إبحث عن موضوع

منجل الموت

-الوقت فات يابني خلاص.. هنلامس التراب قريب!

                                        ***

بين حيطان شقتها كانت قاعدة بعد ما سابها عيالها الأتنين وسافروا علشان الشغل..
كعادتها الصباحية كانت بتتفرج على التلفزيون وبتتابع الأخبار -الي في الحقيقية مابتعنيش ليها أي حاجة.. بس دايمًا البني آدم  بيحاول  يشغل وقته الفارغ بأي حاجة ودا علشان ماتقتلهوش الوحدة!

فجأة سمعت صوت تلفونها.. أتفاجئت الحقيقة لأن نادرًا ما حد بيفتكرها، بصعوبة ردت على التلفون:
-ألو أزيك يامحمود.. ايه يابني مش ناوي تيجي تزورني أنتَ وأخوك؟
بنبرة مُصْمَتة عن أي تعابير قال:
-الشغل بقى ياحجة.
الأم:
-يابني نفسي أشوف عيالك قبل مايكبروا في الغربة وأموت أنا ومايعرفوش عني حاجة.
الأبن:
-المهم طيب محتاجة فلوس الشهر دا؟
الأم:
-يابني صدقني مش عايزة حاجة غير أني أشوفكم قبل ما المَرض ينهش فيا!
الأبن:
-ما خلاص بقى.. هو أنا في رحلة دا شغل أعمل أيه!

قفل الأبن المكالمة ومهتمش حتى بأن والدته لسه مخلصتش كلامها
                         
                                        ***                                 

قبل ثلاث أيام..
وفي أحد العيادات  كانت "زينب" قاعدة  للأستلام نتائج فحوصتها من أخر مرًة لما  سعلت من بوؤقها دم!

بشائر الخير أختفت تمامًا من وجه الدكتور.. علشان يقول:
-هو حضرتك بتشربي سجاير أو كنت بتشرييها؟

-لا طبعًا يادكتور في أيه طمني؟
زفر الدكتور بضيق وأترنح يمينًا ويسارًا إلا أن قعد على كرسيه:
-حضرتك عِندك كانسر في الرئة! وللأسف في المراحل المتأخرة من العلاج! بس برضوا في أمل، أي نعم الأمل ضعيف بس مفيش حاجة بعيدة عن ربنا..
أجهشت عيني زينب بالدموع:
-الي عايزه ربنا هيكون يابني.
بلع ريقه الدكتور وقال:
-إن شاء الله خير ياحجة أهم حاجة دلوقتي أننا نبدأ بالعلاج علشان نقاوم المرض ونعرف نسيطر عليه قدر المستطاع .

بص لها الدكتور ببلاهة بعد أن قامت من مجلسها وقربت من الباب.. الشيء دا أعرَب عن علامة استفهام جرت في عقله:
-ياحجة زينب رايحة فين؟

وحدتها المنزلية خلت منها قارئة مخضرمة ولذلك وعلشان كده كلامها دايمًا كان مائل إلى الفلسفة وتلفظها بأدق الألفاظ والمعاني:
-طالما قَلِتّ الفروض والأحتمالات يبقى لازم أخد القرار بنفسي مسبش غيره هو الي يتحكم فيه، أنا لو هموت يادكتور يبقى هموت على فرشتي!
                                          ***                                     
 
أتباع المشاعر والأحاسيس وعدم الخضوع للأمر الواقع هو في الحقيقة بمثابة؛ رفض أبليس للسجود لأدم! فهى رفضت علاجها وبكده وجب عليها تحمل نتائج فعلتها إلا لو كان عندها رأي تاني!

لما رجعت من عند الدكتور بثلاث أيام وبعد مكالمتها الأخيرة.. كل دا أترتب عليه الي هتعمله دلوقتي!

أحضرت الكتير من الأدوية و حطيتها على الترابيزة، وجابت كمان كراسة وقلم وبدأت في التدوين:

-مستحيل كنت أعمل كده لو كنتوا جمبي ومعايا، مستحيل هفكر حتى في الي هعمله لو أنتوا موجودين معايا أو على الأقل بتكلموني ومش بتفضلوا الي متحوزينها عليا، كل الكلام دا ملهوش لازمة دلوقتي بس حبيت أقول لكم، أنا عايشة كما الأموات، أنا مش حِمّل عذاب السرطان، ما هو أنا كده.. كده ميتة فملهوش لازمة بقى الألم الي هشوفه، كان نفسي تكون النهاية  أجمل من كده بس خلاص فات وقت التمني وجه وقت التنفيذ.

قفلت الكراسة  ومعاها أنطفئت حياتها المزركشة بغيوم الأنتظار. تناولت زينب كل الي عيناها وقعت عليه من الأدوية من غير أي تمحيص وبلعتهم كلهم..
كانت دلوقتي على أهبة أنتظارها لمنجله الي هيحصد روحها..

فجأة تلفونها رن، وبصعوبة مسكته ومن غير ما تشوف هوية المتصل؛ ردت وسَمِعَت صوت مألوف جدًا لها بيقول:

-ألو اه ياحجة بقولك أنا راجع كمان يومين مصر عشان في شغل وكده.. المهم بقى عايزك تجهزيلي الأكل بتاع زمان كده تمام؟
بصوت مهدج أردفت:
-الوقت فات يابني خلاص.. هنلامس التراب قريب!

وقع الموبايل من ودنها نتيجة لفقدان توازنها..  بدء يتجلى قدامها بكيانه الأسود!
أكيد ذلك المشهد مجازيًا وتخيليًا.. لأن الي شافته زينب من المستحيل وصفه أو حتى تخيله لكنه بالتأكيد أسوء من أي حاجة في حياتك!

طبعًا ندمت زينب على الي علمته، بس وقت الندم دلوقتي بقى ملهوش محل له من الأعراب!
(تمت)


ليست هناك تعليقات