ليجدها منكبه على حاسوبها النقال ولا تشعر بوجوده . اقترب ليجلس بالقرب منها منتظرا إدراكها وجوده .
طال انتظاره لينظر للشاشة . إنها تراجع أعمال مكتبها مع تلك الفتاة التى عينتها قبل الزواج.
لم ترفع عينيها عن الحاسوب وقالت بهدوء : خمس دقايق حبيبى أنا خلصت .
رفع حاجبيه وكانت الدهشة من نصيبه : انت حاسة بيا ؟
لم تنظر له وابتسمت : لو ماحستش بيك احس بمين ؟ حاسة بيك من ساعة ما دخلت .
بدأ يفك أزرار بدلته العسكرية وهو يتحرك ناحية الخزانة : فكرتك فى دنيا تانية .

أغلقت الحاسب لترفع عينيه إليه: اى دنيا انت مش فيها تبقى جحيم .
نزع سترته وعلقها بعناية ليعود لها بحماس : ايه ده ؟؟ الكلام الحلو ده ليا ؟

عاد يجلس أمامها متسائلا بجدية : حقيقى يا فطيمة ؟؟ يعنى سعيدة معايا؟
تعلقت برقبته تقربه منها : أنا معرفتش السعادة قبلك يا عهدى . صحيح أوقات فكرت نفسى سعيدة لكن لما عرفتك عرفت إن حياتى قبلك كانت كابوس طويل . بحمد ربنا إنه انتهى على حبك.

قربها منه لينهل من فيض عشقه لها الذى لا يكتفى منه . ابتعد بعد لحظات مختطفا نظرة للساعة الجانبية ليقيم المدة المتبقية من فصل الرسم الخاص بهالة ليقرر أن يستغل كل لحظة متاحة للتمتع بتذوق رحيقها .

___________

عاد اسعد للمنزل هو وأكرم عازمان على المحاولة مرة أخرى ، لعل قلب امهما يلين كما حدث مع مرعى .
كانت بنفس جلستها الاعتيادية تشاهد التلفاز بلا ملل .

جلسا جوارها لتتساءل ساخرة : كنتوا فين كدة انتو الاتنين ؟
تبادلا نظرات قلقة ليقول اسعد : كنا عند أهل اشواق .
تنتفض خديجة كمن لدغها عقرب : تانى اشواق ؟ مش كنا خلصنا من السيرة دى ؟
اكرم : يا ماما اسعد عاوز رضاكى . مش هاين عليه يتجوز غصب عنك 
ضربت على صدرها بفزع : يتجوز ؟؟؟
نظرت ل اسعد : انت هتجوزها يا اسعد ؟ هتغضب امك علشان واحدة خرج بيت ؟
هب اسعد واقفا بحزم : ماما من فضلك . أشواق هتبقى مراتى وكرامتها من كرامتى .
بدأت تربت على رأسها وتنوح : يا ميلة بختك ف ابنك البكرى يا خديجة .. يا شماتة العدوين فيكى يا خديجة .. 

نهرها اكرم برفق : ماما ماحصلش حاجة لكل ده .. اسعد هيتجوز يعنى المفروض تفرحى مش تعددى .
خديجة : افرح !!! افرح ازاى وابنى خرج عن طوعى وهيبيع رضايا .
جثى اسعد على ركبتيه أمامها : يا امى أنا مقدرش ابيع رضاكى . أنا بترجاكى توافقى وترحمى قلبى وترحمينى .

اشاحت وجهها عنه بنفور : وانت ليه مارحمتش حرقة قلبى عليك ؟ ليه مارحمتش كسرة خاطرى وانت بتجوز غصب عني ؟

استند إلى ركبتيها برجاء : يا ماما أنا بحب اشواق إذا مااتجوزتهاش هموت . حتى لو فضلت عايش قلبى هيموت .
نظرت له بسخرية واستخفاف : اعمل اللى تعمله بس قلبى غضبان عليك .
ألقت جملتها بقسوة لتتسع اعينهما معا .

لا أمل في رضاها عن هذه الزيجة . نهض اسعد بتثاقل متجها لغرفته ليلحق به اكرم ويغلق الباب فور دخوله : هتعمل ايه يا اسعد ؟
رفع عينيه له بعجز : يعنى ابوها علق الجوازة على رضا امى . وامى مش هترضا 
اكرم: اكتب الكتاب زى ما قالك ونحاول تانى مع ماما يمكن بعد كتب الكتاب تعرف إن مفيش فايدة فترضا .
اسعد بحزن : ماافتكرش 
اكرم : وفرضنا ماوافقتش . لما الحكاية هتطول ابوها هيخاف يفسخ ويطلقها .
نظر له اسعد ليقول مؤكدا : اسمع كلامى اللى زى عم مرعى ده كلمة توديه وكلمة تجيبه وهو اللى هيغير كلامه ويتمم الجوازة .

استلقى اسعد فوق الفراش يتمنى أن يكون اكرم محقا ليستلقى بجواره : بس ماتزعلش منى يا اسعد . انت اللى وصلت امك للمرحلة دى . عمرك مارفضت لها طلب . كانت تهوش بس وتعمل عيانة تسمع كلامها وتضحى .خلاص اتعودت على انك تضحى ومستنية منك تضحى تانى .

تنهد اسعد بضيق . يعلم أن أخيه محق لكنه أراد برها . لم يرد أن تشعر بالحزن بعد فقدان والده . ظن أنه يحسن صنعا . وقد أحسن صنعا بالفعل لكنه صنع منها شخصية متملكة له ومهما قدم مستقبلا ستظل غاضبة

#اشواق
#قسمةالشبينى

ليست هناك تعليقات